تصلّب وجه ليونارد وهو يتلقّى التقارير من مرؤوسيه. كان سبب ضيقه هو المعلومات التي انتشرت أثناء اعتقال الدوق.
القصّة كانت أنّ الإمبراطور، من أجل إخفاء حقيقة أنّه ليس من دم إمبراطوريّ، يحاول تأليب التهمة على والده الشرعيّ إيزاك سالفاتور ليزيل أيّ شبهة.
كان قد تردّد في اعتقال إيزاك خوفًا من مثل هذا الموقف بالضبط.
رغم أنّه توقّع مثل هذا السيناريو، إلّا أنّ مواجهته كواقع ترك طعمًا مرًّا في فمه.
قد يستغلّ البعض هذه الفرصة ليهزّوا سلطة الإمبراطوريّة، وفي أسوأ الحالات، قد يشكّك البعض في شرعيّته، ممّا يؤدّي إلى خلعه وصعود إمبراطور دمية.
بينما ضمن سجن الدوق سلامة جوشوا وتينيري إلى حدّ ما في الوقت الحاليّ، فإنّ مسألة الشرعيّة لم تنتهِ بإيزاك.
حتّى عندما يعتلي جوشوا العرش، قد يظهر من يشكّكون في نسبه. لذا، حتّى الآن، وبينما يُبقي إيزاك مقيّدًا، كان عليه أن يجد طريقة لحلّ هذا بطريقة ما.
«إذا أزلنا بعضًا منهم كعبرة…»
قطع فصيل الدوق سالفاتور بأكمله، بما في ذلك الدوق نفسه، قد يجلب سلامًا مؤقّتًا، لكن مع مرور الوقت، سيخرج الذين كانوا مختبئين كالصراصير.
ربّما سيعاملونه كطاغية أثار تمرّدًا بسبب عقدة نقص تجاه نسبه.
«ألينا سالفاتور كذلك.»
رغم أنّها تقف إلى جانبه حاليًّا بسبب عدم رغبتها في الزواج منه، إلّا أنّها ليست موالية له بشكل أعمى.
قطع فصيل الدوق يعني قطع أحد أطراف عائلتها النبيلة. لن تترك ذلك يمرّ مرور الكرام.
مسح ليونارد وجهه كمن يعاني صداعًا. لم ينتبه حتّى لمن اقترب.
«بابا!»
انتفض ليونارد للصوت القادم من الأسفل، وخفض رأسه. عندما التقت عيناه بعيني جوشوا، ضحك الطفل واحتضن ساقه.
اقتربت تينيري بخطوات سريعة.
«جوش، احذر ألّا تؤذي نفسك وأنت تركض.»
وبّخت تينيري جوشوا توبيخًا خفيفًا، ثمّ حملته بسرعة بين ذراعيها. أخذ ليونارد الطفل منها.
«هل كلّ شيء جاهز؟»
«نعم، جلالتك.»
«أووه.»
رغم تذمّر جوشوا، لم يستطع الاعتراض أكثر إذ كان عليهم ركوب العربة.
كان الخدم يحملون الأمتعة ينزلون الدّرج واحدًا تلو الآخر.
«ماذا عن اللورد إيفان؟»
«قرّر أن يركب في العربة نفسها مع لورا.»
«هل من الجيّد حقًّا أن ننطلق الآن؟ ركوب العربة قد يكون كثيرًا عليه في هذه المرحلة.»
«قال إنّه يشعر بعدم الراحة في البقاء في القصر. اشتكى أوّلًا من أنّه محاط بالفتيات الصغيرات، ثمّ قال فجأة إنّه بحاجة إلى علاج طبّيّ.»
«آه…»
تنهّد ليونارد بعمق. بدا أنّ المشاكل حتميّة.
ابتلع ليونارد ريقه ومدّ يده إلى تينيري. أمسكتها دون تردّد وصعدت إلى العربة.
كانت الرحلة إلى العاصمة قصيرة فقط.
أثناء السفر، كانت تينيري تحدّق خارج النافذة شاردة، وكان ليونارد يراقبها.
منذ العودة إلى قصر الفيكونت، لم تعد تينيري كما كانت.
تمدّ يدها فيأخذها، تبتسم عندما يلتقي نظرهما، وأحيانًا تكلّمه أوّلًا.
لكن ذلك كلّه.
لم تنادِ تينيري اسمه، ولم تهمس بحبّ، ولم تطلب مجدّدًا قضاء الوقت مع الطفل.
كأنّ ذلك اليوم الذي اعترف فيه لم يحدث أبدًا.
«جلالتك، إذا كان لديك شيء تقوله…»
شعرت تينيري بالنظر فرفعت رأسها. استدار الطفل المعلّق بأمّه لينظر إليه أيضًا.
بقي ليونارد صامتًا لحظة، لكنّه ردّ أخيرًا.
«لن تندمي، أليس كذلك؟»
«على ماذا تعني؟»
«بشأن انسة هيل.»
كان هناك الكثير ممّا يريد قوله، لكنّ ما كان أكثر فضولًا له هو قلبها.
تساءل إن كانت لا تزال مذهولة باعترافه، إن كانت لا تزال لا تؤمن بحبّه، وإن كانت لا تزال تكبح رغبتها في مغادرة جانبه.
لكنّه لم يستطع أن يسألها لأنّه خائف.
خائف من الإجابة الباردة التي سيتلقّاها.
«مجرد زلّة لسان طفوليّة.»
ابتسمت تينيري وأجابت. لكن ليونارد لم يقتنع.
لم يكن ذلك فقط. كانت تعلم أنّ انسة هيل كانت تطمع في منصب المحظيّة.
كان سبب الشعور بعدم الراحة واضحًا: الصراحة التي حاولت بها أن تجعل المرأة التي أرادت أن تكون محظيّته مربيّة ابنهما.
‘لماذا لم تهتمّ؟ لماذا لا تشعر حتّى بالغيرة؟’
بينما هو أساء فهم اسم حصان وغضب فقط وايضا لأنّها قريبة من أخيها.
«أنا متأكّد أنّها لم تكن مجرّد زلّة لسان.»
«…»
«بينما يستحقّ إنقاذ جوشوا مكافأة، فليس من الضروريّ إبقاؤها إلى جانبك.»
كان الأمر يتعلّق بفصل مكان مناسب عن الأمر الإمبراطوريّ.
بلقب، لن تضطرّ إلى الزواج ممن لا تريد، ويمكنها قطع صلتها بعائلتها.
لكن تينيري هزّت رأسها.
«الفيكونت هيل لم يعلّم أيًّا من أبنائه، باستثناء الفيكونتين الصغيرين، كيفيّة إدارة قصر، وحتّى لو أعطيناها لقبًا، فهي على الأرجح لن تستطيع التعامل معه.»
كان من الشائع في العائلات النبيلة استبعاد الأبناء غير الورثة من تعليم الخلافة.
خاصّة لورا، التي لم تكن تعرف حتّى كم من الميزانيّة يلزم لبناء طاحونة ماء، ناهيك عن المساعدة في الحصاد الفعليّ.
في مثل هذا الوضع، إعطاء أراضٍ وألقاب لن يؤدّي إلّا إلى إدارة غير فعّالة.
«أردتُ أن أدعها تفعل ما تُجيده أفضل.»
قالت تينيري. لو علم أخوها، لاشتكى من أنّها حمقاء.
لكن ليونارد أحبّها بهذه الطريقة.
كانت شخصًا لا يكره أحدًا بلا تفكير، لا يتمنّى تعاسة الآخرين، ولا يحمل ضغينة، ولا يُجبر حتّى على التسامح.
وجد نفسه مرتاحًا لوجودها إلى جانبه.
يظنّ أنّه إذا تمسّك بها، فقد تفتح قلبها له مجدّدًا يومًا ما.
«ماذا لو تصرّفت كما فعلت في العشاء مرّة أخرى؟»
تفوّه ليونارد، رغم أنّ غياب غيرتها كان مزعجًا.
كان أمرًا طفوليًّا أن يقوله، لكن ما الضرر في الاعتراف؟
كان الطفل، الذي لا يعلم عما يتحدّث والداه، جالسًا على الكرسيّ يلعب بلعبة على شكل أرنب.
عندما فتح الطفل فمه واسعًا وحاول وضع اللعبة فيه، أوقفته تينيري بسرعة.
«لا، جوش، ليس في الداخل.»
«أووه.»
رغم أنّ جوشوا تذمّر قليلًا، لم يُصرّ عندما حُمل.
قبّلت تينيري الطفل بخفّة ورفعت نظرها.
«لكن…… قلتَ سابقًا، جلالتك، إنّك لا تنوي أن يكون لك محظيّة.»
كان يعلم أنّ الكلمات لم تُقل من عاطفة.
كان ليونارد كإمبراطور هو من تؤمن به تينيري.
لذا، لم يكن الأمر يتعلّق بتصديق حبّه، بل بثقتها بأنّه لن يعرّض خلافة العائلة الإمبراطوريّة للخطر.
رغم أنّه يعلم ذلك، فلماذا شعر بسعادة إلى درجة أنّ الضغينة في قلبه ذابت كالثلج؟
لماذا كان مسرورًا إلى هذا الحدّ لأنّ هدوءها ولامبالاتها متجذّران في الثقة لا في اللامبالاة؟
‘يبدو أنّني أصبحتُ فوضى تامّة.’
ضحك ليونارد بمرارة. كانت تينيري تمسح لعاب حول فم الطفل.
التقت عيناه بعيني الطفل الذي يشبهه تمامًا، وابتسم كأنّه ينظر إلى أجمل شخص في العالم.
لا يوجد أب أسوأ من الذي يغار من ابنه.
مدّ ليونارد يده ببطء ومسح رأس الطفل.
ابتسم الطفل ببراءة، غير عالم بما يدور في بال أبيه.
التعليقات لهذا الفصل " 76"