“سأفعل أيّ شيء من أجلكِ… لذا أرجوكِ، لا تعيدي هذا مجدّدًا.”
كان الصوت في أذنها متوسّلًا. أمسكت تينيري ذراعه بلطف.
“أعلم أنّني أخفتك كثيرًا.”
“…”
“في المستقبل، سأجعل طلب إذن جلالتك أولويّة في أيّ أمر طارئ. وأنا نادمة جدًّا لأنّني لم أتصرّف بما يليق بمنصب الإمبراطورة، ولأنّني أحرجت من هم دوني…”
تكلّمت ببطء، لكن ليونارد ظلّ ساكنًا. كان تنفّسه ساخنًا على مؤخّرة عنقها.
أدارت تينيري رأسها نحو ليونارد، فالتقت بنظراته التي كانت مثبتة عليها.
“تينيري…”
ابتلعت تينيري ريقها وهو يُسند رأسه على كتفها.
كانت العينان الذهبيّتان الغائرتان تتعلّقان بها.
كانت تلك النّظرة الهادئة المعتادة، لكنّ شيئًا ما فيها كان مختلفًا بشكل غريب.
هل بسبب الضوء الأحمر المتقلّب من المدفأة؟ أم لأنّ الشفتين بدتا قريبتين جدًّا، كأنّهما على وشك الالتصاق؟
‘لماذا هذا؟’
“هل لي أن أقبّلكِ؟”
كان الصوت الهمس حلوًا بشكل لا يُصدّق. لم تستطع تينيري حتى الردّ، فاكتفت بالتحديق إليه.
كان ليونارد ينظر إليها كأنّه ينتظر الإذن.
بعد تردّد لحظة، أومأت تينيري برأسها.
“…إن أراد جلالتك ذلك.”
رغم أنّها أعطت الإذن، لم يقترب ليونارد فورًا.
هل يجب أن تغمض عينيها؟ أم تقترب هي أولًا؟ في تلك اللحظة من التردّد، فتح فمه مجدّدًا.
“أنتِ لا تريدين، أليس كذلك؟”
“لم أكرهه يومًا. حتى الآن… الأمر نفسه.”
كانت كلمات تينيري صادقة. لم تكره يومًا القرب من ليونارد، حتى قبل أن تقع في حبّه. في عالم الزيجات السياسيّة، كان الحبّ يُعتبر غير ضروريّ، حتى في غرفة النوم.
علاوة على ذلك، لم يؤذها ليونارد يومًا في اتحادهما الإلزامي من أجل الخلفاء. لم تكره تينيري تقبيله يومًا، فما بالك بالأكثر من ذلك.
بعد ردّ تينيري، رفع ليونارد يده ببطء.
دفع شعرها الجافّ قليلًا جانبًا، ثمّ وضع يده على خدّها، فظلّت تينيري تنظر إليه دون حراك.
في كلّ مرّة تستجيب له، كان ليونارد يشعر كصبيّ يخوض قبلته الأولى.
تحوّل القلق إلى يقين، واليقين إلى فرح.
‘أنتِ لا تزالين تحبّينني، وأنا لا زلتُ أحبّكِ من قبل…’
دفن ليونارد وجهه في عنق تينيري. عندما لامس تنفّسه بشرتها العارية، انتفضت، لكن ذلك كلّ ما هنالك.
“تينيري.”
“نعم، جلالتك.”
“ناديني باسمي مجدّدًا.”
“…”
ربما كان طلبًا غير متوقّع؛ أغلقت تينيري فمها لحظة.
متردّدة؟ أم أنّه يتوهّم؟ في تلك اللحظة، قبض القلق على عقله.
“ليونـ.”
“…”
“ليونارد.”
تسلّلت لمسة رقيقة إلى شعره. تردّد الصوت المنخفض في أذنه.
حتى ذلك وحده جعل قلبه يخفق بقوّة.
رفع ليونارد رأسه. طبع شفتيه على شفتيها، وخدّيها، وجبهتها، وجفنيها، وأذنيها، وعنقها دون تردّد.
“تينيري، تينيري.”
كان هناك نبرة يأس في صوته، وكان هناك لمسة تردّ عليها.
عانقها ليونارد بسرعة. صرّ السرير القديم الذي بالكاد يتّسع لشخص واحد بصوت عالٍ عندما استلقت تينيري.
كانت أصوات الخيول والعربات من خلف الجدار تصل إلى أذنيهما بين الحين والآخر.
نظر ليونارد إلى تينيري المستلقية على السرير وابتلع ريقه.
الخدّان الأحمران تحت الشعر الأقلّ جفافًا، والشفتان المرطوبتان بتنفّسها، والعنق النحيل المكشوف له وحده، والعينان اللتان لا تحويان سواه.
شخص يمنحه شعورًا بالامتلاء لا يُعوّض، وفي الوقت نفسه عطشًا لا يُروى.
وليونارد يعرف كيف يُشبع هذا العطش.
“أحبّك.”
عندما نطق أخيرًا بالكلمات التي ظلّت صامتة طويلًا، بدا أنّ ركنًا ضيّقًا في صدره قد انفتح الآن فقط.
لم تتحرّك تينيري.
أمسك ليونارد يدها، وشبك أصابعهما كأنّه لا يسمح لها بالهرب.
“أحبّك، تينيري.”
كرّرها. لكن تينيري لم تردّ بعد.
كان التعبير المتجمّد على وجهها موجودًا في تلك اللحظة. تجمّدت لمسة ليونارد في الوقت نفسه.
“تينيري…”
“جلالتك.”
لم يفت ليونارد التغيّر في طريقة مخاطبتها له.
كان الدفء الذي كان يعكس دفءه في عينيها قد برد الآن.
لكنّه كان مؤقّتًا فقط. رفعت تينيري زوايا فمها بحذر وهي تنظر في عينيه.
“ألستَ أنتَ من قال لا نتمسّك بهذه المشاعر؟”
كانت ضحكة ماكرة قليلًا، من النوع الذي يظهره الخجولون غالبًا.
دفعت تينيري صدره برفق. كانت مقاومة خفيفة جدًّا، لكنّها كافية لتجعل ليونارد يتراجع.
نهضت تينيري ببطء، تاركةً ملابسها تنزلق إلى كتفيها.
“لا داعي لأن تفعل هذا؛ سأعود إلى القصر، لذا لا حاجة لأن تتصرّف هكذا.”
كان صوتها حنونًا، لكنّ هناك عدم تصديق تحته.
أنكر ليونارد بسرعة: “ليس الأمر كذلك. أنا حقًّا…”
“إذًا، ألم أكن أمثّل جيّدًا بما فيه الكفاية؟”
“…”
“هل أسأتُ التمثيل أمام الخدم؟ إن لم يكن ذلك، فـ…”
كأنّها تتجنّب النظر إليه، أطرقت تينيري. بعد صمت لحظة، تكلّمت.
“…أعجبتك تلك الليلة إلى هذا الحدّ؟”
“…”
“لم أكن أعلم أنّك تحبّ مثل هذه الأمور.”
تشنّج وجه ليونارد بعدم تصديق. كان من غير المعقول أن تخرج هذه الكلمات من الشخص نفسه الذي كان يقبّله بحرارة قبل دقائق فقط.
لماذا…
“هل بدوتُ لك… فظّة إلى هذا الحدّ؟”
“لا أفكّر بك بسوء. أعلم أنّ الحبّ والرغبة شيئان مختلفان، ولم أكره يومًا قضاء الليالي مع جلالتك.”
“…”
“إن كنتُ قد أثقلتُ عليك تلك الليلة، فأنا آسفة، لكن إن استمتعتَ بها فأنا مرتاحة.”
ظلّت طريقتها لطيفة وكريمة باستمرار. شعر بالغرابة وهو من يشعر بالإهانة من تلك الكلمات.
“هل يبدو الأمر مستحيلًا إلى هذا الحدّ أن أحبّك؟”
هل يفعل هذا ليمنعني من الرحيل دون كلمة أخرى؟ ليجعلني أتصرّف بطبيعيّة أمام الخدم؟ ليجعلني أتشبّث به كما فعلت تلك الليلة؟
انفجرت ضحكة مريرة على سلسلة الكلمات.
وردّت تينيري وعيناها مطرقتان.
“أنا فقط لا أريد أن أمرّ بذلك مجدّدًا.”
لقد كان بالفعل رجلًا خدع مشاعرها مرّة.
جاء ليأخذ وليّ العهد، ومع ذلك تظاهر بأنّه لا يعلم بوجود الطفل وهمس لها بالحبّ.
وعندما انكشف ذلك، ماذا قال؟
‘سوف تربّين الطفل المولود في القصر كابن غير شرعيّ فقط.’
من أجل الطفل ومن أجل الإمبراطور المستقبليّ، كان من الأفضل أن تتبعه بطاعة، لكنّها كانت لا تزال تملك كفاية من الكرامة لئلّا تقع في الكلمات نفسها مجدّدًا.
كان من الأفضل أن يعاقبها لأنّها جاءت إلى أمّها دون إذن، أو أن يطلب منها أن تكون أكثر حميميّة أمام شعبه.
لم تكن تريد أن تمرّ مجدّدًا بخيبة الأمل والإحباط من خداعه لمشاعرها، ذلك العار الذي شعرت به حينها.
بعد ردّ تينيري، نظر إليها ليونارد بتعبير أحمق.
لكنّه كان للحظة فقط. ثمّ عبس. كانت اللمسة اليائسة التي أمسكت يديها الخشنتين عاجلة.
التعليقات لهذا الفصل " 67"