«يبدو أنّ التّجديدات انتهت مبكّرًا، بفضل الحرّاس. كان سيستغرق وقتًا أطول بكثير لو دخل لصّ أو خرج.»
حتّى مع أفضل نظام أمنيّ، كان القصر الذي اختفى صاحبه هدفًا جيّدًا لللّصوص.
بعد أن يفرّ السّكّان بأغراضهم الثّمينة، يتدفّق اللّصوص، يأخذون كلّ ما يبدو سليمًا.
كلّ شيء يمكن بيعه، حتّى المسامير في الجدران والنّوافذ، يُنتزع ويُحوّل سريعًا إلى أنقاض.
«كنتُ أعلم أنّني سأجدكِ، لذا كان ذلك طبيعيًّا فقط.»
«لأنّكَ كنتَ تعلم أنّني أحمل جوش؟»
سألت تينيري، عائدة بنظرها إلى ليونارد. كان سؤالاً يأمل في النّفي.
كأنّه يعلم، انحنى ليونارد وقبّلها على شفتيها.
«لأنّني دائمًا أحببتُكِ.»
لماذا لا تملّ همسات الحبّ أبدًا؟
شاهدت تينيري ليونارد يحدّق فيها، ثمّ مدّت يدها ببطء. جاء دفء كأنّه كان ينتظر.
كانت قبلة طويلة، متمهّلة.
* * *
كان مهرجان العشيّة أكثر روعة وفخامة من أيّ وقت مضى.
بعد أن أخذت تينيري وليونارد جوشوا لرؤية الاحتفالات، حدّق إريك خارج النّافذة في الغسق، غارقًا في التّفكير.
‘يبدو مشبوهًا.’
عند التّفكير في الأمر، كانت امرأة خبيثة تسعى وراء زوج أختها.
كانت جيّدة جدًّا منذ أن أصبحت مربّية، لكنّها ربّما كانت تخفي طبيعتها الحقيقيّة وتفكّر في شيء آخر.
‘كانت مطمئنّة جدًّا.’
حتّى لو لم تهتمّ تينيري بها، كأخ، لم يكن يجب أن يكون كذلك.
كان يجب أن يشكّ وينتبه لمنع أخته أو ابن أخته من الاستغلال.
حدّق إريك خارجًا لوقت طويل، ثمّ نادى رئيس الخدم. انحنى رئيس الخدم الأكبر سنًّا له.
«المربّية؟»
«لا تزال في غرفتها. لا يوجد شيء مشبوه آخر.»
«هي…… ليست خارجة للنّزهة أو شيء؟»
«لا، سيّدي.»
رفع إريك حاجبًا عند إجابة رئيس الخدم.
تبقى محبوسة في غرفتها كلّ هذا الوقت؟ لماذا؟
«…هل هي غير بخير؟»
تساءل إن كان يشكّ بشكل غير معقول. ربّما كانت مريضة فعلاً.
لكن هزّ رئيس الخدم رأسه.
«رغم أنّني سألتها، قالت إنّه ليس ذلك. تريد فقط الرّاحة وحدها…»
«اطلب منها المجيء إلى غرفة الرّسم. و…»
شدّ رئيس الخدم قبضته وانتظر الأمر التّالي.
بعد لحظة طويلة من الحديق خارجًا في التّفكير، تحدّث إريك.
«أحضر بعض النّبيذ.»
* * *
نزلت لورا إلى غرفة الرّسم بعد وقت قصير من مغادرة رئيس الخدم.
إريك، الذي كان جالسًا على الأريكة ينتظر، رفع نظره فور فتح الباب.
«أنتِ هنا؟»
«…قالوا إنّكَ تبحث عنّي، ماركيز.»
فتحت لورا فمها للكلام بعبوس. كان مظهرًا غير مألوف لإريك.
هل كانت مريضة فعلاً؟
«ما… الخطب؟ هل تشعرين بوعكة؟»
«ماذا؟»
«كنتِ في غرفتكِ طوال اليّوم. رفضتِ حتّى الذّهاب إلى مهرجان العشيّة.»
«أوه……»
جعل سؤال إريك لورا تبدو حائرة، لكن فقط للحظة قبل أن تبتسم بخجل.
«أنا فقط…… متعبة قليلاً. شكرًا لقلقكَ، ماركيز.»
«لا، إنّه… ليس قلقًا فقط…»
شعر إريك بإحراج قليل، فشدّ شفتيه. ثمّ استعاد رباطة جأشه بسرعة ورفع زاوية فمه بلامبالاة.
«إن لم يكن لديكِ شيء آخر تفعلينه، فكّرتُ في دعوتكِ لشرب كأس.»
«ماذا؟»
«بما أنّ الزّوجين الإمبراطوريّين والأمير سيقضون وقتًا معًا، لماذا لا نستمتع نحن بأنفسنا؟ ما رأيكِ؟»
لم ينتظر إريك حتّى إجابة، فقط أدخل الفاتح في الفلّين ودار به.
تظهر طبيعة شخص الحقيقيّة عندما يسكر، لذا خطّط لإسكارها بما يكفي لتفضفض.
قريبًا، انفتح الفلّين بصوت مرح.
صبّ إريك النّبيذ في الكؤوس على الطّاولة وقدّمها.
لكن لورا لم تأخذ الكأس.
«ماذا؟ أحضرتُ لكِ غاليًا عمدًا.»
«……هل تحاول مغازلتي؟»
تجمّدت يد إريك في مكانها عند السّؤال الحذر.
أطلق ضحكة صغيرة.
«النّاس، حقًّا. عندما يدعو رجل امرأة للشّرب، هل دائمًا يكون بنيّة خبيثة؟ إنّه فقط… هيّا؟ شخصان يشربان، يجريان حديثًا صادقًا. يعلق النّاس في التّحيّزات.»
«إنّه تحيّز نابع من التّجربة. كلّ مرّة دعاني رجل للشّرب، كان دائمًا بنيّات كهذه.»
«……»
ترك إريك عاجزًا عن الكلام من الرّد اللامبالي.
ابتسمت لورا بسخرية من تعبيره الحائر وجلست مقابلته، ثمّ رفعت كأسها بلامبالاة إلى فمها.
نظر إريك إلى وجهها اللامبالي.
«هل تمانعين إن لم أفتح ذلك…… الباب، إن كان يجعلكِ غير مرتاحة؟»
«دعوتني لاختباري، أليس كذلك؟ لأنّكَ شككتَ إن كنتُ أفكّر بشكل غريب؟»
سكت إريك مرّة أخرى عند التّعليق المباشر.
مدّت لورا كأسها الفارغة نحوه دون إساءة.
نظر إريك إليها ثمّ صبّ النّبيذ في كأسها المائلة.
«… هذا هراء. هل يزعجكِ شيء؟»
«لا داعي للكذب عليّ، أعرف كم يهتمّ الماركيز بالإمبراطورة.»
«……»
«لا تقلق كثيرًا، هدفي هو تربية الأمير جيّدًا حتّى يُتوّج. أعرف أنّكَ لا تحبّني، لكن… أنا لستُ غبيّة إلى حدّ قطع رزقي بنفسي.»
يحمل منصب مربّية ملكيّة مسؤوليّة ثقيلة، لكنّه يأتي أيضًا بمكافآت كبيرة. خاصّة لمربّية أمير، لم يكن نادرًا أن يتلقّين ألقابًا تقديرًا لجهودهنّ، ما يجعل المربّيات غير المتزوّجات مرغوبات جدًّا في سوق الزّواج.
«ما الذي تتقدّمين به بنفسكِ؟ لم أقل أبدًا إنّني لا أحبّكِ……»
«قلتَ إنّني لم أكن مضطرّة للمجيء.»
أخبرتها تينيري أنّ إريك يفكّر فيها جيّدًا، لكن لورا لم تصدّقها.
كان ذلك بسبب ما قاله إريك في اليّوم الذي جاءت فيه إلى القصر.
إن كان يتمنّى عدم مجيئها، كان يجب أن يقوله مسبقًا.
بدلاً من قول شيء، جعلها تبدو كضيفة غير مدعوّة في تجمّع عائليّ.
«لا، اسمعي. لم أقصد ذلك.»
رفع إريك يديه بسرعة.
«أوه، قصدتُ أنّكِ يجب أن تأخذي استراحة لبضعة أيّام بدلاً من المجيء هنا. هل سيحدث فرقًا إحضاركِ هنا؟ ستشاهدين جوش أكثر في المستقبل، ويجب أن تكوني معه طوال الوقت على أيّ حال. إنّه فقط لأخذ بضعة أيّام لالتقاط أنفاسكِ. لا تأخذيه بشكل خاطئ…»
حدّقت لورا في إريك بعدم تصديق بينما استمرّ، ثمّ عبست وجهها.
«إذًا كان يجب أن تقول ذلك من البداية. ما الخطب في قوله بلطف؟»
«لا، لم أقله لتسمعيه في المقام الأوّل. هل قلته بصوت عالٍ؟ هل؟»
«أنتَ دائمًا تتحدّث هكذا!»
«أوه، ماذا أفعل…»
عندما أدرك إريك كم بدا وقحًا، أغلق فمه.
أفرغت لورا النّبيذ، الذي كاد يفيض من كأسها. أوقفها إريك بسرعة.
«لماذا تشربين بفظاظة إلى هذا الحدّ؟»
«ما الخطب في وصف سيّدة بـ’الفظّة’؟ كنتَ تدعوني مجنونة سابقًا.»
«……آه، ذلك لأنّني……»
«نعم، حسنًا، عائلتي لا تعاملني حتّى كإنسانة، فلماذا تشعر أنتَ بذلك تجاهي، ماركيز؟ على الأقلّ لا تطلب منّي إخراج المال.»
شدّ إريك شفتيه عند التّذمّر، عاجزًا عن إيجاد كلمات للرّد.
عندما أفرغت لورا كأسها الكاملة من النّبيذ مرّة أخرى، خدش إريك رأسه وفتح فمه للكلام.
«حسنًا، أنا لستُ أجمل المتحدّثين من الأساس، والعيش في الشّمال لسنتين جعل الأمر أسوأ فقط……»
«……»
«……حسنًا، آسف، لن أفعل ذلك بعد الآن، حسنًا؟»
قال إريك، لكن لورا فقط أحنَت رأسها وعبست.
مسح إريك يده عبر وجهه، كأنّه على وشك الضّحك، ثمّ تنهّد بثقل.
«حسنًا إذًا، هذا هو الاتّفاق. إن قلتُ شيئًا سيّئًا لكِ مرّة أخرى، اضربيني في الفكّ.»
«……»
«أو ماذا…… اضربيني الآن، ما رأيكِ؟»
عند كلمات إريك، رفعت لورا رأسها فجأة.
«لا يمكنكِ الضّرب……، إنّها سنّ أماميّة دائمة، لن تنمو مرّة أخرى، ماذا لو انكسرت؟»
«لا، قصدتُ الضّرب بقبضتكِ……»
تساءل كم قويّة ستضربه، لكنّه شعر بالرّاحة لرؤية زوايا فمها تنثني.
صفّى إريك حلقه وسأل.
«هل تشعرين بتحسّن الآن؟»
«……قليلاً.»
أجابت لورا، مصنعة فجوة بين إبهامها وسبّابتها، لكن ذلك كلّ ما فعلته، أفرغت شرابها.
نظر إريك إليها خلسة.
«هل عائلتكِ تطلب منكِ إرسال…… مال؟»
«أحيانًا. بما أنّ وجباتي كلّها مقدّمة من القصر، فهم يظنّون أنّني لا أحتاج مالاً.»
التعليقات لهذا الفصل " 128"