أدركت ليديا سريعًا مدى تفريغها لمشاعر تافهة وعاطفيّة، فأخفت وجهها بين ركبتيها بهدوء.
‘لم أكن أنوي قول هذا.’
كان إليان إستوبان يقدّم أحيانًا إجابات ساخرة، لكنّه كان، بشكل مفاجئ، يستمع جيّدًا دون مقاطعة. كان صمته المريح يدفعها لقول أشياء لم تكن ضروريّة، وهذه كانت المشكلة.
قرّر إليان تجاهل الجانب الهشّ في ليديا، التي بدت قويّة وجريئة عادةً، لكنّها كانت تودّ الاختباء مجدّدًا.
لو تظاهر بمعرفة هذا الجانب الذي كشفته صدفة الآن، لربّما تفاجأت واختبأت في جحر ما، متظاهرة باللامبالاة.
“آخر مرّة بكيتُ فيها كانت عندما كنتُ في السادسة، عندما أخذت أختي الكبرى حلوى البودينغ الخاصّة بي وأكلتها، على ما أعتقد.”
ضحكت ليديا ضحكة خفيفة على قصّة الماضي العشوائيّة التي خرجت من فم الماركيز. وهي ترى ابتسامته الخافتة، تساءلت دون وعي إن كان يضحك كثيرًا هكذا في طفولته.
شكرت ليديا في سرّها إليان لأنّه أنقذها من الغرق في مستنقع الحزن، وردّت مبتسمة:
“قالت السيدة رودريغو الكونتيسة إنّها لن تستطيع حضور الزفاف، أليس كذلك؟”
“أبلغتُها، لكن لن يكون من السهل ترك جزر ليسكال فجأة. إنّها بعيدة جدًا أيضًا.”
جزر ليسكال. تقع في أقصى جنوب القارّة، وهي بالفعل بعيدة جدًا جغرافيًا عن العاصمة.
“لكنّها ستشعر بالأسف على أيّ حال.”
“ملأت صفحة من الورق عبّرت فيها عن غضبها. قالت إنّه كان يجب أن أخبرها مسبقًا إن كنتُ أقابل شخصًا.”
للأسف، لم يكن طرفا الزواج نفسهما يعلمان قبل شهر أنّهما سيتزوّجان، فكان ذلك خارجًا عن إرادتهما.
مع ذلك، شعرت ليديا بالارتياح لوجود من يهتمّ بإليان إستوبان، الذي يبدو وحيدًا بوقاره المتعالي.
“مادلين إينيس لن تصل في الوقت أيضًا، لذا سيكون الزفاف هادئًا على الأقلّ.”
حتّى وإن لم تكن كلماته الباردة موجّهة إليها، لم تستطع إلّا أن تشعر بغرابة برودتها.
“آمل أن يمرّ بسرعة.”
“هل تتوقّين لتصبحي زوجة الماركيز بسرعة؟”
في البداية، كان نبرته تحمل لومًا أحيانًا، لكن اليوم بدا يحمل معنى مختلفًا.
“… إن لم تُردني أن أُحرج عائلة إستوبان في حفل الاستقبال، ساعدني في حفظ قائمة الضيوف جيّدًا.”
“الشخص الوحيد الذي يجب أن تعرفيه هو وليّ العهد، أليك.”
أضاءت عيناها بفضول عند ذكر معلومة كانت تتساءل عنها، فسألت بحماس:
“سموّ وليّ العهد؟”
“نعم. كنّا صديقين منذ زمن، فيمكنكِ التعامل معه براحة والثقة به إلى حدّ ما.”
“بالطبع، حتّى لو كنتم مقربين، فهو لا يعلم عن اللعنة أو أنّ هذا زواج بعقد، أليس كذلك؟”
استقرّت نظرة تحمل معنى “أليس ذلك واضحًا؟” عليها.
“من يعرفني أكثر من أيّ أحد هو أنتِ، ليديا سوليم.”
كان ذلك بنبرة هادئة كأنّه أمر بديهيّ، دون أن يدرك حتّى هو ثقل كلماته التي تفوّه بها بطبيعيّة.
أدركت ليديا ذلك فجأة أيضًا. رغم أنّ إليان يبدو يتصرّف بطريقته الخاصّة، فإنّه، بالنسبة لنبيل في مكانته، يتسامح مع تصرّفاتها ويتعامل معها براحة بشكل ملحوظ.
لم تعرف ليديا إن كان عليها الترحيب بذلك، أم القلق، أم الخوف، فكبحت حيرتها بصعوبة.
* * *
في يوم الزفاف، وقفت ليديا بفستانها الأبيض، نادمة على نفسها في الماضي التي قرّرت المضيّ في هذا الزواج.
لم يكن هناك خلل في الزفاف. كانت تعاتب نفسها على قصر نظرها، ظنًا أنّ رفع اللعنة سيكون بسيطًا فاندفعت دون خوف.
‘لكنّه جميل جدًا…’
قرّرت ليديا التركيز على مشاهدة قاعة الزفاف، التي أُعدّت بعناية فائقة في كلّ تفصيل.
كانت الحديقة في وسطها قد زُيّنت بجهود جبّارة من العديد من الأشخاص، متّفقة مع فصل الربيع، مليئة بالزهور المتفتّحة في كلّ مكان.
“حان وقت الدخول الآن.”
شدّت عضلاتها تلقائيًا عند سماع الهمس بجانبها، وعاد التوتر يتدفّق. نعم، كانت العروس على وشك الدخول إلى قاعة الزفاف.
خطت ليديا بخفّة على طريق مغطّى بالورود البيضاء، مثبتة عينيها على إليان الذي ينتظرها بعيدًا.
لم يكن لديها خيار آخر. لو أدارت عينيها قليلاً، لربّما التقت بنظرات لاذعة تجعلها تشعر كأنّها تُقيّم.
مع كلّ خطوة تقترب بها، رأت إليان بوضوح، غير متوتر على الإطلاق، بل يرتسم على وجهه تعبير مريح، مما جعلها تشعر ببعض الضيق.
عندما اقتربت، تقدّم إليان بضع خطوات، ربّما لإظهار عاطفتهما أمام الجميع، أو لأنّه لاحظ تعثّرها بسبب الكعب العالي وأطراف الفستان. أمسك يدها.
“لماذا أنتِ متوترة هكذا؟”
سألها بهمس خالٍ من الرومانسيّة، لكنّه بدا من الخارج كعريس يدلّل عروسه دون عيب.
أثار تقدّمه المبكّر ليمسك يدها ويقودها تنهيدات خفيفة من الضيوف.
“من الطبيعيّ أن أتوتر.”
تذكّرت ليديا، وهي في طريقها، وجهًا في الصفّ الأوّل يشبه يولينا بشدّة، ربّما الملكة، تحاول دون جدوى إخفاء عبوسها. لم ترَ يولينا نفسها، يبدو أنّها لم تحضر، وهذا كان مصدر ارتياح بالنسبة لها. لكنّ الفستان اللعين جعل التنفّس صعبًا، فلم تستطع إخفاء انزعاجها تمامًا.
لاحظ إليان ذلك بنظرة خاطفة، ثم نظر بنظرة ساخرة إلى نبيل عجوز مرموق يقود المراسم، كما قيل لها.
“لذا، في هذا اليوم الجميل، الجميل، كح كح…”
ربّما شعر بنظرة إليان، فتظاهر بالسعال وقلّب أوراقًا بسرعة.
كانت ليديا تعاني من الحرّ تحت ما يُسمّى بدفء شمس الربيع، أو بالأحرى تحت أشعّة حارقة، وهي ترتدي هذا الفستان. كانت تكبح رغبتها في التّلويح بمروحة وهي تشعر بالحرارة تزداد.
بعد مدّة، سمعت أخيرًا الكلمات المنتظرة:
“… أعلن أنّهما أصبحا زوجين.”
أدركت ليديا مشكلة لم تفكّر فيها. أليس من المفترض في هذه اللحظة أن يتبادل الزوجان قبلة كرمز للإعلان عن زواجهما؟
لكن المشكلة أنّهما ليسا على هذا النحو من العلاقة أبدًا.
لم يبالِ إليان باضطرابها، فأمسك خصرها بيد، ومال برأسه، وأمسك وجهها باليد الأخرى، مقتربًا جدًا، جدًا.
“هذه المرّة فقط، سأتجاوز حدودي.”
تمتم على بعدٍ يكاد يلامس فيه شفتاها. عند كلماته، شدّت يدها على صدره ثم استرخَت.
كأنّها تسمح له لأنّ الأمر لا مفرّ منه، ابتلع إليان أسفه لعدم تمكّنه من رؤية عينيها البنفسجيّتين تغلقان ببطء، وضغط شفتيه عليها بلطف يكاد لا يُعتبر تلامسًا.
حتّى بعد ابتعاده، استمرّ التصفيق الرسميّ لفترة. رغم مرور الوقت، شعرت ليديا بأثر شفتيه باقٍ، فلمست شفتيها دون وعي.
رفعت عينيها إليه. لم يبدُ أنّه ينوي مسح أثر أحمر خفيف على طرف فمه. قبل أن تمسك يده مجدّدًا، مسحت ليديا فمه بحذر.
تركها تفعل كما شاءت، ثم أمسك يدها واستدار للأمام، وبقيت عيناه مثبتتين عليها طوال الوقت.
هل شعورها بالاضطراب في قلبها مجرّد وهم، أم أنّ شيئًا تغيّر فعلاً؟
“… هل أنتِ بخير؟”
لم تستطع إلّا أن تُومئ برأسها على سؤاله الخافت. شعرت أنّ عليها ذلك.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"