كان إليان يمسك صندوقًا صغيرًا من المخمل، يفتحه ويغلقه مرارًا بنقرة خفيفة.
ظلّ يفكّر طوال المساء، ومع حلول الليل المتأخّر لم يصل إلى قرار. عندما فتح الغطاء مجدّدًا، ظهر خاتم الجمشت، السبب الحاسم الذي جعل ليديا تقبل هذا الزواج التعاقديّ، والشيء الذي يغرقه الآن في التردّد.
‘إذا أعدته…’
لم يبقَ سوى مسألة متى يعيده. حلّ اللعنة ظهر، فكان من الغريب أن ليديا لم تُثر موضوع استعادة الخاتم أوّلاً.
نقرة―
أُغلق الصندوق مجدّدًا، واختفى الخاتم عن الأنظار.
بصراحة، لم يرد إليان إعادة هذا الخاتم. مهما حاول التفكير في أعذار تافهة، كان عليه أن يعترف بذلك. قول “لا أستطيع إعادته لأنّ اللعنة لم تُرفع بعد” كان مجرّد ذريعة.
لكن إذا كان بإمكان ذريعة، مهما كانت دنيئة، أن تبقي ليديا إلى جانبه، فسيستخدمها بكلّ سرور.
أو هكذا ظنّ.
حتّى حدث اليوم.
<يمكنني أن أحقّق لكَ ما تريد، إليان إستوبان.>
الاستمرار في رؤية هذا الخاتم كوسيلة لاحتجاز ليديا لم يختلف كثيرًا عن قبول عرض تلك الروح اللعينة.
كان إليان، الذي يتمنّى أن تبقى ليديا بجانبه بإرادتها، شخصًا يفيض طمعًا بشكل مفرط ربما. أو ربما كان يعتقد أنّ الأمر لا معنى له ما لم تكن هي من اختار ذلك.
لكن في الوقت نفسه، ظلّ السؤال “لماذا لا أكون دنيئًا؟” يسيطر عليه. مدّة عقدهما كانت سنة من البداية. لا يمكن إنهاؤه مبكرًا دون موافقة الطرفين، فلم لا يحتفظ بها خلال المدّة المتبقّية، يعد بتركها بعد رفع اللعنة، يؤجّل التواصل مع جزر ليسكال، أو يكذب قائلاً إنّ الخنجر الذي أرسلوه هديّة قد ضاع…
توقّفت أفكار إليان فجأة. فتح الصندوق مجدّدًا، محدّقًا بالخاتم.
في النهاية، لن يحصل على شيء بهذه الطريقة. الخاتم كان عائقًا أكثر منه نفعًا.
كان هذا الزواج التعاقديّ، الذي بدأ ليفصل طريقهما بسلاسة، يعمل كقيد ضخم. علاقتهما كانت منحرفة منذ البداية، ودون إزالة ذلك، لن يتمكّنا من التقدّم.
“…أأعتمد على خاتم بائس بهذا الشكل؟”
رغم رغبته في أن يكون بائسًا، كان قراره النهائيّ في الاتّجاه المعاكس.
نهض إليان بعد أن حسم أمره، تاركًا الصندوق الفارغ على الطاولة، ممسكًا الخاتم بيده.
لكن على عكس عزمه، تجوّل عبر غرفة النوم الفارغة والممرّات، بحثًا عن ليديا في المكتبة الضخمة والفناء وكلّ الغرف، دون أن يجدها.
“أين سيدتكِ التي تخدمينها؟”
لاحظ فجأة خادمة تتردّد في الممرّ، وجهها مألوف من قرب ليديا، فسألها. ظهر الارتباك على وجهها.
“قالت إنّها تريد أن تكون وحدها، فأنتظر هنا تحسبًا.”
نظر إليان إلى الممرّ الضيّق حيث تبدأ السلالم إلى أعلى البرج.
“هل هي هناك بمفردها؟”
“نعم، قالت إنّها تحبّ المنظر من الأعلى.”
بحكم طباع ليديا، لم تكن لتترك أحدًا ينتظر طويلاً، ولابدّ أنّها أخبرتها بالعودة إلى مسكنها لهذا اليوم. لكن الخادمة بدت غير مطمئنّة، فبقيت هنا.
“يمكنكِ الذهاب. سأصطحب ليديا بنفسي.”
ظهر الارتياح على وجه الخادمة. لمحت نظراتها الخاطفة، وكأنّ شائعة عن علاقة وديّة بين الماركيز وزوجته ستنتشر في القلعة قريبًا.
‘لو كان نصف تلك الشائعات صحيحًا، لما كنتُ هكذا.’
صعد إليان السلالم، يعبث بالخاتم في جيبه. حتّى بعد عزمه، لم يستطع التخلّص من التردّد الأخير.
تأجيل إعادته سيبسط الأمور كثيرًا. لكن في النهاية، رفضه كان فقط لأنّه أراد أن تنظر إليه ليديا بكلّيتها.
وصل إلى آخر درجة، وفي الفضاء المفتوح، رأى ليديا بعيدًا، متّكئة على السور، تنظر إلى الخارج.
كانت تنظر نحو الغابة التي زاراها اليوم. بسبب المطر البارد غير الموسميّ، كانت الأشجار تتمايل بضوضاء، ونسمة خفيفة تصل إلى هنا، باردة لا تتناسب مع الفصل.
بدت ليديا هادئة جدًا، تاركة شعرها يتطاير بحرّيّة، فلم يجرؤ إليان على مقاطعتها بسهولة.
ظلّ يراقبها من مكانه لفترة.
“ليديا.”
كلّما تذكّر هذا المكان في قلعة إستوبان، سيرى صورتها هذه أوّلاً لبقيّة حياته، وبعد أن امتلأت عيناه بها، ناداها.
“إليان.”
استدارت إليه بدهشة خالصة، حاولت إزاحة شعرها المعيق للرؤية ثم استسلمت.
اقترب إليان منها، جمع شعرها، وقسّمه إلى خصلات، وبدأ يجدله برفق.
“كيف عرفتِ الصعود إلى هنا؟”
“قالت سيرا إنّه سيكون من المؤسف زيارة قلعة إستوبان دون رؤية هذا. قالت إنّ بإمكاني الصعود متى شئت لكثرة الوقت، لكن لم يبد الأمر كذلك، فأردتُ رؤيته مرّة.”
شعر كأنّ الكلام توقّف في حلقه. لو استطاع فهم ما تحمله عيناها البنفسجيّتان الآن، لكان مستعدًا لدفع نصف ذهب إستوبان.
كانت ليديا دائمًا خارج توقّعاته منذ البداية، تسلب انتباهه بالكامل، وأحيانًا تجعله متوترًا.
راقبته ليديا بدهشة وهو يرصف خصلة فوق أخرى بمهارة، يرتب شعرها الطويل بسرعة.
“تفعلها جيّدًا.”
تمنّت ليديا أن تبدو كلماتها مجرّد إعجاب، لا كأنّها تظنّ أنّه فعل هذا لامرأة أخرى، أو سيفعله مستقبلاً.
لا يعرف كيف سمعها إليان، لكنّه أعاد خصلة متمرّدة تدغدغ وجهها وقال بلا مبالاة:
“أردتُ ترتيب شعر أمّي، فتوسّلتُ إلى خادمتها أن تعلّمني.”
كانت أمّه المريضة تبتسم بضعف وتجلس متّكئة عندما يرتب شعرها. كانت تُثني عليه رغم فوضويّته.
كان يفعل ذلك لرؤية ابتسامتها الطويلة. لاحقًا، عندما حاول جديلة شعر كاترينا بثقة، تلقّى توبيخًا أدرك منه كم كان سيئًا.
كان يروي القصّة بنبرة باهتة، تكاد تُطمس بصوت حفيف الأوراق البعيدة، لكنّها تحمل شوقًا خفيفًا رغم تلاشيه.
“…كنتَ أخًا طيّبًا.”
“قالت أختي إنّ عليّ مراقبة دروسها كي لا أفسد الأجواء لو فعلتُ هذا لزوجتي لاحقًا.”
أخذ إليان رباطًا منها، أكمل الجديلة، ثم أطلق شعرها من يده، محدّقًا في عمله.
كان متأكّدًا أنّ ليديا ستظلّ الوحيدة التي يمكنه مشاركتها هذه القصص، والوحيدة التي يشعر أنّه يمكن أن يفعل ذلك معها. كثيرًا ما كان يروي دون وعي، ثم يدرك من ردّها أنّه عاد إلى طفولته.
“ليديا.”
ربما إعطاؤها هذا ينبع من رغبة بسيطة في رؤية ابتسامة صادقة على وجه من يجعله قادرًا على التخلّي عن كلّ شيء.
أمسك إليان يدها المتشابكة مع يده بطبيعيّة، ووضع في إصبعها ما تريده أكثر من أيّ شيء، ربما الوسيلة الأخيرة لاحتجازها، بكلّ سرور.
“…ما هذا.”
دهشت ليديا من شعور الخاتم يستقرّ في إصبعها، فنظرت إلى يدها. لم تحتج إلى التأكّد، عرفَته فورًا. لمع للحظة كأنّه يرحّب بصاحبته الحقيقيّة مجدّدًا.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 56"