خلال الفترة التي كان إليان يقضيها خارج القلعة لتفقّد الأراضي، لم تستطع ليديا التخلّص من شعور الوحدة العميق.
في مقرّ إستوبان الرئيسيّ، اختفت قيود الحركة تمامًا. كانت الأماكن التي يمكن استكشافها أوسع بكثير، والقلعة المهيبة كانت مدهشة سواء من الخارج أو أثناء التجوّل بداخلها.
لكن المشي بمفردها في الممرّات الواسعة ذات الأعمدة الكبيرة جعلها تشعر بالفراغ لا محالة.
“سيّدتي، هل تشعرين بأيّ إزعاج؟”
“لا، أنا بخير.”
كان الاختلاف عن قصر العاصمة أنّ شخصًا آخر بدأ يتبعها. فكّرت في رفضه كما في العاصمة، لكنّها، بسبب غرابة المكان، تردّدت ثم تركته.
بفضل ذلك، شعرت بالراحة لأنّها تمكّنت من التجوّل في القلعة الضخمة التي كانت ستبدو كمتاهة دون مساعدة.
كانت سيرا، الخادمة الهادئة ذات الشعر البنيّ، تُدرك بسرعة إلى أين تتّجه عينا ليديا، وكعادتها، تقدّمت لتشرح:
“إذا خرجتِ من هناك، ستجدين ساحة التدريب.”
“ساحة التدريب؟”
“حيث يتدرّب الفرسان.”
رأت إليان يتّجه إلى هناك من قبل، لكن لم يكن لديها داعٍ للزيارة، فاكتفت بإيماءة وأخذت تتحرّك بلا هدف إلى مكان آخر.
– أشعر… بوجود… هناك…
سمعت ليديا الصوت مجدّدًا. كان هذه المرّة أضعف ومقطّعًا أكثر، كأنّ خيطًا رفيعًا يربطها به يكاد ينقطع.
بدأت تتأكّد من شكّها أنّ “التنّين” لا يتواصل معها بسبب تقلباته، بل لأنّه “لا يستطيع”.
مع تقدّم فكّ اللعنة، كان من الطبيعيّ أن يتلاشى الرابط بينها وبين التنّين.
‘لكن إذا حدث ذلك، فإنّ روح التنّين هذه ستبقى كفكرة عالقة إلى الأبد…’
لن تجد الراحة أبدًا. حتّى لو أُزيلت اللعنة بنجاح، ستبقى نهاية مزعجة. ليس فقط لأنّها قد تسبّب مشاكل لاحقًا، بل لأنّ ترك شيء غير محلول سحريًا في العالم لم يكن يروق لليديا.
– ركّزي.
توقّفت ليديا فجأة عندما سمعت الصوت أوضح بكثير. تفاجأت سيرا أيضًا بوقوفها المفاجئ.
كانا أمام غرفة ببابين كبيرين مغلقين. وضعت ليديا يدها على الباب ودفعته ببطء، تشعر أنّ شيئًا ما موجود هنا.
“ما هذا المكان؟”
مع صوت الصرير، ظهر خلف الباب فضاء به طاولة كبيرة محاطة بكراسيّ. كانت الخريطة على جانب الغرفة تكشف عن وظيفتها.
“قاعة الاجتماعات. يجتمع فيها رؤساء العائلات تحت إمرة إستوبان.”
خلف الكرسيّ الكبير في أقصى الطرف، لفت سيف معلّق على الحائط انتباه ليديا. كان غمده بسيطًا لكن أنيقًا، رغم أنّه يبدو متواضعًا لعائلة إستوبان، وكأنّه شيء مهمّ.
“سيف ينتقل عبر أجيال عائلة إستوبان.”
“هل هو مجرّد زينة هكذا؟”
“لا، عادةً يحمله ربّ العائلة، وقد يُعطى لأفراد العائلة المباشرين أحيانًا لفترة.”
كان ذلك يفسّر بساطته؛ يجب أن يكون عمليًا. لكن بما أنّ إليان لا يريد استخدامه، كان موجودًا هنا.
‘لا يبدو مميّزًا…’
شعرت بجذب غريب لدخول هذه الغرفة، لكن باستثناء السيف، كانت فارغة. انتظرت ليديا كلمة أخرى من التنّين، لكنّه صمت كأنّ طاقته نفدت.
نظرت ليديا حولها في الغرفة الباردة للمرّة الأخيرة وخرجت. كانت الشمس الحارّة تُظهر اقتراب الصيف أسرع من العاصمة، لكن ملابسها الخفيفة جعلت ذلك محتملاً.
كانت طبقاتها الرقيقة الهفهافة تجعل الحركة أسهل مقارنة بالعاصمة، مما شجّعها على التجوّل أكثر.
بينما كانت ليديا مفتونة بأشعّة الشمس تتسلّل عبر أوراق الأشجار المتدلّية من النافذة، جذبتها سيرا بهدوء من ثوبها وقالت:
“سيّدتي، يبدو أنّ السيّد عاد.”
نظرت ليديا حيث أشارت سيرا، فرأت إليان يتحدّث بجدّيّة مع شخص يبدو فارسًا لأنّه يحمل سيفًا.
ما فاجأها أنّ إليان بدا مختلفًا عن العاصمة. كان يحمل سيفًا عند خصره.
رغم أنّها ظنّت أنّ ذلك لا يناسبه بسبب أناقته، بدا طبيعيًا وهو يضع يده على مقبضه ويهزّ رأسه.
كانت ملابسه عمليّة أكثر، ليست قميصًا كالمعتاد، بل جلديّة مريحة كأنّه ذاهب للصيد، وربما تناسبه الدروع أيضًا.
“…قل شيئًا منطقيًا.”
“أنا جادّ.”
“خرافة. ألا يكفي إرسال عدّة أشخاص؟”
“ذهبتُ بنفسي، لكن ذاكرتي انقطعت ووجدتُ نفسي عند مدخل الغابة مجدّدًا.”
“لذلك تختارون طريقًا أطول لتجنّب الغابة؟”
“لا خيار آخر.”
جذبها محتوى حديثهما. كان هناك اختلاف في الرأي، والفارس يحاول إقناع إليان، مما يعني أنّ الحديث لن ينتهي قريبًا.
بما أنّهما يتحدّثان علنًا دون تردّد، افترضت ليديا أنّ الأمر ليس سرّيًا، فاتّكأت على السور ولوّحت لهما من الطابق العلويّ:
“هل هناك مشكلة؟”
“سيّدتي.”
“ليديا.”
أدّى الفارس التحيّة بأدب، ونظر إليان إليها بعبوس خفيف كأنّ الشمس تزعجه، لكنّه رآها بوضوح.
“يبدو أنّ الحديث لن ينتهي بسرعة. ربما وجود شخص آخر يساعد على حسمه.”
كان في كلامها وهي تجمع يديها تلميح خفيّ. كلمة “خرافة” جعلتها تتوقّع علاقة بالسحر.
أدرك إليان ما تفترضه، فتردّد لحظة ثم قال فجأة:
“إذا لم تكوني مشغولة، انزلي لنتمشّى معًا.”
بدا الفارس مرتاحًا لطرده اللبق. شعرت ليديا أنّها أنقذت شخصًا من توبيخ إليان، فكان ذلك بداية جيّدة.
لأنّهما قد يفضّلان عدم وجود أذن تستمع، قالت لسيرا:
“لا داعي لمتابعتي من هنا.”
“حسنًا، سيّدتي.”
نظرت سيرا بابتسامة راضية إلى الزوجين اللذين يريدان التجوّل، ثم انسحبت. نزلت ليديا السلّم، ورأت إليان يمدّ يده إليها قبل أن تلمس الأرض.
“تمسّكي.”
“قد أتعثّر فعلاً.”
فضّلت الاعتماد على يده بدلاً من القول إنّها تستطيع المشي بمفردها، لأنّ طبقات ثوبها قد تُعيقها مع سرعتها.
“هل كنتِ بخير بينما كنتُ غائبًا؟”
“…نعم، كنتُ بخير. لم يحدث شيء مميّز.”
توقّعت ليديا أن يدخل في الموضوع مباشرة، لكن تفاجأت بحديثه اليوميّ العاديّ، فتأخّر ردها.
رغم أنّ هذا “منزله”، بدا إليان مرتاحًا أكثر من اليوم الأوّل، وكأنّه لم يغب طويلاً، وقادها إلى ممرّ هادئ محاط بأشجار كثيفة جعلتها تشعر بالانتعاش.
تركت ليديا يده وتقدّمت بخطوات بطيئة. كان مشهد مقرّ إستوبان المتّحد مع الطبيعة يوقظ فيها تفضيلات لم تعرفها من قبل.
أدركت أنّها تحبّ موسم الربيع الأخضر أكثر ممّا ظنّت.
“يبدو أنّه يعجبكِ.”
“نعم، سأتذكّره حتّى بعد مغادرتي. “
تحرّك شعرها البنيّ المتروك بحرّيّة حول ذراعها وهي تلتفت إليه، فجذب ذلك عيني إليان. اقترب من لمسه بخفّة، لكنّه تركه يسقط بعد سماع ردها.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"