– تريد أن تبقى تلك الإنسانة بجانبك، أليس كذلك؟ وبإرادتها الكاملة. أمرٌ معقّد وطموح حقًا.
هذه كانت المشكلة. أراد إليان أن تختاره ليديا. لم يكن يكفيه ما لديه الآن. أرادها كلّها، كلّ مشاعرها.
كلّ تلك المشاعر التي تجاهلها ورفض النظر إليها انفجرت فجأة.
هل كان يرغب بها بشدّة إلى هذا الحدّ؟ أن تبقى في حياته ولا تختفي، شعور واضح وقويّ إلى هذه الدرجة.
رمش إليان ببطء، محدّقًا بهدوء في الحقيقة العارية التي واجهها أخيرًا. لكن رغم ذلك، هو…
“إليان!”
صوت ليديا كان أوّل ما سمعه وهو يخرج من مستنقع عميق. نظر إليها وهي تمسك ذراعه كأنّها تمنعه، وأدرك ببطء أين يقف.
كان بعيدًا، لكنّه الآن أمام الروح داخل البحيرة مباشرة، على حافة الوقوع فيها بخطوة واحدة.
ظنّت ليديا أنّه لم يستعد وعيه بعد، فتابعت بقلق:
“من لا يملك طاقة سحريّة للدفع كثمن يفقد روحه. لا تتعامل مع الروح. أيّ شيء…”
“أعرف.”
لكن واقعه كان هنا. ليديا في الوهم الذي أظهرته الروح، التي كرّرت أنّها تريده فقط، كانت مختلفة عن الواقع.
ليديا التي يريدها ليست مجرّد دمية تطيعه. بل هي ليديا الحقيقيّة التي تذكّره دائمًا أنّه يعيش، بكلّ حيويّتها.
لم تفهم الروح طمعه الحقيقيّ، وما يعنيه أن يريد ليديا ذاتها.
لم يكن يريد افتراض ذلك، لكن حتّى لو لم ترده ليديا، فإنّ قدرتها على التعبير عن مشاعرها بصراحة هي ما جعلها مميّزة له. بطريقة متناقضة، كانت هي الوحيدة التي ستظلّ كذلك مهما حدث.
“أعرف جيّدًا. لا يمكنني الحصول على ما أريد من خلالها.”
استلّ إليان سيفه هذه المرّة. صوت الاحتكاك المألوف أعاد إحساسًا قديمًا كان يعرفه جيّدًا.
لم يتخيّل أنّه سيحمل هذا السيف، الذي حصل عليه عندما كان يحلم بأن يكون فارسًا، مجدّدًا. لكن منذ لقاء ليديا، أصبحت حياته غير متوقّعة.
وهذا لم يكن سيّئًا على الإطلاق.
“الوقت المناسب للكلام انتهى، اختفي.”
– لا تريد عقدًا معي؟
“نعم. متعاقدكِ لم يعد في هذا العالم، ولن تجدي متعاقدًا جديدًا، فارحلي.”
لم يتردّد وهو يرفع سيفه.
كانت الروح مجرّد قوّة طبيعيّة متجسّدة، و”الموت” بالنسبة لها هو العودة إلى أصلها، كما شرحت ليديا سابقًا.
لكن ليديا تردّدت لأنّ ذلك قد يكون مؤلمًا للروح، فاحترم إليان رغبتها.
لكن بالنسبة له، كان هذا الحدّ الأقصى للتسامح.
اقترب إليان بسيفه من رقبة الروح، محذّرًا للمرّة الأخيرة:
“إذا لم تختفي بنفسكِ…”
ما إن لامس السيف الروح حتّى صرخت صرخة مخيفة وهربت إلى داخل البحيرة. تردّد الصوت كصدى حادّ.
غطّت ليديا أذنيها متجهّمة، بينما عبس إليان لكنّه لم يخفض سيفه، محدّقًا أمامه.
– ذلك السيف… أنت… قوّة غير مسموح بها… هل يعقل…
“ما الذي تقولينه؟”
لكن الروح لم تقل شيئًا آخر، وقفت على سطح الماء الهادئ تنظر للأسفل بلا تعبير.
بدت يدها تتحوّل إلى شفّافة، كأنّها تستطيع رؤية ما تحتها. يبدو أنّها استهلكت طاقتها الزائدة أو فقدت إرادتها ورغبت في العودة.
بدا وجهها غارقًا في حزن أعمق من قبل، وسألت:
– لم يكن متعاقدي الوحيد الذي اختفى، أليس كذلك؟ لم يعد هنا شيء، لا شيء على الإطلاق، صحيح؟
“السحرة، الأرواح، الجنيّات، لم يبقَ سوى آثار باهتة. لا شيء هنا. لذا، عودي.”
نظرت الروح إلى عيني ليديا البنفسجيّتين طويلاً، ثم قالت بنبرة مليئة بالحنين:
– أنتِ أيضًا، يجب أن تكوني وحيدة. لا أحد يفهمكِ.
“لكن ليس لديّ نية للتعاقد معكِ. ليس لديّ طاقة سحريّة.”
– …أنا أحببتُ ذاك، ليس أنتِ.
تخلّت ليديا عن فهم تقلبات مزاج الروح التي أشارت إلى إليان فجأة بنبرة متبرّمة. لماذا كلّ الكائنات السحريّة هكذا؟ ربما هذا ما يساعدها على تحمّل الزمن الطويل.
ثم أغمضت الروح عينيها، محدّقة في السماء الصافية بين الأشجار، غارقة في عالمها.
– أنا آسفة لأنّني لم أودّع.
بدأ شعرها يتحوّل إلى اللون الأزرق الفاتح مجدّدًا، يذوب كأنّه يلامس الماء.
– لو رأيته ولو مرّة أخيرة…
كأنّها تندمج مع الماء، انهارت ببطء، وخلال رمشات عين، اختفت تاركة سطح البحيرة الهادئ وحده.
كان يمكن أن تكون نهاية مثاليّة، لكن السماء التي نظرت إليها الروح أخيرًا بدأت تتلبّد فجأة.
“يبدو أنّ…”
“سنُمطر.”
أكمل إليان جملتها وأعاد سيفه إلى غمده، ثم بدأ بالتحرّك. تبعته ليديا بخطوات متعجّلة.
“إلى أين نذهب؟”
“هناك مكان قريب للاحتماء من المطر.”
كادت تسأله كيف يعرف، لكنّها تذكّرت أنّها أراضيه، والغابة التي كان يتردّد إليها، فبالتأكيد يعرف موقعها.
بدأت قطرات المطر تهطل بالفعل، فشعرت ليديا بالبرد على كتفها وانكمشت.
لحسن الحظ، ظهر المكان الذي تحدّث عنه قريبًا: كوخ خشبيّ صغير قديم في أرض خالية دخلاها لتوّهما.
كان محاطًا بسياج نصفه مكسور، وبجانب الباب أخشاب متناثرة، كأنّه كان مسكونًا سابقًا.
“لم يُدمّر بالكامل على الأقلّ.”
“ما هذا المكان؟”
“بيت حارس الغابة. لم يعد أحد هنا.”
بينما كانت ليديا تتفحّص المكان بعينين متفاجئتين، اقترب إليان من الكوخ، تلمّس تحت عتبة النافذة، وأخرج مفتاحًا قديمًا يبدو متآكلاً كالكوخ.
“كيف عرفتَ أنّه هناك؟”
“قلتُ إنّني كنتُ أتردّد إلى الغابة. حارس الغابة الذي عاش هنا وجدني أوّل مرّة ضللتُ فيها. كان يغيب كثيرًا، فأخبرني بمكان المفتاح لئلّا أتجمّد خارجًا ليلاً، محذّرًا أنّ موت ابن إستوبان الثمين سيكون خطأه.”
كان في نبرته دفء يعكس ذكريات طفولته المتهوّرة. راقبت ليديا حركاته الماهرة وهو يفتح الباب المقاوم بقوّة خفيفة، مدركة أنّه كان يأتي كثيرًا.
“لاحقًا، عندما أضعف جسده ولم يعد يستطيع حراسة الغابة، تولّيتُ العناية بهذا المكان. قيل إنّ إرسال أشخاص دوريًا كافٍ بدلاً من حارس دائم، فتُرك مهملًا.”
كان المطر ينهمر بغزارة خارجًا. لكن ليديا تردّدت في الدخول، كأنّها تتعدّى على مكان شخصيّ دون إذن.
“ما بكِ؟”
سألها إليان وهو يزيل الأغطية عن الأثاث وينفض الغبار.
“فقط أتساءل إن كان يجوز لي الدخول.”
“من غيركِ يمكنه الدخول هنا؟”
كان صوته غير مبالٍ، لكن يده الممدودة رحّبت بها. أمسكتها ليديا متردّدة، ودخلت بحذر.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 52"