شعرت إيفنيا بشيء غريب، فجذبت الطفلة إليها لتجعلها تواجهها.
حدقت بعناية في عيني الطفلة، وكأنها تبحث عن شيء ما.
‘لون عينيها لم يتغير.’
أحيانًا كانت رانلي تصبح عنيفة.
بسبب مرض وراثي مشؤوم يُعرف باسم ‘متلازمة طغيان المانا’.
عندما كانت طفلة، لم تستطع السيطرة على نوبة الجنون فكانت تصرخ حتى ينقطع صوتها.
لدرجة أن حلقها كان يتورم ولا تستطيع ابتلاع الطعام في اليوم التالي.
وعندما كبرت قليلاً، كانت تلقي الأشياء بعيدًا عندما يغلبها الغضب، وتؤذي جسدها أحيانًا.
إنه جنون يفتك بالعقل.
وفي تلك الأوقات، كانت عينا رانلي تتلونان باللون الأحمر.
طالما لم تحمر عيناها، كانت الأمور بخير.
عندما أدركت إيفنيا أن عيني رانلي كانتا بلونهما الطبيعي، تنفست الصعداء.
نظرت رانلي بعينيها الواسعتين إلى إيفنيا.
“آه، ماما. لقد كان خطأً.”
“هل يدك بخير؟”
“هئ…”
تأخرت الطفلة في الانتباه إلى يدها التي ضربت الأرض، فقبضت عليها وتغرغرت عيناها بالدموع.
“أريني، دعيني أرى.”
فحصت إيفنيا يد رانلي هنا وهناك، ثم ربتت على رأس الطفلة.
“سوف تصابين بكدمة بسيطة، لكن لم يخرج دم. لا بأس يا رانلي.”
ثم سألتها بابتسامة ناعمة حتى لا تشعر الطفلة أنها تُوبّخ.
“هل تشعرين بأي ألم أو هل مزاجك مضطرب؟”
هزت رانلي رأسها وهي تتحسس رد فعل إيفنيا.
“لا. ليس كذلك. ظننت أنني إذا رميت غطاء ثمرة البلوط على الأرض، فإنه سينفتح لأنه لم يفتح معي. لذا جربت ذلك، ولم أكن أعلم أنه سيرتد بعيدًا هكذا. أنا آسفة يا ماما.”
“لا بأس. لم تخطئي.”
ربتت إيفنيا على رأس رانلي مطمئنة، فأسرعت رانلي وأضافت.
“أنا لست مريضة. أنا بخير تمامًا! لا تقلقي.”
بدت رانلي مرتبكة وكأنها ارتكبت خطأ فادحًا.
آلم هذا قلب إيفنيا.
كانت تحاول أن تكون قوية كلما مرضت رانلي.
لكن في إحدى المرات، لم تستطع أن تمنع نفسها من البكاء شفقة وخوفًا على طفلتها التي تتألم بسبب المرض.
بعد ذلك اليوم الذي بكت فيه إيفنيا، يبدو أن رانلي أدركت طبيعة مرضها.
أدركت أن غضبها العشوائي ليس شيئًا طبيعيًا.
لذلك، كانت الطفلة تختلط عليها مشاعر الغضب والضيق الطبيعيين مع أعراض المرض.
وكانت تحاول جاهدة أن تكبت وتُخفي كل شيء.
وبالطبع، كانت إيفنيا تقرأ أفكارها بوضوح.
لكن إيفنيا لم تكن تعرف الإجابة الصحيحة عما يجب أن تقوله لرانلي.
‘هل يجب أن أخبرها أن الغضب والضيق مشاعر طبيعية، وأن بإمكانها التعبير عنها كما تشاء؟’
لكن الوالدين العاديين لا يتحدثون بهذه الطريقة، خشية أن يكبر الطفل مدللًا وسيء الخلق.
إن تربية الطفل كانت تحول كل ما كان واضحًا في السابق إلى مصدر للحيرة والتفكير المعمق.
“رانلي، يمكنك أن تخبريني بكل شيء بصدق. أتعلمين ذلك؟”
“نعم، ماما.”
طبعت إيفنيا قُبلة على خد رانلي، ثم أمسكت بيدها وغادرت الغرفة.
وفي عيني الطفلة التي كانت تتبعها، ومض وميض أحمر خافت.
أرسلَت رانلي إلى هارتلاند، ولكن بدا أنها تفضل اللعب بمفردها اليوم ولم تثرثر كعادتها.
لذلك، تركها هارتلاند تلعب بين سيقان زهور الكوزموس الطويلة، وراح يحسب مساحة الحديقة.
‘لتزيين هذه المنطقة بالكامل بزهر شقائق النعمان وزهر الثالوث، سأحتاج إلى…’
كان هارتلاند يفكر مليًا في عدد الشتلات اللازمة لهذه الحديقة الكبيرة، وكيفية زرعها في صفوف مزخرفة تجعلها تبدو فاتنة.
‘شقائق النعمان تتفتح في الربيع. أما الثالوث فلا تظهر جمالها إلا عندما تشتد الشمس… هممم.’
كانت مسألة تزيين الحديقة تتطلب عادة توجيهًا من الدوق والكونتيسة أو كبار العائلة.
لكن لم يكن هناك أحد يهتم بالحديقة في غيلينزيك منذ زمن طويل، لذا كان هارتلاند حرًا في تزيينها كسمكة في الماء.
‘سيكون من الجميل أن أزرع البقس في إطار مربع حول الحديقة.
ستنمو بسرعة وتنتشر بشكل فوضوي إذا أهملتها، ولكن يمكنني أن أعمل بجدية أكبر.’
وبينما كان يحدق بحديقة الكوزموس ويرسم كل الخطط في رأسه، رفع هارتلاند رأسه فجأة ليرى أين تلعب رانلي.
لكنه لم يرها.
ربما كانت جالسة القرفصاء بين سيقان الكوزموس الطويلة.
“يا صغيره! رانلي!”
“…”
“كاد صوت جدك أن يختفي! هيا اخرجي!”
عندها، سقطت سيقان الكوزموس في زاوية من الحديقة.
تقدم هارتلاند بخطوات واسعة نحو تلك الزاوية.
“لقد كنتِ هنا!”
لكن مظهر رانلي كان غريبًا بعض الشيء.
كانت الطفلة تتنفس بعنف وتدوس على سيقان الزهور.
“ماذا تفعلين؟ ما ذنب هذا النبات الصامت الذي لا يتحرك لتعذبيه هكذا؟”
“…”
استمرت رانلي في دهس سيقان الزهور دون أن تجيب، ثم بدأت تمزقها بعنف.
أمسك هارتلاند بمعصم رانلي خوفًا من أن تُجرح يدها الرقيقة من سيقان النباتات الصلبة.
“رانلي!”
“آه! آه! آه!”
فجأة، بدأت رانلي تضرب هارتلاند بقبضتيها وتصرخ.
ارتبك هارتلاند، وحاول تهدئة الطفلة وهو يتلقى الضربات على فخذه وبطنه.
“ماذا بكِ ايتها الصغيره؟”
هاجمت رانلي هارتلاند كالمرتجفة، ثم لم يهدأ غضبها، فبدأت تصرخ وتبكي.
“ماذا حدث يا رانلي؟ أخبري جدك. ما الذي أغضبكِ لهذا الحد؟”
أمسك هارتلاند بمعصمي رانلي محاولًا تهدئتها، لكن الطفلة ألقت بنفسها على الأرض عندما مُنع هجومها.
حاول هارتلاند رفعها من معصميها، لكن محاولاته باءت بالفشل.
كان هناك شيء غريب.
رانلي لم تكن طفلة تتدلل هكذا.
“ايتها الصغيرة، لماذا أنتِ غاضبة جدًا؟ هل أنتِ مريضة؟”
عندها، صُدم هارتلاند عندما رأى يدي رانلي مليئتين بالجروح من سيقان النباتات.
كان الدم ينزف من يديها الصغيرتين.
شعر الرجل العجوز بالخوف، فرفع الطفلة بين ذراعيه على الفور.
استمرت رانلي في المقاومة، ولكن هارتلاند، الذي كانت قوته عظيمة بالنسبة لسنه، لم يكن ليُغلب بسهولة.
وبينما كان يتلقى اللكمات الصغيرة على صدره ورأسه، أخذ هارتلاند الطفلة إلى خارج الحديقة وأجلسها على مقعد.
“هل يدك تؤلمك؟ أريني. دعيني أرى.”
لكن رانلي لم تكن تبالغ.
كانت تتخبط بلا هدف وكأنها لا تشعر بأي ألم، وتصرخ بشدة لا من شدة الألم، بل من شدة الغضب.
أدرك هارتلاند غريزيًا أن الموقف خطير، فرفع الطفلة مرة أخرى وركض نحو القصر الرئيسي.
“هامبتون! هامبتون! أين كبير الخدم؟!”
على الرغم من وجود قاعدة تنص على ضرورة التزام الهدوء التام للموظفين داخل القصر، لم يكن هذا هو الوقت المناسب لاتباعها.
ركض هارتلاند في أنحاء القصر كالمجنون بحثًا عن هامبتون.
جاء هامبتون مذعورًا بسبب الصخب الذي أحدثه هارتلاند.
“ما الأمر يا سيد هارتلاند! كيف تحدث كل هذه الضجة ووجود السيد هنا؟ ما الذي تفعله بحق الجحيم؟”
كان هامبتون بالفعل متوترًا بسبب غضب ووحشية آراد في الآونة الأخيرة.
بدا وكأنه على وشك أن يسد فم هارتلاند بالقوة.
كان هارتلاند يلهث بشدة بعد أن ركض مثل الريح حاملاً الطفلة من الحديقة، فصاح.
“اطلب الطبيب! الطفلة مريضة! يبدو أنها مصابة إصابة خطيرة. اطلب الطبيب بسرعة!”
“اهدأ يا سيدي. ما الذي أصابها تحديدًا؟”
“إنها لا تتوقف عن البكاء. وهناك دم ينزف من يدها، ولا أعرف ما سبب ذلك. أين إيفنيا؟ يجب أن نستدعي إيفنيا.”
“حسنًا، اذهب إلى مكتبي أولًا. سأستدعي الطبيب.”
دفع هامبتون هارتلاند إلى مكتبه خوفًا من إثارة غضب آراد، وأرسل الخدم لاستدعاء إيفنيا والطبيب.
ثم حاول تهدئة الطفلة التي كانت تصرخ بصوت عالٍ، فلوّح بحلوى وقدم كل ما بوسعه.
لكن نوبة بكاء رانلي لم تتوقف.
بعد فترة وجيزة، ركضت إيفنيا إلى مكتب هامبتون.
كان وجهها شاحبًا كالموتى.
وكأنها مطاردة من شيء مرعب.
“رانلي، أوه، رانلي!”
عندما رأى هارتلاند إيفنيا، جثم على الأرض ووضع يديه على رأسه وكأن كل اللوم يقع عليه.
كانت الدموع تترقرق في عيني الرجل العجوز المسكين.
ظل صامتًا، يحدق بحذاء رانلي الصغير الذي سقط على الأرض.
خلعت إيفنيا مئزرها وغطت رأس رانلي به على عجل، وصرخت بلهفة.
“الجميع اخرجوا! يرجى المغادرة جميعًا حتى تتمكن الطفلة من الهدوء. أرجوكم!”
اندفع هامبتون والخدم المتطفلون الذين جاءوا لمشاهدة الفوضى إلى خارج الباب.
وقف هارتلاند ممسكًا بقبعته، غير قادر على المغادرة.
طلبت منه إيفنيا.
“سيد هارتلاند، هل يمكنك مساعدتي؟”
“ماذا يمكنني أن أفعل؟”
قفز هارتلاند كالنابض وجلس بجوار إيفنيا على الفور.
بدا مرتاحًا قليلاً لأنه يستطيع تقديم المساعدة.
“يرجى التأكد من عدم تجسس أي شخص من الخارج.”
“لكن الطبيب سيأتي قريبًا…”
هزت إيفنيا رأسها بشكل مؤثر وأكدت.
“لا أحد.”
ثم التفتت إلى رانلي التي كانت تصرخ بعنف، ورفعت يدها بهدوء.
انبعثت من يدها سيقان زرقاء متوهجة تتفرع في كل الاتجاهات.
التعليقات لهذا الفصل " 15"