ما إن سمعته حتّى مالت رأسها، غارقة في أفكار أخرى، فأراد إليان أن يرى ما يدور في ذهنها.
فسألها هذه المرّة. كان سؤالاً غير معتاد منه، خرج تلقائيًا دون تفكير، مملوءًا بالصدق:
“وأنتِ، هل لديكِ ما تتمنّينه؟”
“أنا؟”
توقّفت ليديا عند هذا السؤال. أمنية تريد تحقيقها بقوّة الروح، إنجاز تسعى إليه بتلك الطاقة.
حاولت التفكير، لكن لم تجد في نفسها رغبة لاستخدام تلك القوّة العظيمة. ربما لأنّها تساءلت عمّا إذا كان الأمر يستحقّ الثمن.
حتّى لو كانت ساحرة تملك الطاقة السحريّة، فالأرواح كائنات صعبة لا يسهل التعاقد معها، كما أشارت كلّ السجلّات التي قرأتها.
“على الأرجح خاتم عائلتكِ، أليس كذلك؟”
لم يكن خطأً، لكنّه لم يكن “أكثر” ما تريده. تفاجأت عندما تذكّرت أنّها نسيته لفترة حتّى ذكّرها.
كيف نسيت ذلك؟ كان السبب الأهمّ لوجودها هنا.
لكن المشكلة أنّ ذلك أصبح ماضيًا. ربما أرادت نسيان أنّ كلّ هذا مبنيّ على “عقد”، لدرجة أنّها غرقت في ذلك.
‘ ماذا؟’
برز الرجل الأشقر الجالس أمامها يراقبها كإجابة. كان جوابًا فوريًا أربكها رغم أنّها هي من اختارته.
“بالطبع أريده، لكن…”
تردّدت ليديا طويلاً. بدا إليان صبورًا بشكل غير معتاد وهو ينتظر ردّها، فشعرت أنّ عليها تقديم إجابة واضحة، لكنّها لم تستطع تحديد ما تريده حقًا.
ربما كان الخوف من مواجهة ما قد يجرحها هو العائق. كان هذا الوضع الراكد أفضل من التقدّم خطوة قد تقودها إلى هاوية.
تمنّت أن يتوقّف كلّ شيء هكذا، دون الحاجة للتفكير في مستقبل معقّد ومحبط.
“…لا أعرف. ربما لذلك لم تطمع الروح في عقد معي.”
كان استنتاجًا تافهًا. لماذا تفتقر إلى الشجاعة وتتحدّث بلفّ ودوران؟
كانت تعلم أنّ عليها مواجهة مشاعرها وإلى من تتّجه، ومدى ثقلها، لمرّة واحدة على الأقلّ، لكنّها تمنّت ألّا يكون ذلك الآن. لم ترغب في كسر هذا الاستقرار.
“…نعم، ربما.”
اخترق صوت إليان الصمت، هادئًا لكنّه غارق في نبرة منخفضة.
كانت عيناه الزرقاوان الواضحتان، على عكس السماء الممطرة المعتمة، تحدّقان بها باستمرار. بدت كأنّها تطالب بجواب بعناد، فشعرت ليديا أنّها لا تستطيع تحمّل تلك النظرات أكثر.
عبثت بكوبها الفارغ دون داعٍ، ثم نهضت فجأة.
“مضحك أن أطالب بالخاتم كلّ مرّة. لدينا صفقة، بعد عام سأحصل عليه. لا، الآن…”
“إذا عبثتِ به هكذا ستؤذين نفسكِ.”
مدّت يدها نحو الإبريق لتتظاهر بالنشاط بعد نهوضها، لكنّه، دون أن تعرف متى تحرّك، منعها.
رفعت عينيها إليه وقد اقترب منها دون قصد.
لم يترك إليان يدها، والأهمّ أنّها لم ترغب في ذلك أيضًا.
“لستُ متسرّعة لهذه الدرجة.”
“أعرف.”
كان يعرف. لم تكن ليديا بحاجة إلى تدخّله المحموم هكذا. حتّى لو واجهت صعوبة، لم تكن لتطلب مساعدته مباشرة أو تعبّر عن ضعفها.
كانت دائمًا هكذا: تقرّر وتتحرّك بمفردها. المكان الذي ظنّ أنّها تحتاجه فيه كان بإمكانها تجاوزه بمفردها.
كان هو من أراد أن تتّكئ عليه، ليجد مكانًا في حياتها، ليكون الأقرب إليها.
“أفعل هذا لأنّني أريد.”
‘أريدكِ أن تنظري إليّ بطبيعيّة. إذا التفتِّ أوّلاً، أريد أن أكون دائمًا في ذلك المكان.’ كان مستعدًا لذلك بكلّ سرور.
“لماذا؟”
استغلّت ليديا قربهما كذريعة، متظاهرة أنّهما وحيدان في عالم لا يعيقه شيء ولا أحد، وقرّرت أن تتقدّم خطوة متردّدة بحذر.
“لأنّكِ أصبحتِ أهمّ شخص بالنسبة لي.”
عندما أغمضت عينيها وسمعته، هزّت كلماته قلبها أكثر ممّا توقّعت. أدركت متأخّرة أنّها أغمضت عينيها. فتحتهما ببطء، فكان إليان لا يزال ينظر إليها دون أن يحوّل عينيه قطّ.
راقبت ليديا يده وهي ترفع يدها ويضع شفتيه على كفّها. كعادة لمستهما، أطلق إليان تنهيدة خفيفة ممزوجة بالتحرّر والارتياح.
حتّى مع أنفاسه التي دغدغت كفّها، تجمّدت ليديا مع إدراك مفاجئ كالصاعقة.
آه، هكذا إذًا. لا يجب أن تُخطئ الفهم. لأنّها خلاصه، كان عليه أن يتصرّف هكذا.
تلاشت كلّ شجاعتها التي كانت ستتقدّم بها كما لو غُسلت. تمنّت في قرارة نفسها أن يكون هناك “ما بعد” رفع اللعنة، لكن تلك الأمنية الصغيرة تبدّدت قبل أن تتشكّل.
هل سينظر إليها هكذا حتّى حينها؟
عندما لا يعود هناك سبب ليهتمّ بها، أو لينظر إليها، في تلك الحالة التي لا شيء فيها.
“أنا سعيدة أنّني أستطيع أن أكون شخصًا مهمًا لسيّد الماركيز.”
كان بإمكانها احتكار وقته تقريبًا هكذا، وكلّ ذلك بسبب قدراتها التي احتاجها.
كان ذلك بديهيًا.
من البداية، كونها “شخصًا مهمًا” له كان معنى محدودًا بـ”الآن”، وهذا بديهيّ حقًا.
“ليديا.”
كان إليان يعرف أنّها عندما تناديه هكذا يكون لها قصد. ربما كان زلّة لسان في البداية، لكن الآن لم يعد كذلك. كلّما أرادت لفت انتباهه، أو كانت منزعجة منه، أو حدث تغيّر مفاجئ في قلبها كما الآن، كانت تتوقّف عن مناداته باسمه.
“ما بكِ؟”
كان يمسح خدّها بعبوس، شخصًا يعاني من تأثير اللعنة. لذا، لقد فهمت الأمر بشكل مبالغ بنفسها، كأنّها تختار ما تريد سماعه فقط وتُحرّفه.
“لا شيء.”
“لا يبدو كذلك.”
“فقط، أتمنّى أن يدوم هذا الوقت إلى الأبد.”
لم يكن لديها مكان لتهرب منه أكثر، فأسندت جبهتها إلى صدره وأخفت وجهها.
مع ذلك، كانت متأكّدة أنّها ستشتاق إلى هذا الوقت كثيرًا.
“لا شيء يحتاج أن يتغيّر. يمكن أن يبقى هكذا.”
سقطت يده على كتفيها، وجذب ظهرها ليعانقها بالكامل.
حتّى لو كان ذلك تخمينًا متسرّعًا بعد أن لمح جزءًا من قلبها، لم يكن يمانع. إذا قالت ليديا إنّها تريد ذلك، فلن يرغب في تغيير شيء حقًا.
“لا يوجد شيء لا يتغيّر.”
كان مواجهة تغيّر نظرته وتصرّفه أكثر ما تخشاه. آه، لم يكن الخوف الحقيقيّ هو مواجهة مشاعرها التي بدأت تدركها للتوّ ولا تزال غير واضحة. بل كان خوفها الأعظم هو مواجهة حقيقة أنّ علاقتها مع إليان ستتغيّر لا محالة.
كانت حقيقة تجعل كلّ افتراضاتها الحاليّة تفقد معناها جذريًا.
“لماذا تقولين ذلك؟”
“إليان، من البداية…”
دويّ صاخب―
قُطعت كلمات ليديا المستسلمة عندما هزّت رأسها وحاولت الابتعاد عنه، فدفع سيف إليان ليسقط على الأرض بضجيج.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 54"