أُقيم الحفل في القاعة الكبرى بالجناح الغربي للقصر. كانت أكبر قاعات الاستقبال الثلاث في القصر، ومخصصة للمناسبات الكبرى. آخر مرة استُخدمت فيها كانت للاحتفال بعيد الميلاد الثلاثين للدوق السابق، هارولد غلين. في ذلك اليوم، حضر جاريد بصفته الأخ الأصغر للدوق. كانت القاعة الكبرى تعجّ بنخبة المجتمع وشخصيات بارزة من عالم الأعمال. كان ماكسفيل يعجّ بالحماس لعهد الدوق الجديد، مفعمًا بالأمل والترقب. ولكن بعد أقل من ستة أشهر، حدث ما لا يمكن تصوره؛ فقد انتهت حياة الدوق الشاب مبكراً.
[من غير المعقول أن يرث الأكبر كل شيء لمجرد ترتيبه في النسب. ألسنا جميعًا أبناء آبائنا بالتساوي؟ حق البكورة تقليدٌ بالٍ وغير عادل، ويجب أن ينتهي مع جيلنا.]
كان هارولد مُصِرًّا على تقسيم الألقاب الثلاثة عشر وجزء من ثروة العائلة بين شقيقيه الأصغر. ورغم معارضة شيوخ العائلة الشديدة، صمد في موقفه. ومع ذلك، أثناء تفقده البارونية التي كان ينوي نقلها إلى ماركوس، الأخ الثاني، لقي هارولد حتفه بشكل مأساوي في انفجار ديناميت في منجم. بما أن هارولد لم ينجب إلا ابنة صغيرة، فقد انتقل اللقب بطبيعة الحال إلى ماركوس. إلا أن ماركوس لقي حتفه في حادث، تاركًا اللقب للأخ الثالث، جاريد غلين، الذي لم يحلم قط بأن يصبح دوق ويندبرغ. منذ تلك اللحظة، انقلبت حياة جاريد رأسًا على عقب.
وقف جاريد عند نافذة الطابق الثاني، يُحدّق في قاعة الرقص بالأسفل. كانت القاعة الكبرى الفسيحة تنبض بالحياة مع الرقص على أنغامه. رقص الضيوف بلا كلل، وملأ ضحكهم وثرثرتهم الأجواء كما لو أن الليل لن ينتهي. أما جاريد، فقد نظر إليهم بنظرة تعب وانعزال. بعد أكثر من ساعتين من الاختلاط، احتاج جاريد إلى استراحة. بدأ مفعول الكحول الذي تناوله بدافع التهذيب يُظهره، كانت عيناه مثبتتان على قاعة الرقص المفعمة بالحيوية في الأسفل.
كانت غرفة الاستقبال هذه تقع في مكانٍ ناءٍ من العقار. أي شخصٍ لا يعرف تصميمها سيجدها بصعوبة، لذا عندما فُتح الباب فجأةً، تأكد جاريد من أنه شخصٌ يعرفه. وكان على حق.
“ما الذي تفعله هنا؟”
دخلت فيكتوريا وأغلقت الباب خلفها. لم يُجب جاريد، بل ركز نظره على فستانها الأرجواني الداكن.
“تراقب من الأعلى الآن؟ ألم تجدها بعد؟”
كان جاريد منهكًا جدًا لدرجة أنه لم يستطع الرد على سخريتها، فنظر إليها فقط. ألقت ثريات القاعة الكبرى المتلألئة ضوءً دافئًا عبر النوافذ.
“الفتاة ذات الحذاء الزجاجي، ألم تجدها بعد؟”
سخريتها جلبت ابتسامة خفيفة على شفتيه. ابنة خالته الحادة والمتمردة لم تُفوّت فرصةً لمضايقته، وقد أعجب جاريد بذلك. كانت سمةً مشتركةً بينهما.
“حسنًا، أظن أنها موجودة في مكان ما، لكن هناك الكثير من النساء اللواتي لا يمكن التركيز على أحذيتهن.”
“لم تبذل جهدًا كافيًا، يا صاحب السمو.”
“لماذا لم تساعديني في النظر؟”
“لماذا أفعل ذلك؟ أنتَ من دبر هذه الفوضى العارمة.”
سخرت فيكتوريا، واقتربت وهي تنظر إلى خاتم الدوق في إصبع جاريد يلمع في الضوء. كان الخاتم، المنقوش عليه شعار الدوق، من الأشياء التي كان يرتديها دائمًا. ومن الغريب أن هذه العادة لم تبدأ إلا مؤخرًا، منذ عودته إلى ويندبورغ في مارس.
“حسنًا، أنتَ من بدأ هذا، لذا من الأفضل أن تُنهيه كما ينبغي. من يدري؟ قد تجد إمرأة مميزًة. التقيتُ بوادزورث في حفلة راقصة، على أي حال.”
“لو استطعتُ أن أعيش مثل الكونت والكونتيسة بنفورد، لأعتبرتُ نفسي محظوظًا. ماذا عسى أن يتمنى أحدٌ أكثر من ذلك؟”
“صحيح، سأعترف بذلك.”
إبتسمت فيكتوريا. كانت هي ووادزورث معروفين بسعادتهما الزوجية، وهو اتحاد نادر ومشهود بين الطبقة الأرستقراطية. كان جاريد يحترم وادزورث بقدر ثقته به.
“هل كان حبًا من النظرة الأولى؟”
سأل جاريد.
“ربما بالنسبة له. ليس بالنسبة لي.”
“فكيف حدث ذلك؟”
“كان مُصِرًّا… يُرسِلُ الزهور إلى منزلي، ويطلب دعواتٍ لشرب الشاي. في البداية، كان الأمر مُضحكًا بعض الشيء.”
“رومانسي، رغم ذلك.”
“لا يزال رومانسيًا. يعرف كيف يُسعد المرأة.”
“هذا مثير للإعجاب.”
“لقد كنتُ محظوظًة، على ما أعتقد.”
“ولكن هل كنتِ ستتزوجينه لو لم يكن الابن الأكبر؟”
ترددت فيكتوريا قليلًا، لكن ليس طويلًا. لم يكن سؤالًا صعبًا، بل كان تلميح جاريد هو ما جعلها تتوقف.
“ربما لا. كنتُ أفضل ابنة، على أي حال.”
جاء اعتراف فيكتوريا الهادئ مصحوبًا بضحكة خفيفة. ردّ جاريد بصمت، وهما يقفان جنبًا إلى جنب عند النافذة، وثريات قاعة الرقص الضخمة تلمع خلفهما.
بين أبناء النبلاء، كانت هناك دائمًا فئتان. الورثة والبدلاء. الابنة الأفضل والبنات الفائضات، الأبن الوريث والأبناء الإحتياطيين. عندما كان جاريد ابنًا صغيرًا، لم تكن أي عائلة ترغب في الزواج منه. حُفظت أجمل البنات وأكثرهن وعودًا للورثة، تم ترك البقية يتنافسن على فرص أقل.
للتوضيح، لم يكن جاريد مهتمًا بتلك البنات أيضًا. لم يجد النساء النبيلات جذابات بشكل خاص، ولم يتخيل أبدًا بناء حياة مثالية مع إحداهن. المرأة التي رغب بها يومًا ما كزوجة لم تكن من أصل نبيل. كان هذا جزءً من تمرده. كان جاريد متأكدًا من أن ازدراءه للنساء النبيلات ليس تحيزًا، بل وجهة نظر. ولأنه نبيل، كان يعرفهن أكثر من أي شخص آخر. كانت أغلب بنات النبلاء أشبه بطيور الزينة، تربين في ظروف صارمة. فإلى جانب مظهرهن الجميل وأخلاقهن المهذبة، لم يكن لديهن في كثير من الأحيان ما يقدمنه. ونظرًا لافتقارهن إلى التفكير المستقل، كن إما ساذجات جدًا أو حساسات جدًا، راضيات بالعيش في بيئاتهن المريحة. كان جاريد يسأل دائمًا، ما الجاذبية التي قد يحملها هؤلاء الأشخاص، رجالًا كانوا أم نساءً؟
“حسنًا، انظر إلى هذا،”
قالت فيكتوريا، قاطعةً أفكاره. وأشارت إلى قاعة الرقص.
قاطعها جاريد، ورفع نظره إليها. ظلّ تعبير فيكتوريا ثابتًا، غير منزعجة إطلاقًا من مقاطعته. كانت من القلائل الذين لم يخشوه، مما زاده إصرارًا على إيجاد طريقة لإنهاء هذه المحادثة نهائيًا.
فكر جاريد: “ماذا عساي أن أقول لأضمن عدم تطرقها للموضوع مجددًا؟”
لم يرغب جاريد في العودة إليه، أبدًا.
“إنها مجرد نتيجة لتسوية فاشلة.”
قال جاريد في النهاية.
فكر جاريد: “لماذا لم تستطع هذه الكلمات أن تفلت مني، لم أستطع أن أفهم…”
♣ ملاحظة المترجمة: سبب يأس جاريد من النساء بشكل عام الآن هو خيبة أمله في إيجاد إمرأة صادقة ومخلصة وشريفة. كان جاريد يرفض البنات النبيلات لأن أغلب الزوجات النبيلات يرتكبن الزنى بعد الزواج، يعني يتخذون عشاق، وجاريد كان يشعر بالاشمئزاز منهن لهذا السبب. رأى كل النبلاء والنبيلات لديهم عشاق وعشيقات بعد الزواج وعلاقات فاسدة. لذلك قبل ثلاث سنوات خطب امرأة من عامة الناس لأنه أراد زوجة مختلفة عن النساء من حوله، لكن جاريد لم يكن لديه حب عميق تجاه خطيبته في ذلك الوقت ولم يبذل جهد ليجعلها دوقة له لأن تلك المرأة كانت لديها عيوب كثيرة، ولذلك كحل أخير لوضعها، قام جاريد بتقديم اتفاقية ما قبل الزواج لها، كانت الاتفاقية تحتوي على شروط، الشرط الاول تنجب له طفل ذكر خلال عشر سنوات واذا فشلت في انجابه يتم الطلاق، أما الشرط الثاني فهو أن تترك العمل ككاتبة ولا تعمل أي شيء. المرأة رأت أن جاريد يحاول يقبلها مع وضعها المتدني وسلوكها كدوقة، ولكنه في اعماقه لم يكن مقتنع بأن الأمر سينجح، لذلك رفضت التوقيع وغادرت. بعد فسخ الخطوبة، جاريد لم يبحث عن خطيبته السابقة ولا تواصل معها، كان الشعور الوحيد الذي لدى جاريد هو الشعور بالوحدة، الشعور بكونه وحيد وبلا رفيقة. كل الذين حوله يتملقوه لأجل منصبه.
بالمناسبة، الشعور بالوحدة ليس له علاقة بالحب. الرجل عندما يقع في حب المرأة سيحميها ويقدرها ويضعها اولوية على كل شيء. جاريد لم يفعل أي من هذا لخطيبته السابقة.
جاريد عانى من حياة وحيدة منذ الطفولة، عندما أصبح عمره سبعة سنوات تم ارساله لمدرسة داخلية وبقى فيها حتى الدخول للجامعة، وقبل ذلك كان تحت يد المربية، يعني لم يرى جاريد محبة أمه ورعايتها له واهتمامها به. لذلك عندما بلغ واصبح رجلًا تمرد على والديه، اختار خطيبة من عامة الناس لمخالفة كلام أمه.
حتى أم جاريد التي هي ديانا غلين، قالت لخطيبته السابقة: “جاريد شاب متمرد وغاضب عليّ، لهذا اختاركِ خطيبة له.”
وسوف ترون ذلك في الفصول القادمة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"
التفاصيل في هذه الرواية، اذهلتني لاكون صادقه.
حتى الشرح مكتوب لنا، وهذا دليل على اخلاص المترجمه
كل الشكر لك. واااصليي✨✨✨🤎