أمام عينَي، ظهر فالنتين وبدأ بقتل عنكبوتٍ بمضرب. اتّضح أن العنكبوت كان ليبرتان، مُختبِئًا لاغتيالي. بنظرةٍ واحدة، حوَّلَ فالنتين ليبرتان إلى حبّة عنبٍ مُتفجّرة، ثم نظر إليّ وابتسم.
“هل ترين مَن أنا؟”
بالطّبع أرى. أجبتُ بثقة.
“أنتَ فالنتين.”
رسم تعبيرًا غريبًا، وبعد قليل، ظهرت مجموعةٌ من الجراد الأخضر. يا إلهي… الجراد يُحيط بي… أُريد الموت… دعني أموت هكذا…
بجانب فالنتين، الذي كان يُلوّح بالمضرب بصعوبة، تجمّع الحلفاء. فاسيلي، إيفان، تانيا، وفيدورا، يلوّحون بمضارب تنسٍ ويصطادون المتمرّدين الذين تحوّلوا إلى جراد.
“لارا… هل أنتِ مُستيقظة؟”
“لارا، انظرِي إلى هنا.”
شعرتُ بالضّيق من إزعاج إخوتي.
“توقّفوا. قاتلوا بسرعة! الجراد… الجراد سيدخل تحت بطانيتي…”
“جراد؟ مِن أين جاء الجراد فجأة؟”
“الجراد… متمرّدون خضرٌ كبار. مُقزّزون جدًا…”
ضحك أحدهم وهو يمسح أنفه.
“حصار! لقد حاصرنا الجراد! الجراد سيطوقنا. الكل، تراجعوا، تراجعوا!”
“لا، لا يُمكن…!”
“مشكلةٌ كبيرة! بدأ الجراد يتسلّق ظهر الأميرة لاريسا! قائد الجراد يُهاجم لاريسا… أخ.”
مِن مكانٍ ما، سمعتُ صوت صفعةٍ قويّةٍ على الظهر.
“كفى، إيفان. هيا، لنعد. مِن الأفضل أن ندعها تنام أكثر.”
لا تذهبوا. ماذا عن الجراد؟ المتمرّدون!
إذا استمرّ الأمر هكذا، فإن جيش الجراد المتمرّد سيُدمّر القصر… كان القصر يطفو فوق بحرٍ من السُكّر القطني. تدفّقت رائحةٌ حلوة مع الأمواج إلى الغرفة. ‘لا، صاحبة السمو!’ ألقيتُ يد فيدورا بعيدًا وقفزتُ من النّافذة. يا إلهي، انظري إلى كلّ هذا السُكّر القطني! كم هو حلو؟ اقتلعتُ حفنةً من الأمواج ودفعتُه في فمي. انظري، إنه حلوٌ لدرجة تؤلم الأسنان…
‘هم؟’
حلو… يُفترض أن يكون كذلك.
لمَ فمي جافٌ هكذا؟
فتحتُ عينَيّ فجأة.
بينما كنتُ أهدئ أنفاسي، رأيتُ السّقف المألوف. جسدي ثقيلٌ بشكلٍ لا يُصدّق، لكن بحواسي الحيّة، من الواضح أنني لم أمت بعد.
‘ما هذا؟’
شعرتُ كأنني حلمتُ حلمًا مُعقّدًا للتو، لكنني لم أتذكّر شيئًا.
‘أشعر بالعطش…’
ويا إلهي. حقًّا، يا إلهي.
ذراعي تؤلمني بشكلٍ لا يُصدّق!
“ها…”
نظرتُ حول الغرفة.
هل كان الليل؟ كانت الغرفة المظلمة مضاءةً بمصباحين أصفرين فقط.
“فيدورا! هل أنتِ هناك؟”
مهما صرختُ أو رننتُ الجرس، لم تظهر فيدورا. عندما حاولتُ رفع جسدي لترطيب حلقي، خرجَت صرخة.
“آخ.”
كان مصدر الألم كتفي وذراعي اليمنى الملفوفين بالضمادات. هززتُ رأسي بقوّة، مُتحمّلةً الألم بصعوبة، وفحصتُ حالة جسدي.
“ما هذا… ما هذا المنظر؟”
شعرتُ ببرودةٍ عند صدري، بل شعرتُ بالبرد. بسبب علاج كتفي، كنتُ أرتدي ثوب نومٍ رقيقٍ بحمالاتٍ رفيعةٍ فقط.
‘هذا هو جرح الرصاصة.’
يا إلهي، هل حقًا كرةٌ صغيرةٌ واحدةٌ تُسبّب ألمًا يجعل عينيّ تدمعان؟ يا لها من راحةٍ أن فالنتين لم يُصب.
‘…فالنتين بخير، أليس كذلك؟’
ماذا رأيتُ قبل أن أفقد الوعي؟
أعتقد أنني رأيتُ إرهـ.ـابيًّا مجنونًا مُحاصرًا بين الحرّاس مثل الساندويتش. لكن، رُبّما كان ذلك الحدث ضمن ذكريات فالنتين المُتوقَّعة…
لم يعمل دماغي، لذا خرجتُ من السّرير. الماء، اعطوني الماء. زحفتُ كالجثّة حتّى وصلتُ إلى الطّاولة. لاحظتُ أن أحد الكوبين مُلقَى على الأرض، ممّا يعني أن شخصًا ما كان في غرفتي حتّى وقتٍ قريب…
صرير.
كما يقول المثل، تحدَّثْ عن الأسد وسيظهر. مِن خلف الظل، فتحَ أحدهم الباب ودخل. ابتلعَت الماء بنهمٍ لتهدئة عطشي ونظرتُ نحو الباب.
“فيدورا، أُريد عصير عنب…”
أُريد أن أشرب.
فجأة، انسدَّ حلقي. لقد تقابلَت عيناي مع فالنتين، الذي كان يقف عند الباب يُحدّق بي بهدوء.
غادر الغرفة دون كلمة.
في حيرتي، كنتُ سأتبعه، لكنني شعرتُ فجأةً ببرودة جلدي العاري وتجمّدتُ. عندما أنزلتُ عينيّ، رأيتُ ثوبًا قد يُلبس بين الأخوات أو الأم وابنتها، رخيص، غير رسمي، يكشف حتّى منحنياتي… آه… لا…
‘هذه المرّة، أُريد الموت حقًا.’
ابتلعتُ الدّموع التي تجمّعت في عينيّ وتسلّلتُ بهدوءٍ إلى السّرير. عصير العنب وكلّ شيء، اختفت شهيتي الضئيلة تمامًا.
بعد قليل، فُتح الباب مجددًا. بذلتُ جهدًا كبيرًا لأُصدر أنينًا.
“ماذا أفعل، فيدورا… ماذا أفعل…”
ماذا أفعل.
لقد عاد فالنتين…
بينما كنتُ أُدير عينيّ في ذعر، اقترب فالنتين من جانب السّرير. شيءٌ ما غريب. كان وجه فالنتين الوسيم شاحبًا بشكلٍ لا يُصدّق. كان أنحف مما أتذكّره، وبشرته وعيناه مظلمتان، ممّا جعله يبدو أكثر إرهاقًا.
هل حدث شيءٌ أكبر أثناء فقداني للوعي؟
بينما كنتُ أتردّد في فتح فمي خوفًا، جلس فالنتين بجانبي. ما إن شممتُ رائحته الهادئة حتّى شعرتُ بدفءٍ يحتضن كتفي. فتحتُ عينيّ في ذعرٍ كأن قلبي سينفجر.
“مـ- ماذا تفعل؟”
أجاب بتعبيرٍ هادئٍ إلى درجة القسوة.
“ذراعكِ اليمنى لا تزال ضعيفة. سأُساعدكِ، ارفعِي رأسكِ.”
“…لا، يساري يكفي. اعطِني إياه.”
“غير كافٍ. ارفعِي رأسكِ.”
حقًا، ليس كذلك. لقد أفرغتُ كوب ماءٍ بيدي اليسرى للتو؟
اسمي لاريسا. الأصغر بين أربعة أشقّاء، نشأتُ بفطنةٍ لا يُحسد عليها.
تُخبرني تجربتي أن فالنتين الآن لا يجب استفزازه أبدًا. أرخيتُ جسدي وفتحتُ فمي بطاعة. ابتلعتُ عصير العنب الحلو دون أن أعرف إذا كان يمرّ بحلقي أم أنفي.
بعد ذلك، ظَلَّ الجو مُتوتّرًا.
كأنّه عَبَرَ صحراء بعيدة، أفرغ فالنتين إبريق الماء دفعةً واحدة، ثم التقط شيئًا من الزّاوية وعاد ليجلس بجانبي.
مقص، ضمادات، مُطهِّر، مرهم… ظننتُ أن طبيبًا سيصل، لكنّه بدأ بفكّ ضمادات كتفي بمهارةٍ بمفرده. شعرتُ بالحرج من نفسي وأنا أحتضن البطانية لأُغطّي جسدي، بينما كان وجهه جافًّا وباهتًا.
مع قسوته التي تجاوزت الحزم، شعرتُ بألمٍ في أنفي. الألم بحدّ ذاته محزن، لكن أن يجعلني فالنتين أشعر بالحزن أيضًا، هل ارتكبتُ خطيئةً كبيرةً إلى هذا الحد؟
“لستُ أبالغ. مؤلم حقًا. يلسع لدرجةٍ تجعلني أبكي…”
“يجب أن أن تكوني ممتنّةً لأن الجرح انتهى بهذا القدر. آه، بالطّبع، صاحبة السمو لن تعتقد ذلك. كيف يُمكن لـمَن تجاهل كلامي وألقى بنفسه أن يعرف شعور الامتنان؟ رُبّما تشعرين بالأسف لأنّكِ لم تموتي. لكن ماذا نفعل؟ قد يكون ذلك مؤسفًا بالنّسبة لكِ، لكنني، بينما يُمكنني رؤيتكِ معاقة، لا أستطيع رؤيتكِ ميّتة. إذا فقدتِ ساقًا، سأجعلكِ تعيشين بدونها. إذا فقدتِ ذراعين، سأجعلكِ تعيشين بدونهما. لذا، استمرِّي في التّصرّف بتهورٍ كما تفعلين الآن. أنا أيضًا فضوليٌّ إلى أيّ مدى يمكنني الذهاب. هل ستكون كتفكِ اليسرى التّالية؟”
التعليقات لهذا الفصل " 104"