### الفصل 89
ما إن خرجا تمامًا من قاعة الوليمة حتى تحولت الأجواء فجأة إلى جديّة.
التفتت ليديا نحو القاعة دون سبب واضح. كان الباب مغلقًا بإحكام.
“لا أحد هنا. لا من تبعنا ولا حولنا.”
أخبرها إليان على الفور بعد أن لاحظ قلقها.
ومع ذلك، حتى بعد أن تفحّصت الرواق من الأمام إلى الخلف، لم تشعر بالاطمئنان.
“أنت متأكّد أنّه لا يوجد أحد حولنا؟”
“…متأكّد.”
منذ وصولها إلى هنا، شعرت أنّ خاتمها وقدراتها الأصليّة لم تعودا تعملان كما ينبغي، مما زاد من توترها.
‘بدون الاثنين، أشعر بالعجز الشديد…’
يبدو أنّها اعتمدت كثيرًا على تحذيرات الخاتم دون أن تدرك ذلك مؤخرًا.
لذلك، لم تستطع منع نفسها من الاعتماد على إليان بشكل لا إرادي.
لكنّها لم تستطع الاستمرار على هذا الحال. تنهّدت ليديا بهدوء وقالت:
“يمكنكَ إنزالي الآن.”
“ألم تقولي إنّكِ تشعرين بتحسّن عندما أكون قريبًا؟”
“لكن لا يمكنني البقاء محمولة هكذا طوال الوقت.”
لكن إليان لم يبدُ مستعدًا لإنزالها على الإطلاق.
“لا يزعجني ذلك.”
“إليان.”
حاول إليان أن يُعيد تهيئتها بين ذراعيه ليُحكم قبضته عليها، بينما حاولت ليديا فكّ يديها من حول عنقه لتنزل من حضنه.
في تلك اللحظة، لاحظت أنّ خاتمها في إصبعها بدأ يضيء مجدّدًا.
“انتظر لحظة. ابقَ هكذا.”
“أنا لم أتحرّك أصلًا. أنتِ من حاولتِ النزول فقط.”
لكن ليديا لم تهتم بردّ إليان، ورفعت يدها لتتفحّصها.
“هذا… يعمل مجدّدًا؟”
“الخاتم؟”
“نعم.”
بالطبع، الضوء الذي يظهر ويختفي لم يكن بمستوى يمكن اعتباره مفيدًا جدًا.
لكنّها شعرت أنّ القوّة التي تسري عبر الخاتم بدأت تعود، ولو بشكل خافت.
وكما توقّعت، كان الخاتم يُرسل تحذيرًا. لم يكن قويًا للغاية، لكنّ الإشارة الهادئة أكّدت أنّ خطرًا ما ليس ببعيد.
“هل نبقى هكذا؟”
سألها إليان بينما أبطأ خطواته، وهو يلاحظ صمتها المفاجئ بعد أن طلبت منه النزول قبل لحظات.
لم تلاحظ ليديا أبدًا أنّه أبطأ مشيته لأنّ الوجهة لم تكن بعيدة.
“لنتحدّث عن ذلك أوّلاً.”
“تقصدين الشيء الغريب في البارونة؟”
“يبدو أنّ ما وجدته غريبًا يختلف عمّا وجدتِه أنتِ غريبًا.”
نظر إليان بهدوء إلى ليديا وهي تدير خاتمها في يدها مرّة تلو الأخرى.
“أوّلاً، العمّ ديريك… أعني البارون، كان لديه سبب لعدم زواجه طوال هذا الوقت.”
صدى صوته المنخفض في الرواق الفارغ. انتقل انتباه ليديا من الخاتم إلى كلماته.
“في الماضي، فقد حبيبته وخطيبته في حادث، وبعدها لم يفكّر في الزواج أبدًا.”
“متى حدث ذلك؟”
“منذ زمن بعيد. ليس بضع سنوات فقط، بل أكثر من عشر سنوات.”
لكن حتى لو كان الأمر كذلك، فما علاقة ذلك بالبارونة الآن؟
بعد كلّ هذا الوقت، ربّما تغيّرت نظرته للزواج.
“المشكلة ليست هناك. المشكلة في القصّة التي روتها البارونة. لقاؤهما بسبب عجلة العربة المكسورة هو نفس ما حدث مع خطيبته المتوفاة.”
“هل من الممكن أن يكون قد التقى بشخص آخر بنفس الصدفة؟”
“الاحتمال ضعيف. خاصّة أنّ العمّ نفسه تحدّث عنها كأنّها قصّة قديمة جدًا، فلا يُعقل أن يصف لقاءً حديثًا بأنّه من زمن بعيد.”
كان هذا الجزء غريبًا بشكل دقيق.
كان من الممكن تجاهله كخطأ لفظي أو اختيار خاطئ للكلمات.
لكن بالنسبة لشخص بدأ يشكّ بالفعل، كان من الطبيعي أن يتساءل لماذا تحدّث بهذا الشكل.
“ما لاحظته أنا كان أبسط من ذلك.”
“تقصدين أنّها لم تأكل الطعام أبدًا؟”
“يبدو أنّك لاحظتَ ذلك أيضًا. أفهم أمر النبيذ، لكنّها كانت تُحرّك الطعام دون أن تأكله.”
كان هذا أيضًا أمرًا يمكن تفسيره بأنّها ليست بصحّة جيّدة مثل ليديا، لكنّه ظلّ غامضًا.
“ليس هناك ما يكفي لنثير مشكلة رسميّة، لكن لتجاهله تمامًا…”
“لن يرتاح قلبكِ، أليس كذلك؟ خاصّة أنّها ستبقى هنا بينما نغادر إلى الجزر.”
وصلا أخيرًا إلى الغرفة. هذه المرّة، أنزل إليان ليديا أرضًا.
ما إن ابتعدت عن حضنه حتى شعرت أنّ العالم يدور من جديد. يبدو أنّ حالتها، للأسف، تعود إلى نقطة الصفر بدون إليان.
“هل أنتِ بخير؟”
ما إن تعثّرت ليديا حتى أمسكها إليان بسرعة. لم تستطع قول “أنا بخير” حتى لو كان مجرّد مجاملة.
“الأكيد أنّني أريد مغادرة هذا المكان بسرعة.”
“أنتِ لستِ مريضة حقًا، أليس كذلك؟”
لمس إليان جبهتها. شعرت أنّ يده أكثر دفئًا من المعتاد، فأدركت أنّها ليست مريضة بالمعنى الحرفي
.
“لا. أعتقد أنّ هذا القصر يؤثّر عليّ فعلاً. حتى لو أردتُ معرفة ما تفعله البارونة، ففي هذه الحالة…”
شعرت أنّها لن تستطيع التجوّل بحريّة. جلست ليديا على السرير فجأة، ثمّ استلقت على ظهرها.
“يمكنني أن أتولّى الاستقصاء. يكفي أن تُرشديني.”
في نظر إليان، كانت ليديا تحاول دائمًا حلّ كلّ شيء بنفسها بشكل مبالغ فيه.
في الحقيقة، كانت دائمًا هكذا. طبعها الذي يدفعها للتدخّل ومعالجة كلّ شيء بنفسها ساعد في فكّ لعنته، لكنّه كان مزعجًا في أمور أخرى.
“مجرد سرد المعرفة النظريّة لن يُفيد بشيء.”
“لا أفهم لماذا تعتقدين أنّ ذلك لن يُفيد.”
ضغط إليان على جبهتها بخفّة وهو يجيب، بينما كانت تنظر إليه من الأسفل مستلقية.
رأى تعابير وجهها تتقطّب قليلاً.
“أوّلاً، ربّما أعادت شخصًا ميتًا إلى الحياة. ثانيًا، ربّما نقلت ذكريات ميت إلى شخص حيّ. ثالثًا…”
توقّفت ليديا للحظة لتفكّر.
“وربّما الاثنان معًا. لا أعرف كيف فعلت ذلك، لكنّه محتمل.”
“إذًا، هي استغلّت حنينه إلى شخص ميت في النهاية.”
“يبدو أنّ رغبتها في البقاء إلى جانب البارون صادقة، نعم. يمكننا البناء على هذا في استنتاجاتنا.”
جلس إليان لفترة طويلة بتعابير غارقة في التفكير. كانت أصابعه المشتبكة تفرك يد ليديا بلطف، مما جعلها تشعر بالنعاس.
بينما كانت ليديا ترمش ببطء محاولة التركيز، جاءها سؤال هادئ:
“هل تظنين أنّ ترك الأمور كما هي قد يُسبّب مشكلة في النهاية؟”
“حقيقةً… بغض النظر عن أيّ من هذه الحالات التي ذكرتها، لا يوجد خيار لن يُسبّب مشكلة. سواء كانت حيّة أو ميتة.”
كانت تميل أكثر إلى الاحتمال الثاني، مما جعلها تتردّد في ترك الأمور على حالها.
كان وجود ميت يتجوّل بين الأحياء يُسبّب مشاكل كثيرة بطرق مختلفة، حتى لو بدا طبيعيًا من الخارج.
“يعني أنّ علينا كسر حالة السعادة التي يعيشها العمّ ديريك بأيدينا.”
“نعم. حتى لو بدا بخير الآن، قد لا يكون كذلك فعلاً.”
أدركت ليديا أخيرًا سبب تردّد إليان وطرح أسئلة غير مباشرة، وهو أمر لا يشبهه.
بطبعه، كان من المفترض أن يُشهر سيفه ويحلّ المشكلة بسرعة كما فعل مع قضيّة الجنيّة سابقًا.
“أن أكسر بيديّ السعادة الأكبر التي رأيته فيها منذ عرفته…”
“أنا أيضًا أودّ ترك الأمور كما هي.”
وهنا تكمن المشكلة. في الوقت الحالي، سواء كانت البارونة قد أُعيدت إلى الحياة أو كانت لا تزال ميتة، بدا أنّ الاثنين يعيشان معًا بسعادة.
“هل من الممكن أن يكون العمّ مخدوعًا؟ ربّما بسحر ما؟”
“الناس غالبًا يرون ما يريدون رؤيته ويؤمنون بما يريدون تصديقه، حتى بدون سحر.”
ربّما كان يقبل طوعًا أن تُغطّى عيناه، يعرف الحقيقة لكنّه يتجاهلها.
“رأيتُ الكثير من هؤلاء. حتى لو كان مجرّد وهم يُظهره السحر، فهم يريدون البقاء فيه.”
“لكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك، أليس كذلك؟”
“أنا على الأقل أعتقد ذلك. إذا كان عليهم الخروج منه يومًا ما، فكلّما طالت مدّة بقائهم في الوهم، زاد الألم.”
تنهّدت ليديا بعمق. لو كان الأمر مثل قضيّة الجنيّة التي تُسبّب ضررًا واضحًا ويمكن حلّها بإعادتها إلى مكانها، لكان أسهل.
لكنّها شعرت أنّ هذا لن ينتهي بسهولة، بغض النظر عن الاتّجاه الذي سيأخذونه.
طُرق الباب فجأة.
اخترق صوت الطرق الصمت الذي ساد بينهما.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 89"