الفصل الخامس عشر 🩷
تفاجأت إيما، وكذلك أنا.
بينما كنتُ جالسةً مذهولة، وشعري ما يزال مربوطًا إلى جديلتين، أُحدّق في الخادم، استعادت إيما رباطة جأشها بسرعة، وأزالت الإكسسوارات بهدوءٍ لافت. رغم أن القماش الدانتيل الذي كان يلتفّ فوق رأسي ظلّ كما هو. ثم بسرعةٍ، سلّمت أغراضها إلى خادمة، ومسحت ثيابها باستخفافٍ وأجابت.
“لا، ادخله.”
“نعم.”
بعد مغادرة الخادم، هرعت إيما نحوي وبدأت في نزع اللؤلؤ من شعري بسرعة.
“صاحبة السمو، قلتِ إن لديكِ أعمالًا معه، أليس كذلك؟ توقيتٌ مثاليٌّ. سأفسح لكِ المجال للتّحدّث هنا.”
هنا؟ بالطبع كان لديّ أعمال— جذب انتباهه للتّخلّص من هذا الهوس.
لكن هنا، في هذا المكان؟ لم يكن لدي خطّةٌ أو استراتيجيّةٌ مُعدّة. وفي تلك اللحظة، سمعتُ صوت حركةٍ جديدة، فوجدتُ خادمةً تقترب بسرعةٍ لتضع صينية شايٍ ومقبلاتٍ على الطاولة.
ثم، خطوات. حين دخل فالنتين، كانت آثار الثلج غير المُذاب تزيّن كتفيه. نزع قبعته وهزّها عدّة مرّاتٍ لتتساقط الثلوج، ثم أمسك بصندوق هديةٍ ملفوفٍ بإحكامٍ في يده. ما زال يرتدي معطفه، وكان يبدو أن نيّته الوحيدة هي توصيل الهدية والمغادرة.
لم يكن هناك أي علامةٍ على التوتّر أو الإثارة عند زيارته لخطيبته دون إخطار— لا توجد إشاراتٌ على التوتّر أو الدفء. كانت عيناه التركوازيّتان الهادئتان تمسحان الغرفة قبل أن تستقرّ عليّ مباشرة، وتتوقّف فجأة. كانت نظراته تقول “ماذا يحدث هنا؟”، لكنني يبدو أنني قد اعتدتُ على نظراته الجريئة لدرجة أنني لم أتمكّن من جمع الطاقة لمواجهته بشأنها.
“مساء الخير، آنسة تولستوي و…”
انحنى فالنتين بأدبٍ نحو إيما قبل أن ينظر إليّ.
كنتُ أميل لتجاهله، مُتذكّرةً الغيرة التي عبّرتُ عنها من قبل، لكن في بيت شخصٍ آخر، لم يكن أمامي خيار سوى أن أُبادله التّحية.
“مرحبًا، فالنتين.”
“يبدو أن صاحبة السمو كانت تستمتع.”
شعرتُ بموجةٍ غريبةٍ من الإحراج، فمررتُ يدي على شعري المربوط عاليًا.
“يا إلهي، هل بدأ الثلج يتساقط بالفعل؟ إذا كنتَ لا تمانع، هل ترغب في الانضمام إلينا؟ كانت الأميرة وأنا نتناول الشاي للتو.”
“لا، كنتُ فقط في طريقي مرورًا. هذه هدية شكرٍ لدعوة التّجمّع الأخيرة.”
تسلّمت إيما الهدية بابتسامةٍ دافئة.
“لم يكن عليكَ القيام بذلك، لكن شكرًا. لا بُدّ أنني محظوظةٌ للغاية، فقد تلقّيت لَفتَاتٍ رقيقةٍ من كلاكما من أجل مثل هذه الأُمسيّة المتواضِعة.”
“لا بُدّ أن صاحبة السمو زارتكِ لأسبابٍ مشابهة، أليس كذلك؟”
“نعم.”
زوجان متوافقان.
كانت هذه أوّل فكرةٍ خطرت لي أثناء مشاهدتي لهما يتفاعلان.
وأدركتُ للتو، فالنتين طويلٌ للغاية. ربما لأنه لم يسبق لي أن رأيته واقفًا سوى بجانب فاسيلي وإيفان، فقد بدا جسده مهيبًا نوعًا ما مقارنةً مع قامة إيما الرقيقة.
بدا فرق الطول بينهما كطول رجلٍ بالغ. وبالاستناد إلى وقفته بالقرب من فاسيلي، لابد أنه يزيد عن 185 سم.
لأوّل مرّة، وجدتُ نفسي أتمعّن في فالنتين ككل، لا مجرّد أجزاء.
كان وجهه الممشوق يشعّ بتوهجٍ يقترب من كونه ساحرًا. رغم أن فكّه القصير ورقبته النحيلة لا يزال يحملان لونًا شابًا، إلا أن نظرته الهادئة كانت تنضح بنضجٍ يطغى على أيّ بقايا من الطفولة.
لتلخيص الأمر: فالنتين، حين رأيتُه ككل، كان أجمل قليلًا —قليلًا جدًا— ممّا عندما فحصتُه في أجزاء. الأمر كان يُزعجني.
بينما وضعت إيما صندوق الهدية على الطاولة، وقف فالنتين أمامي. اضطررتُ إلى رفع عنقي بشدّةٍ لدرجة أنني شعرتُ بتعب. كانت عيناه الضيقتان تفحصانني بنوعٍ من الوقاحة التي لا تخلو من استهتار.
“أنا لستُ هنا لأنني أغار.”
“لم أقل شيئًا بعد.”
مُتجاهلًا إيما وهي ترتب كعكة البيض الصغيرة، اقترب فالنتين قليلًا وهمس بتحدٍّ.
“ألا تزالين تحملين مشاعر؟”
نغمته الهادئة كانت تفضح الاستفزاز، مما جعل رباطة جأشي تتناثر في لحظة.
“وكيف لا أكون؟”
“كانت مُجرّد مزحة. من فضلكِ تجاهليها. لم أتوقّع أن أراكِ مجددًا في منزل تولستوي.”
ألا يفهم فالنتين ما المزحة؟ الجُمل التي ترميها عابرًا، ثم تعود لتقول “أوه، كانت مزحة”، لا تُعتبر مزحات في المقام الأول.
مع ذلك، لم أستطع إنكار أن اعتذاره المُتأخّر قد بدا وكأنه يزيل شوكةً من داخلي.
سرعان ما وصل إبريق شايٍ دافئ، وسلّمت إيما الهدية التي جلبها فالنتين إلى خادمة. كان من المؤكّد أنها ستؤخذ إلى غرفتها على الفور. رؤيتها سعيدة حقًا جعلني أشعر بتحسّنٍ أيضًا.
“كُن لطيفًا مع الآنسة إيما، فالنتين.”
ظلّ فالنتين، الذي كان يميل برأسه ويداه متشابكتان، يحدق فيّ دون أن ينطق بكلمة، ثم ابتسم ابتسامةً ذات مغزى.
“على عكس مظهرها، الآنسة إيما لسانها خفيفٌ للغاية.”
يا إلهي! كيف كنتُ غبية؟ لقد غفلتُ تمامًا عن أن خطبتهما كانت أمرًا خاصًا. عذرًا، إيما. أفضل خيارٍ الآن هو التظاهر بعدم المعرفة.
“كل ما قلتُه هو أن تُعامل الآنسة إيما جيّدًا.”
“وأنا فقط ذكرتُ أن لسانها خفيف.”
ما أزعجني…
“لا تَفشَلُ في مفاجأتي، فالنتين.”
“هل أفعل؟”
“كيف تجيد جعل النّاس يفقدون تماسكهم هكذا؟”
ضحك فالنتين على تعليقي، بينما اقتربت إيما من خلفه.
“أعتذر. يبدو أن هناك خطأً في أوراق الشاي. ستجلب خادمةٌ شايًا جديدًا قريبًا، لذا من فضلكما انتظرا قليلاً.”
“الهدية التي جلبتُها أيضًا أوراق شاي. إذا لم تمانعي، آنسة إيما، يمكنكِ استخدامها.”
“يا إلهي، هل فعلتَ؟ في هذه الحالة، لا أستطيع ترك الأمر للخادمة. بما أن الهدية منكَ، أيها الكونت، سأقوم بفحصها بنفسي. سأُعدّها وأعود حالًا!”
بعد مغادرة إيما الغرفة، جلس فالنتين بجانبي. اقتربت خادمةٌ لأخذ قبعته ومعطفه، لكنّه رفض مرّةً أُخرى.
مرّر يده المغطاة بالقفاز على الثلج الذي بقي على كتفه، لكن الثلج قد ذاب بالفعل إلى قطرات، سقطت إحداها على الأرض.
تابعَت عيناي حركات يده بلا وعي. وهنا لاحظتُ شيئًا مفاجئًا.
كانت يدَي فالنتين ضخمة. كانت كبيرةً بما يكفي لتغطية معالم وجهه الممشوق والمناسب تمامًا— بل وأكثر من ذلك. وكان الحال نفسه بالنسبة لقدميه. كان حذاؤه، الذي كان موضوعًا بجانب حذائي، يبدو أكبر من حذائي مرّتين على الأقل.
‘هذا غير متوقّع.’
هل افترضتُ لا شعوريًّا أن يديه وقدميه سيكونان رقيقين ومتقنين مثل وجهه؟ لا بُدّ أنني وقعتُ في فخّ تحيّزٍ بالٍ دون أن أُدرك.
انتقلت يده المغلفة بالقفاز الأسود برشاقة، لتستقر على مسند ذراعه بجانب يدي. بالطبع، كانت يده تضاهي يدي مرتين على الأقل من حيث الحجم. كان الأمر يشبه مقارنة يد عمٍّ مع يد طفل. لسببٍ ما، جعلني أشعر وكأنني أفقد مسابقةً غير مرئيّة، وكان لديّ شعورٌ قويٌّ بأنني أريد سحب يدي على الفور.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"