الحلقة 30

على الرغم من ذلك، لم يستطع إليان إبقاء ليديا معه إلى الأبد، فأخفى أسفه وحده، وأرخى ذراعيه ليتركها، فانحنت ليديا مسرعة لتتفقّد محتويات الصندوق.

“هل أنتِ متأكّدة أنّ هذه الأشياء آمنة؟”

“بعض الأشياء، بصراحة، لا أعرف بالضبط أيّ سحر يُغلّفها.”

قالت ذلك، لكن يدها التي كانت تفتّش الصندوق بهدوء لم تتردّد أبدًا.

كان إليان يعلم أنّ ليديا تكره التدخّل في الأمور التي تثق بقدرتها عليها، لكنّه لم يستطع التخلّص من رغبته في تحذيرها مرّة أخرى لتوخّي الحذر.

لكن ليديا بدت منشغلة تمامًا، لا وقت لديها لتُلاحظ تأمّلاته الداخليّة.

“لكن هذا مجرّد قول، لا بأس. ليست خطرة على الأقل. فقط، لم أحدّد نوعها بدقّة، لكنّني أعرف استخداماتها التقريبيّة.”

“آه، هذا لا علاقة له، وهذا أيضًا. يجب أن أضع هذا جانبًا.” كانت تكرّر هذه التمتمات لنفسها، وكانت مليئة بالحيويّة.

شعر إليان بفراغ يديه، فتاهتا بحثًا عن مكان يضعهما فيه، وانتهى بهما الأمر بأن استقرّتا بتكلّف على مسند الكرسيّ، ثم عاد ليراقب ليديا بهدوء مجدّدًا.

“هل أمسك يدك؟”

كانت ليديا منحنية بشدّة داخل الصندوق حتّى كادت تدخله، وشعرها مُغطّى بالغبار هنا وهناك، ثم التفتت إليه فجأة وسألته.

كان ردّ فعلها سريعًا بشكل غير متوقّع، على عكس تركيزها المعتاد عندما تنغمس في شيء ما.

“لا حاجة.”

حاول إليان إخفاء يده، لكن ليديا أمسكتها بسرعة. وضعت يدها فوق ظهر يده بالضبط.

“قلتُ لكَ أخبرني إذا شعرتَ بألم.”

أصبح هذا النوع من التلامس طبيعيًا لليديا مؤخرًا. بالأحرى، كانت تخشى أن ينهار إليان مجدّدًا إذا أهملت تفقّد حالته ولو للحظة، فكانت تمسك يده فجأة كلّما رأته.

“سيكون هذا مزعجًا أثناء البحث.”

“لا بأس، لا بأس. ليس هناك شيء ثقيل على أيّ حال.”

نظر إليان إلى اليد الصغيرة البيضاء الموضوعة فوق يده بهدوء، ثم قلّب يده ليمسكها برفق. كانت هشّة لدرجة أنّها تختفي داخل يده بسهولة.

لكنّها لم تكن ناعمة تمامًا؛ كانت تحمل جروح من كثرة إمساك القلم، وبقع حبر متناثرة هنا وهناك، ما جعله يفكّر أنّها يد تليق بها حقًا.

“وعلى أيّ حال، إذا فقدتُ توازني أو كدتُ أن أسقط وأتأذّى، ستوقفني، أليس كذلك؟”

كان ذلك ثقة طبيعيّة جدًا. لم يكن لدى إليان نيّة لترك يدها، لكنّه قال مازحًا:

“لستُ لطيفًا لهذه الدرجة.”

“إذًا ليس لطفًا، بل وفاءً بين أصدقاء وشركاء.”

رسمت ليديا تعبيرًا متجهّمًا وهي ترفع صندوقًا موسيقيًا، ثم أمسكته بسرعة قبل أن ينفتح.

“آه! كان يجب ألّا آتي بهذا. لا تفتحه أبدًا، مفهوم؟ خاصّة الخدم، يجب ألّا يلمسوه.”

“هل لمسه يعني الموت؟”

“هل تعتقد أنّني سأترك شيئًا قد يقتل شخصًا هكذا؟”

نظرت إليه بنظرة تحمل لومًا، كأنّها تتساءل كيف يمكن لشخص أن يفكّر ببرود وقسوة دائمًا.

“لن يقتل، لكنّه يضمن نومًا هادئًا. لكن قبل إغلاق الصندوق، لن يستيقظ المرء لفترة، لذا يجب الحذر. من يحاول إغلاقه قد يقع في النوم أيضًا، فيصبح الأمر حلقة مفرغة.”

“أليس هذا السحر عديم الفائدة تمامًا؟”

تساءل لماذا لم تُزله وتركه كما هو.

“لا ندري، قد يكون مفيدًا. إذا واجهتُ قاتلاً محترفًا، أضع سدادات أذن وأشغّله، ألن يكون ذلك نافعًا؟”

وهي تعانق الصندوق الموسيقيّ بقوّة، بدت له امرأة غريبة بتفكيرها الفريد الذي يصعب فهمه.

“بدلاً من ذلك، أعتقد أنّكِ لم ترغبي في إزالة السحر. إذا لم يكن ضروريًا، فأنتِ تريدين الاحتفاظ به.”

نظرت ليديا إلى الأشياء المتناثرة على الأرض، وابتسمت ابتسامة غامضة للماركيز الذي يذكر حقيقة لا يمكنها إنكارها.

“لستُ ساحرة حقيقيّة، لذا لا خيار لديّ. إذا لم يكن شيئًا خطيرًا أو مزعجًا، حتّى لو كان بلا معنى، أريد الاحتفاظ به كما هو، مسحورًا.”

“قد تتأذّين هكذا.”

“كما قلتُ، لا يوجد شيء يؤذي أحدًا. وأنتَ تجعلني أفكّر بسلبيّة دائمًا.”

“لا ضرر في الحذر.”

خشي إليان أن ينجرف الحديث إلى موضوعات تافهة، فعاد بنظره إلى التقرير. لكن لم يكن بإمكانه إيقاف كلام ليديا.

“……مع ذلك، أحبّ أن أتلقّى المهام وأساعد إن استطعتُ وحلّ المشكلات. أستطيع تحمّل ذلك، وأتمنّى ألّا يتورّط أحد في مشاكل غير ضروريّة ويعيش حياة هادئة وسعيدة.”

كاد إليان يصحّح تسميتها ونبرتها، لكنّه تذكّر فجأة قصّة والديها اللذين رحلا في حادث.

‘اشتعلت النيران في مبنى، وحاولا مساعدة الآخرين على الخروج، لكنّهما لم ينجحا في النجاة بأنفسهما، أليس كذلك؟’

لم يستطع تأكيد الحقيقة من تقرير الحادث وحده، لكن كلام ليديا بدا متطابقًا معها.

أمسك إليان يديها بإحكام، متشابكة الأصابع، وهي صامتة فجأة.

ربما كانت تفكّر في الشيء نفسه، إذ مرّت ابتسامة حزينة على شفتيها.

مع ذلك، لم تترك ليديا يده، بل وضعت يدها الأخرى فوقه، كأنّها تبحث عن طمأنينة.

—

ما إن غربت الشمس حتّى نهضت ليديا بعد أن اتّخذت قرارها.

كان عليها إيجاد حلّ لنومهما المريح. أليس كافيًا أن ينام إليان على كرسيّ غير مريح ليوم واحد كما حدث بالأمس؟

“إذا نام كلّ منّا في غرفة منفصلة في اليوم الثاني من زواجنا، سيبدو ذلك غريبًا للجميع، أليس كذلك؟”

“بالطبع.”

ارتدت ليديا ملابس أكثر راحة، ونظرت إلى إليان الذي لا يزال منهمكًا في معالجة الأوراق، ثم تنهّدت ونهضت من السرير.

“ماذا تفعلين؟”

“أبحث عن حلّ لتأمين مكان لكلّ منّا.”

شاهد إليان ليديا وهي تجمع كلّ الوسائد في الغرفة، تفرغها على السرير، وتبدأ ببناء جدار منها، فضحك ضحكة خافتة.

“إذًا تريدين تقسيم المناطق هكذا.”

“هذا منطقيّ. مع وجود خطّ فاصل، هذا الجانب لي وذاك لكَ. أليس كذلك؟ لذا من فضلك، لا تعانق الكرسيّ وتنام عليه، فهذا يجعلني أشعر بالذنب.”

نظرت ليديا بفخر إلى برج الوسائد الذي شيّدته بعناية، ونفضت يديها برضا.

حاول إليان التعليق على أنّ الوسائد قد تسقط في أيّ لحظة، لكنّ تعبير ليديا الراضي جعله يصمت ويراقبها فقط.

“كان يجب أن أفعل هذا بالأمس، لم أفكّر فيه.”

لكن عندما رآها تتّكئ على السرير، تُخرج كتابًا وتبدأ بقراءته بجديّة، لم يستطع الصمت.

“لا أرتاح للنوم مع شخص آخر.”

“لذلك هناك جدار هنا.”

“لا يمكن تسمية هذا جدارًا.”

“جرّبه بالاستلقاء، قد يكون أفضل ممّا تتوقّع.”

كانت عنيدة حقًا. ألقى إليان نظرة على التقرير الذي أمر بإعداده عن جزر ليسكال، وفرك عينيه المتعبتين برفق.

كان هناك شيء غريب في تصرّفات كاترينا التي لم تقم في قصر إستوبان في العاصمة رغم حضورها. حاول معرفة ما تُخفيه، لكن لم يكن ذلك سهلاً.

حتّى ككونتيسة رودريغو، كانت تُخفي أهمّ المعلومات بدقّة، كأنّ تخشى أن يُنكر أحد أصلها من إستوبان.

“هل هناك مشكلة ما؟”

رفعت ليديا رأسها عندما شعرت بميلان السرير، وسألت بعد أن رأت تعابير إليان المعقّدة.

أطلق نفسًا طويلاً، واتّكأ مثلها، وتمتم:

“جزر ليسكال. من المؤكّد أنّ الكونت رودريغو أُصيب وانعزل، لكنّه بدلاً من البقاء إلى جانبه، جاءت أختي إلى العاصمة وتجولت بين التجّار، وهذا غريب.”

“إذًا لم تأتِ فقط من أجل حفل الزفاف.”

“نعم. لذا أرسلتُ أحدهم لمراقبتها، لكن يبدو أنّها لاحظت ذلك بسرعة.”

رفعت ليديا رأسها من الكتاب، واستندت إلى ذقنها، ونظرت إليه مباشرة.

“لماذا لا تسألها مباشرة؟”

“عن ماذا؟”

“ما المشكلة.”

تفاجأ إليان ببساطة الحلّ الذي اقترحته ليديا وكأنّه أمر بديهيّ، فلم يجد ردًا للحظة.

“لن تجيب بصراحة.”

“من يدري.”

بدت وكأنّها تعتقد أنّ المشكلة حُلّت، وبدأت تفتح كتابها مجدّدًا.

“أحيانًا، أيّها الماركيز، تعقّد الأمور أكثر من اللازم.”

توقّفت للحظة، ثم رفعت رأسها فجأة كأنّها تذكّرت شيئًا، وأضافت بهدوء:

“بمعنى، إليان، أنتَ.”

“أليس تفكيركِ أنتِ هو المبسّط جدًا؟”

“ربما تنتظر في قرارة نفسها أن تسألها بصراحة. قد لا تريد تحميلكَ عبئًا، لكنّها قد تحتاج إلى مساعدة.”

كان كلّ من إليان وكاترينا يعتمدان على بعضهما أحيانًا، لكن بسبب طباعهما المستقلّة، لم يتدخّلا في حياة بعضهما إلّا لتقديم النصائح الضروريّة. كانت حياتهما هكذا.

—

المترجمة:«Яєяє✨»