ترك إليان العامل المُنهار من القافلة جانبًا، وأمسك سيفه ونهض من مكانه.
[سنقاتل أخيرًا؟ يبدو أنّ الوقت قد حان لاستخدام قوتي كاملة.]
أوقفت ليديا التنّين المتحمّس مؤقّتًا.
“لا. لنفهم الوضع أوّلاً.”
نظرت حولها بسرعة، فوجدت خزانة ملابس قديمة في الزاوية. بدت الغرفة كأنّها كانت تُستخدم سابقًا لكنّها الآن مهجورة.
“لنختبئ هناك.”
“هل تعتقدين أنّنا سنتّسع معًا هناك؟”
“بسرعة.”
بدلاً من الاستماع إلى شكوى إليان، اختارت ليديا سحبه معها.
“لماذا نختبئ أصلاً؟”
“قلتُ لكَ، لنفهم الوضع.”
لم تكن قلقة من هزيمتهما إذا قاتلا.
لكن القتال دون معرفة الخصم قد يضعهما في موقف سيّئ.
“حتى مع الجنيّة، كان الأمر كذلك. القتال العشوائي لا يحلّ كلّ شيء تمامًا.”
“لكن في النهاية، حللنا نصفه بالقوّة أيضًا.”
[بالضبط، أنا من استخدمتُ قوّتي.]
“والنصف الآخر أقنعناها لتعود إلى الطبيعة.”
“هل تظنّين أنّ الإقناع سينجح هذه المرّة أيضًا؟”
“لا أعرف، لكن لا يبدو أنّ لدينا وقتًا لنناقش هذا الآن.”
فتحت ليديا باب الخزانة وحثّت إليان. كانت كبيرة بما يكفي ليقفا بداخلها.
دخل إليان، وتبعته ليديا دون تردّد. أغلقت الباب بهدوء، فأصبح الظلام حالكًا ولم يعد هناك شيء يُرى.
باستثناء رائحة الغبار الرطبة، لم يكن هناك شيء مقلق لحسن الحظّ.
“تتذكّرين أنّنا كسرنا القفل بالفعل، أليس كذلك؟”
شعرت ليديا بصوت إليان يهمس قرب أذنها، وحاولت تجاهل القشعريرة التي شعرت بها.
“…لذلك أحضرتُ بقاياه معي. ألن يظنّوا أنّ القفل لم يكن موجودًا أصلاً؟”
“تبدين متهوّرة جدًا.”
كان لدى ليديا منطقها الخاصّ. رفعت رأسها في المساحة الضيّقة لتنظر إليه قليلاً.
“في الذكريات التي قرأتها، لم يكن هناك قفل. لذا… قد لا يبدو الأمر غريبًا جدًا.”
في الحقيقة، لم يكن القفل يهمّها. كلّ ما أرادته ليديا هو مراقبة تصرّفات الخصم في غياب أيّ شخص.
بهذه الطريقة فقط يمكنها إضافة تأكيد لهويّة الخصم إلى استنتاجاتها الحاليّة.
“ماذا لو خافوا وهربوا؟”
“سنطاردهم حينها.”
تمتمت ليديا كأنّها تتنهّد، متمنّية ألّا يحدث ذلك.
“إذا بدا أنّ حياة هذا الرجل في خطر، نتدخّل.”
وضعت ليديا حدًا واضحًا. الرجل الممدّ على الأرض لا يزال غير مدرك لما حوله تمامًا.
“…إنّهم قادمون.”
أحاط إليان خصرها بذراعه كأنّه يحميها. وضعت ليديا يدها على يده دون تفكير.
في تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة.
“لا وقت لدينا. يجب أن نعود بسرعة…”
تردّد صوت ناعم ورقيق. كانت البارونة بلا شكّ.
لكن على عكس هدوئها في قاعة الوليمة، بدت متعجّلة الآن.
“هناك شيء غريب…”
توقّفت فجأة، ونظرت حول الغرفة تحت حجابها بهدوء.
شعرت ليديا بجسد إليان يتشنّج خلفها. بدا كمن أنهى استعداداته للانقضاض في أيّ لحظة. “الآن… هذا ليس المشكلة الأساسيّة.”
اهتزّ الحجاب مع تنهيدة خافتة.
راقبت ليديا كلّ حركة لها بهدوء. مهما نظرت، كانت الطاقة المنبعثة غريبة.
يبدو أنّ البارونة جاءت إلى الغرفة لهدف محدّد.
“لقد مرّ وقت طويل دون تجديد. بسبب سحرة جزر ليسكال، قلّ المارّة هنا…”
رُفع الحجاب أخيرًا. الوجه تحته لم يكن بشريًا بأيّ شكل.
كتمت ليديا أنفاسها بيدها لئلّا يُسمع صوتها.
‘يا إلهي…’
كان وجه البارونة متعفّنًا نصفه.
لم يكن من الممكن أن يصبح وجه إنسان حيّ بهذا الشكل. لم تكن ندوبًا أو جروحًا.
‘إذًا، هي ميتة في النهاية؟’
تأكّدت فرضيّتها بأنّها ميتة. تذكّرت ما قاله إليان.
القصّة التي رواها البارون وزوجته بدت وكأنّها تعود إلى زمن بعيد جدًا.
‘لا، هل يعقل…’
لكن عندما ذكرت البارونة السحرة، بدأ عقل ليديا يعمل بسرعة.
كانت تعرفهم، لكنّها لم تبدُ متعاونة معهم.
لحسن الحظّ، يبدو أنّها ليست في تحالف معهم.
‘يا إلهي.’
رفعت الرجل الممدّ على الأرض من قميصه تقريبًا، ووضعت يدها على خدّه بطريقة مقلقة.
كأنّها تمتصّ حياته، بدأ شيء يشبه الدخان يخرج من جسده ويتّجه نحو البارونة.
تحرّك إليان دون سابق إنذار.
“انتظر…”
تخطّى ليديا وخرج في لحظة، ووضع سيفه على رقبة البارونة.
“من الأفضل أن تتوقّفي عند هذا الحدّ.”
“كنتُ أعرف أنّ هناك شيئًا غريبًا…”
لكن البارونة كانت هادئة بشكل مفاجئ. لم تهتمّ بالسيف على رقبتها، وحدّقت في إليان فقط.
بل إنّها أمسكت السيف بيدها.
“ما هذا…”
شعر إليان غريزيًا أنّها ستقوم بشيء ما.
[هذا… إذا استمرّ الأمر هكذا…]
“إليان!”
شعر إليان أنّ صوت ليديا يصل إليه بصعوبة. عبر السيف، بدا وكأنّ وعيه يُسحب تدريجيًا.
“أن تُقدّمي لي قوّة هائلة كهذه مباشرة، تفكير قصير الأمد.”
كان الأمر مختلفًا عن مواجهة الجنيّة في بركة الغابة سابقًا.
في ذلك الوقت، كانت قوّة السيف تهيمن تمامًا.
أمّا الآن، شعر أنّه يخسر في منافسة القوى.
‘ليس مجرّد خسارة…’
كأنّه مستنقع، شعر أنّ كلّ قوّته تُسحب نحوها، بما في ذلك طاقته.
[ركّز.]
أيقظ صوت التنّين وعيه. كان عليه استحضار الشعور نفسه عندما عقد الاتّفاق مع التنّين أوّل مرّة. عرف ذلك غريزيًا.
“لو كنتِ تعرفين مدى قوّته، كان عليكِ التراجع.”
عضّ على أسنانه، وركّز لاستعادة تلك الطاقة الناريّة التي شعر بها حينها.
لأوّل مرّة منذ عقد الصفقة، شعر بحرارة وشم التنّين على يده.
كانت قوّة كان يقمعها خوفًا من أن تبتلعه هو نفسه.
“أنتِ…!”
بذل كلّ جهده وهوّى بالسيف. لم يخرج دم.
لكن النيران بدأت تنتشر على مسار السيف.
“لا…!”
تراجعت البارونة متعثّرة، وشعر إليان بالتحرّر. تبعثرت بقايا القوّة الهائلة في جسده دون اتّجاه.
شعر أنّ عواطفه خارجة عن السيطرة. لكنّها لم تكن عواطفه.
“إليان.”
اقتربت ليديا منه بحذر، وهي تراقب البارونة التي تراجعت وانهارت على الأرض.
كانت النيران تلتهم جسدها بشكل غريب. لم تبدُ كأنّها “تحترق”، بل كأنّها تستردّ الحياة التي امتصّتها من قبل.
بدأت تتحوّل تدريجيًا إلى شكل يناسب التوابيت أكثر من الحياة.
“لا، لا! بعد كلّ ما بذلته لأصل إلى هنا…”
نظرت إلى يديها بذهول كأنّها لا تصدّق. لم يبدُ أنّها تهتمّ بليديا وإليان الآن.
بدأ مظهر البارونة يشبه الضحايا القدامى المكدّسين في زاوية الغرفة.
لكن ذلك لم يكن ما يشغل ليديا. كانت على وشك الإمساك بذراع إليان عندما توقّفت.
“لا تقتربي.”
تجمّدت ليديا في مكانها من نبرته الباردة التي لم تسمعها من قبل.
هل تحدّث إليان إليها بهذا الشكل من قبل؟
حتى في أشدّ لحظات غضبه أو انزعاجه، لم يعاملها بهذا الحذر.
“إليان؟”
“لحظة… فقط لحظة.”
رأت وشمًا واضحًا يظهر على يده التي تغطّي وجهه. علامة التنّين، رمز الصفقة. “الآن، من الأفضل ألّا تلمسيني.”
بدا كأنّه يكلّمها وهو يعضّ على أسنانه. ألن يجعلها هذا أكثر قلقًا؟
من بين أصابعه، لم تكن عيناه زرقاوين كالعادة، بل مشتعلتين بلون أحمر قرمزيّ لامع.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 92"