انتظر جاريد صامتًا أمام روزلين. كان يأمل أن تطرح المزيد من الأسئلة، لكن روزلين صمتت، وكلما طال الصمت، ازداد الأمر سوءً.
فكر جاريد: “ازدادت صعوبة مقاومة الرغبة الملحة في التخلص من تلك التبريرات المتلاطمة المتراكمة في داخلي، والتذرع بعذرٍ بائس. جزء مني ندم على ذلك. ما كان ينبغي لي أن أخبرها عن الإمبراطورة. هذا أمرٌ لا يعرفه أحدٌ غيري. كان بإمكاني أن أُعيد صياغة الأمر بطريقةٍ مختلفة. لقد خدعتُ روزلين طوال هذا الوقت لأنني لم أرِد أن أؤذيها. والآن، السبب الذي دفعني أخيرًا للاعتراف بكل شيء هو أن الخداع أصبح ثقيلًا جدًا ومُقززًا جدًا، لدرجة أنني لم أعد قادرًا على تحمله. في النهاية، كانت الحقيقة هي التي جرحتها. إذًا، هل كنتُ أحاول حقًا التخفيف من شعوري بالذنب من خلال إيذائكِ؟”
بدأ جاريد يتساءل إن كان هذا هو الصواب حقًا: “لكن مهما تأملتُ، لن أستطيع إصلاح ما فُعل. فالجريمة المحتجزة في الزمن تبقى خالدة في الماضي، لا تتغيّر. وفي الحاضر، محكوم عليّ بالمعاناة والتخبط بسببها. ربما كان هذا هو العقاب الحقيقي على الخطأ.”
غير قادر على تحمل صمت روزلين، وجد جاريد نفسه على استعداد لفعل أي شيء إذا سامحته فقط.
نظر جاريد إلى روزلين، مُخفيًا قلقه. وتمتم في نفسه: “جلست أمامي، مُلتفةً بشال أزرق باهت فوق فستان نوم أبيض. جعلني حضورها النقي أشعر بالضآلة. ومع تعلق رائحة الطعام والنبيذ بي، شعرتُ بأنني غير نظيف بالمقارنة. ظلت صامتة ببرود. جلستها المستقيمة، وذقنها المرفوعة، وعيناها المتجهمتان، كما كانت دائمًا. لكن خلف ذلك الوجه الهادئ، كانت تستجمع كلماتها، وتفرز غضبًا لم تعرف من أين تبدأ بعد. استطيع أن أقول إنها لم تعد ترغب في أي علاقة بإصلاح قانون الأسرة، وأنها لن تساعدني أبدًا. كنتُ مستعدًا لذلك. كنتُ متأكدًا من أن هذا ما أغضبها أكثر من أي شيء آخر. لم يكن الأمر يتعلق بالماضي فحسب، بل بالحاضر. حاضرها.”
ولكن عندما تحدثت روزلين أخيرا، كان ما خرج من شفتيها غير متوقع على الإطلاق.
“هل أشبهها؟”
فاجأ السؤال جاريد.
لم يكن لدى جاريد أدنى فكرة عما تعنيه روزلين، ولم يستطع تخمين نيتها. وعندما رفعت روزلين عينيها ببطء لتلتقيا بعيني جاريد، كانت تلك القزحية الرمادية الفضية هادئة بشكل غريب، مما زاد من توتر جاريد.
“هل لهذا السبب تزوجتني؟ لأنني ذكّرتكَ بها؟”
“روزلين”
“هل مازلتَ تحتفظ بعطرها؟ ماء الورد في درجكَ.”
للحظة، ظن جاريد أنه أخطأ في السمع، شعر بخدر في لسانه، لم يستطع جاريد إنكار ذلك، ولم يستطع حتى أن يسألها كيف عرفَت.
فكر جاريد: “كانت صورة تفتيشها سرًا لأشيائي سخيفة للغاية، حتى أن تناقضها كان بمثابة لكمة.”
“أنتَ حقًا… رومانسي، أليس كذلك؟”
ابتسمت روزلين ابتسامةً مريرة.
فكر جاريد: “ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ خفيفة، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها. وجدتُ ضبط النفس هذا، مجددًا، مثيرًا للإعجاب.”
“أعرف لماذا تزوجتني. أعرف ما أردتَهُ مني، والدور الذي كان متوقعًا مني أن أؤديه. عشتُ حياتي كلها على هذا النحو. لم أُشكك يومًا في أن هذه هي الحياة التي كان من المفترض أن أعيشها.”
كان صوت روزلين هادئًا، وكلماتها متعمدة، وواضح أنها كانت قد نظمت أفكارها منذ فترة طويلة وحملتها في صدرها لبعض الوقت.
“ليس لديّ أحلام. لم أطمح قط لتحقيق أي شيء عظيم. كل ما أعرفه هو كيف أعيش الحياة التي وُهبَت لي، متمسكةً بالمكانة التي أُعطيَت لي. ولم أشعر قط بمثل هذا الشعور من قبل.”
“أنتِ لستِ مثيرًة للشفقة. أنتِ تُؤدّين دوركِ أفضل من أي شخصٍ آخر.”
“ماذا لو لم أعد قادرةً على ذلك؟ ماذا لو أصبحتُ عديمة الفائدة؟ إذًا ما أنا؟”
“لماذا تعتقدين ذلك؟ أنتِ أفضل من أي شخص آخر.”
“وماذا لو لم أنجب وريثًا؟ لو لم أستطع أن أكون الدوقة التي يُتوقع مني أن أكونها، لو لم أستطع مساعدتكَ بأي شكل، هل كنتَ ستتقدم لي للزواج؟”
صمت جاريد.
نظر جاريد إليها محاولًا ضبط أنفاسه، تمتم في نفسه: “كانت روزلين مضطربة بشكل واضح الآن.”
“لو كنتُ عقيمًا… لو لم أكن أتمتع بنعمة سيدة… لو لم أكن ذات فائدة لكَ على الإطلاق… هل كنتَ ستظل ترغب في الزواج مني؟”
لم يُجب جاريد.
لم يكن السؤال بحاجة إلى أي جواب، فكانت إجابته بديهية. لو لم تكن قادرة على الإنجاب، ولو لم تكن تتمتع بالرقي المتوقع كدوقة، لما أُعتُبرت مرشحة للزواج من الأساس. روزلين كانت تعلم ذلك. ولهذا سألت.
“لكن تلك المرأة… كنتَ تريدها على أي حال، أليس كذلك؟”
فكر جاريد: “والآن أصبح بإمكاني أن أرى بوضوح ما الذي جرحها أكثر.”
“أردتَها مع أنها كانت ستُشكّل عبئًا عليكَ، لا عونًا، شيئًا قد يُدمّركَ. ما زلتَ تريدها. حتى أنها تركتكَ، ومازلتَ تريدها.”
لم يكن لدى جاريد كلمات. لم يُرِد الصمت، لكن لم يكن هناك ردّ أفضل. شعر بأنه كرجلٍ مُجرّد من ملابسه في ساحة معركة. لا مكان للاختباء، ولا رغبة في الاختباء.
“إيفلين…”
لم يكن جاريد يعلم ما إذا كان انحباس أنفاسه بسبب نطق روزلين بالإسم، أو بسبب النظرة على وجهها أثناء نطقها بالإسم.
“حتى الاسم… يبدو مثل اسمي…”
فقدت روزلين رباطة جأشها على الفور. احمرّت عيناها فجأةً، وانهمرت دموعها دون توقف. راقبها جاريد، فشعر بألم حاد في صدره، ولكنه شعر أيضًا، بطريقة ما، براحة غريبة.
فكر جاريد: “ارتياح. شعرتُ به وأنا أشاهدها تبكي. لأن هذا يعني أنها لن تغادر. لأن ما أرادته… هو أن أقول بأنني أُحبّها لأنها تُحبّني.”
“أنا… أريد أن أكون محبوبًة أيضًا.”
فكر جاريد: “هذا ما تريده؟ لا أن تتركني. لا أن تعاقبني. بل أن أقول بأنني أحبها.”
“أريد أن أؤذيكَ كما آذيتني. أريد أن أجعلكَ تنتظر. أريدكَ أن تحملني في قلبكَ… طويلًا جدًا.”
فاضت روزلين بالحقيقة بين شفتيها المرتعشتين وحاجبيها المقطبين. لم تكترث لدموعها التي انهمرت على خديها.
تمتم جاريد في نفسه: “أنها جميلة جدًا. أكثر من أي وقت مضى، كانت روزلين الآن أجمل ما رأيتُ في حياتي.”
“للمرة الأولى… أريد أن أكون مرغوبًة، ليس كبديل لشخص ما، ولكن فقط لكوني أنا…”
وخزته الكلمات، لأن جاريد أيضًا كان يتوق إلى الشيء نفسه.
دائمًا ما يُختار الناس، أو يُرفضون، لفائدتهم. لكن الجميع يأمل أن يكون هناك شخص واحد على الأقل يرغب بهم لما هم عليه.
لم تستطع روزلين المتابعة. غطت وجهها بيديها وارتجفت.
متجمدًا، نظر إليها جاريد، وأراد أن يقول: “أريدكِ. أحتاجكِ أكثر من أي شخص آخر. لأنكِ أنتِ. أُحبُّكِ.”
جاءت الكلمات إلى ذهن جاريد طبيعيةً لدرجة أنه لم يستطع نطقها بصوت عالٍ. في تلك اللحظة، وروزلين ممزقة، مكسورة، ستبدو وكأنها كذبة. وسيلة للهروب من الحطام الذي كانا فيه. لم يُرِد جاريد ذلك.
لم يكن جاريد يريد التقليل من قيمة تلك الكلمات.
أراد جاريد أن يقولها حين تكون ذات معنى، حين تهدأ المشاعر، حين يستطيع أن يجعلها تشعر بحقيقتها. لذا، وقف صامتًا.
لم يستغرق الأمر سوى ثلاث خطوات للوصول إلى روزلين.
فكر جاريد: “لم يكن من الممكن إجراء المزيد من المحادثة. كان من الأفضل تهدئتها وإعادتها إلى الفراش.”
ظلت روزلين تبكي حتى اقترب جاريد منها.
ركع جاريد على ركبة واحدة أمامها، وتردّد. لم يسبق لجاريد أن طمأنَ امرأة تبكي. بحذر، مدّ جاريد يده ولفّها حول كتفها.
عندما تراجعت روزلين وتجاهلته، انخفض قلب جاريد.
مسحت روزلين دموعها وحدّقت في جاريد. امتلأت عيناها المغرورقتان بالدموع باللوم. لكن جاريد شعر بالراحة مجددًا.
فكر جاريد: “لم يكن كرهًا، بل ألمًا. لم يكن ازدراءً، بل ألمًا.”
وهكذا التقى جاريد بنظراتها بنظرة واحدة. وفكر: “ورغم أن عينيها كانتا تلمعان حزنًا، إلا أنها لم تثر غضبها. كان بإمكانها ذلك. كان بإمكانها أن تصفني بالوغد الأناني، وكنتُ سأستحق ذلك. لكنها لم تقل شيئًا.”
ثم، وروزلين تلهث من شدة البكاء، تقلّصت.
“آه…”
انحنت روزلين، ممسكةً بطنها. بدت الحركة بطيئةً بالنسبة لجاريد، بعينيها الواسعتين، وشفتيها المفتوحتين، والارتعاش يسري في جسدها.
“ما هذا؟”
“بطني… هناك خطب ما…”
في اللحظة التي تحدثت فيها روزلين، قفز جاريد على قدميه.
لقد أصبح ذهنه باردًا في لحظة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 148"