10
انتظرت ليديا متسائلة إن كان لدى الماركيز إليان إستوبان ما يقوله بشأن حادثة الفجر.
لكنّه قضى الصباح بأكمله دون كلمة واحدة، كأنّ شيئًا لم يحدث.
فكّرت ليديا وحدها مرارًا ثمّ غادرت غرفتها. كانت تتفهّم وجود أسرار كثيرة، لكن إخفاء أعراض اللعنة حتّى كان محبطًا للغاية.
“دعنا نتحدّث قليلًا.”
كان هذا سبب زيارتها لمكتب الماركيز الآن.
“حسنًا، جيّد أنّكِ أتيتِ.”
لم يرفع الماركيز رأسه، بل أخرج ورقة من الدرج ودفعها نحو ليديا.
“ما هذا؟”
“عقد.”
أجاب بإيجاز بينما كان يراجع أوراقه بسرعة، يوقّعها بين الحين والآخر بحركات ثابتة دون تشتّت.
اقتربت ليديا وسحبت الورقة إليها.
ما إن قرأت السطر الأوّل: “مدّة العقد سنة واحدة، ويمكن إنهاؤه مبكرًا باتّفاق متبادل فور حلّ المشكلة”، حتّى أدركت نوع العقد.
يبدو أنّه لم يكن يمزح عندما قال إنّه سيُعدّ عقدًا لهذا الزواج إن لم تكن مطمئنة.
‘صحيح، لا يبدو من النوع الذي يقول كلامًا فارغًا.’
تفحّصت ليديا الشروط الموجزة، وتوقّفت عيناها دون قصد على الماركيز إستوبان.
قد يُقال كيف تعرفينه جيّدًا لتجزمي بهذا؟ لكن إليان إستوبان، رغم قلّة كلامه، كان يحمل ثقلًا خاصًا في كلماته القليلة.
“إن كان هناك شرط تريدين إضافته، قوليه.”
نظر إليان إلى ليديا، التي كانت تتفحّص العقد بهدوء، وقال ذلك بنبرة خافتة.
نظرت ليديا إلى العقد طويلًا، ثمّ وضعته بحذر، ورفعت رأسها وسألت فجأة:
“… هل يمكنني أن أسألكَ شيئًا واحدًا أوّلًا؟”
لم يذكر الخاتم كما فعل سابقًا، فبدَا أنّها لن تسأل عنه.
ربّما غيّرت رأيها بشأن شروط العقد بعد أن بدأت العيش هنا.
“اسألي.”
في النهاية، طباع البشر متشابهة.
حتّى من يبدو خاليًا من الطمع، يصير طامعًا عندما يدرك ما يمكنه امتلاكه.
بينما كان يحاول تخمين حجم ما قد تطلبه ليديا بعد هذا التردّد، جاء سؤالها:
“من هو ليون؟”
“… ماذا؟”
تفاجأ إليان بشدّة بظهور اسم غير متوقّع، وهو أمر نادر.
توقّف فجأة عن التوقيع، فتناثر الحبر في كلّ مكان.
“آه، آسفة. أليست تلك وثيقة مهمّة؟”
“لا، لا بأس. يمكن استبدال الوثيقة.”
كانت وثيقة يجب رفعها إلى الملك مباشرة، لكن ذلك لم يبدُ مهمًا الآن.
“ليون هو اسم ابن أختي. ابن أختي الوحيدة. من أين سمعتِ هذا الاسم؟”
“بالأمس، سمعتكَ تقوله وأنا نائمة.”
احمرّ وجه ليديا فجأة. طوى إليان شكوكه حول سماعها شيئًا غريبًا وسأل:
“لكن لمَ ذلك؟”
“مجرد فضول. تساءلتُ من هو الشخص الذي تناديه بمثل هذا الحنان.”
“وماذا ستفعلين بمعرفته؟”
“معرفة ذلك جيّدة. حتّى لو لم يكن زواجًا حقيقيًا، فنحن سنتقابل يوميًا، ولن يضرّ معرفة عائلتكَ.”
أضافت ليديا بعد تفكير واضح:
“… مثل ما حدث بالأمس، لو علمتُ مسبقًا، لكان الأمر أفضل بكثير عندما كنتَ تعاني.”
“قرّرتُ أنّ إخباركِ سيزيد التعقيد فقط. لو كان عليكِ معرفة ذلك، لأخبرتكِ بنفسي.”
بمعنى آخر، كان يقول إنّه لا يثق بها، ولهذا يتعامل معها بكلّ هذا التعقيد.
لكن ليديا، بعد أن وضعت قدمها في هذا الأمر، عزمت على تحمّل مسؤوليّة قرارها.
لكن أن يظلّ الشخص المعنيّ غير متعاون منذ البداية، فهذا لا حلّ له.
“مع ذلك، نحن نكتب هذا العقد لنتعاون في حلّ أهمّ مشكلتكَ، لذا أتمنّى أن نضع الثقة المتبادلة كأساس.”
نظر إليان إستوبان أخيرًا إلى عيني ليديا، التي كانت تجلس باستقامة تنظر إليه مباشرة.
كانت ليديا سوليم تطلب منه ربّما أصعب شيء في العالم.
“لأنّكَ لا تثق بي، تحاول دائمًا إعطائي معلومات محدودة. لكن هذا قد يُعيق إزالة اللعنة. لا داعي لإطالة العقد، أليس كذلك؟”
كان منطق ليديا عقلانيًا، بل وربّما بديهيًا. إذا أراد حقًا التخلّص من اللعنة بسرعة، فهذا الموقف غير المتعاون لا يُجدي.
إن أراد تقليص أيّام معاناته ولو يومًا واحدًا، ألا يجب أن يكشف عن ماضيه كلّه ويناقشه معها؟
كان إليان يعرف ذلك. لكن إدخال أحدهم داخل الخطوط التي رسمها بعناية لم يكن خيارًا متاحًا له الآن.
لقد مرّت أعوام طويلة منذ أن قرّر عدم فعل ذلك.
“لا أطلب الكثير. إن لم ترغب في مناقشة أمور أخرى، لن أفعل. لكن أتمنّى أن تكون صريحًا معي بشأن هذه اللعنة فقط.”
ها هي تلك النظرة مجدّدًا.
مشاعر تشبه شخصًا دفنه في الماضي البعيد ظنّ أنّه لن يتذكّره أبدًا.
“إن أردتَ، يمكنني أن أخبركَ بصراحة عن نفسي وعائلتي. ربّما تعرف معظم ذلك بالفعل، لكن مع ذلك.”
كان موقفها الصادق، الذي يمنح ثقتها بسهولة محبطة ويطلب الثقة نفسها، يستحضر ذكريات ماضيه ويضرب أضعف نقاطه.
<لا تثق بالآخرين بسهولة. تلك أوّل فضيلة للنبلاء.>
<لكنّكَ أخي. لستَ غريبًا. لذا سأثق بكَ.>
<كيف سأتغلّب عليك بالكلام؟ حسنًا، افعل ما تريد.>
بدا صوت ضحكة بريئة كأنّه هلوسة سمعيّة. أغمض إليان عينيه دون وعي، واتّكأ على الكرسيّ، وفرك جفنيه.
ذكريات أخيه غير الشقيق المتوفّى منذ زمن، الممزوجة بالندم والذنب كالإبر، كانت ثقيلة بمجرّد استحضارها.
“… هل أنتَ بخير؟”
استعاد إليان وعيه عند سؤال ليديا الحذر، وتنهّد طويلًا وهو يمسح وجهه ويجلس مستقيمًا.
لم تكن ليديا غير متسائلة عن سبب حدّة موقف إليان إستوبان هذه.
لكن عندما رأت الإرهاق العميق الذي ظهر على وجهه للحظة، شعرت أنّ السبب الجذريّ ربّما يكون منطقة لا تستطيع السؤال عنها حقًا.
طرق الماركيز إستوبان المكتب بأصابعه “طق طق”، كأنّه يفكّر بعمق.
ثمّ قال فجأة بنبرة جافّة موضوعًا غير متوقّع:
“والدي توفّي، وزوجة الماركيز السابقة، وهي أميرة مملكة إينيس، ليست هنا الآن، لذا لا داعي لقلقكِ بشأن كبار العائلة.”
استمعت ليديا بعينين مستديرتين، وأدركت أنّه تراجع خطوة.
كان يروي عن نفسه كإشارة إلى قبول طلبها بالثقة المتبادلة إلى حدّ ما.
سألت ليديا بحذر بعد تردّد:
“لكن… أمّكَ… ألن تدعوها حتّى إلى الزفاف؟”
بالنسبة لليديا، التي فقدت والديها في حادث مؤسف وتربّت على يد جدّتها، كان الوالدان ذكرى ثمينة تشتاق إليها.
كانت تتمنّى رؤيتهما ولو مرّة، لكنّ وجهيهما يزدادان ضبابيّة، وهو أمر محزن دائمًا.
لكن على وجه الماركيز إستوبان، ظهرت ابتسامة ساخرة عند ذكر “أمّ”.
“قلتُ زوجة الماركيز السابقة، لم أقل إنّها أمّي. لم أعترف بها كأمّ يومًا. كانت مجرّد امرأة اختارها والدي للزواج من جديد لتوسيع نفوذه في مملكة إينيس.”
“آه… أفهم.”
لم تجد ما تقوله. كلمة “عائلة”، التي تحمل لليديا معنى عاطفيًا، لم تكن كذلك بالنسبة له على ما يبدو.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 10"