2
رغم أنّه لم يكن يرتدي ولو قطعة قماش واحدة، كان العرق البارد يتجمّع على جبين الرجل، وهو أمر لا يتناسب مع الجوّ البارد لربيع لم يزل في بدايته.
لم تكن ليديا قد لاحظت هذا عندما كانت تقف بعيدًا.
“هل هو، مؤلم جدًا؟”
لم يبدُ أنّ حركته مقيّدة، لكن بحالته هذه، من المستحيل ألّا يؤثّر ذلك على حياته اليوميّة.
“ليس تمامًا.”
كان جوابًا مبهمًا، كما لو أنّه يتردّد في قول الحقائق الدقيقة والمفصّلة عن نفسه.
‘يبدو أنّ هذا الزبون أيضًا مليء بالأسرار.’
كانت قد تعاملت مع عملاء مثله من قبل.
سواء كانت أسرار عائليّة، أو ماضٍ مخجل يريدون إخفاءه، أو ذكريات قديمة لا يرغبون في استحضارها.
كثيرًا ما جاءت الأغراض المسحورة القديمة مع قصص لا يريد أصحابها نشرها علنًا.
ليديا قرّرت أن تتجنّب السؤال المباشر وتركّز على جمع المعلومات اللازمة للحلّ.
“مثل هذه اللعنة لا تُصاب بها بسهولة. إن ظهرت فجأة، فلا بدّ أن يكون هناك سبب أو شرط يُفعّلها.”
“هذه هي المشكلة، لا أعرف السبب.”
ردّ عليها كأنّه يقول: “لهذا جئتُ إليكِ”، مطالِبًا إيّاها بالإجابة بدلاً منه.
“استيقظتُ كالمعتاد، لكنّي وجدتُ جزءًا من يدي قد اسودّ. بدأ الألم النابض منذ ذلك الحين، وهو ينتشر تدريجيًا.”
ما إن سمعت كلامه حتى بدأ عقلها يعمل، مدفوعًا بفضول علميّ.
لم تذكر أيّ من الكتب التي قرأتها بعناية لعنة تنتشر بهذه الطريقة.
“إذًا، ليس مرتبطًا بغرض ما. لو كان كذلك، لظهرت ردّة فعل فوريّة عند لمسه.”
قرّرت ليديا أن تُجرّب إزالة اللعنة مرّة واحدة، فاقتربت أكثر ومدّت يدها.
لكن عندما رأت صدره العاري يتحرّك مع أنفاسه القريبة جدًا منها، عادت إلى الواقع وتردّدت يدها.
قدرتها الفريدة، التي ورثتها من عائلة سوليم، وهي تحويل أيّ سحر إلى “لا شيء” وإزالته، تتطلّب التلامس.
“أنا، إن أردتُ حلّها، يجب أن…”
“تلمسينني؟”
“عندما تقولها هكذا، أشعر أنّني منحرفة، لكن نعم.”
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه الرجل لأوّل مرّة.
“افعلي ما تريدين.”
يد ليديا، التي كانت متردّدة، لامست أخيرًا كتفه متجاوزة صدره.
في تلك اللحظة، شعرت بتدفّق قويّ ولزج للسحر. كان كهاوية عميقة تحذّرها من المحاولة بمهاراتها المتواضعة.
“… يا إلهي.”
في العادة، كانت قدرتها تجرف أيّ سحر كالموجة وتزيله دون أثر، لكن أمام هذه القوّة الهائلة، كانت عاجزة.
حتّى مع محاولتها اليائسة لصدّه، لم تستطع سوى دفعه بضع خطوات للوراء.
“ها…”
في تلك اللحظة، سمعت تنهيدة عميقة تبدو كأنّها تحمل شعورًا بالراحة. الرجل، الذي أسند جبينه إلى كتفها، بدا يشعر بشيء مختلف.
شعرت أنّ هناك تأثيرًا ما، فاستجمعت شجاعتها أكثر.
لكن فجأة، اجتاحها حرارة شديدة كأنّها تقف أمام نار مشتعلة من الهاوية.
أدركت متأخّرًا أنّها تجاوزت حدودها دون داعٍ.
شعرت بقواها تنسحب من جسدها. لا شكّ أنّها استهلكت طاقتها أكثر من اللازم. يجب أن تتراجع الآن…
“هل أنتِ بخير؟”
شعرت ليديا بدوخة وثقل في رأسها، فتعثّرت. لكن يدًا أمسكت بذراعها وساعدتها على الوقوف.
“نعم، أنا بخير…”
بينما كانت تستعيد ما حدث، لاحظت متأخّرًا نظرة ثاقبة تراقبها.
رفعت رأسها لتواجه عينين تحملان رغبة غريبة، كأنّهما وجدتا أخيرًا هدفًا طال انتظاره بعد تجوال طويل.
‘هل هذه المرأة هي الحلّ؟’
إليان إستوبان كان يمسك بها بقلق أكبر ممّا يظهر.
الألم الحارق كالنار وأصوات الصراخ التي كانت تعصف برأسه بين الحين والآخر، كلّ ما كان يقوده إلى الجنون تلاشى كالثلج عندما لامسها.
عندما جاء إلى هنا، كان متردّدًا، لكنّه لم يتوقّع أن يجد الحلّ فعلاً.
“لن أسقط، لذا يمكنكَ… يمكنكَ تركي الآن.”
كانا قريبين جدًا لدرجة تشعرها بالضيق.
بسبب إمساكه بذراعيها وسحبها نحوه، كان وجهه أمامها مباشرة عندما رفعت رأسها.
“وجهكِ شاحب، أخشى أن تسقطي لو تركتُكِ.”
نظرت إليه امرأة ذات عينين بنفسجيّتين دون أن تدرك من تقابل، بعينين تعكسان إرادة قويّة وعنادًا.
“أنا بخير.”
“حقًا؟”
إليان بلّل شفتيه الجافتين بلسانه، وسأل ببطء.
الألم الذي كان يخشى أن يدفعه للجنون اختفى تمامًا، وعقله المتشابك أصبح صافيًا لأوّل مرّة منذ زمن.
“نعم، حقًا.”
رغم أنّه بدا متمسّكًا بها، تركها الرجل بسهولة أكبر ممّا توقّعت.
لكن يده ظلّت تتحرّك في الهواء كأنّها متردّدة في الانفصال.
ليديا تجنّبت عينيه الزرقاوين الثاقبتين وحدّقت في يديها بهدوء.
<سيأتي يوم تواجهين فيه سحرًا يفوق قدرتكِ. لا أريدكِ أن تتورّطي في ذلك، لكن إن اضطررتِ، فاستعدّي جيّدًا، ليديا.>
كانت هذه كلمات جدّتها التي كرّرتها بحزن وهي تترك حفيدتها وحيدة في العالم قبل وفاتها.
القوّة الفريدة التي سكنت عائلة سوليم عبر الأجيال، والتي ظنّت أنّها اختفت،
ظهرت فجأة في حفيدتها بشكل خافت، ممّا جلب الفرح والقلق معًا.
<السحر الذي يُلقيه شخص يتقنه بكلّ قوّته خطير جدًا، أكثر ممّا يبدو.>
لم تكن تعليمات جدّتها مخطئة أبدًا.
كانت تعيش حياة هادئة نسبيًا، تركّز على سلامتها، تقرأ السجلّات وتجمع الكتب لتتبّع أثر السحر،
لكنّها أدركت أنّ الرجل أمامها جاء ليهدم كلّ ذلك.
“هل هي لعنة خطيرة إلى هذا الحدّ؟”
سؤال سقط فوق رأس ليديا وهي تعضّ شفتيها بقلق.
“في مصدر اللعنة، هناك شيء شرير جدًا.”
كانت لا تزال تشعر بآثارها. حرارة كأنّها ستحرق كلّ شيء، وصرخة عالية تتلاشى قبل أن تنجو.
ليديا لفت ذراعيها حول نفسها، تحاول تهدئة القشعريرة.
“شعرتُ كأنّ نارًا لا نهائيّة تحاول ابتلاعي أنا أيضًا.”
“ألم كالاحتراق، وصراخ.”
جاءت كلماته كأنّه يرميها دون اكتراث.
جلس الرجل على كرسيّ قريب، أسند رأسه إلى المنضدة، وأغمض عينيه وهو يتمتم، كأنّه يسمع شيئًا الآن.
“صراخ يائس يتردّد مع الألم.”
“باستمرار؟”
“يكون أسوأ عند النوم. ربّما لأنّ عقلي يكون بلا دفاع.”
كان هذا وصفًا أكثر تفصيلًا ممّا قاله عندما سألته أوّل مرّة عن اللعنة.
“لا أعرف كيف تعمل قوّتكِ تلك، لكنّها كانت فعّالة بالتأكيد.”
التفتت إليها عيناه الزرقاوان الواضحتان مجدّدًا. ليديا لم تتجنّب نظرته هذه المرّة، وأجابت بهدوء:
“في العادة، كان يجب أن تُزال فورًا، لا أن تتأثّر بهذا القدر فقط. هذه هي قوّتي، تحويل كلّ سحر إلى ‘لا شيء’.”
“ربّما. لكن لن يحدث ذلك في أيّام قليلة.”
كانت تتذكّر نصيحة جدّتها بعدم التسرّع في مساعدة الآخرين في أمور تفوق طاقتها.
لكن لا يمكنها أن تدّعي استحالة شيء ممكن.
ليديا كانت بارعة في تجنّب الإجابات، لكنّها سيئة جدًا في الكذب.
‘تراجعتُ الآن، لكن كما قال هذا الرجل، قوّتي لم تكن بلا تأثير. إذا واصلتُ إضافة قوّتي يوميًا قليلًا…’
حسبت ليديا غريزيًا حدود قدرتها.
لذلك، لاحظت متأخّرًا أنّ الرجل نهض وعدّل قميصه ليرتديه مجدّدًا.
بعد أن ارتدى ملابسه، عاد إلى تعابير وجهه الباردة كأنّ انفعاله اللحظيّ لم يكن، وهو يزرّر قميصه قال:
“على أيّ حال، يمكنكِ إزالة هذه اللعنة، أليس كذلك؟”
“ربّما. كلّما استخدمتُ قوّتي أكثر، أظنّ أنّني سأزيلها أسرع. لذا… حاول أن تأتي يوميًا.”
“يوميًا؟”
“نعم، يوميًا. إن جئتَ مرّة كلّ بضعة أيّام، قد تعود اللعنة لتنتشر مجدّدًا بعد أن أوقفتُ تقدّمها.”
“القدوم إلى هنا يوميًا قد يكون صعبًا بعض الشيء.”
ليديا أدارت عينيها وكتمت تنهيدة. لم تكن تعرف من منهما هو المصاب باللعنة هنا.
رأته يعبث بأزرار الأكمام دون أن يغلقها، غارقًا في التفكير.
“كم سيستغرق ذلك؟”
“ماذا؟”
“أسأل كم يجب أن أزوركِ يوميًا.”
“ربّما سنة على الأقلّ. قوّتي لها حدود في كلّ مرّة.”
كانت هذه أوّل مرّة تستخدم فيها طاقتها بهذا الشكل، وشعرت ليديا بإرهاق شديد بالفعل. إذا أرادت ضبط قوّتها، قد يطول الأمر أكثر.
كم مرّ من الوقت في صمت بعد إجابتها؟
فجأة، قال الرجل بنبرة عابرة كأنّه يقترح نزهة:
“إذًا، لنتزوّج.”
“… ماذا؟”
ظنّت أنّها سمعت خطأً. تخيّلت ليديا أنّ وجهها يبدو مضحكًا الآن.
كان ذلك طبيعيًا. شخص رأته لأوّل مرّة اليوم يقترح عليها الزواج، كأنّه هلوسة غريبة.
“حتي إذا استغرق الأمر وقتًا، يمكنكِ إزالتها، أليس كذلك؟”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 2"