### الحلقة الحادية والعشرون
كانت ليديا متأكّدة أنّ وجهها قد احمرّ جدًا، جدًا.
“… إذن، استلقِ بجانبي أنتَ أيضًا، سيّدي الماركيز.”
ربّما لهذا السبب، لم تكن تنوي قول ذلك، لكنّها تفوّهت بكلمات غريبة تمامًا.
تفاجأت هي نفسها أكثر من أيّ أحد بكلامها السخيف، وبدأت تتلعثم على الفور:
“ليس هذا ما قصدته، أعني أن ترتاح أنتَ أيضًا. ليس أن تبقى هنا، بل أن تعود إلى غرفتكَ وتأخذ قسطًا من الراحة على الأقلّ حتّى يكون لجسدكَ طاقة لمواجهة اللعنة، ربّما…”
كلّما طالت مواجهتها لإليان، الذي كان ينظر إليها بهدوء دون تغيير في تعابيره، خف صوتها تدريجيًا حتّى اضطرّت للتلفّظ بكلمات غامضة.
“حسنًا، سأفعل.”
تنفّست ليديا الصعداء عندما نهض إليان كأنّه سيغادر. لكنّه تحرّك بعكس توقّعاتها تمامًا، واستلقى بجانبها بارتياح.
بالطبع، كانت هي من تسبّبت في ذلك، لكنّها نظرت إليه بدهشة، بينما بدا إليان غير مبالٍ بما إذا كانت تراقبه أم لا.
استند برأسه على يده الملعونة، واستلقى على جنبه نحوها، ثم مدّ يده السليمة التي تحمل خاتم الختم نحوها قبل أن يتوقّف وقال:
“هذا النوع من التلامس، هل يؤثّر عليكِ بشيء؟”
“… لا. إن لم يكن الجزء الذي انتشرت فيه اللعنة، فلا أشعر بشيء.”
عندها، تشابكت أصابعه ببطء شديد بين أصابعها. استرخى كتفاه المتشنّجان تدريجيًا، وأطلق تنهيدة راضية. رأت عينيه الزرقاوين تختفيان تحت جفنيه.
“بالنسبة لي، يصبح كلّ شيء هادئًا إلى هذا الحدّ.”
“فكّرتُ أنّ آليّة الدفاع الذاتيّ في قوّتي ربّما تشملكَ أنتَ أيضًا كجزء من الحماية.”
نظرت ليديا إلى أيديهما المشتبكة، وتأمّلت بخاتم الختم المحفور عليه طائر ذهبيّ باهتمام، موضحة بنبرة هادئة.
فتح إليان عينيه مجدّدًا وضحك بخفّة.
“دائمًا هكذا؟”
“ماذا؟”
“تحليل كلّ شيء بطريقة منهجيّة.”
“أنا؟”
بدَت كلماته جافّة جدًا، فلم تعتقد أنّها كذلك وسألته، ففتح عينيه بالكامل وقال:
“يبدو أنّ طريقة تفكيركِ هكذا.”
“كلّما عرفتُ أكثر، شعرتُ بالاستقرار. يصبح الأمر ضمن توقّعاتي.”
“كلّ ما يثير فضولكِ عنّي يندرج في هذا السياق؟”
بدَت كأنّ عليها الإجابة بحذر لسبب ما. تتبّعت ليديا يده، واكتشفت أنّه لا يزال يرتدي سوار إيدان الذي علّقته له، فابتسمت.
“بالنسبة للعنة، نعم، لكن الباقي لا. لا تزال ترتديه.”
قلّبت يده دون وعي لتتفقّد السوار، فأجاب بهمهمة منخفضة كأنّه يؤكّد. ثم وضع إليان يده على معصمها الداخليّ بطبيعيّة.
“الباقي لا؟”
شعرت فجأة بقربه الشديد وهو يميل نحوها. كادت ليديا تقفز من مكانها بأكثر طريقة محرجة لكسر هذا الجوّ.
مياو―
قفزت كتلة بيضاء من مكان ما، وهبطت بدقّة في الفراغ بينهما.
“ديدي؟”
لحست قطّة ليديا، ديدي، قدميها الأماميّتين عدّة مرّات، ثم أطلقت مواءً بعبوس.
كانت تعبّر بلا شكّ عن استيائها لأنّ مالكتها استلقت على السرير دون أن تناديها كالمعتاد.
تسلّقت إلى مكان الوسادة واستلقت هناك، فبذلت ليديا جهدًا كبيرًا لكبح ضحكتها. لأنّ ذيل ديدي الوفير غطّى نصف وجه إليان بطبيعيّة.
“ديدي، لا تفعلي ذلك. ستزعجين سيّدي الماركيز.”
نهضت ليديا أخيرًا وحاولت رفع ديدي لاحتضانها، لكنّ ديدي هربت من يدها.
ليتها لم تهرب بطريقة تعبر فيها فوق إليان مباشرة.
“ديدي! إن قفزتِ هكذا… يا إلهي، هل أنتَ بخير؟”
لم تستطع ليديا كبح ضحكتها وانفجرت ضاحكة. كانت متأكّدة أنّ رؤية قطّة عاديّة تتّخذ ماركيز إستوبان دعامة لتعبره مشهدًا نادرًا، خاصّة أنّها قطّتها.
على نحو مفاجئ، لم يرمش إليان بعين، بل تنهّد ونهض، ثم أمسك ديدي بسرعة وهي تحاول النزول من السرير مرّة أخرى، وحملها.
مياوو―
بدت ديدي غير مصدّقة أنّ إنسانًا أمسكها، لكنّها سرعان ما بدأت تصدر خرخرة وهي تستسلم لمداعبات إليان اللطيفة.
” قطّة لا يمكن توقّعها ومتمرّدة مثلكِ تمامًا.”
“مثلي؟ أعتقد أنّني أستحقّ درجة أعلى على الأقلّ لأنّني لم أعبركَ بالدوس عليكَ. ديدي، تعالي إلى هنا.”
حاولت ليديا أخذ ديدي، لكنّها توقّفت بعبوس مندهش. كانت ديدي قد استقرّت بارتياح في حضن إليان، مستندة برأسها على رأس السرير.
مدّت جسدها بالكامل، وكأنّ حضن إليان مريح جدًا.
“ديدي، لن تأتي إليّ؟ هل هناك أفضل؟”
كأنّها فهمت، أجابت ديدي بمواء خافت وفركت وجهها في صدر إليان.
“لقد أدركت بسرعة من هو الشخص الغنيّ الذي يستطيع إعطاءها المزيد من الوجبات اللذيذة.”
“محظوظ لأنّكَ غنيّ.”
“لم يكن ذلك سيّئًا على الأقلّ.”
ردّ إليان بثقة على تعليق ليديا المزعوم بالاستياء وهي تضع ذراعيها متقاطعتين.
“لماذا، هل تشعرين بالغيرة؟”
“بالطبع! ديدي هي عائلتي وصديقتي الوحيدة.”
كان من الكذب القول إنّه لم يستمتع بردود ليديا الحيويّة التي تنطلق بمجرد استفزازها.
لكن كلماتها الأخيرة حملت حزنًا خفيًا حاولت إخفاءه، فقرّر إليان التوقّف عن المزاح. لم يرد رؤيتها حزينة.
“… أنا أيضًا سأصبح من عائلتكِ قريبًا.”
“قولكَ هذا يبدو غريبًا جدًا، لكنّه صحيح نوعًا ما.”
قرّرت ليديا أنّ الأفضل هو التفاؤل. بما أنّها ستبقى هنا لفترة، ألن يكون من الجيّد أن يتعايش إليان وديدي جيّدًا؟
بالطبع، إن سُئلت إن كانت تتمنّى أن يتعايشا بهذا الشكل، فلا تعرف الجواب.
استقرّ صمت مريح بينهما. جمعت ليديا ركبتيها ووضعت ذقنها عليهما، ونظرت إلى إليان الذي يداعب ديدي بلا مبالاة وابتسمت.
“تبدو مثل جدّتي وأنتَ هكذا.”
“سمعتُ كلّ أنواع المديح في حياتي، لكن هذا النهج جديد حقًا. هل تعنين أنّني أملك هيبة؟”
كان تعليقًا متعجرفًا للغاية، لكنّه جاء من إليان إستوبان، شخص بمكانة وجمال يجعلان مثل هذا الغرور مقبولاً.
كانت ليديا تعتقد بموضوعيّة أنّها لن ترى شخصًا بجمال إليان مجدّدًا، كأنّه تمثال صيغه فنان بعناية، متألّق بكمال فائق.
“ليس كجدّ، بل كجدّة. عندما كنتُ صغيرة، كنتُ أفعل هذا مع جدّتي. كنتُ أخاف النوم بمفردي ليلاً، فأعانق ديدي وأركض إليها، فتطلب منّي الاستلقاء بجانبها وتروي لي قصصًا قديمة.”
احتضنت ركبتيها بقوّة وغرقت في ذكرياتها، وابتسامة مشوبة بالحنين والحزن العميق ترتسم على وجهها.
“كانت جدّتي دائمًا قلقة عليّ. ازداد ذلك عندما مرضت، فبذلتُ جهدًا كبيرًا كي لا أقلقها.”
كانت ليديا بالنسبة لجدّتها الحفيدة المسكينة التي فقدت والديها وكبرت وحيدة. لذا، أصبحت ليديا صلبة من أجلها.
كان غياب والديها مؤلمًا، وحسدت في سرّها الأطفال الذين يمسكون أيدي والديهم، لكنّها لم تُظهر ذلك. إن لم تكن بخير، ستحزن جدّتها.
لذا، كان عليها أن تكون بخير دائمًا.
فجأة، لامست يد عينيها. التفتت من تحديقها في الفراغ إلى إليان بسبب الدفء، فكان يمسح حول عينيها كأنّه يزيل دموعًا.
“أنا لا أبكي. لا أتذكّر متى بكيتُ آخر مرّة. أنا بخير.”
أمسكت يده وسحبتها للأسفل، فتمتم إليان بهدوء:
“لا يمكن أن تكوني بخير دائمًا.”
كانت بخير عندما تذكّرت جدّتها، لكن هذا الكلام جعل عينيها تدمع قليلاً لسبب ما. كأنّه رأى داخل قلبها.
“عشتُ وأنا أكرّر أنّني الوحيدة المسؤولة عن حياتي، وأنّ عليّ تحمّل قراراتي بنفسي.”
لكن مهما كرّرت ذلك، كانت هناك لحظات لا تريد فعل ذلك. ربّما الآن أيضًا.
“… لكن، ماذا أفعل عندما لا أكون بخير؟”
“لا أعلم.”
على الرغم من حياتيهما المختلفتين، التقى استنتاجهما في نقطة واحدة.
أسقط إليان يده بلا حول وهو يسمع ليديا، التي عاشت دون الاعتماد على أحد مثلما فعل هو، تطرح سؤالاً لم يجد له إجابة بعد.
لم يكن سؤالاً يستطيع إليان إستوبان، الذي نسي حتّى شعور الإرهاق من عيش حياة يجب أن يتحمّلها دون الاعتماد على أحد، الإجابة عليه بسهولة.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 21"