6
أكّدت ليديا أخيرًا أنّ السلّة مغلقة بأمان، ثمّ نهضت بحذر وهي تحملها.
ثمّ لاحظت الماركيز إستوبان واقفًا بلا حراك، فأصابها الارتباك.
“هل أنتَ بخير؟ هل هناك مشكلة أخرى…”
حاول إليان إخفاء يده المرتجفة بوضوح بين طيّات ملابسه، لكنّه قرّر وضع كبريائه جانبًا للحظة.
“يبدو أنّ المخلب خدش القفاز. لم يعد صالحًا للاستخدام.”
كان عذرًا رديئًا لدرجة أنّ أخته لو رأته لأطلقت تنهيدة وعاتبته على هذا المظهر المزري.
لكن في تلك اللحظة، لم يكن ذلك يهمّه.
خلع القفاز بعشوائيّة وأدخله في جيب معطفه، ثمّ تقدّم لليديا، التي كانت تُحاول رفع حقيبة الأغراض، وحملها بنفسه، ممدًا يده العارية إليها.
“يمكنني نزول السلالم بمفردي. لا بأس.”
“في مجتمع النبلاء، يجب أن تعتادي على مثل هذه المرافقة.”
عندما فكّر بسرعة، جاءته الأعذار بسهولة. أطلقت ليديا تعجّبًا خفيفًا “آه”، أومأت برأسها، وأمسكت يده مجدّدًا.
شعر بدفء ينتشر من يدهما المتماسكتين، يعمّ جسده كلّه ويهدّئه.
كان هذا التلامس، الذي يسكّن ضجيج اللعنة المزعج الذي يشتدّ في الهدوء والألم الذي يجعل تحريك ذراعه شاقًا، مبهجًا للغاية.
لكن ما إن صعد إلى العربة وأفلت يدها، حتّى عاد الألم الخفيف في ذراعه والصراخ الذي يرنّ في رأسه دون هوادة.
“سيدي الماركيز، هل أنتَ بخير؟”
عندما وضع يده على رأسه، جاءه صوتها المشوب بالقلق. كان على وشك أن يهزّ يده ليقول إنّه لا شيء،
لكن العربة تحرّكت مع صوت اهتزاز، وفجأة برزت كتلة بيضاء من الفراء من السلّة.
“يا إلهي، ديدي! لا يجب أن تفعلي هذا. تعالي إليّ، هيا؟”
شعر بالامتعاض من الحيوان الذي تسلّل بهدوء بحركة أنيقة واستقرّ على ركبتيه بعد أن راقب الوضع.
لكن عندما مُدّت يد ليديا، تغيّرت أفكاره.
كانت يدها الناعمة، الممتدّة من معصمها الرفيع الظاهر خارج الملابس الطويلة، تبدو جذابة بشكل لا يصدّق.
“دعيها.”
“لكن…”
“هل يكفي أن أداعبها هكذا؟”
تعمّد أن يلمس مكانًا خاطئًا.
“ليس هكذا.”
حين حاولت توجيه يده إلى المكان الصحيح، انتقلت لتجلس بجانبه مباشرة،
وضعت يدها فوق يده بشكل طبيعيّ، وداعبت القطّة بلطف.
“آه، اليد ليست هناك، بل هنا. نعم، تحبّ أن تُداعب هنا بلطف. صحيح؟”
هذه المرّة، لو رأت أخته هذا المشهد المهين، لكانت صرخت أنّ هذا الأحمق لا يمكن أن يكون أخاها.
ربّما كان إليان يتوق إلى لمسة ليديا أكثر من القطّة البيضاء التي تجلس على ركبتيه وتصدر أصواتًا خافتة.
“يبدو أنّكَ تحبّ القطط، وهذا يريحني.”
ربّما يجب أن يبدأ بذلك من اليوم.
نظر إليان إلى الحيوان الذي يهزّ ذيله ويصدر أصواتًا منخفضة، واستولى عليه شعور غامض.
كان قد أكّد أنّ الزواج من ليديا لن يغيّر حياته اليوميّة كثيرًا، مجرّد لقاءات قصيرة يوميّة حسب الحاجة،
لكن ربّما، كما شعر فجأة، ستصبح أيّامه مختلفة كثيرًا.
* * *
“ألن تنزلي؟”
نظرت ليديا بتمعّن إلى الرجل الأشقر الذي نزل من العربة أوّلًا ومدّ يده، لكنّها لم تستطع أن تمسكها.
كان القصر الكبير ذو اللون الأصفر الشاحب الذي يمتدّ خلفه يبدو ثقيلًا ومرهقًا لها للغاية.
لم تكن تصدّق أنّ عليها أن تدخل ذلك المكان الآن.
الماركيز إستوبان.
نعم، هو ماركيز. نبيل يحمل لقبًا.
في متجر التحف، كان المكان ملكها، ولم يعلّق على تصرّفاتها غير الموقّرة، فمرّ الأمر دون اهتمام،
لكن الآن فقط بدأ الواقع يتّضح لها.
“لا مجال للتراجع الآن.”
“لم أقل شيئًا كهذا.”
“وجهكِ يبدو كأنّكِ ستعتبرين الزواج كأنّه لم يكن وتهربين فورًا.”
أمال إليان إستوبان رأسه داخل العربة مجدّدًا، واضعًا ذراعه على الباب، وتحدّث بنبرة مملّة، ممّا خفّف توتّرها قليلًا.
“لستُ شخصًا عديم المسؤوليّة إلى هذا الحدّ.”
“إذًا، انزلي الآن. إن لم تكوني تنوين البقاء هنا طوال اليوم.”
في لحظة، كانت تحتضن السلّة بيد وتمسك يده بالأخرى لتنزل من العربة، لاحظت تعابيره تتقلّص قليلًا ويشدّ قبضته على يدها.
حتّى تعبيره الممتعض الطفيف كان فنيًا تقريبًا. شعره الأشقر اللامع تحت ضوء الشمس جعل مظهر الماركيز إستوبان يبدو أكثر غرابة وغير واقعيّ.
استفاقت ليديا أخيرًا من نظراته التي تتطلّع إليها من الأعلى، وسألت:
“هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟”
“لا.”
بدا أنّ هناك مشكلة ما، لكنّه لم يقل أكثر من ذلك.
نظرت ليديا إلى وجهه بشعور غامض، لكن الماركيز إستوبان بدا غير متأثّر.
ثمّ مرّت فكرة واقعيّة في ذهنها فجأة.
“لكن، ماذا عليّ أن أفعل الآن؟ هل من الصحيح أن أدخل هكذا؟”
“اتبعيني كما أوجهكِ، وابقي بجانبي بهدوء. سأتولّى الأمر.”
تمنّت لو يتوقّف عن قول “سأتولّى الأمر”، الذي قد يكون مطمئنًا له، لكنّه لا يريح من يسمعه أبدًا.
كانت مشكلتها أنّها انشغلت بديدي التي حاولت الهروب فجأة داخل العربة.
ندمت أنّها لم تسأل عن الأساسيّات: كيف تتصرّف في القصر، وما الذي يجب أن تتوقّعه وتستعدّ له.
“سيّدي، لقد عدتَ. من هذه الفتاة بجانبكَ…؟”
لم يتح لليديا فرصة للاعتراض أو طلب تفسير واضح،
فقد استقبلهما رجل يبدو كخادم رئيسيّ عند الباب الرئيسيّ.
“ضيفة ثمينة. ستكون خطيبتي قريبًا، فاعلم ذلك.”
شعرت بيد قويّة تنزلق على ظهرها وتمسك كتفها، ما أثار تناقضًا بين الدعم والذهول.
احتضنها الماركيز بحنان كما لو كانا عاشقين حقًا،
بل وقبّل رأسها بخفّة وهو يتابع حديثه بطبيعيّة:
“أعطها غرفة قريبة من غرفتي.”
“… خطيبتكَ، تقصد؟”
كان الخادم يبدي عدم تصديق، لكنّه أظهر احترافيّة عالية وأجاب أخيرًا.
تعاطفت ليديا مع مشاعره بشدّة، فقد شعرت بالضبط بهذا عندما سمعت اقتراح الزواج منه.
حتّى الآن، كان شعورها بأنّ الماركيز إستوبان اقترح عليها يشبه حكاية خياليّة أو حلمًا.
أليس هناك حالة حيث يصبح الواقع غير واقعيّ لدرجة تجعلكِ تقبلينه بذهول؟ كانت ليديا كذلك الآن.
“نعم، كان سبب خروجي المتكرّر مؤخّرًا هو ليديا. وقد قبلت عرض زواجي اليوم، فأحضرتها إلى القصر. لم أعد أريد البقاء بعيدًا عنها.”
هذه المرّة، تشابكت أصابعهما.
لكن على عكس أدائه الطبيعيّ كعاشق واثق منذ لحظات، لم يُفلت يدها بسرعة.
شعرت ليديا أنّها بحاجة إلى شيء تستند عليه لتبقى متماسكة، وربّما كان من الأفضل أن يظلّ ممسكًا بها، فلم تحاول سحب يدها.
كان الشعور بالاستقرار الذي يمنحه تلامس أيديهما يساعد على تهدئة قلبها النابض بالتوتر.
توقّفت عينا الخادم عند يديهما المتماسكتين.
ثمّ عادت نظرته إلى وجه ليديا، وقدّم تعريفًا رسميًا:
“الآنسة ليديا، إذًا. تشرّفتُ بلقائكِ. أنا فريدريك. يمكنكِ مناداتي فريد ببساطة.”
“… تشرّفتُ أيضًا.”
عدم ذكر اسم عائلة يعني أنّها ليست نبيلة بالتأكيد.
كان من المؤكّد أنّ الخادم لاحظ ذلك ضمنيًا، لكنّه لم يُظهر أيّ انطباع، مهما كان شعوره.
“تفضّلي من هنا. لحسن الحظّ، كنتُ أنوي اليوم أن أطلب تنظيف غرفة الضيوف، كأنّني علمتُ بما سيحدث.”
كان في حركات الخادم المسنّ، وهو ينحني بأدب ويشير إلى الداخل، أناقة ووقار. لكن نظرته نحو الماركيز كانت تحمل لومًا خفيفًا.
“لو أخبرني سيّدي أنّه سيحضر آنسة جميلة كهذه، لكنّا أعددنا الأمور بمزيد من العناية.”
“كنت تعلم منذ صغري أنّني أتصرّف كما أشاء.”
“حتّى مع ذلك، أليس الزواج أمرًا كبيرًا؟ بالطبع، أنا أرحّب حقًا بالآنسة ليديا. كنتُ أخشى ألّا أرى سيّدي يتزوّج قبل موتي، لكن يبدو أنّ أمنيتي تتحقّق الآن.”
من حديث الخادم المبتهج والماركيز الذي ردّ ببرود لكن دون قسوة، بدا أنّهما يتقاسمان ثقة وألفة طويلة الأمد.
كان من المرجّح أنّ خروجه المتكرّر لم يكن للقائها، بل للتحقيق في اللعنة.
لكن أن يخفي حالته تمامًا حتّى عن خادم يبدو مقربًا جدًا، كان ذلك دقيقًا لدرجة جعلتها تتساءل إن كان يعيش حياة منعزلة.
شعرت ليديا بذنب خفيف لخداع هذا الخادم اللطيف، فتحدّثت بألطف نبرة ممكنة:
“شكرًا لترحيبكَ بي. وأنا في الطريق، رأيتُ من النافذة أنّ الحديقة مزيّنة بجمال رائع.”
“سأنقل مديحكِ للبستانيّ بالتأكيد. سيّدنا لا يحبّ استقبال الضيوف كثيرًا، لذا كان البستانيّ يشعر بقلّة التقدير.”
تابع الخادم بنبرة تمتزج فيها الفخر والفرح:
“لكن، متى تنويان إقامة الزواج؟ سأبدأ التحضير للحفل رسميًا.”
“خلال شهر.”
“… ماذا؟”
“ماذا؟”
الأوّل كان ردّ فعل ليديا متسائلة إن كان عليهما إقامة حفل زفاف كبير لهذا الزواج، والثاني كان تعجّب الخادم من ضيق الوقت لتحضير حفل زفاف.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 6"