كان الصباح المتأخّر من اليوم التالي.
كانت القافلة تتحضّر بنشاط للمغادرة، والفرسان، الذين أصبحوا الآن جزءًا لا يتجزّأ من المجموعة كحرّاس، كانوا يفعلون الشيء نفسه.
فجأة، لم تستطع سينيكا كبح فضولها واقتربت من ليديا بخطوات خفيفة.
“البارون لم يخرج لتوديعنا بسبب ما حدث أمس، أليس كذلك؟”
كانت ليديا قد قرّرت مواصلة الرحلة على ظهر الجواد من هنا فصاعدًا. توقّفت عن صعود حصانها لحظة عند سؤال سينيكا.
“…نعم.”
“ما الذي حدث؟”
“أمر محزن.”
“محزن؟”
“أجل.”
بدت سينيكا مليئة بالتساؤلات. لكن ليديا وجدت صعوبة في تقديم المزيد من التفاصيل.
باستثناء ليديا وإليان وسينيكا، لم يكن أحد يعلم بحدوث شيء في الليل أصلاً.
لذلك، لم يهتمّ أحد بغياب البارون وزوجته، معتبرين الأمر عاديًا.
خاصّة بعد الضيافة الكبيرة التي تلقّوها أمس.
“لقد أحسنتِ أمس. شكرًا لإخبارنا بالأمر الغريب، سينيكا.”
“على أيّ حال، وجدنا الرجل، وهذا يعني أنّني أحسنتُ، صحيح؟”
“نعم. من الآن فصاعدًا، إذا لاحظتِ شيئًا غريبًا، لا تتدخّلي بنفسكِ، بل أخبريني أو إليان. مفهوم؟” “نعم.”
اضطرّت ليديا لتغيير الموضوع.
لحسن الحظّ، ركّزت سينيكا على المديح الذي تلقّته، وبدت راضية وفخورة جدًا.
كان ذلك واضحًا من ركضها نحو إليان بسرعة.
“معلمي! ليديا أختي الكبرى مدحتني!”
كانوا قد غيّروا الألقاب تمامًا تحسّبًا لأيّ طارئ.
شعتر يورين بالحرج، لكن سينيكا تكيّفت بسرعة مع مناداة ليديا بسهولة.
“ليديا؟”
“نعم. سأراقب المناطق المحيطة جيّدًا من الآن فصاعدًا!”
“…جيّد.”
كان مزاج إليان هادئًا ومستقرًا وهو يتحدّث إلى سينيكا.
لم تعرف ليديا ما الذي دار بينه وبين البارون، لكنّها تمنّت ألّا يكون البارون غارقًا في الذنب كثيرًا.
<اتّفقنا على التوقّف هنا في طريق العودة.>
لخّص إليان الموقف في جملة واحدة. كان ذلك كافيًا لتخمين مدى عدم استقرار حالة البارون.
لكن لم يكن بإمكانهم البقاء هنا طويلاً على أيّ حال.
‘ليس ذلك فقط…’
كان هناك شيء يقلق إليان بشأن المستقبل أيضًا.
تحوّلت نظرة ليديا إلى السيف المعلّق على خصر إليان. بدأت تتساءل عما إذا كان استخدام القوّة التي يمنحها ذلك السيف آمنًا حقًا.
شعر إليان بنظرتها ونظر إليها. شعرت أنّ عليها مناقشته.
بالأحرى، كان عليها التحدّث إلى التنّين الذي منح تلك القوّة.
* * *
كان من الصعب إيجاد وقت للحديث مع إليان بصراحة، خاصّة دون أذن صاغية، وهو ما جعل الأمر أكثر تعقيدًا.
“تدرّبتُ بمفردي أمس!”
“أحسنتِ.”
“انظر كم تحسّنتُ!”
“في يومين فقط؟”
“نعم.”
كانت سينيكا المتحمّسة بشكل مفرط تُشغل إليان بحجّة تدريب السيف.
“حسنًا، لنجرّب مبارزة اليوم.”
لكن الأمر الحاسم كان أنّ إليان كان يتجنّبها عمدًا.
بدت وكأنّه يعرف ما تريد مناقشته.
رغم أنّها ظلّت تحدّق فيه وهو يمسك سيفه بلا مبالاة، لم ينظر إليها، مما زاد من تأكّدها.
‘عادةً ما كانت عيناه تلتقيان بعينيّ عندما أنظر إليه…’
كان يتجنّب الحديث معها بوضوح. كان يميل إلى الصراحة عندما يكون لديه ما يقوله، فلم تتوقّع منه هذا الآن.
لكن عند التفكير، كان إليان يصمت غالبًا في الأمور المهمّة حقًا.
كم مرّة اضطرّت ليديا للإلحاح والاقتراب والإقناع لتكتشف المشكلة الحقيقيّة وتحلّها؟
لكن أن يحاول استبعادها بهذا الشكل كان نادرًا جدًا، حتى أنّها شعرت بالارتباك.
‘ظننتُ أنّ مرحلة تجنّبه الكلام قد انتهت منذ زمن.’
شعرت بالإحباط وقرّرت التجوّل حولها قليلاً.
كانت جزر ليسكال على مرمى البصر. قد تصبح هذه الراحة رفاهية في المستقبل.
تأكّدت أنّ هيلدين، الحارس المعتاد، منشغل بمناقشة شيء مع الفرسان، ثمّ غادرت بمفردها.
منذ مغادرة قصر البارون، عادت قوّة الخاتم ومهاراتها إلى طبيعتها.
“ما هذا…”
لم تمشِ كثيرًا حتى وجدت هاوية غريبة. تفاجأت ليديا بانقطاع الطريق فجأة.
لكن عندما اقتربت ورأت ما تحتها، زاد ذهولها.
‘هؤلاء…’
كانوا القتلة الذين هاجموا ليون سابقًا.
كانوا يمتطون خيولاً سوداء غريبة تُشبه ملابسهم، بعيون حمراء متوهّجة تبدو وكأنّها ليست أحصنة حيّة.
‘في ذلك الوقت، قيل إنّنا قضينا على ثلاثة من خمسة، وبقي اثنان…’
فكّرت في استدراجهم بعيدًا، لكن حماية ليون كانت الهدف الرئيسي، فلم تعرّض نفسها للخطر دون داعٍ.
أرسل الخاتم تحذيرًا حادًا كالوخز. ربّما بسبب معرفتها بالعدوّ، كان التحذير أكثر وضوحًا.
كانت تخشى أن يهاجموا ليون وحده، فشعرت بالارتياح لرؤيتهم هنا، لكن الوقت لم يكن مناسبًا.
‘هل يقومون بدوريّة؟’
بدوا هادئين، كأنّهم لا يبحثون عن شيء محدّد، بل يتجوّلون فقط.
‘ظننتُ أنّ الدخول لن يكون مشكلة…’
يبدو أنّ الوضع الداخلي قد تغيّر، أو أنّهم تلقّوا أوامر جديدة.
‘ربّما أراقب تحرّكاتهم أوّلاً.’
كانا اثنين، وليس واحدًا. لم تكن ليديا متأكّدة من قدرتها على التعامل معهما دون إليان.
صحيح أنّها تغلّبت عليهم مرّة، لكنّهم كانوا وقتها شبه معطّلين.
قد تستطيع الدفاع عن نفسها، لكن الهجوم بدا مستحيلاً.
‘سولايا.’
قرّرت استدعاء إليان عبر التنّين.
‘سول، ألن تجيب اليوم؟’
عادةً، عندما تصرخ في ذهنها هكذا، يظهر التنّين، لكن يبدو أنّه لم يكن موجودًا اليوم.
ربّما كان مشتّتًا، أو، كعادته، نائمًا نصف نوم بسبب الكسل.
كان أحد الاحتمالين.
تنهّدت ليديا بصمت. إذا استمرّ هؤلاء في التجوّل هنا، فالمواجهة حتميّة. كان عليها التعامل معهم هنا، لكن القافلة لم تكن بعيدة خلفها.
قد يتمكّن الفرسان من المواجهة، لكن العمّال لا.
‘لذلك…’
بينما كانت غارقة في التفكير والقتلة يقفون بلا حراك، سمعت صوتًا.
“أختي ليديا!”
جاء صوت عالٍ ومبهج. التفتت ليديا مذعورة وهي مختبئة خلف شجرة تنظر إلى الأسفل.
“ماذا تفعلين هناك؟ حان وقت المغادرة، وكنتُ أبحث عنكِ.”
“سينيكا.”
عندما تحقّقت مرّة أخرى من الأمام، كانوا قد اختفوا. الأحصنة أيضًا، كأنّها توقّفت عن تقليد البشر، تلاشت بلا أثر.
“يا للأسف. سينيكا، اذهبي بسرعة.”
اقتربت ليديا من حافة الهاوية ورأت الاثنين يتسلّقان الجرف.
بقدراتهم الخارقة، كانا يتحرّكان بسرعة وسهولة.
“ماذا؟”
“اذهبي الآن. أخبري إليان أن يأتي. لا تعودي أنتِ.”
“هل هناك مشكلة؟ يمكنني المساعدة.”
مدّت سينيكا يدها إلى مقبض سيفها لتسحبه.
كانت هذه مواجهة حقيقيّة. لم يكن بإمكان ليديا ترك سينيكا هنا أبدًا. حتى فرسان متمرّسون أصيبوا بجروح قاتلة عندما واجهوهم بقدرات بشريّة خالصة.
“ممنوع. لا يمكنكِ. اركضي!”
كلّما طال الحديث، اقتربوا أكثر.
استعدّت ليديا ذهنيًا. كان عليها إيقاف الاثنين.
لتضمن ألّا يتبعا سينيكا.
لحسن الحظّ، رأت سينيكا جدّيّة تعابيرها وركضت مبتعدة فورًا.
‘يا للأسف…’
وصل أحدهما إلى قمّة الجرف وسحب سيفه، مهاجمًا دون تردّد.
كانت تعلم أنّهم ليسوا من النوع الذي يمكن المماطلة معه، ومع ذلك…
‘يمكنني الصمود أكثر ممّا توقّعت.’
تدخّل الخاتم فورًا، مشكّلاً درعًا ضوئيًا حولها. كانت قوّة الضربة الهائلة مخيفة. لكن بفضل تطوّرها، استطاعت تحمّلها.
“لن يفلح ذلك.”
لكن الخصم لم يكن واحدًا. اضطرّت ليديا للمبالغة في جهدها. تجنّبت المهاجم الأوّل وحاولت الإمساك بكاحل الثاني الذي حاول الالتفاف من الخلف.
تقسيم قوّتها بين الاثنين جعل رأسها يؤلمها كأنّه سينفجر. شعرت أنّها لن تتحمّل طويلاً. يبدو أنّ حدود استخدامها لقوّة الخاتم لا تزال هشّة هنا.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 95"