كان صوت جاريد هادئًا، منخفضًا، ساكنًا، ذكيًا، لكنه حمل نبرة باردة زادت من شكوك روزلين بنفسها. مجرد سماعه جعل قلبها يرتجف وأنفاسها تتقطع. تمتمت روزلين في نفسها: “كيف يُمكنني التحدث معه بهذه الطريقة؟ لهذا طلبتُ منكم ألا تخبروه. أخبرتكم أنني سأنام باكرًا. لماذا تتجاهلون كلامي؟” كافحت روزلين لتجميع مشاعرها المضطربة. ورغم أنها كانت مستلقية في سريرها ساكنة كما لو كانت نائمة، لم يتراجع جاريد. كان جاريد يعلم أن روزلين لم تكن نائمة، فوقف عند الباب المفتوح، صامتًا، منتظرًا بإصرار أن تتكلم. وبسبب ذلك، لم يستمر الجمود طويلاً. “سأشغل الضوء.” “لا.” استسلمت روزلين أخيرًا مع تنهد خفيف. “سأخرج. لنتحدث في الخارج.” خلعت روزلين الغطاء وجلست، دون أن تنظر ولو للحظة إلى الدوق الواقف عند المدخل. ارتدت نعالها ولفت شالاً حول كتفيها. أرادت أن تحافظ على كرامتها. لم تستطع الجلوس في السرير كمريضة وهي تناقش خطيبة زوجها السابقة. دخلت روزلين ببطء إلى غرفة المعيشة وجلست على الأريكة. فكرت روزلين: “كان الجلوس منتصبًا أكثر هدوءً من البقاء في السرير، لكن بالمقارنة مع الدوق الذي يجاورني، بدوتُ في حالة يرثى لها. بدا جاريد، العائد للتو من المأدبة، في غاية الأناقة. عن قرب، شممتُ رائحة عطره المألوفة، الممزوجة برائحة النبيذ.ومع ذلك لم تظهر على وجهه أي علامات سُكر أو حتى إرهاق. معطف أسود طويل. ربطة عنق حريرية زرقاء داكنة. أزرار أكمام فضية. حذاء أنيق. مظهره الأنيق جعلني أشعر بالصغر والهشاشة.” تشبثت روزلين بحافة شالها كما لو أن طبقة القماش الواحدة كفيلة بإخفاء نقاط ضعفها. “تكلم.” لقد بدأت روزلين حديثها أولاً، ليس لتمنح جاريد اليد العليا، وليس لتبدو ضعيفة. “لا أعرف من أين أبدأ. لا أعرف كم تعرفين بالفعل.” فكرت روزلين: “يا له من أمرٍ مُفاجئ! ظننتُ أن ابنة خالتكَ ستخبركَ بهذا.” رفعت روزلين عينيها وحدّقت في جاريد. ووبّخت نفسها من الداخل: “لا تبالغي في انفعالكِ. لا تُظهري ذلك. لكنها لم تستطع. “طلبتُ من الكونتيسة ألا تخبركَ بشيء. توسلتُ إليها… ومع ذلك…” “لم تكن فيكتوريا.” كلمات جاريد غير المتوقعة أسكتت روزلين. كان قلبها ينبض بقوة. “كانت الإمبراطورة. أخبرتني. ذهبتُ إلى القصر بعد الظهر.” لم يُشيح جاريد بنظره عنها. في النهاية، كانت روزلين هي من اضطرت إلى إغماض عينيها، وقد علقت كلماتها في حلقها. فكرت روزلين: “لم أتخيل قط أن الإمبراطورة ستكون من تُخبره. لم أُدرك حتى أنهما قريبان بما يكفي لإجراء هذا النوع من الحديث. والأسوأ من ذلك، أن ما هو مؤلم حقًا هو إدراكي أن الإمبراطورة قد كشفت حقيقتي. حاولتُ جاهدةً إخفاء الأمر. ظننتُ أنني نجحتُ. لكن الأمر كان واضحًا جدًا لشخص آخر. كان ذلك مُهينًا. شعرتُ بالعجز.” “إذًا… ما الذي تريد قوله بالضبط؟” لم تشعر روزلين بمثل هذه الشفقة في حياتها. تمتمت روزلين: “الرقة والرقي اللذان اكتسبتهما طوال حياتي، تلك الريشات الجميلة، بدت متناثرة وبلا فائدة. شعرتُ وكأنني كطائرٍ مُهمَل. وهذا زاد من استيائي منه. لولاكَ، لما انتهى بي الأمر هكذا.” “هل تريد أن تعترف بأنكَ كذبتَ عليّ؟” “روزلين.” “وعدتني. قلتَ إنكَ لن تُخفي عني شيئًا بعد الآن. مهما حدث، ستخبرني بكل شيء.” ارتجف صوت روزلين، وتسربت إليها مشاعرها. لم تعد قادرة على إخفاء استيائها. “ومع ذلك، ها نحن ذا. الجميع كان يعلم إلا أنا. أبناء عمومتكَ، زوجاتهم، والدتكَ، كبار عائلتكَ. حتى جلالة الإمبراطورة كانت تعلم…” “أنا آسف.” اعترف جاريد بذلك دون مقاومة. وهذا، قبل كل شيء، أعاد روزلين إلى الصمت. ركّزت روزلين على إبطاء أنفاسها، محاولةً السيطرة على ارتعاش صدرها. “اسأليني. أي شيء. لا أعرف مدى معرفتكِ. لذا اسأليني أي شيء تريدين معرفته، وسأخبركِ بكل شيء.” تحدّث جاريد بهدوء، دون تردّد. هدّأها ثباته قليلاً. خفف عدم إنكاره من حدة العاصفة التي كانت بداخلها. “حسناً، لنتحدث بهدوء.” قامت روزلين بتقويم كتفيها وعمودها الفقري بوعي. “هل التقيتَ بها هنا العام الماضي؟” “نعم.” أجاب جاريد دون تردد. كانت روزلين تشك في الأمر بالفعل، لكن سماع تأكيده كان بمثابة طعنة في صدرها. “كيف حدث ذلك؟” “أرسلت الإمبراطورة رسالة إلى ماكسفيل. قالت فيها إنه يجب إعادة كاتبة تريسن الشهيرة المقيمة في الخارج إلى الوطن ودعمها. والكتاب الذي رأيتيه في مكتبي أرسلته هي أيضًا.” “فهل كان ذلك مجرد صدفة؟” “ليس تمامًا.” توقف جاريد. نبض قلب روزلين أسرع. “كنتُ أعرف من هي الكاتبة.” “كيف؟” “تعرفتُ على أسلوبها في الكتابة. استخدمَت اسمًا مستعارًا، لكنني كنتُ أعرف أسلوبها. لو لم أكن مُدركًا لذلك، لما ذهبتُ. كان بإمكاني رفضها بسهولة مع عذر.” فكرت روزلين: “أن تعرف كاتبة من خلال نثرها فقط. كم يجب على المرء أن يُقدّر كلمات أحدهم ليفعل ذلك؟” لم تستطع روزلين أن تتخيل ذلك. وهكذا شعرت باليأس. واصلت الحديث، محاولةً البقاء باردة. “لماذا طلبت منكَ الإمبراطورة دعم الكاتبة؟” كان صوت روزلين جادًا. نظر إليها جاريد، وكأنه مندهش من ملاحظتها هذه النقطة. “لا أعتقد أن الأمر كان يتعلق بالدعم الأدبي فقط. لقد استدعَت الكاتبة من الخارج، بل حتى استدعتكَ إلى القصر. لا بد أن الأمر كان أكثر من ذلك.” “أنتِ على حق.” أومأ جاريد برأسه وأجاب دون تردد كبير. “أرادت الإمبراطورة استخدام الكاتبة للدفع نحو إصلاح قانون الأسرة.” “قانون الأسرة.” روزلين أصبحت متيبسة. “كانت تنوي أن تكتب روايةً تكشف عيوب القانون الحالي. كتابٌ لكاتبة مشهورة سيجذب اهتمام الجمهور ويُشكّل الرأي العام.” وأوضح جاريد بنبرته الهادئة المعتادة. “احتاجت الإمبراطورة رينريس إلى حافزٍ لدفع عجلة الإصلاح، فاختارت دينيس هاول لتكون تلك الأداة. كان عمها يملك حقوق نشر كتبها، فاستدعتها. وأُستدعيتُ أنا باعتباري راعيها المزعوم.” حتى في ذهولها، فهمت روزلين الموقف. وبينما كانت تُجمّع خيوط الأحداث، بدأت كتفيها ترتعشان. خدرت قدماها في نعالهما. لقد كانت روزلين خائفة من السؤال التالي، ولكن كان عليها أن تسأل. “ثم… هل هذا هو السبب الذي يجعلكَ تدعم الإصلاح الآن؟” تلاشى صوت روزلين، تاركًا السؤال معلقًا. جلسا متقابلين قطريًا، غارقين في صمت. عرفت روزلين أن جاريد متردد. وهكذا عرفت إجابته. “طلبتُ من الإمبراطورة ألا تدعها تغادر.” لكن روزلين لم تكن تتوقع هذا النوع من الإجابة. “كانت تخطط للعودة إلى كينغستون مع حبيبها. لم أُرِد ذلك. لم يكن ذلك هو القرار الصائب، لكنني لم أستطع التفكير في خيار آخر. الإمبراطورة هي الوحيدة القادرة على تلبية هذا النوع من الطلبات.” حاولت روزلين أن تفكر. لا، حاولت ألّا تفكر: “لم أرِد أن أفكّر في قلبٍ لم يستطع التحرر من ذلك حتى بعد سنوات. هذا الشعور غمرني، وأنا تأعلم أنها مع شخصٍ آخر. أردتُ أن أُصدّق أن كل شيءٍ كان في الماضي، قبل أن أدخل حياته. حاولتُ أن تبقى عقلانية. لكن….” “ثم… احتجزتها الإمبراطورة؟” “نعم، لبضعة أيام فقط.” فكرت روزلين: “لم أكن أعلم كيف منعت الإمبراطورة المرأة من المغادرة. كنتُ أعلم أن ذلك كان إساءة استخدام للسلطة، بل غير قانوني. لكن هذا لم يكن ما دمّرني حقًا.” “كان ذلك مقابل دعمي للإصلاح.” تمتمت روزلين في نفسها: “ما أنا إذاً؟” “لقد أصبحتُ بيدق الإمبراطورة في مكانها.” تمتمت روزلين في نفسها: “بعد كل شيء… ماذا كنتُ؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 147"