ليديا شعرت بألم حارق ينتشر في كتفها.
لم تكن المشكلات غائبة عنها طوال كلّ تلك الأحداث التي مرّت بها حتّى الآن، لكنّ إصابة مباشرة كهذه كانت الأولى من نوعها.
“آه…”
كانت تنوي إسقاط الخنجر من يد الساحرة، لكنّ الأمور لم تسر وفق خطّتها كالعادة.
في اللحظة الأخيرة، لوّت جسدها بأقصى ما تستطيع لتتجنّب النقاط الحيويّة، لكنّها لم تستطع تفادي الألم. كان قويًا لدرجة أنّها لم تقدر حتّى على الصراخ.
شعرت ليديا أخيرًا بقواها تُسلَب من ساقيها، فجلست ببطء على الأرض.
ربّما للهروب من الألم الشديد، كلّما زاد الدم المتسرّب، شعرت بوعيها يتلاشى تدريجيًا.
“…ليديا!”
عندما رأى إليان ذلك، ألقى سيفه جانبًا وركض نحوها على الفور.
[لا تفعل.]
في تلك اللحظة، انبعثت قوّة هائلة من السيف الذي يحمله إليان، فارتطمت الساحرة بالحائط كأنّها طارت، ثمّ سقطت.
“ما هذا…”
لم يكن إليان من فعل ذلك. السيف تحرّك بنفسه.
[لماذا تعرّضت للطعن بالخنجر وهي تحاول حمايتك؟ إن ذهبتَ إليها الآن، سيكون تضحيتها بلا معنى.]
“دع ليديا وشأنها.”
[لقد منحتك وقتًا.]
ردّ السيف على كلمات إليان المشدودة بأسنانه، ثمّ تفاعل الخنجر الذي طعن ليديا هذه المرّة.
[سأعالج ليديا. أكمل ما بدأتَه.]
سرعان ما انبثق ضوء من جرح كتف ليديا المصاب، وبدأ الجرح يلتئم تلقائيًا، ثمّ سقط الخنجر على ركبتها بهدوء.
“أنت…”
كيف لم يتدخّل مباشرة حتّى الآن رغم قدرته على ذلك؟
مرّ هذا السؤال بذهن إليان، لكنّه لم يكن لديه وقت ليطرحه. الساحرة، رونيكا، بدأت تهزّ رأسها محاولة النهوض مجدّدًا.
أعاد إليان السيف، الذي كان قد سحبه نصفه، وطعنه بعمق في الصندوق.
انشطر الصندوق نصفين، ومعها حجر أسود لامع بدا وكأنّه يتفتّت أيضًا.
“هذا هو القلب إذن.”
“لا، توقّف!”
مع صوت انشطارٍ عالٍ، تحطّم “القلب” مع الصندوق تمامًا.
سقطت الساحرة، التي حاولت منعه في آخر لحظة، في مكانها. كأنّ الزمن ضربها دفعة واحدة، تحول شعرها إلى الأبيض في لمح البصر.
“آه… آه… لا. لا يمكن أن يحدث هذا… كيف اخترقتَ الختم ووصلتَ إلى هنا؟”
جسدها المنهار بدا وكأنّه يتقلّص تدريجيًا. حاولت قول شيء أخير، لكنّها لم تستطع، وسقطت فجأة.
لم يبقَ في مكانها سوى ملابسها، دون أيّ أثر لشكل بشريّ.
“ليديا، هل أنتِ بخير؟”
ما إن تأكّد إليان من انتهاء الأمر حتّى استدار إلى ليديا دون تردّد وتقدّم نحوها.
“أنا بخير. حقًا، لا أشعر بشيء.”
كانت ليديا لا تزال مذهولة، ممسكة بكتفها السليم بينما تحاول استيعاب ما حدث.
حتّى لحظة مضت، كانت تعاني ألمًا شديدًا، ثمّ اختفى فجأة.
“هل أنتِ متأكّدة أنّكِ بخير؟”
لكن إليان لم يطمئن بمجرّد كلماتها.
“إليان، انظر إلى هناك بدلًا من ذلك.”
“ما هذه الحيلة الجديدة؟”
حتّى قبل تحذير ليديا، شعر إليان بشيء غير طبيعيّ واستدار بالفعل.
الدخان الأسود الذي كان يحوم حول الصندوق لم يتبدّد، بل تجمّع وتضخّم، وبدأ يغطّي المنطقة بأكملها.
[أنا… سأعود…]
تردّد صوت هامس كأنّه هلوسة. لم يكن صوت التنّين الذي يرافقهما، هذا مؤكّد.
اقترب الدخان من ليديا ببطء.
أضاء خاتمها محاولًا حماية صاحبتها، لكنّ الضوء كان أضعف ممّا توقّعت.
حاولت ليديا استجماع قواها، لكنّها كانت أكثر إرهاقًا ممّا أدركت بعد كلّ ما مرّت به اليوم، فلم يكن الأمر سهلًا.
“هل لم ننتهِ منها بعد؟” احتضن إليان ليديا بقوّة تقريبًا، متقدّمًا لحمايتها.
رفع سيفه بيد واحدة وغرسه في الأرض، فبدأ السيف يمتصّ الدخان.
‘ما هذا…’
بدأت موجة سوداء تلطّخ السيف، ثمّ انتقلت بسرعة إلى يد إليان التي تمسكه.
كان الأمر مشابهًا لما حدث عندما أصيب باللعنة سابقًا.
لكن هذه المرّة، بدا الوضع أسوأ. إن تُرك كما هو، قد يبتلعه ما قد يكون روح الساحرة أو بقايا وعيها.
“إليان، يدك…”
نظرت ليديا أخيرًا إلى الأمام بعد أن استدارت متأخّرة، ورأت ما يحدث ففزعت.
ما إن رأت يد إليان تتحوّل إلى السواد حتّى حاولت الخروج من حضنه فورًا.
لكن إليان، بيده الأخرى التي لا تمسك السيف، ضمّها إليه بقوّة أكبر حتّى شعرت بالضيق.
“إليان!”
“ابقي كما أنتِ.”
سمعت صوته فوق رأسها، وكأنّه يبذل جهدًا عظيمًا. لا، لا يمكن تركه هكذا.
لكن قبضته التي تطوّق خصرها لم تبدُ أنّها ستفلت أبدًا.
لذا، أسندت ليديا رأسها على صدره وحاولت إقناعه.
“أنا أعرف السحر أكثر منك. يمكنني التعامل مع هذا بشكل أفضل.”
“أرى أنّكِ منهكة تمامًا الآن، فكيف ستفعلين شيئًا؟”
“إذن هل سأظلّ أشاهد يدك تتحوّل هكذا دون فعل شيء؟”
كلّما امتصّ السيف الدخان بسرعة، انتقل السواد من يد إليان إلى معصمه.
شعر إليان بشيء غامض يحاول التهام عقله. كان ذلك مصحوبًا بخدر ينتشر في يده.
‘هل يحاول الاستيلاء على جسدي؟’
ربّما كانت قوّة الساحرة قد طوّرت وعيًا خاصًا بها. على أيّ حال، شعر بوضوح بشيء يحاول انتزاع السيطرة على جسده.
“حتّى لو شاهدتِ فقط، لا بأس. سأتولّى الأمر.”
لذلك، لم يكن ليسمح لليديا بتحمّل هذا أبدًا.
لم تكن القوّة المستعارة من التنّين ناقصة بأيّ حال. كلّ ما عليه هو دفعها أكثر. أكثر، وأكثر، ليستخدمها بأقصى طاقتها لمواجهة هذا.
“أنا من لستُ بخير.”
في هذه المعركة المتوترة على السيطرة على جسده، كان وعيه بأنّ ليديا في حضنه هو الشيء الوحيد الذي يبقيه صامدًا.
زادت قوّته في يده التي تمسك السيف. لم يكن ليتراجع.
[يبدو أنّ الوقت قد حان لإنهاء صفقتنا.]
فجأة، تحدّث التنّين بعد صمت طويل، بنبرة متعبة بشكل غير معتاد.
[دعني أتولّى تنظيف البقايا.]
“…أتركها لك؟”
ما إن انتهى من كلامه حتّى بدأ الضوء الأسود الذي كان يغزو يد إليان يتراجع، عائدًا إلى السيف مجدّدًا.
تحوّل مقبض السيف إلى اللون الأسود تمامًا، لكن يد إليان عادت سليمة.
[بدلًا من أن يعلق شيء غريب بإليان ويفرّق بينكما، أليس من الأفضل أن أرحل أنا؟]
لم يقتصر الأمر على السيف الذي لا يزال إليان يمسكه، بل بدأ ضوء خافت ينبعث من الخنجر الموضوع جانبًا على الأرض أيضًا.
“ألم يكن هذا شرط الصفقة؟”
[في ذلك الوقت، كنتُ لا أزال أستاء من عائلة إستوبان. لذا لم أكن أنوي مساعدتك حتّى أستنفد قوّتي هكذا.]
“هل ستختفي هكذا؟ هنا؟”
عندما خفّت قوّة ذراع إليان، استطاعت ليديا أخيرًا أن تنظر إلى السيف بوضوح.
شعرت أنّها أدركت المعنى الحقيقيّ لتدخّل التنّين الآن.
‘لقد…’
أدركت ليديا أخيرًا.
منذ أن تدخّل التنّين مباشرة لشفاء جرحها، يبدو أنّه قرّر تحمّل مسؤوليّة إنهاء كلّ شيء هنا بنفسه.
[نعم. هنا. سأتلاشى إلى الأبد.]
“لكن، إن فعلتَ ذلك، فلن يكون هذا ‘راحة’. لن تعود إلى الطبيعة بسلام.”
كان هناك سبب وراء مطالبة التنّين بإعادة السيف ووضع القلب في مكانه.
يقال إنّ للأرواح العظيمة مثل التنانين عالمًا آخر يجتمع فيه أقرانها. لا أحد يعرف حقيقته، لكنّه مكان يمكن الوصول إليه بالتأكيد.
لهذا السبب، كانت التنانين الأرضيّة تختار الراحة بسهولة أكبر وتختفي بسرعة، كما قرأت ليديا.
لأنّه لم يعد هناك سبب لبقائها في أرض يتلاشى منها السحر.
“ستختفي، فقط هكذا؟”
[على أيّ حال، متّ منذ زمن طويل، فما الفرق؟]
تحدّث بلامبالاة، لكنّها علمت أنّ الأمر ليس كذلك.
“ستتخلّى عن فرصة لقاء أقرانك مجدّدًا؟”
لم يتفاجأ التنّين بأنّ ليديا تعرف عن مصير التنانين بعد الموت، لكنّه لم يشرح لها أكثر من ذلك.
[نعم، هذا صحيح.]
“لماذا؟”
[لأنّني أريد ذلك.]
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 111"