بينما كانت ليديا لا تزال تتردّد، غير متأكّدة مما يجب فعله، جلست برفق على السرير في الزاوية باتّباع توجيهاته، كان إليان، على عكسها، يبدو كشخص يعرف تمامًا ما يجب القيام به، تاركًا إيّاها ومستمرًا في تحرّكاته.
“هل تشعرين بالبرد؟”
“آه، نعم. قليلاً.”
رغم اقتراب الصيف، بدأ المطر يجلب برودة تدور حول المكان. كانت ملابسها الخفيفة تزيد من شعورها هذا، ففركت ذراعيها دون وعي. لاحظ إليان ذلك، ففتح الخزانة وبدأ يبحث فيها.
أخرج كوبًا ووضعه على الطاولة، ثم اقترب من المدفأة كأنّه تذكّر شيئًا فجأة وتفقّدها.
“انتظري هكذا لحظة.”
لم يمنحها وقتًا للردّ، فقام وفتح الباب، ثم عاد حاملاً بعض الحطب الجافّ الذي نجا من المطر بأعجوبة. كان المطر قد اشتدّ، فتناثرت قطرات الماء من شعره في تلك اللحظات القليلة.
مرّر يده على شعره بلا مبالاة لينفض الماء، ثم تأكّد أنّ الحطب لم يتبلّل قبل أن يرصّه في المدفأة.
“من أين أحضرتَ ذلك؟”
راقبته ليديا بهدوء، وعندما لم تعد تتحمّل الفضول سألت. لكن إليان، الذي كان منهمكًا في إشعال النار، لم يجب.
ربما كان سؤالاً تافهًا، فحتّى ليديا نسيت أنّها تحدّثته وهي تراقب الشرارة تتحوّل إلى لهب ينمو تدريجيًا. ثم ردّ إليان أخيرًا وهو يقيّم الدفء بيده:
“في الخلف، هناك حطب مكدّس. بقي بعضه مغطّى لئلّا يتضرّر.”
“هل قطّعتَ الحطب بنفسكَ أيضًا؟”
“في الماضي.”
لو لم يكن إليان يبدو هادئًا بشكل غريب وقليل الكلام منذ دخوله، لكانت ليديا واصلت الأسئلة لتشبع فضولها.
لكنها لم ترغب في تعكير صفو تلك السكينة التي بدت كغوص في الذكريات.
لذا قرّرت ليديا ألّا تسأل أكثر عن ماضيه، بل أن تراقب ما يفعله فقط.
كان صوت المطر المتساقط خارجًا كخلفيّة يجعل مجرّد مشاهدته يهدّئ قلبها.
نهض إليان سريعًا، خرج مجدّدًا، وعاد بإبريق ماء وضعه على المدفأة ليغلي. ثم صعد سلمًا ضيّقًا في الزاوية كأنّ لديه المزيد ليفعله.
“من الأفضل أن تتغطّي بهذا.”
عاد حاملاً بطانيّة مطويّة بعناية، ربما كانت في درج. مدّت ليديا يدها وهي تنظر إلى غطاء السرير الذي بدا غير صالح للاستخدام رغم نفضه.
“شكرًا.”
لكن بدلاً من تركها، وضع إليان البطانيّة على كتفيها بعناية فائقة تجاوزت توقّعاتها.
كانت تنوي وضعها على ركبتيها فقط، لكن شعور البرد المتزايد في أطرافها جعلها تتركها كما هي.
لم تكن الوحيدة التي شعرت بغرابة الجوّ، فقد فتح إليان الباب، ألقى نظرة خارجًا، ثم عاد قائلاً:
“الجوّ بارد بشكل غريب.”
“ربما لأنّ هذا ليس مطرًا حقيقيًا.”
كان المطر ناتجًا عن عودة الروح إلى الطبيعة، يحمل حزنًا عميقًا باردًا.
أو ربما كان يعكس البرد الذي عاشته تلك الروح تحت البحيرة طوال تلك السنين.
“على أيّ حال، تسبّبت في إزعاج حتّى النهاية.”
بينما غرقت ليديا في أفكار حسّاسة، بدا إليان منزعجًا من الروح. أمسكت ليديا الكوب الذي قدّمه بكلتا يديها، محدّقة في البخار المتصاعد، وقالت:
“…لكن بهذا، يبدو أنّ الأمر انتهى جيّدًا.”
“نعم، مقارنة بالمرّة الماضية.”
كان يشير بلا شكّ إلى الحادثة التي أصيبت فيها ليديا بالبرد. أدركت الآن لماذا اهتمّ بتغطيتها وتسخين الماء بعناية. ضحكت ليديا بخفّة، لكنّه واصل بجدّيّة:
“أحيانًا، يبدو جسدكِ أضعف ممّا تظنّين، ليديا.”
كان تعليقًا مضحكًا. صحيح أنّها عانت من دوار العربة والبرد أمامه، لكنها كانت واثقة أنّها طبيعيّة نسبيًا.
“أنا بصحّة جيّدة. ترعرعتُ دون أمراض طفيفة. حتّى البرد، تعافيتُ منه بسرعة المرّة الماضية.”
“حسنًا، لنقل إنّه كذلك.”
حاولت ليديا الاحتجاج على ردّه اللامبالي، لكن عندما اكتشف أنّ ساق كرسيّ مكسورة، تفقّد الأرض وجلس عليها فجأة، فنسيت ما كانت ستقوله من الصدمة.
لم تصدّق أنّ إليان إستوبان يجلس على الأرض الباردة دون تردّد. لكنّه ربما لم يكن متشدّدًا في هذه الأمور.
“لا تجلس هناك، اجلس هنا. هناك مكان كثير، لماذا تجلس هناك؟”
“أفضّل الجلوس مواجهًا هكذا.”
جذب ساقيه، وضع ذراعه على ركبتيه، وهزّ كتفيه كأنّ الجلوس على الأرض عادة يوميّة.
على عكس مظهره المثاليّ في العاصمة، كان في حرّيّته وهو يعلّق سيفه على الكرسيّ ويخلع قفّازاته ليضعها عند المدفأة شيء لم تعتده ليديا.
لكن ذلك الإرهاق الذي كان يثقل “ماركيز إستوبان” بدا أخفّ، وكأنّ هذا يناسبه أكثر.
“منذ متى تعلّمتَ السيف؟”
أخيرًا سألت ما يشغلها. كيف كان قبل أن يصبح “ماركيز إستوبان” المثاليّ؟
“منذ أوّل ذكرى أتذكّرها، كنتُ أمسك السيف وأتدرّب. أردتُ أن أصبح فارسًا.”
نظر إلى النار وهو يستند بذراعيه على ركبتيه، ثم ابتسم بمرارة، مدركًا فضولها الشديد، وتابع:
“قيل إنّ الفارس يجب أن يعتني بنفسه ويكون جاهزًا للتحرّك دائمًا، فتعلّمتُ الكثير.”
تمتم وهو يستخرج حلم طفولته البعيد. أحبّ ثقل السيف، والشعور باختبار حدوده في عالمه الخاصّ.
“هذا أيضًا جزء من ذلك. ظننتُ أنّ الفارس يجب أن يحلّ وجباته ويتأقلم مع النوم في الطريق. لكن عائلتي لم تفهم أنّ هذا المكان، بجدرانه وسقفه، ليس بيئة قاسية على الإطلاق.”
كان يبدو كأنّه نشأ كأمير راقٍ، لكنّه ربما مرّ بالكثير. لاحظ نظراتها المتسائلة.
“هل تصدّقين لو قلتُ إنّني هربتُ من المنزل في تمرّد؟”
“لا. تبدو كمن يتبع القواعد بدقّة.”
“لو سمعت أختي ذلك، لقالت إنّ إليان إستوبان كان أكثر الأشقّاء عنادًا، وأمسكتكِ لأسبوع تروي قصصًا.”
في يوميّات إيدان، كان دائمًا الأخ الموثوق الرائع، لذا كانت هذه القصص مفاجئة. يبدو أنّه كان صبيًا نشيطًا ومغامرًا.
“مستحيل.”
“لا تثقي كثيرًا بالمظاهر، ليديا.”
رمش ببطء، وكان ردّه صعبًا. ساد الصمت بينهما.
كان هادئًا ومريحًا لليديا، لكن قلب إليان لم يكن ساكنًا. كان مليئًا بضجيج المشاعر التي قلّبتها الروح.
“…ماذا قالت تلك الروح؟”
عندما سألت فجأة، تشنّج وكأنّها قرأت أفكاره، مدركًا أنّها لو عرفت لما جلست أمامه بهدوء.
“فضوليّة؟”
“قرأتُ أنّ العقد مع روح يشبه النظر إلى أعمق أفكار القلب. تساءلتُ إن كان ذلك صحيحًا.”
كان الكتاب الذي قرأته دقيقًا.
خاصّة أنّها جعلته يواجه مشاعر قويّة وواضحة لم يكن يعترف بها حتّى لنفسه.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 53"