الفصل 131
كان الزّفاف أكثر ألوانًا من أيّ وقت مضى.
كانت القاعة الكبرى مكتظّة بالضّيوف.
على عكس الزّفاف الأوّل، الذي كان مستعجلاً وحضره فقط نبلاء الإمبراطوريّة، شمل هذا عدّة مبعوثين من الدّول الجارّة الودّية.
كان هذا الزّفاف مخطّطًا منذ اللحظة التي عُلم فيها أنّ الإمبراطورة ولدت ابنًا.
كانت القاعة، المزيّنة بالتّوليب والبيغونيا، مليئة بأصوات الأوركسترا.
أخذت تينيري نفسًا عميقًا ووضعت يدها على ذراع أخيها.
إريك، الذي تعذّب من أخته لأيّام، عبس لكنّه قدّم ذراعه بطاعة.
«أنتِ كبرتِ تمامًا، هل حقًّا يجب أن تمشي في الممرّ معي؟»
«آسفة، أخي. ربّما تريد الإمساك بيد لورا بدلاً من ذلك.»
«سنرى في ذلك.»
صرّ إريك على أسنانه بينما تمتمت تينيري بشيء صغير.
لكن عندما انفتح الباب، خطا من خلاله بأناقة كعادته.
كانت على السّجّادة الحمراء بتلات زهور متناثرة، وجانبا المنصّة مزيّنان بأزهار ساطعة، مع شموع موضوعة في شمعدانات فضّية تضيء المحيط بلطف.
مشيت تينيري ببطء، ذراعًا في ذراع مع أخيها.
مع كلّ بتلة تدوسها حذاؤها، اقترب شكل ليونارد أكثر فأكثر، وكانت هناك همهمات إعجاب بفستانها الجميل.
وقف ليونارد في وسط الممرّ، منتظرًا تينيري، تمامًا كما في زفافهما الأوّل.
عندما التقيا أعينهما، لم يستطع إلّا أن يبتسم بخجل.
«تبدين…… جميلة، تينيري.»
«أنتَ أيضًا، ليون.»
ابتسمت تينيري ووضعت يدها في يد ليونارد.
عندما انتهى إريك من القيادة، مشيا بعيدًا معًا.
«رغم أنّنا فعلنا هذا مرّة من قبل…… لا أزال متوترة قليلاً.»
لفّ ليونارد أصابعه حول ظهر يدها دون كلمة.
شعرت بيده الكبيرة فوق قفّازها الدّانتيل.
شعرت بغرابة مألوفة.
تذكّرت المرّة الأولى التي مشت فيها معه على هذه المنصّة، كيف هدّأ توتّرها.
«…… أمسكتني هكذا حينها أيضًا.»
«أعطيتني عذرًا للإمساك بيدكِ.»
انفجرت تينيري في الضّحك عند الهمس المنخفض. كان في هذه اللّحظة التي خطوا فيها جنبًا إلى جنب.
«ماما!»
صرخ جوشوا عندما رأى أمّه في رأس الممرّ.
عانقت لورا الطفل بسرعة لتهدئته، لكنّه لوّح بيديه نحو أمّه وأبيه.
«هو…… متوتر من كلّ هؤلاء النّاس.»
«إنّه حدثه الرّسميّ الأوّل.»
تمتم ليونارد، وأومأت تينيري برأسها قليلاً ردًّا.
رغم أنّ جوشوا طفل يحبّ النّاس ولا يمانع الغرباء، إلّا أنّ البعد عن أمّه في هذا الجوّ غير المألوف جعله يبدو غير مرتاح بوضوح.
نظرت تينيري إلى الضّيوف بقلق، ثمّ استدارت برأسها نحو ليونارد.
ليونارد، الذي كان ينظر أيضًا إلى مقعد جوشوا، التقى عيناه بعيني تينيري وأومأ ببطء.
«أحضروا الأمير هنا.»
عند أمر الإمبراطور، حملت لورا الطفل بسرعة بين ذراعيها.
تشبّث جوشوا بمربّيته كأنّه يعلم أنّه مراقب، ناظرًا إلى أمّه وأبيه.
قبل ليونارد الطفل نيابة عن تينيري الحاملة الباقة.
بينما ضحك جوشوا براحة في حضن أبيه، قطفت تينيري زهرة واحدة من الباقة وقدّمتها للطفل.
أخذ جوشوا الزّهرة بيديه الصّغيرتين.
«يبدو أنّ جوش هنا لمساعدة ماما على الاسترخاء.»
«سيصبح ولدًا كبيرًا، إذ إنّه يحاول بالفعل التّفوّق على أبيه.»
بهمس صغير، توقّفا أمام المنصّة.
كان المشرف على الحفل صمويل ترافيل، جدّ ليونارد من جهة الأمّ.
نظر الدّوق العجوز إليهما بابتسامة لطيفة.
«إنّه شرف لي أن أشرف على حفلكما، جلالتكما.»
طوال الخطبة الطّويلة، نظر تينيري وليونارد بعضهما إلى بعض، ثمّ إلى جوشوا، الذي ضيّقت عيناه وهو يدرس الزّهور والشّموع على المذبح.
‘لقد هربتُ إلى أرض غريبة لحماية هذا الطّفل.’
خائفة أن يؤذيه أحدهم، أو أن يُؤخذ منهما.
ما أطول الوقت الذي فرّقهما بعد سوء فهم قصير.
«…… هل تقسمان، جلالتكما، على الثّقة والحبّ لبعضكما حتّى نهاية أيّامكما؟»
عند سؤال صمويل، نظر الاثنان بعضهما إلى بعض.
كان هناك حنان لا يمكن إنكاره في نظرتهما.
حبّ لم ينطفئ أبدًا.
* * *
بعد انتهاء حفل الزّفاف والاستقبال، عادت تينيري إلى قصر الإمبراطورة.
كان الحفل سيستمرّ ليومين بالطبع، لكن من العادة أن يغادر الزّوجان الجديدان الاستقبال أوّلاً.
استحمّتها الخادمات بوجه مرح ودلّكن جسدها بحذر.
كان جسدها متوترًا، لكنّها كانت متحمّسة أيضًا لفكرة ليلتها الأولى الثّانية معه.
«هل نام الأمير؟»
«نعم، جلالتك، كنتُ خائفة أن لا يتعرّف على القصر، لكنّه نام أبكر من المعتاد.»
«يجب أن يكون متعبًا جدًّا.»
كان الابن الإمبراطوريّ الوحيد، الذي يشبه الإمبراطور، والإمبراطور المستقبليّ.
لم يكن غريبًا أن يركّز انتباه الضّيوف على الطّفل، الذي لم يبلغ الثّانية بعد.
رغم أنّه طفل يحبّ النّاس ويطيع جيّدًا، إلّا أنّ مثل هذا الانتباه بدا ثقيلاً جدًّا.
بعد التّدليك، ارتدت تينيري رداء حريريًّا فوق قميص نوم رقيق ودخلت غرفة النّوم.
كان ليونارد ينتظرها، مستلقيًا على السّرير.
«مرحبًا، تينيري.»
عند صوته الحنون، هرعت إليه.
غطّت خدّه وقبّلته بلطف.
«……مرّت سبع سنوات.»
لفّ يد كبيرة حول خصرها وسحبها قريبًا. سقطت تينيري طواعية في حضنه.
«قلتَ لي هنا، ألّا أطلب الحبّ.»
«و…… أيّ نوع من الأحمق قال ذلك.»
عند تنهّده المختلط بهمس، انفجرت تينيري في الضّحك دون قصد.
مرّرت يد كبيرة في شعرها، ثمّ غطّت خدّها.
قبّل جبهتها، ثمّ خدّها، ثمّ شفتيها.
«إذًا…… أنتَ تسحب ما قلته حينها؟»
«قاله أحمق وضيع، وأعتقد أنّه أفضل إن نسيتِه.»
مع ذلك، قبّل ليونارد شفتي تينيري لوقت طويل، مبتلعًا أنفاسها النّاعمة.
بعد لحظة طويلة من ردّ القبلة، رفعت تينيري رأسها.
«ليون، هل تناولتَ…… الحبّة؟»
كانت تقصد حبوب منع الحمل. أومأ ليونارد.
استمرّت تينيري.
«إذًا…… لا تزال لا تفكّر في إنجاب طفل ثانٍ؟»
«……»
توقّف ليونارد عند السّؤال الحذر لكنّه أومأ مرّة أخرى.
«قلتُ لكِ سابقًا، يكفيني أنّكِ ولدتِ جوش.»
«لكن……»
«أنتِ صغيرة جدًّا و…… ضعيفة، تينيري.»
ضغط ليونارد معصم تينيري بلطف.
كأنّه يقارن سماكتهما، أحضر حتّى معصمها بجانب معصمه.
رغم اختلاف هيكلهما العظميّ، رؤيته يفعل ذلك من القلق جعلها تشعر بسعادة غريبة.
«لا تقلق، تعرف أنّني لستُ ضعيفة إلى هذا الحدّ.»
«لا أعرف.»
«كيف يمكن لشخص ضعيف إطلاق السّهام وركوب الخيل؟ ألن يكون رائعًا لجوشوا أن يكون له أخ؟ أعتقد أنّني أستطيع تحمّل طفلين آخرين على الأقلّ.»
لا ركوب الخيل ولا الرّماية أمور يمكن فعلها دون قوّة بدنيّة وتحمّل أساسيّين.
حاولت تينيري إقناعه، لكن ذكر طفلين جعل ليونارد يهزّ رأسه أقوى.
«مع واحد بالفعل صعب. إن كبرتِ أو أصبحت ذراعاكِ أسمك من ذراعيّ، ربّما.»
«ماذا، لا تكن سخيفًا……»
«لا أريد أن تمرضي.»
عانق ليونارد تينيري بقوّة وأسند رأسه على رأسها.
مرّرت تينيري يدها على ذراعه.
«أنا أقوى بكثير ممّا تظنّ، ليون. لذا لا تقلق كثيرًا.»
فرك ليونارد ذراعها دون كلمة.
لمسه من المعصم إلى الكوع إلى السّاعد ولا يزال يبدو متردّدًا.
«أنا…… غير متأكّد.»
«ليس الأمر فقط عن استخدام ذراعيّ، إنّه أيضًا عن كتفيّ وظهري…»
عند كلمات تينيري، انتقلت اليد التي كانت تداعب ذراعها إلى كتفها ثمّ انزلقت أسفل ظهرها.
أصبح اللمس أكثر رقّة بطريقة ما.
«……ليون؟»
«ربّما بسبب الملابس السميكة…»
«……»
كان في تلك اللّحظة التي أدركت فيها أنّ ظلًّا سقط على وجهها.
انحنى جسده إلى جانب واحد. حدث صوت خفيف، صوت.
«……هل يمكنني التّحقّق؟»
استدارت تينيري في السّرير ونظرت إلى ليونارد، الذي كان يحدّق فيها كأنّه ينتظر الإذن.
ضيّقت تينيري عينيها عليه لكنّها مدّت يدها نحو يده.
«لم ننتهِ من الحديث بعد.»
«نعم، لا نزال في الوسط.»
ثمّ مال وقبّلها على شفتيها.
ضحكت تينيري بهدوء من القبلة المغتاظة.
«أنا فقط يجب ألّا أكون ضعيفة، أليس كذلك؟»
سألت، لفّت ذراعيها حول عنقه، وأومأ ليونارد. انفجرت تينيري في الضّحك.
«قد تتعب أنتَ أوّلاً.»
«لا أعتقد أنّني جرّبتُ الخروج أوّلاً.»
مال ليونارد ببطء إلى الخلف.
صدى ضحك مغتاظ في غرفة النّوم المضيئة بضوء القمر.
كان مجرّد وقت قبل أن يمتزج الضّحك بالحرارة.
التعليقات لهذا الفصل " 131"