“حسنًا، لا تكلف نفسك عناء إلقاء التحية.”
تقدمت ديلاني بخطوات واسعة وصفعت وجهه بقوة.
صفعة!
نظر ديدريك إليها دون أن يحرك ساكناً. كانت ديلاني تغلي من الداخل ، فصرخت.
“كيف تجرؤ على القدوم إلى هنا؟ لو أنك التزمت الصمت وعشت بهدوء، لكنتُ ربما…”
“هاه.”
أرسلت قتلة للقضاء عليّ، والآن تتصرفين وكأن شيئًا لم يكن؟
نظر إليها ببرود وسأل بينما تغير موقفه
“وماذا كنتِ ستفعلين من أجلي بالضبط؟”
هبطت عيون زرقاء باردة عليها.
تراجعت ديلاني مترددة، فاقدة القدرة على الرد. حاولت أن تخضعه كما كانت تفعل في صغره، لكن الأمر لم يعد يجدي نفعًا.
كانت ديلاني، التي لطالما كانت أكثر دهاءً من أي شخص آخر، قد أصبحت الآن تعاني من القلق و الخوف المستمرين ، تمامًا مثل سومرست.
ازداد تنفس ديدريك حدة، وانتفخت عروقه على ظهر يده وهو يقبضها بإحكام. في النهاية، تفجّر غضبه المكبوت من حلقه بصوت هادر.
“لقد توسلتُ إليكِ حينها.”
“….”.
“كل ما طلبته هو الخزانة. وعدتكِ بأنني سأختفي بعيدًا ولن أظهر أمامكِ مجددًا إذا أعطيتِني إياها.”
تقدم ديدريك خطوة، مما جعل ديلاني تتراجع حتى اصطدمت بالجدار، محاصرة تمامًا. اجتاح ديلاني شعور بالرهبة، فتسارعت أنفاسها.
انخفض صوت ديدريك إلى نبرة قاتمة وهو يقول
“أنتِ من رفض ذلك.”
“…”.
“ولم تكتفي بذلك، بل قتلتِ وحشي الجميل.”
حين اختفى الوحش الرمادي الذي كان عالمه، كان من الطبيعي أن يفقد صوابه.
“لا شك أن زوجة الدوق الذكية كانت تعلم كيف سيكون رد فعلي بعد أن فقدتُ وحشي.”
“أنا… أنا…”
لم تستطع ديلاني حتى أن تكمل جملتها، فألصقت ظهرها بالجدار أكثر، محاولة الابتعاد عنه قدر الإمكان. لكن كلما ابتعدت، اقترب هو أكثر.
وأخيرًا، تفجّر غضب ديدريك المكتوم وأطبق بيديه على عنقها.
“ا… اترك…!”
“لا بد أنكِ كنتِ مستعدة للعواقب.”
“كك…!”
“أم أنكِ ظننتِ أنني سأقف مكتوف الأيدي؟”
تأمل ديدريك عينيها المرتجفتين، ثم أطلق أخيرًا مشاعره المكبوتة التي كانت تحترق داخله.
لو أن هذه المرأة اظهرت بعض الرحمة فقط ، لما حدث كل هذا.
انفجر استياء ديدريك المكبوت بشراسة بين أسنانه.
“لو أنكِ فقط أعطيتِني الخزانة وطلبت مني أن أبتعد عنك منذ البداية، لكنت فعلت ذلك بكل سرور.”
كان ليغادر دون أن ينظر إلى الوراء.
لكن ديلاني لم تعطه الشيء الوحيد الذي كان يريده بشدة.
أظلمت عينا ديدريك، الخاليتين تمامًا من الصبيانية الساذجة. حينها فقط واجهت ديلاني الغضب والكراهية والاستياء المختبئ في عيني هذا الرجل.
في مواجهة الاستياء الذي لا يمكن تفسيره والمواجهة المباشرة، شعرت ديلاني بالرعب ولم تذرف سوى الدموع.
“لقد تجرأتِ على أخذ ما هو لي…”
شدّد ديدريك قبضته على عنقها أكثر، فبدأت قدماها تتأرجح في الهواء بينما تكافح للبقاء على قيد الحياة. حاولت المقاومة، لكن بلا جدوى. ومع اقتراب الموت أمام عينيها، شعرت ديلاني بخوف شديد
أبقى ديدريك عينيه عليها وحذرها ببرود.
“وأنا بدوري، سوف آخذ كل شيء منك”
كان الرجل الذي فقد كل ما يملك مستعدًا لتدمير كل شيء
***
في وقت متأخر من الليل، توجّه ديدريك إلى المحرقة—نفس المكان الذي أحرقت فيه سامرست الخزانة.
تمتم ديدريك بهدوء عندما وصل إلى هناك، وهو ينظر حوله.
“كم هذا مقزز.”
“في هذا المكان… كنتِ لوحدكِ…”
دخل ديدريك إلى المحرقة، محاولًا التحكم في أنفاسه المضطربة.
لم يكن هناك الكثير من القمامة، لكنها كانت لا تزال متسخة و مهملة. شمر ديدريك عن ساعديه.
لم يكن يريد مغادرة المكان الذي كانت فيه مارلين آخر مرة على هذا النحو.
لذلك ذهب ونظف القمامة بنفسه. لم يكن يبالِ باتساخ يديه أو ملابسه.
بحلول الوقت الذي بدأت فيه الشمس تشرق، كانت المحرقة نظيفة، وكأنها لم تكن قذرة من قبل.
حدق ديدريك فيها دون أن يظهر عليه أي أثر للتعب.
في تلك اللحظة، فوجئ خادم المحرقة الذي جاء ليبدأ عمله الصباحي برؤيته، فاقترب منه و أحنى رأسه.
“س-سيدي ديدريك! ما الذي تفعله هنا؟”
“اعتبارًا من اليوم، سيتم نقل المحرقة إلى مكان آخر.”
“نعم؟”
هبطت نظرة ديدريك الحادة عليه. أخفض الخادم عينيه على عجل وأومأ برأسه.
“نعم، سيدي! سيتم نقلها على الفور!”
“ولا أريد أن يقترب أحد من هذا المكان. إذا حاول أي شخص الدخول، سواء كانت الدوقة أو غيرها، أبلغني فورًا.”
“س..سأفعل!”
فرّ الخادم مذعورًا من المحرقة.
عندها فقط، استدار ديدريك وغادر المحرقة.
بينما كان يتلقى ندى الفجر، دخل بهدوء إلى حمام غرفته. فكّ العقد الذي كان يحمل زجاجة صغيرة، ثم خلع قميصه.
كانت هناك ندوب كبيرة وصغيرة تغطي جسده، وكأنه عاد من حافة الموت. كانت هناك علامة سيف منحرفة قليلًا عن موضع قلبه، تدل على أنه عاد من الموت بأعجوبة.
بعد لحظات، بدأ صوت الماء يتردد، وترك ديدريك نفسه تحت تدفق المياه بهدوء. لكن سرعان ما سمع صوت فتح الباب، وشعر بوجود شخص ما.
ظل ديدريك يحدق في باب الحمام دون أن يتحرك. كان المتسلل واقفًا هناك دون أن يظهر أي نية عدائية.
بما أنه تأكد من أن القادم ليس خطرًا، أكمل استحمامه، ثم ارتدى رداءً خفيفًا وخرج من الحمام.
نظر إلى الرجل الذي كان ينتظره عند الباب وسأله بصوت هادئ
“ما الذي أتى بك عند الفجر؟”
“أنت تعرف سبب مجيئي.”
“إذن، هل تريد مني أن أثني عليك ؟”
ارتفعت زوايا فمه قليلاً، لكن عينيه نحو أكسل كانت شرسة.
“حتى لو كشفت أنك أنت من كان يرسل لي باستمرار معلومات عن الدوق الأكبر، ليس لدي أي شيء أريد أن أفعله من أجلك.”
“صحيح أنني لم أعطيك إياه بنوايا نقية.”
نظر أكسل إلى ديدريك، الذي لم يره منذ فترة طويلة. لم يكن هناك أي أثر لمظهره البريء عندما كان صغيراً. بدلاً من ذلك، كان ينضح بهالة تشبه إلى حد كبير الدوق الأكبر.
لا، كان أكثر قتامة وكآبة من ذلك.
نظرًا لأنه ساهم أيضًا في هذا التغيير، فتح أكسل فمه في النهاية بعد عدم رؤيته لفترة طويلة.
“لكن المعلومات كانت مفيدة لك، أليس كذلك؟ خاصة تلك المتعلقة بوالدتي وسومرست.”
توقفت يد ديدريك فجأة، في اللحظة التي كان يهمّ فيها بصب الكحول في كأسه. ثم أعاد زجاجة البراندي إلى مكانها، وبدلًا من ذلك، سكب لنفسه الماء.
كان عليه العودة إلى المحرقة لزرع الورود، ولم يكن يريد أن تفوح منه رائحة الكحول.
عند النظر إليه، كان أكسل يقبض و يفتح يديه دون سبب. انتشرت الهالة الحادة في الهواء مما جعل جلده يلسع. أخد عرق بارد يسيل على ظهره.
في ذلك الجو المتوتر حيث شعر وكأنه سيتعرض للإفتراس إذا خفض حذره ولو للحظة، سأل ديدريك فجأة.
“هل سبق أن أرسلت لي رسالة زرقاء؟”
“لا.”
بصراحة، لم يكن ديدريك يعتقد أن أكسل هو مرسل الرسالة الزرقاء.
لطالما كان أكسل يرسل رسائله في مظاريف سوداء.
كما أن طريقة تزويده بالمعلومات كانت مختلفة تمامًا.
كان ديدريك متأكدًا أن الفاعل شخص آخر، لكنه أراد التأكد فقط.
“إذن، هل هناك شخص آخر يرسل لك المعلومات غيري؟”
“ليس من شأنك أن تعرف.”
“… حسنًا. على أي حال، أنا هنا الآن لأنني أريد مقابلاً للمعلومات التي زودتك بها طوال هذا الوقت.”
“قل ما لديك.”
“وفي الوقت نفسه… جئت لأطلب منك الغفران.”
في اللحظة التي وصلت فيها نظرة ديدريك إلى أكسل، ركع. مع ضغط جبهته على الأرض، اعتذر أكسل بصدق.
“… آسف على كل شيء. أعلم أن هذا ليس عذرًا، لكنني كنت بحاجة إلى اعتراف والدتي بي. أردت أن أُثبت وجودي عبر كسب رضا أخي.”
“لذا؟”
“أنا نادم على كل يوم عاملتك فيه بسوء.”
“هل تحاول الحصول على المغفرة في مقابل المعلومات التي قدمتها لي؟”
“… ليس هذا هو الأمر.”
نظر إليه أكسل.
“سأسمح لك باستغلالي كما يحلو لك ، رغم أن والدي هو من يدير معظم أمور الدوقية، إلا أنني أتحكم بجزء لا يستهان به منها، خاصة في ظل غياب سومرست.”
“لذا، استخدمني كيفما شئت. سيكون من الأسهل عليك إسقاط هذين الاثنين بهذه الطريقة. لا ، بل في الواقع…”
صوت مظلم مملوء بالكراهية العميقة تدفق من خلال شفتي أكسل.
“يمكنك قتلهما بوحشية، دون أن تتسخ يداك حتى.”
“إذن، ما الذي تريده؟”
“أشركني في هذا الانتقام. سأتولى زمام المبادرة في كل شيء. يمكنني القيام بكل الأعمال القذرة. سأكون دميتك.”
كان أكسل يتوسل بشدة.
فبعد رحيل ديدريك، لم يعش أكسل حياة سلسة هنا.
وسط المقارنة والإهمال المستمرين، أصبح أكسل بائسًا، وأدرك وضعه، وشعر بإحساس كبير بالخيانة من والدته.
لقد سئم من كونه خادما سومرست، ومحاولة إرضائه، ومعاملة والدته الباردة له. لقد كره هذين الشخصين اللذين لم يرياه إلا كأداة.
“من فضلك. أمي و سومرست يثقان بي أكثر من أي شخص آخر. ستكون قادراً على الانتقام بشكل أكثر شمولاً إذا استخدمتني.”
التعليقات لهذا الفصل " 103"
ديلاني ذكية ، خطأها هو انها تستخف بمشاعر الآخرين و تظن انها مهما عملت من سوء لا أحد سينتقم منها و سبب هذا الاعتقاد هو الدوق لانه ماعملها شي يوم خانته و حاولت تقتله و بعدها قتلت أميليا و ماعملها شي، اعتقدت ان ديدريك و اكسل مثله و هذا خطأها الكبير