الفصل 61

ما هو “ذلك الشيء” بالضّبط، هل هو إنسان أم لا، يجب أن أتأكّد من ذلك. هكذا فكّرت ليديا. كان ذلك في اللحظة التي حاولت فيها الاقتراب من الشّخصيّة السّاكنة التي كانت ملقاة دون حراك.

فجأة، بدأ القاتل الذي لم يكن يتحرّك أبدًا يتململ ويحاول رفع جسده.

“ليديا!”

استجاب إليان بسرعة وحيويّة وهو ينفض الدّم الأسود المشؤوم الذي كان يقطر من سيفه. دفع ليديا بسلاسة إلى الخلف مرّة أخرى ووقف أمامها.

“لم يكن له تأثير.”

لكنّ سيف إليان ظلّ متدليًا باستمرار.

كان ذلك لأنّ الشيء الذي نهض متعثّرًا، والذي أصبح من الواضح لأيّ أحد أنّه ليس إنسانًا، ظلّ يتعثّر إلى الأمام دون أن يبدي أيّ مظهر تهديديّ يُذكر.

“……لا يبدو أنّه كذلك.”

ما إن أنهت ليديا كلامها، حتّى تصاعد دخان أسود من جسد القاتل. ارتفع الدّخان كضباب كثيف على طول الجرح الكبير الذي تركه إليان عندما سحب سيفه للأسفل، وظلّ يدور في الهواء بطريقة مشؤومة لفترة من الزّمن.

“إنّه خطير. ابقي بعيدة.”

نظرت ليديا إلى ظهر إليان العريض وهو يقف بثبات كما لو كان يحاول حمايتها من كلّ تهديد يواجهها.

تلك السّحابة السّوداء التي لم تختفِ كانت تدور في مكانها، كأنّها تستكشف ما حولها، أو ربّما تستعدّ للخطوة التّالية.

إذا كان الأمر كذلك، فالهدف على الأرجح لا يزال ليون. لم يكن هناك سحر يستطيع الصّمود أمام ليديا. لهذا قرّرت ليديا أن تتقدّم بنفسها. لم يعد هذا شيئًا يمكن صدّه بالقوّة البدنيّة.

“قلتُ لكِ أن تبقي بعيدة.”

“هذا ليس شيئًا تستطيع التعامل معه.”

لكنّ خطوات ليديا توقّفت بسبب إليان. كان ذراعه يقف بثبات، لا يسمح لها أبدًا بتجاوزه.

“إليان!”

“هذا السّيف اللعين فعل خدعة مرّة، فبالتأكيد يستطيع فعلها مرّة أخرى.”

كانت يده التي تمسك السّيف مشدودة بقوّة واضحة. كان إليان يحاول إبقاءها خلفه، بينما كانت ليديا تحاول تفادي ذلك، فنشأت مشادة سخيفة في هذا الموقف العاجل.

‘آه، هل يجب أن أتعامل مع هذا الحطام المريع بنفسي؟ لمَ لا أستخدم خاتم سوليم بدلاً من ذلك؟’

فجأة، رنّ صوت “التنّين” في رأسها. كان يتحدّث بنبرة كمن يتجنّب شيئًا مقزّزًا، لكن مع لمحة استرخاء كأنّه يرى كلّ هذا مجرّد تسلية.

“ماذا قلتَ؟”

لكن قبل أن تستطيع ليديا السّؤال عن معنى كلامه، تحوّل الصّوت إلى تحذير وقال:

“إنّه قادم.”

كان واضحًا الآن أنّ هذا موجّه لهما معًا، لأنّ رأس إليان التفت بسرعة إلى الأمام وهو ينظر إليها بعزيمة قويّة.

رأت الدّخان الأسود يندفع نحوهما كأنّه ينهمر.

في تلك اللحظة، شعرت ليديا بالخاتم يتألّق كأنّه يشتعل بنار. كان ردّ فعله مختلفًا تمامًا عمّا رأته من قبل.

“ما هذا، أيّ نوع من…”

انتشر ضوء أرجوانيّ ساطع من الخاتم في الغرفة كلّها في لحظة، كأنّه درع يمنع الدّخان الأسود من التّقدّم أكثر.

“مذهل حقًا.”

مع صوت لا يزال يتحدّث بلامبالاة كأنّه يعلّق على أمر لا يعنيه، تألّق الخاتم بقوّة مرّة أخرى، ثمّ اخترق ضوء أرجوانيّ ساطع الدّخان الأسود وشتّته كالرّمح.

نظرت ليديا إلى يدها بتركيز شديد. كان هذا السّحر المبهر يتردّد في أعماق قلبها. لم تستطع وصف هذا الشّعور، كأنّ روحها استيقظت لترحّب بشخص عزيز.

تفتّت الدّخان الأسود واختفى كأنّه تحطّم. لفت ليديا يديها حول الخاتم كأنّها تعانقه، بينما خف الضّوء وعادت الأمور كما كانت.

نظرت ليديا فجأة إلى إليان. كانت نظرته إليها تحمل بعض الذّهول، كأنّه ينظر إلى شيء وراءها.

“أنتِ…”

توقّف إليان عن الكلام لوقت طويل.

لم تلاحظ ليديا الدّموع في عينيها إلّا عندما مدّ إليان يده ليمسح خدّها.

“لماذا تبكين؟”

“……فقط، لأنّه عجيب.”

أدركت متأخّرًا معنى كلماتها التي همست بها لنفسها.

آه، بدأت تفهم الآن. كان هذا الشّعور مزيجًا غريبًا من الحزن والفرح، البهجة والشّوق، كأنّها تتذكّر تألّق استخدام السّحر وتأسف على شيء ما.

كان هذا هو الشّعور. السّحر. أن تستخدم “السّحر الحقيقيّ”.

“لم تقولي لي من قبل أنّ الخاتم يستطيع إخراج هذه القوّة.”

“لم أكن أعرف.”

ردّت ليديا بهدوء وهي تهزّ رأسها، غارقة في أفكارها. كان إليان ينظر إليها كأنّه يحاول فهم شيء، لكنّه لم يجب بعد.

“خالي!”

فجأة، ركض ليون من خلف ليديا نحو إليان بكلّ قوّته، حتّى تعثّر إليان قليلاً.

نظر إليان إلى ليديا للحظة كأنّه يتأكّد من حالتها، ثمّ التفت إلى ليون.

“هل أصبتَ بشيء؟”

“لا.”

ركع إليان على ركبة واحدة بطيبة خاطر وبدأ يفحص ابن أخيه من كلّ جانب، وهو مشهد دافئ لم تعتد عليه ليديا بعد.

تأكّد إليان من سلامة ليون ثمّ وقف. تبعه ليون وأطلّ بوجهه فقط، نظر إلى القاتل الملقى على الأرض بحالة مشوّهة غريبة، ثمّ اختبأ مرّة أخرى وقال:

“……كانوا أشخاصًا مثل هؤلاء. أشخاص مخيفون هاجمونا هكذا.”

“كم عددهم، هل تتذكّر؟”

“لا أتذكّر جيّدًا. واحد، اثنان… ربّما أربعة.”

“أربعة… إذًا لا يزال هناك ثلاثة على الأقل من هؤلاء.”

بينما كانت ليديا تشاهد حديثهما، تحرّكت بمفردها نحو الجثّة الملقاة على الأرض.

كلّما اقتربت، شعرت بقذارة وانزعاج لا يوصف. شعور سيّئ جعلها تعتقد أنّ مثل هذا لا يجب أن يوجد في العالم.

فجأة، قطع ليون أفكارها الجادّة بسؤال مفاجئ جعل توتّرها ينهار في لحظة:

“……لكنّ الخالة ليديا، هل هي جنيّة؟”

كان الطفل لا يزال فضوليًا بشأن ما حدث، فسأل إليان بهمس لم يخفض صوته فيه، فسمعته ليديا بوضوح.

نظرت ليديا إلى هناك بعد أن سمعت صوتًا خافتًا كأنّه سعال لكتم ضحكة، فاكتشفت الفارس الذي كان لا يزال واقفًا.

عندما التقت أعينهما، مرّت تعبيرات معقّدة على وجهه، فشعرت ليديا بالحيرة.

‘بهذا الشّكل، سيعرف الجميع أنّني لستُ شخصًا عاديًا.’

شعرت أنّه لا مفرّ من ذلك. بدا لها أنّ هذا الحدث هو مجرّد بداية لما سيحدث لاحقًا.

الآن، إخفاء قدراتها قد يكون عائقًا أكبر لحلّ الموقف.

“ليست جنيّة. إنّها ساحرة.”

فجأة، نظرت عينا إليان الزّرقاوان إليها، وقال كلامًا غير متوقّع. تفاجأت ليديا من جرأته في الإعلان بهذا الشّكل المباشر. شعرت أنّ الفارس ذا الشّعر البنيّ تفاجأ أيضًا وهو ينظر إليها.

كان هذا أقرب وصف للحقيقة، لكنّ كلمة “ساحرة” شعرت أنّها لا تناسبها بعد.

“ساحرة؟ سحر؟ حقًا؟”

“نعم.”

امتلأ صوت ليون بحماس كأنّه يتوقّع منها أن تُظهر زهرة في الهواء. فرحت ليديا لأنّه أبعد عينيه عن المشهد السّيّئ، لكنّ نظراته المتلألئة جعلتها تبتسم بحرج.

كانت هي نفسها تشعر بالغرابة والحيرة بعد أن اكتشفت للتوّ ما هو خاتمها هذا. كانت تعتقد أنّه مجرّد تذكار عائليّ، ولم تتخيّل أنّه يحمل سحرًا حقيقيًا.

“سأريك السّحر لاحقًا.”

قالت ليديا بهدوء كأنّها تكشف أمرًا مهمًا وهي تتذكّر بعض الأشياء التي أحضرتها. نظر إليها ليون بعيون مستديرة مندهشة.

راقب إليان تفاعلهما بصمت، ثمّ ربّت على رأس ليون مرّة وأمسك كتفيه ليخرجه خارجًا.

“هيلدين، خذ ليون خارجًا الآن. تأكّد أيضًا من أنّ جيس يُعالج بشكل صحيح.”

عاد القلق إلى صوت ليون، فأمسك بثوب إليان بقوّة وقال:

“ألا يمكنني البقاء بجانبك يا خالي؟ أنا خائف.”

“……سأنظّم هذا المكان بسرعة وآتي، لا تقلق يا ليون.”

بينما كان إليان يرتب الموقف، بدأت ليديا تقترب من الجثّة المتبقّية مرّة أخرى. عندما رأتها عن قرب، بدأت تتشكّل لديها فكرة عن من فعل هذا، لكنّها أرادت التأكّد.

—

المترجمة:«Яєяє✨»