إليان نظر مرّة واحدة إلى إيدان الذي كان يمسك به ويمنعه من الذهاب، ثمّ عاد لينظر إلى ليديا، محور المشكلة.
كانت تقف بتعبير غامض على وجهها.
“اسم ذلك الطفل ليس مسألة مهمّة، أليس كذلك؟”
“بل هو مسألة مهمّة بالفعل.”
لو كانت ليديا الحقيقيّة، لما جهلت ذلك الاسم أبدًا.
‘لكن حتّى لو كانت ساحرة، هل يمكن أن تجهل حقيقة الوهم الذي صنعتْه بنفسها…؟’
بقي شكّ خفيف في ذهنه، لكنّه كان متأكّدًا على أيّ حال أنّ تلك ليست ليديا.
ولم يخب ظنّه، فقد تجنّبت ليديا الإجابة مرّة أخرى وتهرّبت.
“إليان، أنا مصابة ومتعبة. ألا يمكننا أن نجد مكانًا آمنًا للراحة أوّلًا ثمّ نتحدّث؟” لكن ليديا الحقيقيّة لم تكن لتقول شيئًا كهذا أبدًا.
كانت تبدو من الخارج كمن تقول كلّ ما تريد قوله، لكنّها بخيلة في الاهتمام بحالتها الشخصيّة.
‘أن أتأكّد أكثر من كونها مزيّفة بسبب هذا، يا للسخرية.’
لو لم يكن الوضع هكذا، لربّما انفجر ضاحكًا.
“ليديا.”
أين تكون ليديا “الخاصّة به” بالضبط؟ ليست هذه المزيّفة التي تفتقر إلى الجديّة، بل تلك الحقيقيّة التي يبحث عنها بلهفة.
“أين أصبتِ؟”
انخفض صوت إليان أكثر، مشوبًا بلامبالاة واضحة.
“رجلي. ألم ترَها منذ قليل؟”
مدّت قدمها وعبست بوجه يبدو أنّه يتألّم حقًا.
لكن إليان تحدّث الآن بوجه خالٍ من أيّ تعبير.
“منذ قليل، لم تكوني تعرجين بهذه القدم، بل بالقدم الأخرى، أليس كذلك؟”
“ربّما تكون قد اختلط عليك الأمر.”
كانت عيناها البنفسجيّتان تنظران إليه بظلال أغمق من المعتاد، كأنّ السواد امتزج بهما فأصبحتا معكّرتان.
“أنتِ لستِ ليديا، أليس كذلك؟”
دفع إليان ليديا التي كانت لا تزال متشبّثة به دون تردّد أو أسف.
“آه…!”
كأنّها حاولت إضعاف قلبه في اللحظة الأخيرة، حيث كادت ليديا أن تسقط للخلف مع صرخة خفيفة.
“أنتِ بخير. كلتا قدميكِ سليمتان.”
أشار إليان برأسه ببرود وهو يرى ليديا تقف بثبات على قدميها دون وعي.
في البداية، غمرته السعادة لرؤيتها حتّى أنّه لم ينتبه للحقيقة، لكنّه الآن لم يكن لينخدع بها أيضًا.
“لو خدعتِني باعتدال وجعلتِني أتبعكِ لأموت، لكان ذلك أفضل بكثير.”
كما توقّع، كان ظنّه صحيحًا. بدأ شعر ليديا، التي استقامت ظهرها، يتحوّل إلى اللون الأسود.
سرعان ما انتشرت خصلات شعرها المنسّقة بدقّة كموجة سوداء، وكان الشكل مألوفًا جدًا.
كما هو متوقّع، كانت تلك هي الساحرة التي حبسته في هذا الوهم.
“أين ليديا؟”
إذن، البحث عن ليديا عاد إلى نقطة الصفر مجدّدًا. حاول إليان كبح القلق الذي بدأ يتسرّب إليه.
“لا أعرف.”
“إذن أنتِ بلا فائدة بالنسبة لي، وهذا الحديث لا معنى له.”
تحوّل القلق إلى نفاد صبر وانزعاج. أخرج إليان سيفه مجدّدًا.
بمجرّد رؤيتها تمسك بمنطقة قلبها، كان واضحًا أنّ الساحرة لم تتعافَ بعد.
“لو أردتِ خداعي، كان عليكِ أن تبذلي مجهودًا أكبر.”
يبدو أنّها حاولت استغلال عدم وقوعه في الوهم بسهولة، بل واكتشافه لها، لكنّها اختارت الخيار الخاطئ. لم يكن عليها تقليد ليديا بتلك الطريقة الخرقاء.
“لن تستطيع قتلي بهذا.”
قالت ذلك بمجرّد أن أخرج إليان سيفه، لكنّه استطاع الآن أن يرى الخوف في عينيها.
“لكن يبدو أنّ ذلك لا يعني أنّكِ لا تخافين. الضربة كانت قويّة، على ما يبدو.”
في الحقيقة، كان هو نفسه متردّدًا فيما إذا كان هذا السيف سيفيد أم لا. لم يسمع صوت السيف، فتساءل إن كان جزءًا من الوهم أيضًا.
‘عدم تواصلي مع السيف مسألة أخرى، لكنّ السيف نفسه حقيقيّ بالتأكيد…’
تأكّد من ذلك، فلم يعد هناك أيّ تردّد. رفع إليان سيفه ليهوي به في تلك اللحظة.
فجأة، رمت الساحرة، التي تخلّت عن تقليد ليديا و عادت إلى شكلها الأصلي، شيئًا نحو الأرض.
تناثرت حبات سوداء تشبه الرمل.
تراجع إليان غريزيًا لتفاديها، وفي تلك اللحظة، غمر السواد العالم بأكمله.
أينما التفت، لم يستطع تأمين رؤيته. عالم لا نهائيّ من الظلام فقط.
“حقًا، تستخدمين حيلًا تافهة بطرق متنوّعة.”
حاول تتبّع صوت الأقدام، لكنّ الإمساك بإحساس الاتجاه لم يكن سهلًا. لكنّه كان على وشك الحركة.
“أخي، ليس من تلك الجهة.”
مرّة أخرى، أمسك به إيدان في هذا الظلام، حيث كان يبرز وجوده وحده.
“ليس من هنا؟”
“من تلك الجهة.”
قاده إيدان نحو اتجاه آخر لا يزال مظلمًا لا يُرى فيه شيء.
كانت الفكرة المنطقيّة أنّ هذا إيدان ليس أخاه الحقيقيّ، بل مجرّد وهم، وأنّ عليه ألّا يتبعه.
‘لكن لسبب ما…’
غريزته قالت شيئًا مختلفًا، تحثّه على اتباع إيدان بنية “ربّما”.
سرعان ما وصلا إلى باب عاديّ.
“هنا. عليك الخروج من وراء هذا الباب.”
ثمّ نظر إليه بعينين زرقاوين باهتتين، تحملان الدفء المعتاد على عكس عينيه هو.
“هل أنت… إيدان الحقيقيّ؟”
كان سؤالًا قد يبدو بلا معنى. لو كان هذا الوهم لا يزال يحاول خداعه، فسيكذب بسهولة وينتهي الأمر.
لكن إيدان لم يجب بهذه الطريقة، بل حثّه مرّة أخرى على فتح الباب فقط.
“اخرج بسرعة. هذا هو طريق الخروج.”
“وأنت؟”
“أنا؟ أنا…”
بدا أنّ حزنًا غريبًا خيّم على وجه إيدان، لكنّه تحدّث بنبرة خفيفة كالأطفال بعدها.
“سأذهب إلى مكان آخر.”
“ألم تقل إنّ هذا الخروج الوحيد؟”
“كما قلتَ… في المكان الذي تريد العودة إليه، لم يعد لي مكان. لذا سأذهب إلى مكان آخر.”
حاول إخفاء ذلك، لكنّ كتفاه المترهّلتان كانتا مألوفتين.
كان إيدان يظهر هذا التعبير وهذا السلوك عندما يحاول إخفاء أسفه الممزوج بالشوق.
“إيدان.”
هل يمكن أن يكون هذا أيضًا سلوكًا صنعه الوهم؟ لكن ما الذي سيستفيده من ذلك؟
لو كان هذا مجرّد وهم من صنع الساحرة، أليس من المفترض أن يُبقيه هنا بدلًا من دفعه للرحيل؟
فضلًا عن أنّه منع إليان من اتباع الساحرة التي تحاول تقليد ليديا دون وعي.
“…مكانك لم يزل موجودًا.”
لذا قرّر إليان أن يثق بحدسه، وجثا على ركبة واحدة ليصبح في مستوى عيني إيدان.
مال إيدان برأسه جانبًا وسأل.
“لم يزل موجودًا؟”
“في دار الماركيز، مكانك موجود دائمًا.”
لو أنّه أخبر إيدان بهذا بوضوح في السابق، هل كان شيء ما سيتغيّر؟
كان يفكّر في هذا أحيانًا، لذا لن يفوّت هذه الفرصة الآن.
“…مكانك موجود دائمًا. إذا أردتَ، في أيّ وقت، وبأيّ شكل.”
“ظننتُ أنّك نسيتني. لقد مرّ وقت طويل جدًا.”
نظر إلى يده عند سماع كلماته، فوجد نفسه عاد إلى “إليان إستوبان” الحاليّ.
كان الوهم الذي حُبس فيه ينهار. هل يعني هذا أنّ الساحرة لم تعد قادرة على تحمّل القوّة؟ إن كان كذلك، فهذا أمر جيّد.
“كيف لي أن أنساك؟ كيف أنسى مشاغبًا مثلك؟”
عندما انتهى من كلامه، عبث بشعر إيدان دون وعي.
عاد إليه عادة قديمة جدًا بمجرّد أن رأى إيدان أمامه.
“لستُ مشاغبًا. كنتَ تلعب معي أيضًا.”
“لم أكسر نافذة المدخل تلك، أنت من فعلها.”
“لقد حدث ذلك لأنّني رميتُ الكرة نحوك. إذن نصف الذنب لك.”
لم يكن يتوقّع أن تتاح له فرصة لمثل هذا الحديث مجدّدًا.
ابتسم إيدان بمرح، ثمّ محا ابتسامته فجأة ونظر إلى إليان مجدّدًا.
“…أنا لا ألومك.”
كأنّه يذكّره بلطف خشية أن يكون قد نسي.
“لذا اذهب الآن. البقاء هنا طويلًا ليس جيّدًا.”
“كيف أتيتَ إلى هنا؟”
“…ذلك السوار. يبدو أنّ السوار دعاني. شعرتُ أنّك بحاجة إلى مساعدتي. شيء كهذا لم يحدث من قبل، أليس كذلك؟”
“بالفعل.”
قالت ليديا ذات مرّة إنّ إيدان كان يمكن أن يصبح ساحرًا لو وُلد في الماضي.
إن كان الأمر كذلك، فقد يفسّر هذه اللحظة السحريّة غير المصدّقة.
لكن إن آمن بها، فعليه قبول فكرة الفراق مجدّدًا أيضًا.
تلاشى الابتسام الذي كان يرتسم على شفتي إليان في تلك اللحظة.
“إيدان.”
قبل أن يتمكّن من الردّ، عانقه إيدان بقوّة، ملفًّا ذراعيه حول رقبته.
“وداعًا. مع السلامة، أخي.”
“حسنًا. وأنتَ…”
لم يستطع إكمال الجملة، لأنّ إيدان لم يعد لديه حياة متبقّية.
“سأفتقدك.”
“وأنا أيضًا.”
“هل يمكنني أن أكون أخوك في المرّة القادمة أيضًا؟”
“بالطبع.”
“لقد وعدتني.”
يبدو أنّ إيدان تنبّأ أنّ خطوات إليان لن تتحرّك إن تُرك وحيدًا هكذا.
في لحظة أغمض عينيه وفتحهما، اختفى إيدان من بين ذراعيه دون أثر.
“…رحل بأسلوبه الخاص.”
كما كان في السابق، يتحرّك بجسده الصغير هنا وهناك، ويختفي بمجرّد أن يُغفل عنه لحظة.
نهض إليان بعدها. لقد أخبره إيدان بالطريق ورحل، فلا يمكنه البقاء هكذا.
في اللحظة التي فتح فيها الباب، واجه إليان ليديا مباشرة.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 109"