الفصل 120
كان قصر الماركيز منظَّمًا بما يكفي لتأتي تينيري وتقيم فيه.
تمّ الانتهاء من استعدادات الزفاف، والآن كلّ ما عليها فعله هو العودة إلى قصر الماركيز حتّى يرسل الإمبراطور طلب الزواج.
«…لا تقلقي كثيرًا ممّا قاله الماركيز.»
قال ليونارد بوجه شاحب. ضحكت تينيري و هزت رأسها.
«جلالته لم يشكّ فيّ أبدًا، فلماذا أهتمّ بما يقوله رجل تافه؟»
كان صوتها ومحتوى كلامها كلّهما حنونًا، لكنّه كان يعلم أنّه لا توجد في تلك الكلمات عاطفة أكثر من ذلك.
مع ذلك، كان من المغري أن يضع قليلاً من الأمل في تلك الكلمات، فابتسم ليونارد قليلاً.
«إذًا… هل أنا… شخص ذو قيمة بالنسبة إليكِ؟»
«بالطبع.»
أومأت تينيري دون تردّد.
لكن ذلك كان كلّ شيء. لم تحدّد ما إذا كانت تلك القيمة مجرّد أب للطفل، أم شيئًا أكثر.
رغم أنّه أراد قول شيء ما، إلّا أنّ رؤية ابتسامتها الهادئة جعلته عاجزًا عن الكلام.
إنّه يخاف من نفسه ولا يستطيع إلّا قول الأمور الصحيحة.
‘كما قال إريك، كنتُ أتساءل إن كنتُ أقيس متى سيبدو الأمر معقولاً أن أهمس بالحبّ لأنّني خائف.’
«سأذهب إلى الماركيزية غدًا.»
تحدّثت تينيري. أومأ ليونارد ببطء.
«إذًا سأرسل لكِ خطاب الزواج فور وصولكِ إلى القصر.»
امتثالاً لرغبتها في عدم الابتعاد عن طفلها طويلاً، خطّطت تينيري للعودة إلى القصر فورًا بعد استلام دعوة الزفاف.
لمس ليونارد يد تينيري بلطف.
«بعد الزفاف، أنتِ وجوشوا مرحّب بكما في البقاء في قصر الماركيز. لقد أخبرتُ اللورد إيفان بالفعل، فلا تقلقي بشأن ذلك.»
«شكرًا لكَ، جلالتك.»
مشى الاثنان ببطء.
أصبح ضحك الطفل أعلى صوتًا كلّما اقتربا من قصر الورد.
الآن وقد أصبح الطقس دافئًا، كانت لورا غالبًا ما تأخذ الطفل إلى الحديقة عندما تشرق الشمس.
جوشوا، الذي أصبح أكثر نشاطًا مع نموّه، كان يستمتع بالركض في الحديقة.
كان في السنّ التي يحاول فيها فعل الأشياء بنفسه بدلاً من أن يُحمَل في حضن أمّه.
في أوقات الوجبات، كانت يداه الصغيرتان تمسكان بالملاعق والشوك بجنون، وعندما يحين وقت شرب الماء، كان يمسك كأسه بنفسه.
عندما يكون في الحديقة، كان يستمتع بغمس يديه في البركة الصغيرة أو اللعب بالكرة لوحده.
«أوه، هل وصلتما؟»
نهضت لورا، التي كانت جالسة على ركبتيها تلعب في الطين مع الطفل، فجأة عندما رأت تينيري وليونارد.
جوشوا، الذي كان يمسك مجرفة نموذجية صغيرة، ضحك أيضًا عندما رأى أمّه وأباه.
«ماما! بابا!»
«جوش، هل استمتعت؟»
«ياي!»
«يجب أن تقول ‘نعم’.»
«نيه!»
أجاب جوشوا بمرح. مسحت لورا التراب عن يديه وملابسه.
«يبدو أنّ الجوّ يظلم، فلندخل الآن.»
«حسنًا. هيّا ندخل، جوش.»
«لا.»
أمسك جوشوا بالمجرفة المغطّاة بالتراب بقوّة وحفر بجدّ.
بما أنّه لم يستطع التعبير عن رفضه بشكل صحيح بعد، كان غالبًا ما يعبّر عن نواياه بـ«نعم» و«لا».
ابتسمت تينيري واقتربت من الطفل.
«هيّا ندخل ونأكل بعض الشوكولاتة.»
«شوكو؟»
بدا جوشوا مهتمًّا بكلام تينيري.
«نعم. أنتَ تحبّ الشوكولاتة، أليس كذلك؟»
«ياي!»
«يجب أن تقول ‘نعم’، صاحب السموّ.»
«نعم!»
أجاب جوشوا بسرعة. ربتت تينيري على رأسه.
«إذًا، جوش، هل ندخل لنأكل بعض الشوكولاتة؟»
«ياي!»
«يجب أن تقول ‘نعم’.»
«نعم!»
«هل ندخل؟»
«ياي!»
حتّى بعد تكرار ذلك عدّة مرّات، كانت إجابته الأولى دائمًا «ياي»، فانفجرت تينيري في الضحك في النهاية.
نظر ليونارد إلى عينيها المنحنيتين كالهلال. كانتا عينيّ الشخص الذي يحبّه أكثر من أيّ أحد.
نظرة مليئة بالحبّ والحنان، كانت نفس النظرة التي وجّهتها إليه ذات مرّة.
يقولون إنّه لا يوجد أسوأ من أب يغار من طفله، لكنّه لا يستطيع إلّا الشعور بأنّها سُرقت منه.
وكلّ مرّة يشعر بهذا الشعور، لا يستطيع إلّا التفكير في الكلمات التي تركها إريك.
سأل ليونارد بسخرية إن كان يحبّ الطفل.
«تينيري.»
تحدّث ليونارد بعد أن حملت لورا الطفل بين ذراعيها مباشرة.
التفتت تينيري إليه بابتسامة على وجهها.
توقّف نفس ليونارد في حلقه وهو يرى الابتسامة تتلاشى إلى أثر بعيد.
نظرت إليه كأنّها تسأل ما الخطب، لكنّ فمه لم ينفتح بطريقة ما.
كان يجب أن يقول فقط إنّه سيغادر الآن، أو يطلب منها الراحة جيّدًا.
تساءل إن كان يحقد عليها لأنّها لا تبتسم له كما تبتسم لابنهما.
«ألا يمكنكِ أن تحبّيني مرّة أخرى؟»
انطلقت الكلمات باندفاع، واتّسعت عينا تينيري بدهشة.
نظر ليونارد إلى وجهها المندهش دون أن يعرف أيّ تعبير يضعه.
أيّ جواب يمكن أن يتلقّاه يمنحه السلام، ومع ذلك لماذا يصرّ على طلب جواب؟
كان يعلم أنّه سيواجه مشكلة إن استمرّ في قول ذلك.
«……ادخلي أوّلاً مع جوش، لورا.»
قالت تينيري بسرعة، ممسحة إحراجها.
انحنت لورا، التي كانت واقفة هناك حائرة، تحيّة سريعة واستدارت مسرعة.
انتظرت تينيري حتّى دخلت القصر قبل أن تتحدّث.
«إن قلتَ مثل هذه الكلمات أمام الآخرين، فسيؤثّر ذلك على كرامة العائلة الملكيّة، جلالتك.»
قالت تينيري بحزم.
كان ليونارد يعلم ذلك بالطبع. كم سيبدو الأمر سخيفًا أن يتوسّل الإمبراطور حبّ الإمبراطورة.
لكنّه لم يستطع إخفاء القلق الذي ينمو مع كلّ لحظة تمرّ.
‘ماذا لو لم تحبّيني أبدًا مرّة أخرى؟’
‘ماذا لو، كما قال إريك، تتظاهرين بحبّي وأنتِ لا تحبّينني، وتتظاهرين بالسعادة وأنتِ لستِ سعيدة.’
كأنّها تعرف ما يفكّر فيه، تحدّثت تينيري بحذر.
«…هل أنا أسبّب لجلالتك القلق؟»
هزّ ليونارد رأسه ببطء.
«أنا لا أجبركِ، أليس كذلك؟»
«لا، جلالتك. إنّه اختياري أن أبقى إلى جانب الطفل.»
نفت تينيري، لكنّ ليونارد كان يعلم.
أنّه طالما احتفظ بها إلى جانبه هكذا، سيحصل في النهاية على ما يريد.
سواء كان استسلامًا أو صدقًا، طالما كان الطفل هنا، ستعترف تينيري بحبّها له في النهاية.
لذا هذا القلق ليس خطأها. إنّه خطأه لاحتجازها رهينة.
إنّه خطأه لاحتجازها رهينة، لعدم السماح لها باختيارات أخرى.
«…لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً.»
«……»
«أحتاج وقتًا لترتيب مشاعري، فإن استطعتَ الانتظار قليلاً أكثر…»
بدا صوتها كأنّها تتحسّس. بدا صعبًا عليها التعامل مع موقف صعب.
لماذا تكون حذرة إلى هذا الحدّ؟ ما الذي تنتظره؟
كان انتظارًا بنهاية محدّدة مسبقًا من البداية.
منذ اللحظة التي رفض فيها طلبها بالسماح لها بالرحيل مع الطفل.
‘لا، من اللحظة التي ذكرتُ فيها الطفل في غضبها.’
عجزها عن التمرّد عليه كان مقدّرًا مسبقًا.
«……أفهم.»
كان يعلم أنّ كلّ شيء خطأه.
خدع الشخص الذي أحبّه حقًّا ووصل إلى حدّ الضغط عليها.
لكن حتّى مع علمه بذلك، لم يستطع إلّا أن يغلبه العاطفة.
لم يستطع تحمّل رؤية ضحكها ومعرفة أنّ حبّها كاذب.
لأنّه لم يستطع تحمّل تذوّق السعادة التي تنمو من صبرها.
«تقصدين أنّ كلّ ما عليّ فعله هو الانتظار، وسيكون كلّ شيء بخير؛ أنّه إذا تمسّكتُ بجوشوا، ستتحدّثين يومًا ما عن حبّ ليس في قلبكِ.»
«جلالتك، هل هذا ما تقصده…؟»
«إذًا أنتِ تحاولين تهدئتي بكلمات كاذبة، ثمّ الهروب؟»
ارتبكت تينيري بوضوح. أمسك ليونارد كتفها بلطف.
«أرجوكِ، تينيري.»
انحنى ليونارد برأسه، وجهه مشوّه.
«ماذا أستطيع فعله من أجلكِ؟»
«……»
«ماذا أستطيع فعله لتجعلكِ تحبّينني مرّة أخرى؟»
هي فقط لا تريد شيئًا منه. شخص لا يريد شيئًا، كما قال بغباء في الليلة الأولى.
لذا كلّ ما يستطيع فعله هو التوسّل.
‘أرجوكِ أحبّيني. سامحيني. أرجوكِ أخبريني ماذا يجب أن أفعل.’
«……لا أعرف.»
أجابت تينيري دون أن تنظر حتّى إلى وجهه.
‘إذا كان الأمر كذلك، ألا يجب أن تبتسمي لي أو لا تبتسمي؟ ألا يجب أن تركضي إليّ وتعانقيني بقوّة؟ ألا يجب أن تتوقّفي عن تضليلي؟’
لكن في الحقيقة، كان يعرف الجواب.
تظاهر بعدم المعرفة، خائفًا من سماع الحقيقة من فمها، لكنّه كان يعرف الشيء الوحيد الذي طلبتْه منه، ويعرف ما سيضطرّ إلى التخلّي عنه.
«……سأفعل كما تقولين.»
قال ليونارد بثقل. رفعت تينيري نظرها كأنّها لا تفهم.
«ألم تقولي إنّكِ ستأخذين جوشوا معكِ؟»
«……»
«إذا كنتِ لا تزالين تشعرين بذلك، فسأفعل كما تريدين، لذا……»
«……آه.»
أطلقت تينيري تنهيدة قصيرة. توقّف ليونارد عن ما كان على وشك قوله ونظر إليها.
بعد لحظة تفكير، تحدّثت تينيري بحذر.
«سمعتُ أنّكَ برّأت ألينا بعد المحاكمة…»
«……»
«هل تخطّط لتعيين ألينا… إمبراطورة مكاني؟»
التعليقات لهذا الفصل " 120"