### الحلقة 34

تمكّن إليان من الإمساك بكاترينا قبل أن تصعد إلى العربة مباشرة. ربما سمعت صوت خطواته السريعة، فالتفتت إليه قبل أن تركب وكانت تبدو متفاجئة.

“إليان.”

“أختي، كنتِ ستذهبين بدون وداع؟”

ربما خرجت هذه الكلمات أوّلاً لأنّه، أمامها، كان “إليان” شقيق “كاترينا” لوقت أطول بكثير من كونه ماركيز إستوبان الذي يقود العائلة.

انزلق طرف الفستان، الذي كانت تمسكه لتصعد، من يد كاترينا بهدوء. ابتسمت ابتسامة صغيرة كأنّها لا تستطيع فعل شيء وقالت:

“يجب أن أذهب. ليون ينتظرني.”

“بعد أن جئتِ كلّ هذه المسافة.”

“واجبي الآن ليس مع إستوبان، بل مع رودريغو. هناك بيتي.”

قالتها بهدوء، لكن صوتها كان مليئًا بالحبّ. نظر إليان إلى عربة الأمتعة خلف العربة التي كانت كاترينا ستركبها. كان يعرف بالفعل ما تحمله تلك الكميّة الكبيرة من الأغراض، التي تبدو أكثر من مجرّد حاجيات عاديّة.

‘حتّى لو عرفتُ أنّها أدوية…’

لم يفهم لماذا يحتاج الكونت رودريغو، الذي قيل إنّه أصيب، إلى أدوية لعلاج الأمراض. والأغرب أنّ أنواعها كانت كثيرة ومختلفة جدًا لدرجة أنّه لا يعرف أيّ مرض تُعالج.

“هل أنتِ متأكّدة أنّ جزر ليسكال بخير؟ ليون والكونت رودريغو أيضًا.”

لذلك، قرّر إليان، كما قالت ليديا، أن يكون مباشرًا.

عندما تحدّث بصراحة دون إخفاء ما يعرفه، ظهرت ابتسامة مفاجئة على وجه كاترينا.

“خداعك ليس سهلاً، يا إليان.”

تردّدت كاترينا كثيرًا بعد هذا الكلام. ثم تنهّدت بعمق وهي تتظاهر بفرد فستانها، الذي لم يكن مجعّدًا أصلاً، وكان وجهها يظهر قلقًا لم يكن موجودًا من قبل.

“ربما عرفتَ الشائعة أيضًا. أنّ الكونت رودريغو، يعني زوجي، أصيب بجرح كبير.”

“أعرف أيضًا أنّ تلك الأدوية هناك ليست لجروح بسيطة، بل لعلاج أمراض خطيرة.”

حافظت كاترينا على هدوئها رغم أنّ إليان قاطعها بسرعة. كأنّها تعرف أنّ هناك حدًا لما يمكنها قوله، حتّى لو سألها أكثر.

“صحيح، ليست مجرّد إصابة. لكن لا أستطيع قول المزيد. أنتَ لن تستطيع فعل شيء، وأنا أحاول حلّها الآن.”

“أختي.”

رفعت كاترينا يدها لتقاطع إليان.

“بما أنّني تركتُ إستوبان، أنا الآن جزء من رودريغو. رودريغو يجب أن يحلّ مشاكله بنفسه.”

“إن لم تستخدمي مكانة شقيقك، ماركيز إستوبان، في وقت مثل هذا، فمتى ستفعلين؟”

كانت كاترينا أكثر عنادًا منه. إذا اعتقدت أنّها تستطيع حلّ شيء بنفسها، لن تُظهر المشكلة أبدًا.

‘في هذا، أنا مثلها تمامًا.’

إليان إستوبان، الذي أخفى لعنته بمهارة وحتّى غطّاها بالزواج، لم يكن لديه ما يقوله أمام كاترينا. إذا ظهرت الحقيقة لاحقًا، ستغضب كاترينا بشدّة، وبالتأكيد ستحزن.

“لديك الآن شخص يجب أن تعطيه الأولويّة وتحميه. سيكون لديكِ عائلتكِ الخاصّة. لذا لا أستطيع جرّك إلى هذا بسهولة.”

كانت كاترينا تتمنّى سعادة إليان أكثر من أيّ أحد. بعد موت إيدان، رأت كم عاش إليان منعزلاً لوقت طويل. حتّى عندما بدأ يخرج، كانت ترى أحيانًا كيف يصبح شخصًا آخر، غارقًا في الحزن، وكيف بدأ يبعد الجميع عنه. كانت هي من شاهدت هذا بنفسها.

بالنسبة لكاترينا، كان من الصعب ألّا تحزن على شقيقها، الذي بدأ يفقد صداقته القريبة مع أليك، الذي كانا يتبادلان النكات معه بحريّة، وحتّى قبل زواجها، لم يعد يشاركها أفكاره الداخليّة تقريبًا.

“ليديا لا علاقة لها بهذا. هي خارج هذا الحديث.”

“لا يمكن أن يكون كذلك. أعرف من تصرّفاتك أنّ كلامك الآن ليس صادقًا.”

لم تستطع إلّا أن تصدّق. رأت كاترينا بنفسها كيف يتابع إليان ليديا بعينيه باستمرار عندما يظنّ أنّها لا تنظر. كان هذا تصرّف شخص يهتمّ بليديا ويقلق عليها أكثر من أيّ أحد.

“من الواضح أنّها مهمّة بالنسبة لك، فعاملها جيّدًا. لا تندم.”

وقف إليان ساكنًا بدون كلام أمام كاترينا، التي تتحدّث بثقة عن مشاعر لا يفهمها هو نفسه بوضوح.

لكنّه، وهو يُخفي الحقيقة بنفسه، لم يكن لديه طريقة ليفوز في نقاش مع كاترينا بهذه الحالة.

“من الأفضل أن نبقى منفصلين قدر الإمكان. الآن، بما أنّك تثق بأليك، فالأمر بخير، لكن تعاون قويّ بين إستوبان ورودريغو سيثير الشكوك. قد يظنّون أنّنا نُخطّط لشيء في الجنوب.”

“أليك لن يهتمّ بمثل هذه الفتن.”

“في البداية، ربما. لكنّك تعرف، يا إليان، أنّ المكانة تأتي أوّلاً في النهاية.”

كان إليان يعرف هذا رغم كلامه. لهذا، كان التعاون الكبير بين رودريغو وإستوبان محدودًا جدًا بين العائلتين حتّى الآن. عدد المرّات التي رأى فيها إليان وجه الكونت رودريغو يمكن عدها على أصابع اليد.

قد يبدو أنّ لديهما قوّة تتجاوز العائلة المالكة كمدح، لكن في الحقيقة، كان ذلك مثل سيف فوق رقبتهما. لذا، رغم أنّهما يُوصفان بالغرور، لم يعطيا أحدًا فرصة للإمساك بهما بسهولة.

“هل أنتِ متأكّدة أنّ هذه مشكلة يمكن حلّها؟”

“سأحاول.”

رغم أنّه سأل مرّة أخرى، ورغم ردّ كاترينا الحاسم، لم يستطع التخلّي عن فكرة إرسال شخص إلى جزر ليسكال ليرى ما يحدث.

لاحظت كاترينا تفكيره، فتحدّثت بجديّة أكبر:

“من الأفضل ألّا تعرف شيئًا، يا إليان. أنا متأكّدة. إذا عرفتَ، ستحاول حلّها بنفسك، وأنتَ ملحوظ جدًا حتّى لو لم أكن أنا كذلك. وكما قلتُ، حتّى لو تدخّلتَ، ربما لن يفيد ذلك. ستتورّط فقط.”

“كنتُ غير حذر فقط قبل أن أصبح ماركيز.”

“أعرف. أنتَ الآن لستَ مثلما كنتَ عندما كنتَ تمسك السيف.”

ابتسمت كاترينا وهي تتذكّر الماضي. كبح إليان رغبته في لمس خصره الفارغ عندما ذُكر الماضي البعيد، وقال:

“مهارتي في السيف لم تتراجع. ما الذي تعتقدينني؟”

“أعتقده؟ كانوا يقولون إنّك الأفضل بين من هم في سنّك وقتها. أين ستذهب تلك الموهبة؟”

كان هذا كلامًا لا معنى له الآن. هو، الذي كان يريد أن يصبح فارسًا بالسيف ولا يهتمّ بلقب الماركيز، أصبح مقيّدًا بهذا المنصب.

لكن ليس التخلّي الذي اضطرّ إليه هو ما جعله يتألّم أكثر، بل السبب الذي جعله يتخلّى، والواقع الذي اضطرّه لأخذ لقب الماركيز، هو ما كان يؤلمه حقًا.

“…سأبقى في الأراضي. إذا حدث شيء، تعالي إلى القصر الرئيسيّ. لا تحاولي تحمّل كلّ شيء، سأتولّى الأمور اللاحقة، فتعالي. هذا أكثر ما أستطيع التنازل عنه في هذا الأمر.”

اضطرّ إليان لاتّخاذ قرار. المسافة بين العاصمة وجزر ليسكال كانت بعيدة جدًا.

 أراضي عائلة إستوبان، التي لم يزرها منذ زمن وتُدار بأقلّ جهد، لم تكن مفيدة.

 وجوده هناك، مع شخص يُعطي الأوامر، هو ما سيجعل مساعدة رودريغو سريعة إذا لزم الأمر.

بدت كاترينا متفاجئة حقًا من كلامه غير المتوقّع.

“ستذهب إلى أراضي العائلة؟”

“أنتِ من قالتِ لي أن أذهب إلى هناك أوّلاً.”

“كان مجرّد كلام. أنتَ لا تحبّ القصر الرئيسيّ.”

“لم أكرهه أبدًا.”

كان قول “أكره” غير دقيق. كان أقرب إلى تجنّبه. ربما يكون الأصحّ أنّه دفنه في أعماق ذكرياته وتركه هناك.

حتّى عندما كان عليه الذهاب، لم يبقَ أكثر من أيّام قليلة قبل أن يغادر، ولم يعد يتذكّر كم سنة مرّت على ذلك.

“…الآن، حان وقت الزيارة.”

لكن الآن، بدا أنّ الأمر قد يصبح أسهل قليلاً. المشاعر التي انسكبت أمام ليديا أصبحت أقلّ ألمًا نوعًا ما.

‘هل هذا بسبب الوقت الذي مرّ دون أن ألاحظ، أم بسبب الشخص الذي أمسك يدي واستمع لي بهدوء؟ لا أعرف.’

—

المترجمة:«Яєяє✨»