أول مرة دخلت فيها إيفنيا إلى منزل غيلينزيك كانت بدافع الحاجة إلى المال.
كانت امرأة فقيرة. فقدت والدها في سن مبكرة، وعندما بلغت الرابعة عشرة أصبحت ربّة الأسرة واضطرت إلى إعالة والدتها المريضة.
قالت إن مسقط رأسها، وهي بلدة ريفية صغيرة، كان مكانًا هادئًا، لكنه لم يكن مكانًا يكفي فيه مال فتاة صغيرة. كانت بحاجة إلى الكثير من المال لشراء الدواء لعلاج والدتها.
وعندما بلغت السابعة عشرة، ذهبت إلى مدينة كبيرة لجمع المال، واستطاعت بسهولة أن تصبح خادمة لدوق غيلينزيك.
كانت دوقية غيلينزيك تُعد من العائلات العريقة التي أصبحت ركيزة أساسية في البلاد. كانت محظوظة جدًا لكونها استطاعت أن تصبح خادمة في قصر كهذا من البداية، حتى دون رسالة توصية.
فضلًا عن ذلك، لم يكن تعامل الدوق مع موظفيه سيئًا.
ومع ذلك، مهما كان التعامل جيدًا، فإن راتب الخادمة لم يكن كريمًا في أي مكان. ومهما ادخرت من راتبها، لم يكن يكفي لتغطية تكاليف علاج والدتها ومعيشتهما في مسقط رأسها.
جلبت تعاسة الفتاة، التي كانت تحظى بسمعة طيبة بين أصحاب العمل، شعورًا بالأسى لدى كثيرين.
لم يكن هناك من يعرف مأساتها، رغم أنها كانت معروفة برقة أخلاقها وإتقانها لعملها في قصر عائلة غيلينزيك.
ثم، ذات يوم، بدأ الناس يتساءلون إن كانت تنفق مصروفها الصغير على فنجان شاي جميل، أو دانتيل بسيط لكنه أنيق،
أو غطاء وسادة مزهر لطيف.
[في هذه الأيام، تهتم إيفنيا كثيرًا بمكياجها.]
[هذا طبيعي. إنها فتاة يافعة، أليست كذلك؟]
[ومع ذلك، يبدو أنها تنفق الكثير مؤخرًا…]
كانت إيفنيا التي اعتادت دائمًا أن تتخلى عن عطلاتها مقابل أجر إضافي.
ولكنها بدأت تدريجيًا في أخذ يوم راحة أسبوعيًا، بل وخرجت إلى المدينة بمصروفها الذي ادخرته لحضور عروض مسرحية من الدرجة الثالثة.
[هل خرجت إيفنيا اليوم؟]
[سمعت أنها ذاهبة لرؤية مسرحية مع الفتيات الأخريات.]
[ألم تكن تنفق كل مالها في مسقط رأسها؟ ألم تكن أمها مريضة؟]
[يبدو أنها دفعت ثمن الدواء.]
[ومع ذلك، بقي معها مال ولديها وقت للهو!
إنها تعرف كيف تتصرف براتبها. أليست غريبة؟]
ثم بدأت الشائعات السيئة تدور حولها بين مجموعة من الخدم الشباب.
[من أين لها المال الإضافي إلا إذا كانت تفعل شيئًا غير شريف؟]
[لا بد أنها وجدت الطريقة الأسهل لكسب المال، مثل ما تفعله النساء.]
كان راتب الخادمة غالبًا أقل بكثير من راتب الخادم.
ومع ذلك، كان الرجال في سنها يشعرون بالغيرة لأن إيفنيا،
التي كانت تعول عائلة فقيرة، لم تكن تبدو أقل منهم في شيء.
كان الرجال يعرفون جيدًا أكثر الطرق دناءة وأسهلها لتحطيم امرأة.
في البداية، كان الناس يسخرون منها على أنها مجرد إشاعة سيئة. ولكن، إن ردد أكثر من ثلاثة أشخاص الهراء نفسه بصوت واحد، فإن المصداقية تبدأ بالضعف.
[يبدو أنها تتسلل من غرفة السيد في الفجر.]
[رأيتها تمسك بيده.]
[أتقصد تلك الفتاة الوقحة التي تدخل غرفة الرجل الغني بالتناوب لتكسب المال؟]
وبما أن مصدر المال الذي كانت تنفقه بوضوح بدا مشبوهًا،
فقد بدأت هذه الشائعات تتضخم وكأنها حقيقة.
وكالعادة، كانت الشائعات القبيحة والمثيرة تنتشر بسرعة.
استمتع الناس بنميمة أسرارها أكثر من براءتها.
وكانت إيفنيا وحدها، الساذجة، لا تعرف شيئًا، وهادئة مثل عين الإعصار.
ولكن، بطبيعة الحال، لم يدم هدوؤها المهدد طويلًا.
فبدأت العيون المتلصصة تزداد واحدة تلو الأخرى،
ودون أن تعلم، أصبحت وحيدة.
سرعان ما تحولت الشكوك إلى سخرية، ثم إلى مضايقات.
وبحلول ذلك الوقت، حتى هي،
لم تعد تستطيع تجاهل الشائعات التي تُقال عنها.
اصبح وجهها يزداد شحوبًا يومًا بعد يوم.
ولم تستطع الاحتمال، فذهبت ذات يوم إلى دوق غيلينزيك وتوسلت باكية أن يضع حدًا لتلك الشائعات المتضخمة.
[أرجوك أن تكشف الحقيقة حول هذه الشائعة الجائرة التي عجزت عن دفعها بنفسي.]
[………]
[هذا غير صحيح! أرجوك فقط أن تقول إنه ليس صحيحًا..! سيدي..!]
لكن من كان ليتوقع؟ أن الدوق العجوز سيختار الصمت العلني بشأن مسألة تمس شرفها مباشرة.
كان صمته بمثابة اعتراف ضمني بعلاقته بها.
وبما أن الدوق اعترف ضمنيًا،
لم يعد بإمكان الآخرين اعتبار الأمر مجرد علاقة غير لائقة.
افترض الناس أن جمال إيفنيا وصغر سنها هما ما رفع من شأنها.
لم يكونوا لطفاء معها، لكنهم لم يعرفوا كيف قد تنقلب اللعبة مستقبلاً، لذا بدأوا يتغامزون ويتلذذون بها.
[كان يجب أن أركض إلى السيد على أمل أن يحدث هذا.]
[كيف خدعت تصرفاتها الخجولة شخصًا مثل سيدنا؟]
كان الجميع يتوقع أن تتظاهر إيفنيا بأنها سيدة القصر.
لكنها فاجأت الجميع، فاختارت الهرب ليلاً دون علم أحد.
هكذا، اختفت.
ولكن، انتشرت شائعات عن عودتها ليلة البارحة في جميع أنحاء قصر غيلينزيك.
ولا يزال هناك الكثير ممن يعرفون إيفنيا في غيلينزيك.
***
في صباح اليوم التالي، دوّى جرس في عنبر الموظفين،
قاطعًا سكون الهواء الصباحي.
استفاقت إيفنيا على صوت الحديد المجنون القادم من بعيد، وركضت نحو البئر أولاً.
جاءت لجلب ماء الغسيل، ولم تكن ترغب في الاصطدام بأحد.
كان لديها موقد طبخ في منزلها، لكنها لم تتمكن من تسخين الماء لعدم وجود ما توقد به النار.
وكان من حسن حظها أن صباح أوائل الخريف لا يزال باردًا بلطف.
استفاقت من النعاس قليلًا وغسلت وجه رانلي المبتل باللعاب وهي نائمة.
“ماما… في جيب رانلي… تطير الفراشات…”
رانلي، التي كانت تتقلب في حلم لم تستيقظ منه بعد،
وضعت يديها فجأة على بطنها.
“أنا جائعة…”
“ماما ستحضر الفطور، لذا انتظري قليلًا.”
عدّلت إيفنيا ثوبها.
كانت ستذهب إلى مطعم الموظفين وتحضر الطعام.
نظرت مرة واحدة حول الغرفة.
رغم أنها نظفتها بالأمس، إلا أن الغرفة ما زالت مكتظة.
نظرت بقلق إلى الأشياء المتراكمة حتى السقف، ثم حذّرت رانلي.
“الأمر خطير، لذا عندما أخرج، لا تلمسي شيئًا.
العبي بقصاصات القماش في ذلك الصندوق هناك، وسأعود فورًا. فهمتِ؟”
“نعم.”
أجابت رانلي بثقة.
كانت رانلي قد اعتادت على البقاء في المنزل بمفردها دون إيفنيا.
كانت إيفنيا تبحث عن عمل ليلًا ونهارًا على أمل أن تساعد ولو قليلًا، وكانت جدتها المريضة تتولى الأعمال المنزلية، لذا لم يكن هناك من يرعى رانلي.
رؤية رانلي، التي اعتادت أن تكون وحيدة رغم صغر سنها،
كانت تحطم قلب إيفنيا، لكنها لم تكن تملك خيارًا.
كانت مضطرة للاستمرار في العمل خادمة في قصر غيلينزيك، وكان على رانلي أن تبقى وحدها طويلًا كي تجد علاجًا لها.
“سأعود قريبًا.”
تركت إيفنيا رانيلي في ذلك المكان الغريب وخرجت من سكن الموظفين.
كانت مستعجلة بسبب جوع رانلي،
لكنها أيضًا كانت قلقة من مقابلة الموظفين في الطريق.
ماذا لو قابلت الوجوه القديمة التي تعرفها؟
بأي عيون سينظرون إليها؟
وبأي تعابير وأصوات يجب أن ترد على تلك العيون؟
مثل هذه الأفكار المعقدة كانت تثقل قلب إيفنيا.
‘لأجل رانلي… يجب أن أتحمل.’
كان ظل إيفنيا يرتجف بقلق.
***
في الطابق شبه السفلي من قصر غيلينزيك،
كانت هناك مخازن ومطبخ ضخم يحتلان أغلب المساحة.
وبما أن القصر كان يطعم عددًا هائلًا من الموظفين والفرسان والحراس والضيوف والتجار، فإن المطبخ كان دائمًا يعجّ بالحيوية والطعام.
رائحة الطعام الشهية كانت تنبعث من فتحة تهوية المطبخ المدفون تحت الأرض.
وجاءها الجوع دفعة واحدة بعدما زال عنها التوتر مؤقتًا.
دخلت إيفنيا قاعة الطعام.
بدت تمامًا كما كانت تتذكر.
قاعة الطعام، التي تحتوي على أربع طاولات طويلة تتسع لعشرين شخصًا لكل منها، كانت مكتظة.
ولأن المكان كان واسعًا، ظنت أنها لن تُلاحظ.
كانت تخطط للعودة إلى السكن بالطعام الذي سيُقدم بهدوء.
لكن، ما إن دخلت حتى انصبت عليها الأنظار.
“هل عادت حقًا؟”
“كم هي وقحة.”
“ماذا؟ لماذا؟ من؟”
“تمامًا مثل المالك السابق…”
بدأت الهمسات عند المدخل ثم انتشرت كالأمواج.
ابتلعت إيفنيا ريقها الجاف.
كان وخز الهواء حولها يجعل كتفيها يرتعشان من تلقاء أنفسهما.
واشتدت قبضتها حتى أصبح لونها أبيض.
‘لأجل رانلي…’
كانت تحاول السيطرة على أنفاسها المختنقة.
لكن ذهنها المرتبك،
مثل شمعة تتمايل في الريح، جعل خطواتها تتعثر.
بدت كل خطوة متيبسة وغريبة.
كل ما كانت تريده هو أن تستدير وتهرب.
لكنها وضعت يدها المرتعشة على صدرها وكأنها على وشك التقيؤ.
‘إن هربتِ الآن، فلن يمكنكِ التحمل لاحقًا.’
ألم يكن هذا هو المكان الذي كنتِ تتوقعينه؟
كانت الاتهامات والسخرية لا تعني شيئًا إن استطاعت إنقاذ رانلي، وأقنعت نفسها بذلك.
‘هذا لا شيء! الخوف الحقيقي هو ألا أجد علاجًا لرانلي،
والخوف التالي هو أن يكتشف آراد حقيقة رانلي.’
‘كنت أظن أن هذا سيحدث يومًا ما على أي حال.’
رغم أنها بدت مرتبكة، إلا أن إيفنيا تماسكت بشجاعة واخترقت الزحام لتقف في نهاية الصف.
ثم فجأة، قفزت إيفنيا وصرخت.
فقد تحرش بها أحد من بين الخدم الجالسين قرب مكان وقوفها.
وانفجروا بالضحك عندما صرخت.
فتحت عينيها محاولة معرفة من فعل ذلك،
لكن كان من الصعب التعرّف عليه بين الخدم المتلاصقين.
“…….”
في خضم غضبها وإحراجها، وقفت إيفنيا متجمدة تنظر إليهم.
كانت يداها ترتجفان وكأنها على وشك البكاء.
لكن لم يكن هناك أحد ليساعد المرأة المسكينة.
كان الشعور بالوحدة وسط ذلك الجمع العدائي مخيفًا.
وكأن أرنبًا ضعيفًا قفز وسط قطيع من الضباع.
وبينما كانت تفكر في العودة مرارًا،
مدت يدها نحو سلة الخبز لتضع قطعة على طبقها.
كانت ترغب في العودة إلى رانلي بأسرع ما يمكن.
لكن، كانت ذراع المساعدة في المطبخ، التي كانت أعرض بثلاث مرات من ذراع إيفنيا، والتي بدا وجهها كطماطم حمراء من شدة الحرارة، قد انتزعت سلة الخبز منها بعصبية.
“الباقي من اختصاص المطبخ!”
نظرت إيفنيا نحو المساعدة بعيني أرنب مذعورتين.
ضحكت الأخيرة وسرعان ما غطّت الأطباق الكبيرة أمامها.
“اوه، ألم ينته وقت العشاء؟”
“لم أسمع أن هناك من سيأكل زيادة! إن جئتِ فجأة وطلبتِ طعامًا، فقد ينفد الطعام لاحقًا!”
“لكن…”
كان في قصر غيلينزيك عدد كبير من العاملين.
وكان هناك أيضًا العديد من الزوار الذين يأتون دون موعد مسبق، سواء تجار أو غيرهم.
ومن جيل إلى جيل، لم تكن عائلة غيلينزيك بخيلة.
أي زائر جائع كان يستطيع أن يشبع في قصرهم،
وكان الطعام المقدم للموظفين وافرًا.
وفي المطبخ الكبير، الذي يحوي أربع أفران ضخمة وعشرة مواقد لا تنطفئ لتوفير الطعام للعدد الهائل من الناس، كان أكبر عدد من موظفي القصر يعملون بلا كلل.
وكما تعلم إيفنيا، كان هناك فائض من الطعام،
وكان من النادر أن يحدث نقص.
إلا إذا كان لدوق غيلينزيك نفسه يد في الأمر.
لذا، كانت حجة المساعدة سخيفة تمامًا.
“آه…”
تنهدت إيفنيا وتمسكت بالصينية بين يديها.
كان الجميع يسخر منها.
“لماذا تقفين هكذا صامتة أمام هذا الهراء؟!”
عندها، انفجر صوت غاضب.
وعندما نظرت بتعجب، رأت شخصًا مألوفًا…
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"