ما ظهر عبر مدخل الكهف المفتوح كان ظلامًا دامسًا لا غير. 

بدون ضوء يتسلّل من الخارج، لم يكن هناك سبيل لمعرفة ما في الداخل. 

“هل الكونت وزوجته هنا حقًا…؟” 

“الأمر مشكوك فيه، أليس كذلك؟” 

أكملت ليديا شكوك هيلدين. كان هذا الطريق يحمل شعورًا بالنذير السيّئ لسبب غير معروف. 

لكن بما أنّ الخاتم لم يحذّر، فلا توجد تهديدات وشيكة على الأقل. 

لم يكن هناك وقت للوقوف والمراقبة فقط. قرّرت ليديا التحرّك أوّلاً. 

“ليديا!” 

“ألن تدخلوا؟” 

“قلتُ لكِ لا تتحرّكي فجأة هكذا.” 

عندما دخلت ليديا دون تردّد، تبعها إليان المندهش على الفور. 

بدأ الفرسان بالدخول واحدًا تلو الآخر. 

لكن بينما يمكن للبشر الدخول، لم يستطع الضباب – الذي لا شكّ أنّه من مخلّفات السحر – فعل ذلك. 

تجمّع الضباب حول أقدامهم، لكنّه لم يتقدّم أكثر، محصورًا عند حاجز غير مرئي عند مدخل الكهف، يدور في مكانه. 

ربّما كان وهمًا، لكن التنفّس بدا أسهل بكثير. 

“علينا التأكّد على أيّ حال.” 

استدارت ليديا ورفعت يدها المزيّنة بالخاتم قليلاً. أضاء الخاتم بنور خافت، مما جعل الرؤية تتّضح بعض الشيء. 

ليس كثيرًا، لكن بما يكفي لتجنّب الاصطدام بالجدران. 

لكن عندما واصلت ليديا تدوير الخاتم، أدرك إليان ما تحاول فعله ومنعها. 

“لا تستخدمي المزيد من قوّتكِ. لا نعلم ما قد يحدث.” 

ما إن أنهى كلامه حتى بدأ مدخل الكهف يُغلَق من الخلف بهدوء. 

تقلّص المدخل تدريجيًا حتى أصبح جدارًا عاديًا للكهف بلا أيّ فجوة. 

“لقد أُغلق المخرج.” 

“يبدو أنّني لا أستطيع فتحه… من الداخل. ربّما يمكن لوريث عائلة رودريغو فقط تفعيله للخروج.”

طرقت ليديا الجدار وحاولت تفحّصه، لكن الكلمات لم تظهر كما حدث سابقًا. لم يبدُ أن هناك أيّ دليل آخر. 

استنتجت بسرعة: 

“يبدو أنّ علينا التقدّم فقط.” 

“إذا كان القصر في النهاية، فلن تكون مشكلة.” 

هل كاترينا بخير حقًا؟ بدأت ليديا تقلق مجدّدًا على أخت إليان. 

كان إليان يتجنّب الحديث عنها بطريقة تبدو متعمّدة. بينما تقدّمت في الكهف، ألقت نظرة خاطفة على وجهه. 

كان يحافظ على تعبير هادئ وخالٍ من المشاعر، يصعب تفسيره. 

‘ربّما يتظاهر بعدم القلق عمدًا.’ 

كانت علاقة إليان وكاترينا مميّزة. حتى دون مراقبة طويلة، كان هناك ما يمكن ملاحظته. 

طريقته في التعامل مع ليون تحمل جزءًا من اهتمامه بكاترينا بلا شكّ. 

“انتبهي. الأرض غير مستوية.” 

تحدّث إليان كأنّه يعلم أنّها تراقبه. أبعدت ليديا نظرها عنه، وجمعت أفكارها المتفرّعة. 

“يبدو أنّه ممرّ لم يُستخدم منذ زمن.” 

ربّما اكتشفت كاترينا وجود هذا الممرّ في كتاب قديم أو سجلّات عائليّة. 

في تلك اللحظة، سُمع صدى صوت من بعيد. بدأ كضجيج خفيف، لكنّه ازداد كلّما اقتربوا. 

“ما هذا الصوت؟” 

“يبدو أنّ هناك شخصًا ما.” 

كانوا يسيرون في ظلام دامس داخل الكهف. 

ظهر ضوء خافت من مكان ينعطف فيه الطريق بعيدًا. 

“إذا كان الصوت يتردّد، فهو ليس متّصلًا بالخارج بعد، فلماذا…” 

عبّرت ليديا عن تساؤلها دون أن تبطئ خطواتها. يبدو أنّ من هم خلف الطريق سمعوا خطواتهم أيضًا.

هدأت أصوات حركة الأشخاص فجأة. 

تسرّب التوتر تلقائيًا. رفع إليان يده إلى فمه كإشارة للصمت. 

ثمّ تقدّم بنفسه أوّلاً. 

في اللحظة التي خطا فيها إليان إلى الضوء عند منعطف الطريق، طار سهم ومرّ بجانب خدّه بدقّة، ليستقرّ في الجدار. 

“إليان!” 

صرخت ليديا متأخّرة من شدّة المفاجأة. 

“يبدو أنّ مهاراتكِ صدئت.” 

لكن إليان، الذي تفادى السهم بفارق ضئيل، بدا هادئًا بل ومرتاحًا. 

من المؤكّد أنّه يعرف المهاجم، رغم أنّ هويّته مجهولة. شعرت ليديا بهذا اليقين وتقدّمت نحو الضوء. 

كُشف عن تجويف ضخم. كان السقف يضيء بلطف كأنّه مطرّز بالنجوم. 

عندما أنزلت بصرها، رأت شخصًا يخفّض قوسه بعيدًا، وكان لا أحد سوى كاترينا رودريغو. 

“ليس أنّ مهاراتي صدئت، بل أنتَ سريع جدًا. هل اكتسبت قدرة خاصّة تعزّز ردود فعلكَ أثناء غيابنا؟” 

“شيء من هذا القبيل ربّما.” 

أبعدت ليديا نظرها عن السقف وتقدّمت. 

“الكونتيسة رودريغو.”

“كاترينا. قلتُ لكِ ناديني باسمي. من الجيّد رؤية وجوه مألوفة.” 

كلّما اقتربت، بدا وجهها أكثر نحافة وشحوبًا. 

كان ذلك بعيدًا كلّ البعد عن الهيئة الواثقة والمرتاحة التي رأتها من قبل. 

بالقرب منها، كان يرقد شخص يُفترض أنّه الكونت رودريغو. 

كان نصف جسده العلوي مغطّى بالضمادات، ولا يبدو في حالة تسمح له بإدراك ما حوله. 

“ما الذي حدث بحقّ خالق السماء؟” 

“بما أنّكم وصلتم إلى هنا، ظننتُ أنّكم تعرفون تقريبًا. لكن بما أنّ السير جينون نجا وخرج، فهو من أخبركم بهذا المكان، أليس كذلك؟” 

“مع ذلك، توقّعتُ وجود فرسان أو خادمات أو خدم آخرين.” 

“لقد ماتوا جميعًا.” 

كان ردّ كاترينا القصير مشحونًا بمشاعر لا تُحصى.

“كنتُ أفكّر أنّ زوجي قد يلحق بهم قريبًا.” 

مرّرت يدها في شعرها وجلست على الأرض لتفحّص حال الكونت. 

بجانبها، كانت هناك حقيبة ملقاة بعشوائيّة تحتوي على بعض الطعام المجفّف وقارورة ماء، وهذا كلّ شيء.

“كم يومًا بقيتِ هنا؟” 

“لا أعرف. يوم، يومان؟ ربّما أكثر من أربعة أيّام.” 

“ما حال القصر؟” 

“لعلّه تحت سيطرة تلك الساحرة اللعينة التي استدعيتها. الموتى يتجوّلون، وربّما تقيم طقوس تضحية أو شيء من هذا القبيل.” 

كأنّهما ليسا أخوين عمليّين، كان الحديث بينهما قاسيًا للقاء بعد تجاوز خطر الموت. 

لكن ليديا استطاعت أن تلمح القلق في حديثهما. 

“سأفحّص حال الكونت.” 

انحنت ليديا وجلست. كان الكونت لا يزال يتنفّس، مما يعني أنّ هناك أملًا في إنقاذه. 

لو مات واستُخدم في السحر، لكان الأمر لا رجعة فيه، لكن الآن، قدراتها ستكون فعّالة بلا شكّ. 

“لا تلمسيه. ابتعدي. الجلد يصبح هكذا إذا لُمس.” 

“أعرف. لقد شفيتُ ليون أيضًا.” 

“ليون؟ قلتُ له ألّا يقترب من جناح المرضى أبدًا… يبدو أنّه لم يستمع.” 

قرأت كاترينا تعبير ليديا المحرج على الفور وتنهّدت بعمق. 

“هل ليون بخير؟” 

“كان بخير حتى آخر اتّصال. لا تقلقي.” 

“كيف فكّرتم في المجيء إلى هنا؟” 

“كان علينا ذلك بالطبع. لقد أصدرتِ أمر الحظر.” 

استمعت ليديا إلى حوار كاترينا وإليان بينما ركعت تتفحّص حال الكونت ببطء. 

‘الدم والصديد لا يزالان كما هما…’ 

يبدو أنّ الضمادات كانت محاولة يائسة لفعل أيّ شيء. الجرح تحتها لم يتعافَ أبدًا. 

{ساعدي ذلك الطفل.}

سُمع صوت أخفّ من الهمس. رفعت ليديا رأسها فجأة. 

“هل سمعتم شيئًا للتوّ؟” 

“أيّ صوت؟” 

هل هو سولايا؟ لكن ذلك التنّين يتحدّث عادةً بصوت واثق وجهوري. 

لم تكن هي بالتأكيد. 

{ساعديني. يجب القضاء عليه… تعالي…}

استمرّ الصوت المتقطّع. أصبحت ليديا متأكّدة أنّه ليس هلوسة. 

“ألا يسمعه أحد؟” 

“لا أسمع شيئًا.” 

[أسمعه أنا أيضًا. إنّ سماعكِ له يعني أنّه بسبب دم سلالة السحرة في عروقكِ.]

في تلك اللحظة، كسر التنّين الذي رافقهم في رحلتهم صمته وتحدّث فجأة. 

[هنا قبر تنّين.] 

ما إن تكلّم سولايا حتى شعروا وكأنّ نسيم بارد يهبّ داخل الكهف دون سبب واضح. 

[ليس كأنّه لم يجد الحريّة مثلي. يبدو أنّ جزءًا من ذكرياته باقٍ هنا فقط. هيا، لا تتحدّثين بغموض، أعطينا دليلًا. إذا كنتِ سيّدة هذا الكهف، فأنتِ تعرفين شيئًا عن الساحرة.] 

لكن عندما بدأ سولايا يخاطبه مباشرة، سكت الصوت المسموع فجأة. 

—

المترجمة:«Яєяє✨»