كان إريك قد قضى عدّة أيّام في العاصمة الآن، ولون بشرته يتحسّن يومًا بعد يوم.
ما إن دخلت تينيري حتّى وضع الصّحيفة التي كان يقرأها جانبًا وسلّم عليها.
“أتيتِ؟”
“خالي!”
ضحك جوشوا وهرع نحو خاله. سارعت تينيري إلى كبحه.
“لا، جوش، لا. خالك لا يزال غير بخير.”
“إيهـ.”
“لا بأس، أنا بخير. تعال إليّ يا جوش.”
“لكن……”
“لا بأس.”
كرّر إريك، فساعدته تينيري على الصّعود إلى السّرير.
رفع إريك نصف جسده العلويّ وفتح ذراعيه. لكن عندما اندفع جوشوا بين ذراعيه، صرخ متألّمًا ولفّ ذراعيه حول جنبيه.
“جوشوا!”
“ماركيز!”
صرخت تينيري ولورا في الوقت نفسه.
جذبت تينيري جوشوا بعيدًا عن إريك بسرعة، وتفحّصت لورا جروحه.
“هل أنت بخير يا أخي؟ هل أستدعي الطّبيب؟”
“لا بأس. لقد تفاجأت فقط. حاولي تهدئته فحسب.”
تجمّدت تينيري سريعًا أمام الطّفل المضطرب.
رغم أنّها حاولت استدعاء المساعدة، إلّا أنّ إريك أصرّ، فاستقرّ الاثنان في مقعديهما.
“ألم يكن اختيار فستانك اليوم؟”
كان إريك أوّل من تكلّم. كم كان مفاجئًا أنّه علم بما حدث خلال اليّوم بهذه السّرعة. الشّائعات انتشرت بسرعة.
“القصر يعجّ بالإشاعات. يقولون إنّ الإمبراطور ذهب بنفسه إلى قصر الورد. ما قصّة الزّفاف السّبعة هذه؟”
“……”
‘ما بال الشّائعات وهذا النّوع من الأمور؟’
كانت قد تجاوزت الأمر مازحةً في البداية، لكن سماعه من فم أخيها جعلها تشعر بالحرّ.
“الإمبراطور كان يمزح فقط؛ يعني ذلك أنّ المصمّم ماهر جدًّا لدرجة يصعب معها الاختيار.”
“ها؟ ظننتُ أنّه قال ذلك ليعني أنّ جلالتها الإمبراطورة جميلة مهما ارتدت……”
قاطعته لورا، فانفكّ فكّ تينيري. ضحك إريك وهو يرى وجهها يحمرّ.
“انظري إلى ذلك. لقد قبضتُ عليكِ. تكذبين أمام ابنك؟”
“……ليس الأمر كذلك.”
استدارت تينيري ببرود. رأت صحيفة مطويّة ملقاة عند رأس السّرير.
لم تكن قريبة بما يكفي لرؤية ما كتب فيها، لكن رؤية كلمات «دوق سالفاتور» كانت كافية لتعرف عمّا تتحدّث.
عندما أدرك إريك إلى أين يتّجه نظر تينيري، التقط الصّحيفة بلامبالاة ورماها جانبًا.
“بالمناسبة، سمعتُ دوق يتفوّه بترّهات.”
كان صوته خفيفًا، كأنّه يصف طقس اليوم.
أومأت تينيري ببطء، وتمتمت لورا وهي تحضن الطّفل بهدوء.
“إنّه مجنون، حقًّا.”
“لورا.”
نظرت تينيري إلى الطّفل، فغطّت لورا فمها غضبًا.
تلوّى جوشوا كأنّه يريد أن يُوضع أرضًا.
ما إن خرج من ذراعيّ المربيّة حتّى بدأ يستكشف غرفة خاله لوحده، فتبعته لورا سريعًا.
“هل أنتِ…… بخير؟”
سأل إريك بصوت منخفض. أومأت تينيري.
“إنّها شائعة ستموت قريبًا على أيّة حال.”
“لكن ربّما……”
كاد إريك يقول شيئًا، ثمّ رفع نظره وصمت.
لكن بدا أنّ تينيري تعرف ما كان سيقوله.
“هل لأنّ بسبب علاقة دوق الوثيقة بجلالتها من قبل؟”
“حسنًا، نوعًا ما. بما أنّهما كانا صهرين محتملين، فمن الطّبيعي أن يكونا مقرّبين.”
كان إريك هو من أخبر تينيري أنّ بياتريس كانت قريبة من دوق سالفاتوري عندما بدأت تقترب منها أوّل مرّة.
كان من المغري القول إنّ الأمر قد لا يكون بلا أساس تمامًا.
لكن تينيري هزّت رأسها.
“لو كان ذلك صحيحًا، لما خطب الأميرة للإمبراطور من الأساس.”
“صحيح، لكن… لا يبدو كلامًا يقوله مجنون أثناء اعتقاله.”
“……”
“حسنًا، هل قال جلالته شيئًا آخر؟”
“لو كان يخبرني بشيء لكان رائعًا. سواء احتاج مساعدتي أو هناك ما يجب عليّ فعله…”
بما أنّه لم يقل شيئًا، شعرت تينيري وكأنّها عديمة الفائدة.
كان من الصّعب قول شيء الآن، لكن لو طلب منها الانتظار حتّى وقت لاحق، لكانت سعيدة بالانتظار.
فتح إريك فمه ليقول كلامًا معزّيًا، تمامًا عندما كانت تينيري على وشك الكلام.
“أمم… لقد فكّرتُ.”
كانت لورا، التي عادت أخيرًا، هي من تكلّمت، ونظرت إلى تينيري وإريك.
“…أستطيع الكلام؟”
“بالطّبع.”
“ما رأيكما في إنجاب أمير جديد؟”
في نبرتها الحذرة، التي تلتها، التفت تينيري وإريك إليها معًا، كأنّهما يسألان عمّ تقصد.
رفعت لورا الطّفل واستطردت.
“الأمر مضحك، لأنّ السّادس من أفراد عائلتنا لا يشبه والدينا مطلقًا، لكنّه يشبه جدّنا الرّاحل تمامًا.”
“……”
“فلو أنّ الأمير الذي يولد للإمبراطور والإمبراطورة يشبه الإمبراطور السّابق… حتّى لو جاء دوق بأدلّة مقنعة، سيثبت أنّها كذب، أليس كذلك؟”
كان رأيًا بدا سخيفًا ومقنعًا بغرابة في آن.
ففي النّهاية، كان جوشوا، الذي لم يولد في القصر، يُعامل كأمير بسبب شبهه بالإمبراطور.
فلو أنّ طفلًا ولد لليونارد يشبه الإمبراطور السّابق، فستتلاشى الشّكوك المحيطة به سريعًا.
لكن مع ذلك، لم تستطع تينيري الموافقة على كلام لورا بسهولة.
“أليس من السّرعة بمكان معرفة من سيشبه الأمير المولود حديثًا؟”
كان إريك مذهول و فتح فمه.
بعيدًا عن أنّ الحفل لم يُقم بعد، حتّى لو وُلد الطّفل الآن، ألن يستغرق الأمر قرابة السّنة حتّى يولد؟
ردّت لورا.
“ليس بالضّبط، لكن… في الحقيقة، حتّى لو كان لدى دوق أدلّة مقنعة، فإنّ جلالته شخص وُلد وترعرع كسليل للعائلة الإمبراطوريّة. لا أعتقد أنّهم سيحاولون خلعه فورًا عمّن هو على العرش بالفعل.”
“صحيح، لكن…”
“في النّهاية، أعطى دوق للنّبلاء شيئًا لإضعاف السّلطة الإمبراطوريّة، فيبدو الأمر مشكلة طويلة الأمد، لذا أعتقد أنّ جلالته يجب أن يفكّر في حلّ طويل الأمد…… يا أمير، هذا لا…… لااااا.”
قاطعت لورا جوشوا الذي كان على وشك وضع بتلة سقطت من المزهريّة في فمه.
بصق الطّفل البتلة التي تحمل آثار أسنانه وتأفّف باشمئزاز.
تحدّثت تينيري التي كانت ساكنة.
“لكن… لا أحد يعلم من سيشبه الأمير المولود. قد يشبهني أنا.”
هل كانت عائلة لورا، التي تكاثرت أجيالًا، تملك وصفة سريّة لإنجاب أطفال يشبهون أسلافهم؟
كان تأكيدًا واثقًا بدا سخيفًا بعض الشّيء.
بالطّبع، لم يكن هناك سرّ سحريّ من هذا القبيل.
رفعت لورا خمسة أصابع.
“إذًا، إذا أنجبتِ نحو خمسة أطفال… وكان أحدهم……”
“آسفة، لكن هل أنتِ مجنونة؟”
“……أخي.”
رفع إريك قليل الصّبر صوته قليلًا، فأسرعت تينيري إلى كبته.
عندما أدرك إريك وجود جوشوا، عبس وخفض صوته.
“…ماذا تقولين لأخت غيرك؟ إذا كان الإنجاب بهذه السّهولة فلم لا تنجبين أنتِ بدلًا منها؟”
“لا، لم لي ان أنجب الأمير والإمبراطورة موجودة بوضوح؟ وأنا…ظننتُ أنّكما تفكّران فقط، فقلتُ أوّل ما خطر ببالي.”
“آه، ذلك لأنّكِ تتكلّمين بهراء. كيف ينجب إنسان خمسة أطفال؟”
“لم لا يعقل؟ أنا سأنجب سبعة.”
ضيّقت لورا عينيها، وانفتح فم إريك كأنّه عاجز عن الكلام.
لم يجد كلمات عندما تذكّر إخوتها الذين رآهم في اقليم هيل.
“على أيّة حال، شكرًا لكِ يا لورا. سأناقش الأمر مع جلالته.”
“مهلًا، وما جدوى المناقشة……”
“أعتقد أنّه سيكون جيّدًا لجوشوا أن يكون له إخوة.”
عندما تكلّمت تينيري، نظرت لورا إلى إريك كأنّها تقول «أرأيت؟»
بدا إريك لا يزال منزعجًا.
* * *
نظر ليونارد إلى الصّحيفة بوجه قاتم.
الكلمات التي تمتم بها دوق المسجون كانت تُغطّى بالفعل في العديد من الصّحف.
بينما ركّزت الصّحف الكبرى ذات العلاقة الوديّة بالقصر على خيانة دوق المزعومة الجزئيّة، كانت تلك المتحالفة مع النّبلاء مختلفة قليلًا.
مع ظهورها محايدة على السّطح، إلّا أنّها سردت ادّعاءات دوق بإفراط.
بالإضافة إلى ذلك، تضمّنت الصّحيفة التي أحضرها له المساعد بعد تفكير رسالة من الإمبراطورة الأم حصل عليها حصريًّا.
رغم أنّها بضعة أسطر فقط، إلّا أنّ مجرّد نشر مثل هذا المحتوى سيثير ضجّة كبيرة.
ربّما لن يطول الأمر حتّى ينتشر خارج العاصمة.
‘يبدو أنّ فصيل النّبلاء قد تحرّك.’
كان من المفترض أن تُمنح قوّة النّبلاء وكرامتهم من العائلة الإمبراطوريّة، لكن كثيرين أرادوا أكثر ممّا أُعطوا.
الأباطرة، وخاصّة من يعتلون العرش صغارًا، دائمًا ما يواجهون نبلاء معارضين.
بما أنّ دوق في السّجن لم يكن ليتحرّك، فالأرجح أنّها من فعل المقرّبين منه.
درس ليونارد قائمة زوّار دوق.
أخوه، الفيكونت ستيوارت، ونبلاء آخرون من فصيل النّبلاء. ومع أنّها لم تكن في القائمة، ……
التعليقات لهذا الفصل " 87"