لم يكن من الصّعب استنتاج مصدر استيائه، سلسلةٌ لا تنقطع من التّوبيخ (والتحذيرات) التي وجّهها لي. ومَن غيري؟ أنا، بالطّبع.
[رصاصةٌ واحدةٌ فقط، وسأحميكِ، فلن تُصابي بأذى. لكن بالنّظر إلى طولكِ، من الأفضل أن تنحني قليلاً أكثر… تأثّرِي… ابكِي…]
رغم تحذيره الواضح، كان غضبه نابعًا من تصرّفي الشّجاع بحمايته. لكن، ماذا كان بإمكاني أن أفعل؟ أنا أُحبّكَ، فالنتين. حتّى لو عاد الزمن، سأُكرّر نفس الفعل بلا شك.
لكنني ما زلتُ أفتقر إلى الشجاعة لأعترف بحُبّي. الآن، جسدي مُنهَك، ولا طاقة لي للغرق في تعقيدات التّفكير، لكن من لحظة شروق الشّمس غدًا، سأبدأ بتعذيب نفسي بالهموم. هذه الليلة، لا أُريد التّفكير بشيءٍ على الإطلاق.
بينما كنتُ أزمّ شفتي عاجزةً عن فعل شيء، بدا أن جبين فالنتين قد تجعّد قليلًا.
‘آه…’
لم يكن وهمًا. غضبه كان واضحًا حتّى في يديه اللتين تعقمان الجرح المُخاط بعناية. حركاته لطيفةٌ ودقيقة، لكنّها بشكلٍ غريبٍ تُشعرني وكأنّه يضغط عليّ عمدًا.
‘يبدو الأمر مُؤلمًا بعض الشّيء…’
أليس من المفترض أن يكون ألطف قليلًا، خاصّةً وأن كتفي مثقوبة؟ لم يكن ذلك بسببه، لكن منذ أن تلاشى النّعاس، بدأتُ أتصبّب عرقًا باردًا.
جسدي مُرهَقٌ فعلًا، وبما أن فالنتين يتجاهل تأوّهاتي، أغمضتُ عينيّ واستلقيتُ دون حراك، مُتظاهِرة باللامبالاة.
“سموّكِ لاريسا.”
كنتُ أتحمّل الألم المتقطع بصرّ الأسنان. لم يكن الأمر يعني شيئًا كبيرًا، بل كان احتجاجًا صامتًا بأنه إذا تجاهلتني، سأتجاهلكَ أيضًا. لكن…
“سموّكِ، لا تمزحِي. لقد أعدتُ لفّ الضمادات، يُمكنكِ الرّاحة الآن.”
عندما سمعتُ صوت فالنتين الذي أصبح فجأة مُتلهّفًا، شعرتُ بمزاجي يتحسّن. هل يُمكن أن أشعر بالسّعادة لهذا السّبب؟ بينما كنتُ أكبح ضحكتي، بدأ فالنتين يهزّني بقوّةٍ أكبر.
“سموّكِ لاريسا.”
كان هناك خوفٌ واضحٌ في صوته.
منذ اللحظة التي شعرتُ فيها برعشةٍ خفيفةٍ في يده التي كانت تُمسك بذراعي اليسرى، بدأتُ أشعر أن شيئًا ما خطأ. بدا مُرتبكًا وهو يتحسّس من معصمي إلى جبهتي، يمسح العرق البارد، ثم تحدَّثَ بصوتٍ مضطربٍ تمامًا، خالٍ من البرود السّابق.
“أعتذر، سموّكِ. لقد أخطأتُ. أنتِ تعلمين أنني كنتُ أعبث قليلًا، أليس كذلك؟ لقد عانيتِ من الحُمّى لأربعة أيّام…”
لم أستطع مقاومة الشّعور بالذّنب، فرفعتُ جسدي على الفور.
“لا شيء، أنا بخير! أنا… آه، آخ! أنا بصحّةٍ جيّدة، فالنتين. كنتُ فقط أرتاح قليلًا!”
تقابلَت عيناي مع عينيه الفارغتين. بينما كنتُ أنظر إليه بقلقٍ وهو متجمّدٌ كأن الزّمن توقّف، انزلقت يده الكبيرة التي كانت تُغطّي جبهتي ببطءٍ لتمسح وجهي.
ثم عانَقَ فالنتين خصري.
‘ماذا؟’
كانت حركته لطيفةً للغاية لدرجة أنني لم أفقد وعيي من الصّدمة. بسبب البطانية التي لفّتني بعنايةٍ كما لو كنتُ هديّة، لم يكن هناك أيّ تلامسٍ مباشرٍ بيننا، لكن المشاعر انتقلت بوضوح.
نظرتُ إلى فالنتين الذي يُعانقني وكأنّه يُغطّيني بجسده، بشعورٍ غريب، ثم رفعتُ يدي بحذرٍ ومرّرتُها على شعره الفضّي. شعور الشّعر النّاعم الذي يتدفّق بين أصابعي دغدغ قلبِي.
‘كنتَ قلقًا جدًّا.’
لم أكن لأمزح لو علمتُ.
أشعر وكأنني ارتكبتُ شيئًا فظيعًا…
بينما كنتُ أُفكّر في كيفيّة تغيير هذا الجو، اخترتُ أحد السّؤالين اللذين كانا يدوران في ذهني. ماذا حدث في الصّلاة العلنيّة؟
“فالنتين، ما الذي أعجبكَ في أوكسانا؟”
…لا، ليس هذا.
‘ليس هذا!’
هل يفسد العقل عندما نقع في الحُبّ؟ قرّرتُ تأجيل هذا السّؤال قبل عشر ثوانٍ فقط، فكيف أنطق به بهذه السّرعة؟ هل ذكائي يحتاج إلى ثلاثين ثانيةٍ على الأقل ليتماشى لساني مع عقلي؟
حاولتُ تغيير السّؤال وكأن شيئًا لم يحدث.
“كنتُ أمزح للتّو. كيف سارت الصّلاة العلنيّة؟ قلتَ إن أربعة أيّامٍ مرّت بالفعل.”
أرجوك، تَظاهَرْ بأنّكَ لم تسمع. حتّى لو سمعتَ، تَظاهَرْ بأنّكَ لم تفعل.
بعد صمتٍ قصير.
“لقد أسرنا أكثر من عشرة متمرّدين، بما في ذلك الكاردينال، وهم الآن تحت الاستجواب. ستّةٌ منهم كانوا من بين الأشخاص الذين اخترتِهم، سموّكِ.”
“…ستّة؟”
حقًّا؟ ردّدتُ بصوتٍ لا يُصدِّق، فرفع فالنتين، الذي كان مستندًا على ذراعيه، جسده ونظر إليّ وهو يهمس.
“لقد أحسنتِ.”
شعرتُ بقلبي يرتجف من المديح اللطيف.
“حسنًا، إنّه أمرٌ أساسي. كما تعلم، ذاكرتي جيّدةٌ نوعًا ما.”
“هل تُريدين معرفة لماذا سأتقدّم لخطبة أوكسانا من عائلة إيلين؟”
أردتُ الهروب.
لكن على يميني كانت ذراع فالنتين القويّة التي تضغط على السّرير، وعلى يساري كانت ساقه التي تتدلّى بخفّةٍ على حافة السّرير، مُحاصِرةً إياي.
مهما أدرتُ رأسي، لن أتمكّن من إخفاء تعبيري عن فالنتين الذي ينظر إليّ من الأعلى. إذا لم أستطع الهروب، يجب أن أُواجه. أومأتُ برأسي بصوتٍ خافت.
“نعم.”
لم أستطع النّظر إلى وجه فالنتين مباشرة. شعرتُ وكأنّه يبتسم.
“حقًّا؟ هل يُزعجكِ الأمر؟ لدرجة أنّكِ تسألينني عنه فور استيقاظكِ؟”
“…نعم.”
تحرّكت يده، التي كانت مُستلقيةً بهدوءٍ على ساقه، لـتلمس وجهي. عندما حاولتُ إجباره على مواجهتي، منعني بقوّة، ثم سمعتُ ضحكةً خفيفة. خفّف قبضته وكأنّه يقول إنه يفهم وضعي ولا يجب أن أُجهد نفسي، ثم مسحَ أذني بلطف.
“لقد أحسنتِ.”
أحسنت؟ ماذا؟
من تلك اللحظة، بدأتُ أغرق في أفكارٍ خطيرةٍ للغاية. أردتُ أن أُعانقه وأفرك خدّي به وأنا في هذه الحالة.
منذ متى بدأنا ننظر إلى بعضنا؟ رموشه التي ترمش ببطء، نظرته الدّافئة، والجوّ المتوتّر بشكلٍ غريب. شعرتُ بانجذابٍ قويٍّ لا يُمكنني مقاومته.
هل يشعر فالنتين بنفس الشّيء؟
في لحظةٍ قبضتُ يدي دون وعيٍ من الرّعشة التي لا أستطيع تحمّلها.
“آخ.”
انكمشتُ فجأةً من ألم كتفي.
في الوقت نفسه، تبدّد الجوّ الغريب الذي كان يفصل بيننا، كأنّما انقطع حبل التوتّر.
“سأذهب لأرتاح الآن. سأستدعي الآنسة فيدورا، لذا لا تجهِدِي نفسكِ ونامِي. سأواصل التّوبيخ لاحقًا.”
رفع فالنتين ذراعه واستدار مُبتعِدًا عني. بينما كان يبتعد بخطواتٍ واسعة، توقَّفَ فجأة، ثم عاد وأمسك البطانية وغطّى رأسي بها تمامًا.
“سنلتقي غدًا.”
انتَظِرْ.
هل هذا كلّ شيء؟
إذن، ما سبب خطبتكَ لأوكسانا؟
لم أستطع السّؤال مجددًا، رُبّما لأن النّعاس الذي كنتُ أُقاومه انهمر عليّ دفعةً واحدة.
‘أشعر برغبةٍ في ركل البطانية.’
لكن لم يكن لديّ الطّاقة لذلك. سمعتُ صوت الباب يُغلق بهدوء، وغفوتُ كأنني أسقط.
* * *
في اليوم التّالي عند الظهيرة.
ما إن فتحتُ عينَي حتّى وجدتُ أمامي رسولاً يحمل رسالة.
<إلى سمو الأميرة لاريسا الموقّرة،
هذه أوّل مرّةٍ أخاطبكِ فيها كتابيًّا، أليس كذلك؟ أشعر بارتياحٍ عميقٍ لاستيقاظكِ بعد أربعة أيّام.
أظنّ أن هذا الاتصال المفاجئ قد أثار دهشتكِ. أكتب إليكِ بشأن رغبتي في لقائكِ في شخارانسك، ممّا دفعني للتعجيل قليلاً.
أرجو أن تسامحيني على عدم لقائكِ في القصر الإمبراطوري وجرأتي على دعوتكِ إلى شخارانسك. لقد أوكلتُ الدعوة إلى شخصٍ موثوق، لذا أرجو ألّا تُفصحي عنها لأحد، وركّزي على التّعافي.
التعليقات لهذا الفصل " 105"