رأى عينيها المفتوحتين على وسعهما، فركض ليونارد إليها مذعورًا.
«تينيري، ما الخطب؟»
يؤذيها أحد. ربّما وصيفات قصر الورد، أو المربيّة. لمَ تبدو هكذا…
لم يدم التّفكير طويلًا. وضعت تينيري الصّندوق، ثمّ عانقته فجأة.
«…»
تصلّب جسد ليونارد.
‘قالت إنّها لا تحبّني. لم تكن لتعانقني هكذا لو…’
لكن الدّفء كان حقيقيًّا جدًّا ليكون حلمًا.
عانق ليونارد ظهر تينيري دون كلام. دلك ظهرها ببطء، فخفّت كتفاها الصّاعدتان والهابطتان تدريجيًّا.
«أنا… لديّ أمر عاجل فجأة، جلالتك.»
نظر دلوس، الواقف عند الباب، إليه، ثمّ انحنى بسرعة، جمع أغراضه، وغادر المكتب.
ألقى ليونارد نظرة سريعة عليه، ثمّ عاد إلى تينيري.
سمع إغلاق الباب خلفه.
«من أزعجكِ؟»
سأل بلطف، لكن تينيري بقيت صامتة.
انتظر ليونارد بصبر أن تتكلّم. مرّ وقت طويل قبل أن يخرج صوت.
«…أنتَ، جلالتك.»
«…؟»
«طلبتُ منكَ أن تخبرني بأيّ شيء، لكن لماذا…»
أسكت ليونارد الصّوت في حضنه.
أخذت تينيري نفسًا عميقًا، ثمّ تكلّمت.
«لمَ لم تخبرني بشيء حتّى الآن، ولمَ تحتمل وحدك…»
عجزت تينيري عن الكلام. توقّفت اليد التي كانت تداعبها.
كيف؟ لماذا؟
وسط الغموض، برز يقين واحد بوضوح.
‘أخيرًا عرفتِ كلّ شيء حتّى قبل أن أخبركِ.’
تحوّل نظر ليونارد إلى الصّندوق الّذي أحضرته.
«…هل هذا شيء تركته أمّي؟»
رغم أنّه غير مألوف، كان يعلم أنّ صناديق بهذا الحجم كانت رائجة منذ زمن.
تساءل إن كانت وجدت أغراض أمّه لأنّها تسكن قصرها.
«وجدته أثناء لعب الاستغماية مع جوش.»
في إجابة خافتة، لم يستطع ليونارد إلّا أن يبتسم بهدوء.
الاستغماية لعبة أطفال صغار جدًّا.
«ظننتُ أنّ عليكِ أن تكوني على الأقلّ في السّادسة لتلعبي ذلك.»
«إذا غطّيتَ عينيه، يظنّ أنّه مختبئ، وإذا تظاهرتَ بالبحث طويلًا… سيطلّ برأسه يسألكِ أن تجديه.»
«سيكون ذلك لطيفًا.»
أومأت تينيري عند ذلك. تردّدت، ثمّ تكلّمت مجدّدًا.
«إنّه… رسائل ومذكّرات.»
بهذا، لفّت ذراعها حوله. كأنّها تواسيه.
لسبب ما، بدا المشهد مطمئنًا بشكل غير ضروريّ.
«لهذا جئتِ؟»
«…»
«قلتِ إنّكِ لا تحبّينني.»
«…هل يجب أن أحبّكَ لآتي إلى هنا؟»
ردّت تينيري بحدّة. كان صوتها صريحًا بشكل غير عاديّ.
لكن على عكس كلامها، بقي لمسها لطيفًا. ضحك ليونارد بهدوء.
«إن عانقتِني بحنان هكذا، قد أساء الفهم.»
«…»
«هل يجوز لي أن أساء الفهم؟»
جعلت الكلمات تينيري ترفع نظرها. لمعت لمحة غضب على وجهها المحمّر.
لكن للحظة فقط، ثمّ دفنت وجهها في صدره مجدّدًا، كأنّها لا تريد النظر إليه.
«جلالتك فعل الشّيء نفسه. قلتَ لي لا تطلبي الحبّ حتّى، ومع ذلك تعاملني بلطف غير ضروريّ.»
دُفن الغضب في صوتها الصريح. لكن مقارنة بالضّحك المفتعل، كان هذا أفضل بكثير.
«لم أعاملكِ بلطف غير ضروريّ يومًا.»
«…»
«لو عاملتُكِ كما عاملتُ السيّدة سالفاتور، لسألتِ ما الخطب، أليس كذلك؟»
قاله بضحكة خافتة، لكن تينيري لم تجب.
‘لمَ هذا الدّفء الصّغير مطمئن إلى هذا الحدّ؟’
رغم أنّها قالت إنّها لا تحبّه، لا يستطيع إلّا الأمل بعد أن رآها تعانقه هكذا.
«دائمًا أحببتُكِ، يا تينيري. كنتُ أخاف الاعتراف بذلك، لكن…»
الطّريقة التي كان يفكّر فيها بها وهو يتحدّث مع الآخرين في الحفلة، الطّريقة التي لم يستطع إلّا أن يردّ على ضحكاتها القصيرة.
قراره بإرسال رسالة خطبة لهذه الشّخصيّة حين تلقّى منديلًا،
لمَ لم يدرك أنّ ذلك لأنّه أراد الاحتفاظ بها إلى جانبه؟
لا، لو كان يعلم، ربّما كان ليدفعها بعيدًا. ظنّ أنّ من الأفضل الابتعاد قبل أن تتعمّق مشاعره.
«لا أعلم إن كنتِ ستصدّقينني… لكنّني كنتُ على وشك القدوم لأخبركِ بهذا الأمر الآن.»
«…»
«لم أرد أن أظهر لكِ عيوبي؛ أردتُ إخفاءها عنكِ، لكن يبدو أنّ ذلك جعلكِ أكثر قلقًا.»
لم تجب تينيري. واصل ليونارد.
«لم أتوقّف عن حبّكِ يومًا. حتّى حين قلتُ لكِ لا تتوقّعي الحبّ.»
«…»
«ألا يمكنكِ منحي فرصة أخيرة؟ لن أفعل أيّ حماقة مثل ذلك مجدّدًا.»
مع ذلك، رأى كيف ركضت إلى حضنه هكذا، ألا يمكن أن يكون هناك أمل؟
عانقها ليونارد بقوّة مجدّدًا، معانقًا الأمل مرّة أخرى.
حتّى لو رفضت مجدّدًا، قد تتغيّر الأمور مع الوقت.
ربّما ستكون حياة من التّوقّع والخيبة، لكن…
«…لاحقًا.»
قالت تينيري بصوت خافت.
«الآن… هناك شيء يجب أن نفعله أوّلًا.»
‘قلبكِ أهمّ شيء بالنّسبة لي. الأهمّ هو إن كنتِ تحبّينني وإن كنتِ تقبلين قلبي.’
لكن ما أكثر الرّاحة أنّ ما خرج من فمها لم يكن رفضًا. قلقة عليه، ركضت إليه هكذا.
عندما أومأ ليونارد، ابتعدت تينيري عنه ببطء.
فرشت الصّندوق الّذي وضعته على الأرض على الطّاولة. في الدّاخل رسائل قديمة، صندوق مجوهرات صغير، ودفتر مبعثر.
فتحت تينيري فمها، محرجة قليلًا.
«أحضرته بعد ترتيبه، لكن… جئتُ مسرعة، لذا…»
«لا بأس؛ لم أكن لأجده لولاكِ.»
«هذه رسالة من دوق سالفاتور، وهذا… مذكّرات جلالتها.»
فتحت تينيري الدّفتر مع رسالة دوق داخلها. كان الجزء عن فراش موت الإمبراطور هاينريش.
مرّ نظر ليونارد بحذر على الخطّ المنظّم. نظرًا إلى وجهه الهادئ، تكلّمت تينيري.
«لقد سمح الإمبراطور للإمبراطورة أن يكون الدّوق عشيقها.»
«…»
«وحتّى بعد أن أدرك أنّ دوق لم يأخذ حبوب منع الحمل، لم يقل شيئًا عن خلعكَ كأمير؛ قال فقط أن يُفسخ الخطبة مع السيّدة ألينا، لذا… لم ينكر الإمبراطور أنّكَ وريث العرش.»
كانت مذكّرات الإمبراطورة دليلًا على علاقتها بالدوق سالفاتور، لكنّها كانت أيضًا دليلًا على أنّ الإمبراطور قبل ليونارد كوليّ عهد رغم علمه بالعلاقة.
إن حاول أحد خلعه بحجّة الدّم، ستكون مذكّراتها المكتوبة بخطّ يدها درعًا.
«إذا كان الإمبراطور قد سامح سلوك الإمبراطورة، فلا بدّ أنّ بعض النّاس يعلمون بذلك، لذا من الأفضل أن نعترف أنّ دوق كان عشيق الإمبراطورة.»
تكلّمت تينيري بحذر. قلّب ليونارد الدّفتر ببطء، ثمّ فتح فمه.
«…لم أكن أعلم بذلك.»
«…»
«كنتُ سمعتُ بعلاقة أمّي بالدوق، لكنّني لم أكن أعلم أنّ أبي كان يعلم بذلك.»
«ألم تخبركَ الإمبراطورة يومًا؟»
«كان أمرًا اتّفقنا على تجاهله… وأنا أيضًا لم أسأل عن التّفاصيل.»
كانت قصّة لم يرد سماعها.
ماذا يمكنه أن يسأل أمّه التي سئمت من أبيه ونظرت بعيدًا للحظة.
التعليقات لهذا الفصل " 99"