بالتحديد، كان شيئًا على هيئة “امرأة”. كانت تقف أمام أنف ليديا مباشرة، بشعر أزرق فاتح جدًا يمكن أن يُخطئ المرء فيظنّه أبيض، متدلّيًا كشبح، وبشرة شاحبة بشكل غير بشريّ.
كانت أطراف ثوبها الطويلة المتماوجة تشبه الأمواج، تُوهم المرء أنّها تتحرّك تحت الماء رغم وقوفها على اليابسة.
باختصار، كانت مزيجًا من المظاهر التي قد تجعل أيّ أحد يهرب مذعورًا دون الالتفات خلفه إذا رآها فجأة في غابة نصفها مظلّلة دون استعداد.
عيناها الكئيبتان، التي يمكن أن تُغرق من يراها في الاكتئاب، اتّجهتا نحو ليديا.
– أنتِ… لستِ تلك.
فتحت فمها، لكن الصوت بدا كأنّه يتردّد داخل رأسها. ابعدت ليديا يد إليان، التي كانت تُمسك خصرها بإحكام، برفق لتُشير أنّه يمكنه تركها.
تراجع إليان على مضض، واضحًا أنّه لا يريد ذلك، لكنّه ظلّ مستعدًا لاستلال سيفه في أيّ لحظة.
“من لستُ أنا؟”
– متعاقدي.
كانت الأرواح عادةً تظهر في هذا العالم عبر عقد، فمن الطبيعيّ أن يكون لها متعاقد. لكن عيناها الفارغتان، كأنّها تائهة دون متعاقد، جعلتا ليديا تشعر أنّ تخمينها قد يكون صحيحًا.
“من متعاقدكِ؟ أين ذهب وترككِ هنا؟”
– نمتُ منذ زمن طويل… وعندما استيقظتُ، لم أجده. قال إنّه سيعود… لكن إلى أين ذهب؟ لا أشعر به…
ثم دفنت الروح وجهها بين يديها وبكت، فتقلّبت مياه البحيرة وفاضت ردًا على ذلك.
كانت النباتات حولها تتدلّى كأنّها لا تتحمّل مشاعر الروح الجيّاشة.
“شعرتِ بطاقتي وحاولتِ معرفة من أنا؟”
– نعم. أنتِ الإنسانة الوحيدة التي دخلت هذه الغابة وتشبهين متعاقدي. لكنّكِ لستِ هو.
رفعت الروح رأسها فجأة، مالت نحو ليديا لتتفحّصها، ثم هزّت رأسها وأطرقت كتفيها بخيبة أمل.
– هل تعرفين متعاقدي ربما؟
“لا.”
تذكّرت ليديا مفهوم الوقت المختلف لدى الكائنات السحريّة، وأدركت أنّ المتعاقد قد مات بالفعل. لا يمكن أن يكون هناك ساحر في هذا العصر قادر على عقد مع روح. “زمن طويل” بالنسبة لروح قد يعني مئات السنين.
– إذًا أين هو؟
لكن قول ذلك مباشرة لهذه الروح الحسّاسة جدًا كان صعبًا. قد لا تكون عدائيّة الآن، لكن ردّة فعلها المحتملة أخافت ليديا قليلاً.
– متعاقدي… متعاقدي…
“ربما حدث شيء منعه من العودة. لا أعرف من هو، لكن هل يمكنكِ التوقّف عن إزعاج المارّين هنا؟ الجميع خائفون.”
كان من الصعب لوم ساحر قديم ترك العقد دون إنهاء. لم يكن يريد هذا بالتأكيد.
لو كان يعلم أنّه لن يعود، لأنهى العقد لئلّا تتيه روحه في عالم البشر، لكن…
– أعيدي لي متعاقدي…
لكن الروح لم تعد تهتمّ بليديا، وكرّرت الكلمات ذاتها كأنّها تهذي. شعرت ليديا بالحيرة.
“هل يمكن حلّ هذا بالكلام فعلاً؟”
“إذًا هل أقطع الروح بسيفي؟”
لم تمنعه من إحضار السيف، لكن ليس لأنّها ظنّت أنّ القوّة الجسديّة ضروريّة، بل كاحتياط فقط.
“لا ضحايا الآن، لكن قد يحدث لاحقًا. أنا سيّد هذه الأراضي، لا يمكنني ترك خطر محتمل هكذا.”
كان منظور إليان مختلفًا. إذا اعتبر الروح كحيوان برّيّ خطر، لم يكن غريبًا أن يراها تهديدًا يجب التعامل معه.
حتّى ليديا تراجعت قليلاً من الظلام الذي تبثّه الروح. رغم أنّ الأرواح لا تهتمّ بغير متعاقديها عادةً، فإنّ تصرّفاتها غير المتوقّعة كانت مقلقة.
“أتفهّم وجهة نظركَ، لكن دعنا نجرب طريقة أخرى أوّلاً…”
– أنتَ.
تقدّم إليان أمام ليديا وهمس لها، فلاحظته الروح. انتقلت عيناها من ليديا إليه.
بالأحرى، إلى شعره الأشقر اللامع، فنظرت إليه الروح كالمسحورة، وشعرت ليديا بإحساس سيّئ.
– تشبهه. متطابق. أنتَ هو. هل أرسلكَ؟
مع كلّ خطوة تقترب بها الروح، أبعد إليان ليديا خلفه، ممسكًا بمقبض سيفه كأنّه سيستلّه.
“ما هذا الوهم؟”
“ربما كان هناك شخص من عائلة إستوبان تعاقد مع روح في الماضي.”
إذا كان كذلك، قد يكون الأمر أسهل. ربما تستطيع تهدئة الروح وإعادتها إلى الطبيعة. وخزت ليديا ظهر إليان برفق ونصحته:
“قل إنّكَ هو، واقنعها. بما أنّ متعاقدها غائب، يمكنها التخلّي والعودة إلى الطبيعة.”
“أتظاهر بأنّني أعرف ذلك الساحر؟”
“نعم.”
نظر إليان إليها وهي تهمس في أذنه واقفة على أطراف أصابعها، ثم تنهّد وأعاد السيف نصفه المستلّ إلى غمده.
“الشخص الذي كان متعاقدكِ ترك كلامًا. قال إنّه لن يعود، فعليكِ المغادرة.”
– …لماذا؟
“لأنّه لم يعد في هذا العالم.”
– ماذا يعني ذلك…؟
“لا أعرف أحدًا من عائلة إستوبان تعاقد مع روح. إذًا، لابدّ أنّه مات منذ زمن.”
دفنت ليديا رأسها في ظهر إليان يائسة. لم تكن تقصد هذا النهج المباشر، بل كانت تحاول التلميح بلطف.
لكنّه ألقى الخبر كأنّه يقطع شيئًا بسيفه.
– لا، لا… لا يمكن… إذا انتظرتُ… أنا هنا…
كان ردّ الفعل مرعبًا. غطّت الروح أذنيها، تهزّ رأسها، وفتحت فمها كأنّها تصرخ صامتة، فارتفعت مياه البحيرة عكسيًا وانهمرت حولها.
تفادت ليديا رذاذ الماء بفضل إليان الذي جذبها خلف شجرة، وأمسكت كتفه وهو يحتضنها وقالت:
“لم أقصد أن تقول ذلك هكذا!”
“الكذب لا يحلّ المشاكل عادةً.”
“أحيانًا تكون هناك أكاذيب بيضاء.”
لو رأت عرّافة لأخبرتها بعدم الاقتراب من الماء هذا العام. لم يكن غريبًا أن تتورّط مجدّدًا في حادث متعلّق بالماء.
“إذا تركناها، ستزداد الأمور سوءًا.”
كانت المياه تدور في البحيرة كأعمدة. تغيّرت الروح، أصبحت بشرتها أكثر زرقة وتحوّلت إلى اللون الأزرق الداكن، كأنّها تجسيد لقاع بحيرة مظلمة، مثل ملك الموت.
“بلا متعاقد، قوّتها محدودة. ستنفد قريبًا.”
ما إن أنهت ليديا كلامها حتّى سقطت المياه الدوّامة فجأة، متناثرة حولها. لكن الروح ظلّت واقفة تنظر أمامها.
– متعاقد… أحتاج متعاقدًا…
اتّجهت عيناها إليهما. أخفى إليان ليديا في صدره غريزيًا. وبينما كان يراقبها، حدث ذلك.
تقاطعت أعينهما، وشعر كأنّه يُسحب إلى الداخل، مع صوت متعدّد الطبقات يهمس ويتردّد.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 51"