الفصل الثامن عشر 🩷
على عكس تاتيانا التي أبدت ترحيبًا واضحًا، ردّت أمي بنبرةٍ تُخالطها القلق.
“أحقًا؟”
“نعم، فالنتين يُثير أعصابي بشدّة. إنه مزعجٌ لدرجة أنني أحيانًا أفكّر في ضربه بقبضتي على صدره. مجرّد تفكير فقط. أتمنّى لو يشعر ببعض الألم.”
“آه، فهمتُ. كان ذلك ما تعنينه. لم أكن أتوقّع أن تصبحا بهذه القرب خلال غيابي في تشيليابينسك. إنه أمرٌ مدهشٌ من نواحٍ عدّة.”
“يا لها من راحة، يبدو أنه ليس حُبًّا حقًّا. كدتُ أظن أن هرّتنا الصغيرة الجميلة قد وقعت في غرام ذلك الوجه الناعم!”
في تلك اللحظة، تلاشى التوتّر الخفيف الذي كان يخيّم على الجو تمامًا. لا يزالون يتحدّثون عن الحُب؟ لقد أكّدتُ مرارًا أنه لا علاقة لي بذلك، وأخيرًا بدأوا يصدقونني.
ابتسمت أمّي بلطفٍ وهي تمسح شعري، ثم التفتت إلى فاسيلي وقالت.
“فاسيلي، يبدو أن أختكَ الغالية قد وجدت أوّل صديقٍ تشتاق إليه بصدق. يجب أن تساعدها.”
“أعتقد أنني سأحتاج إلى نصيحتكِ يا أمّي.”
“بعد أن رفض تسع دعوات، أظنّ أن بإمكانه الرّد على رسالةٍ عاشرةٍ تتساءل عن أحواله، أليس كذلك؟”
“كنتُ أرى أن ذلك ضروري لتعليم لارا كجزءٍ من تربيتها. سأتولّى الأمر.”
تعليم؟ لا أعرف لماذا، لكن يبدو أن فالنتين قد أصبح معلّمي في كتابة الرسائل. لم يكن هذا ما قصدته على الإطلاق، لكن… رُبّما جذب انتباهه كطالبةٍ قد يكون فعّالًا أيضًا.
“لكن يا أمّي، هل يستحق الأمر كل هذا العناء معه؟”
“ماذا تعنين يا تانيا؟”
“أنا ضدّه تمامًا. لا كزوجٍ ولا كصديق، لا يُناسب لارا بأي شكل. في البداية ظننتُ أنه مجرّد فضولٍ عابرٍ فتركتُ الأمر، لكن بعدما سمعتُ حديثها الآن تغيّر رأيي. في نظري، فالنتين دميتريف ليس من يُمكن كبحه بالضغط من الأعلى. إذا حاولنا فرض علاقة، قد يستغل لارا. بدلًا من تركه بجانبها مع مخاوف المستقبل، أُفضّل…”
“تانيا.”
لم تكن أمّي من قاطع كلام تاتيانا بنبرةٍ حاسمة، بل فاسيلي. لو كان إيفان من تحدّث، لاحتجت تاتيانا على المقاطعة، لكن فاسيلي، إلى جانب أمّي، كان من القلائل الذين تجعل تاتيانا تخفض صوتها طواعية.
“فالنتين ليس رجلًا يُعامل بهذه الطريقة. أتفهّم قلقكِ على لارا تمامًا، لكن من الأفضل ألا تعاديه. هذا طلبٌ وليس تحذيرًا.”
“… لكن أمّي قالت للتو…”ْ
“أمّي تتمنّى فقط أن يراعي فالنتين مشاعر لارا ولو لفترةٍ مؤقّتة. كما قلتُ، إنه جزءٌ من تعليمها. وأنتِ تعلمين أن اهتمام لارا لا يدوم طويلًا.”
شعرتُ بضيقٍ لم أستطع التعبير عنه، فتظاهرتُ بعدم السمع. يبدو أن عائلتي مقتنعةٌ أن هوسي بفالنتين لن يطول.
كم تمنّيتُ لو كانوا محقين. فالشعور بالتعلّق بشيءٍ أو شخصٍ لا أستطيع السيطرة عليه كان أقرب إلى الإحباط منه إلى المتعة.
هزّت تاتيانا كتفيها بعد لحظة تأخّر.
“بالضبط، قلقي ينصب على جانبٍ آخر، لكن… فهمتُ إلى حدٍّ ما. أخي جديرٌ بالثقة.”
“شكرًا لأنكِ ترين ذلك.”
وهكذا، انتهى اجتماع العائلة بعد شهرين إلى قرار “فالنتين سيكون معلم لاريسا في الرسائل لفترةٍ مؤقّتة”. لستُ متأكّدة إن كان هذا “المؤقّت” يعني ردًّا واحدًا أم أكثر.
بدأت الدروس في اليوم التالي مباشرة.
لكن هذه الدروس لم تكن كالتاريخ الإمبراطوري الممل أو دروس اللاهوت أو الحساب التي اعتدتُ عليها. كانت دروسًا بالمعنى الحرفي. ظننتُ أنني أتقنت كتابة الرسائل الأنيقة منذ صغري، لكن أمّي أصرّت على تعليمي من جديد.
ولم تقتصر الدروس على مجرد “تبادل الرسائل”.
[أهم عنصرٍ في بناء علاقةٍ أوليّةٍ هو مراعاة ألا يشعر الطرف الآخر بالضغط. يجب أن تقودي الحديث بسلاسة. تحدّثي عن نفسكِ دون إفراط، واسألي عنه دون استجواب.
اجعلي الرسالة صفحةً واحدةً قصيرة، غير مكتظة. وقبل كل شيء، التزمي بالأدب. فالاحترام المتبادل هو ما يبني علاقةً صلبةً تقاوم العواصف.]
يبدو أن أمي تفاجأت كثيرًا بإرسالي تسع دعوات. وإلا لما بدأت درسًا عن أولى خطوات الصداقة.
بالنسبة لي، كان درسًا يهدم ما تبقى من كبريائي بعد أن سحقني فالنتين، لكن نصائح أمّي كانت مفيدةً في النهاية. أدركتُ مجددًا كم كنتُ فظّةً ومشوشةً في لقائي الأول به. لكن هذا لا يعني أنني نادمة.
كانت هناك ميزةٌ أخرى، هذه المرّة، رد فالنتين مضمون!
لذا قررتُ استغلال هذه الفرصة لجذب اهتمامه بأي طريقة. صديقًا كان أم غير ذلك، المهم أن أنجح.
فتحتُ ورقة الرسالة كمن يستعد لمعركة.
“… حسنًا، لنبدأ.”
لكن لماذا كان ملء صفحةٍ واحدةٍ بهذه الصعوبة؟ كيف أرسلتُ تسع دعوات سابقًا؟ بأيّ عقليّةٍ ملأتُ تلك الصفحات التسع؟
كان الجزء الأصعب هو البداية.
تخلصتُ من تهوّري السابق وبدأتُ بحذر، كأنني شخصٌ جديد، فكتبتُ. [في موسمٍ يزداد دفئًا يومًا بعد يوم، أعتقد أن هذا الاتصال المفاجئ قد أثار دهشتك]، لكن المشكلة جاءت بعدها. لم يكن بيني وبين فالنتين ما يصلح لتبادل أحاديث عابرة، وهذا منطقي.
“عدم إثارة الضغط هو الأهم، أليس كذلك؟”
لا مفر. إن لم أستطع قيادة الحديث بسلاسة، سأركّز على أن هذه الرسالة جزءٌ من درس.
فبينما يقترب فالنتين من حفل بلوغه الشهر القادم، أنا مجرّد طفلةٍ في الثالثة عشرة، لذا لن يضر لو بدوتُ متكلّفة قليلًا.
أتبعتُ التحيّة المقبضة بالآتي. [ليس لدي سوى استفسارٌ نشأ أثناء درس اللاهوت حول النبوءات، دفعني لكتابة هذه الرسالة إليك مباشرة].
ثم أضفتُ أسئلةً تافهة لا يجيب عنها سوى مرسولٍ مثله، تلاها تحويلٌ طبيعي للحديث لأسأل عن فصله أو لونه المفضل. شعرتُ بالقشعريرة وأنا أكتب تلك التفاصيل الصغيرة.
والمدهش أن الرد وصل في ظهيرة اليوم التالي مباشرة، عبر يد فاسيلي.
سلّمني فاسيلي ظرفًا أبيض صغيرًا، ورفعني بين ذراعيه بينما كنتُ أحدق في اسم “فالنتين” على الظرف دون أن أرفع عيني. ثم عضّ خدي بلطف وضحك.
“لم أرَكِ بهذا الفرح منذ زمن. إن أرسلتِ ردًا جيدًا، قد تصلكِ رسالة ثانية.”
لم أفتح الرسالة فورًا. أغلقتُ الباب، دخلتُ غرفتي، وضعتُ الرسالة على السرير، ثم تجولتُ حوله مذهولةً قبل أن أمسكها مجددًا.
‘لماذا يخفق قلبي هكذا؟’
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 18"