لم تتمكن رانيا من فتح فمها بسهولة عند إجابة جين، التي خرجت بابتسامة خفيفة.

لقد كان رد جين بعيدًا كل البعد عما كانت رانيا تتوقعه. إضافة إلى ذلك، كان تعبير جين الهادئ، كما لو لم يكن هناك إجابة أخرى سوى هذا هو نفسه تمامًا تعبيرها قبل الانحدار عندما كانت تقول دائمًا أشياء صحيحة وسليمة فقط، مما جعل الغرابة أكبر.

فكرت رانيا: “التحضير لحفل الشاي؟ هل كان ذلك لأنني ذكرتُ موسم حفلات الشاي؟ مهما حاولتُ تفسيره بسخاء، ألم يكن جوابها قاصرًا تمامًا عن فهم السياق؟”

“حفلة شاي؟”

“نعم. منذ بداية الموسم، حفل شاي بضيافتكِ يا سيدتي.”

“لا.”

قطعت رانيا كلمات جين.

لقد سألت رانيا مرة أخرى في حالة وجود نيّة أخرى، ولكن بعد التأكد من أن جين لم تفهم بشكل صحيح، لم تكن هناك حاجة للاستماع أكثر.

“إن حفل الشاي مسألة ستُحسم لاحقًا.”

ظل صوت رانيا هادئًا كما كان من قبل.

لم تسخر رانيا من جين لأنها أعطت الإجابة الخاطئة بثقة، ولم ترفضها قائلةً: “ألَا تعرفين هذا حتى؟”

تمتمت رانيا في نفسها: “على الرغم من أنها كانت أقل بكثير مقارنة بما قبل الانحدار، إلّا أنني كنتُ واثقة من أن جين سوف تتحسن من الآن فصاعدًا.”

لكن وجه جين تصلّب، صرخت داخليًا: “لتُكشف عيوبي أمام هذه المُزيفة. لقد عرفتُ عقلانيًا أن هذا أمر لا مفر منه لأن معرفتي كانت محدودة. لكن رؤية المُزيفة التي أخذت مكاني تحاول تعليمي، أنا الحقيقية، بعد أن تعلّمَت واستوعبَت ما كان ينبغي أن يكون لي في الأصل، جعل أحشائي تلتوي بشكل لا إرادي.”

منذ ساعات قليلة…

[السيدة…. سوف تفعل ذلك بنفسها؟]

[نعم، هذا ما أُمرتِ به. عليكِ الذهاب إلى هناك الآن.]

تمتمت جين في نفسها: “لقد أبلغني مساعد كبير الخدم في الملحق دون أن يُقدّم لي إجابة مناسبة ثم غادر. في الأصل، كان يجب عليّ أن أتلقى مستوى معينًا من التعليم من شخص آخر قبل تولي هذا المنصب. بالنظر إلى ما كانت تفعله هذه المُزيفة الآن، يبدو الأمر كما لو كانت تحاول عمدًا إذلالي وتذكيري باستمرار بأنني أفتقر إلى شيء ما من أجل طردي. كم هي سطحية…. لا أستطيع أن أُصدّق هذا أبدًا. لا أستطيع أن أخسر أمام امرأة مُزيفة كهذه.”

على الرغم من العاصفة التي كانت مستعرة في داخلهغ، ظلت الابتسامة الخافتة على شفتي جين. أخفت جين قبضتيها خلف تنورتها، وضغطت على أظافرها بقوة حتى كُسرت، وسألت بأدب.

“إذًا ماذا يجب أن أبدأ به؟”

لم تُجيب رانيا على الفور وحدّقت في جين بنظرةٍ فارغة.

فكرت رانيا: “إنها مختلفة بالفعل عما كانت عليه قبل الانحدار. على الرغم من أن جين حاولت إخفاء ذلك، إلّا أنني استطعتُ أن أرى بوضوح أنها كانت تشعر بالإذلال. لقد عرفتُ أنه على الرغم من مظهرها الخارجي اللطيف، إلّا أن جين كانت تتمتع بثقة عالية في نفسها وإيمان قوي… أو بالأحرى، تأكيد قوي على الذات. ماذا لو قلتُ لها صراحة أنني سأترك العائلة وأنكِ ستتولين قيادة بولشفيك؟”

سرعان ما ابتلعت رانيا تنهيدة، وتمتمت في نفسها: “سيكون الأمر مشكلة سواء صدّقت جين ذلك أم لا عندما أطرحه. إذا لم تُصدّق ذلك، فسيكون ذلك مشكلة لأنها لن تثق في الوريثة التي يجب أن تخدمها تمامًا كظل. لو كانت تُصدّق ذلك، فسيكون الأمر مشكلة لأنها ستُصدّق بسهولة مثل هذه القصة السخيفة والمفاجئة التي قد يجدها أي شخص غير معقولة. إضافة إلى ذلك، إذا كانت تُصدّق ذلك دون أي شك، فمن يدري ما إذا كانت جين ستصبح متراخية بعد ذلك أم لا؟ عند التفكير في جين قبل الانحدار، بدا الأمر غير محتمل، لكنني لم أرغب في ترك أدنى احتمال في مسألة تخص العائلة بأكملها. حسنًا، إذا أصبحت جين وريثة بولشفيك لاحقًا، فمن الطبيعي أن يتعيّن عليها أن تتعلّم كل شيء بدءً من استضافة حفلات الشاي إلى المشاركة فيها وما إلى ذلك. لكن كظل، وشخص بدأ للتو في تعلّم العمل، هناك أشياء أخرى يجب أن تعطيها الأولوية الآن.”

“الأهم الآن هو التجارة. فترة مفاوضات الإمبراطورية التجارية تعني وصول مبعوثين وتجار من دول مختلفة في القارة. قد يكون بعضهم هنا بالفعل.”

وبينما أومأت رانيا برأسها قليلاً، أومأت جين برأسها ببساطة.

“نعم.”

وعند هذا أضافت رانيا المزيد من التوضيح.

“إنه أيضًا وقت تصبح فيه القواعد المفروضة على التجار الذين يستهدفون المواطنين الإمبراطوريين أكثر مرونة إلى حدٍ ما.”

“نعم.”

على الرغم من أن رانيا لم تُشير إلى ذلك على وجه التحديد، ليس جين فقط ولكن أي شخص يعيش في العاصمة الإمبراطورية سيعرف ذلك بالفعل.

أنه في هذا الوقت من كل عام، يتوافد الغرباء على الإمبراطورية، وبناءً عليه، تُقام المزادات واسعة النطاق والمزادات الأصغر عدة مرات.

ربما أدركت جين الآن فقط أن هذا الأمر مرتبط بالتجارة. 

حاولت جين دون وعي أن تبتلع لعابها الجاف ولكنها بالكاد تمكنت من الصمود، فكرت: “أنا بالتأكيد لم أرغب في القيام بأي شيء غير لائق أمام هذه المُزيفة. ألم أدفع ثمنًا باهظًا جدًا لأتعلّم آداب ما يسمى بالنبلاء ذوي الدم الأزرق؟”

كانت زوايا فمها ترتفع ابتسامة خفيفة، ارتجفت وارتعشت قليلاً، لكن جين لم تفقد ابتسامتها. 

لقد تعلّمت جين من التجربة أنه للحصول على ما تريد، عليها أن تتحمّل حتى لو تشنج وجهها، أو حتى لو أُصيب بالشلل. قبل فترة قليلة من التقاط جين لهانز بالصدفة، ربما كان يومًا كانت أسنانها تصطك فيه من البرد الذي أصابها حتى العظم بسبب المطر المتواصل.

[هل يمكنكَ أن تتخلّى عن ذلك من فضلك؟]

[أنا بحاجة إلى ذلك أيضًا، أنا آسف.]

جين، التي فقدت الشيء الذي أرادته بشعرة، طاردت الشخص الذي أخذ ذلك الشيء وسألته، لكن تم رفضها. وبطبيعة الحال، جين لم تستسلم.

[أنا بحاجة ماسّة لهذا العنصر، لذا إذا كان هناك أي شيء آخر تريده….]

[حقًا، لقد قلتُ لا.]

في البداية، هزّ الشخص رأسه بوجه مضطرب، ولكن عندما أصبحت جين مُثابرة بشكل مفرط، تصلّب تعبيره وسار بعيدًا بسرعة. لكن لو استسلمت هناك، فلن تصبح جين.

[هل أنتِ مجنونة؟]

الشخص الذي وجه الإهانات إلى جين، التي كانت تنتظر طوال الليل أمام منزله حتى أصبح وجهها مخدرًا، سمح لها في النهاية بأخذ الشيء.

لم تستطع جين أن تنسى الخدر في وجهها والبرد الذي أصابها حتى العظم ولكن أكثر من ذلك الرضى الهائل من حمل هذا العنصر بين يديها…. ربما لن يتم نسيانه مهما مرّ الزمن. على الرغم من أن العنصر انتهى به الأمر عالقًا في زاوية المستودع بعد استخدامه لبضعة أيام، إلّا أن العنصر في حد ذاته لم يكن مهمًا لجين…

سحب صوت رانيا الناعم الهادئ جين، التي كانت تتجوّل في الماضي، إلى الحاضر.

“من الآن فصاعدًا، ما عليكِ فعله هو…”

أعطت رانيا تعليمات خطوة بخطوة حول ما يجب على جين فعله.

لا، سيكون من الأدق أن نقول أشياء ينبغي لها أن تتعلّمها، وليس أشياء ينبغي لها أن تفعلها. في الواقع، لو كانت مجرد ظل، كان يجب عليها أن تُتقن هذه المهام الأساسية قبل أن تأتي إلى جانب رانيا.

لكن رانيا هزّت رأسها، وتمتمت في نفسها: “يتمّ تعلم المهارات العملية بشكل أسرع وأكثر كفاءة أثناء العمل.”

ولهذا السبب، كانت جين الظل غير المُستعدّة تتعلّم الوظيفة مباشرة من رانيا.

بالطبع، جين لم تفكر في الأمر بهذه الطريقة على الإطلاق.

كم من الوقت مرّ ولم يكن هناك سوى صوت القلم وهو يتحرّك على الورقة؟

“لقد تمّ ذلك.”

على الرغم من أن العمل كان أسرع من المتوقع، إلّا أن رانيا لم تكن مندهشةً إلى هذا الحد.

تمتمت رانيا في نفسها: “الشخص الذي أمامي لم يكن سوى جين، أليس كذلك؟ على الرغم من أنني كنتُ أكرهها كثيرًا قبل الانحدار، إلّا أنني لم أكن غبية بما يكفي لتقليل قدراتها. ربما لم تكن عبقرية يمكن إحصاؤها على أصابع اليد الواحدة، لكنها كانت تمتلك قدرات أعلى من المتوسط، وفوق كل ذلك، حظًا أعلى من المتوسط.”

“التالي هو هذا.”

“نعم.”

في النهاية، وبينما كانت رانيا تفحص الوثائق التي أنجزتها جين رمشت عيناها بسرعة. ليس لأن الوثائق كانت مثاليةً، لقد كان العكس تمامًا.

فكرت رانيا: “لقد كان من غير المعقول أن أتوقع الكمال في المحاولة الأولى، ولكن هذه كانت جين، أليس كذلك؟”

عندما رفعت رانيا نظرها عن الوثائق الفوضوية، احنت جين رأسها على الفور.

“أنا آسفة.”

عند هذا، بدأت رانيا في الشرح مرة أخرى خطوة بخطوة دون أي توبيخ خاص.

ولكن جين لم تتمكن من مواكبة ذلك بسرعة. لم تسأل شيئًا محددًا، لكن يبدو أنها لم تفهم التفسير أيضًا.

“لنتوقف هنا اليوم. اتركي الوثائق التي أعطيتكِ إياها، ورتّبيها حسب الأولوية والموضوع.”

“نعم….”

رانيا التي كلّفتها بمهمة بسيطة للغاية قد يقوم بها حتى مساعد المساعد، أبعدت عينيها عن جين، التي كانت تعود إلى مقعدها مع كومة من الوثائق.

رانيا، التي راجعت ودفعت جانباً المستندات التي أفسدتها جين في ثوانٍ قليلة، قامت بنقر عمود القلم بأطراف أصابعها.

تمتمت رانيا في نفسها: “إنها تفعل ذلك أسوأ بكثير من المتوقع. وبهذا المعدل، كان هناك احتمال كبير أن يكون وقت مغادرتي للعائلة أبطأ بكثير من المتوقع. تذكرتُ أن جين تعلّمت بسرعة كبيرة قبل الانحدار…. بالطبع قبل الانحدار، كانت على دراية بالفعل بهذه الأساسيات، ولكن ألَا ينبغي لها أن تكون قادرة على تعلّم هذه الأساسيات بشكل أسرع؟ هل كانت ذاكرتي ضعيفة، أم أنني بالغتُ في تقدير جين كثيرًا قبل الانحدار؟ على أي حال، يبدو أنها كانت بطيئة إلى حد ما في التعلّم. حسنًا، إذا كان هناك نقص فيمكننا فقط ملء الفجوات. سيكون كافياً لإعادتها إلى مستوى جين من قبل الانحدار بحلول الوقت الذي أترك فيه العائلة وأصبح حرة.”

“سيدتي، هناك شيء تحتاجين إلى رؤيته.”

عند سماع صوت بيكي من خلف الباب نهضت رانيا من مقعدها دون تردّد.

“بمجرد الانتهاء من تنظيم المستندات، يمكنكِ العودة إلى غرفتكِ.”

ومع ذلك، لفترة طويلة… فترة طويلة جدًا بعد أن غادرت رانيا، أبقت جين رأسها مدفونًا في المكتب.

كان فك جين يرتجف من شدّة صرير أسنانها، ولكن لم يخرج أي صوت لطحن الأسنان.

كم من الوقت مرّ هكذا؟

رفعت جين رأسها ونظرت إلى الوثائق التي أفسدتها وقامت رانيا بتصحيحها بعينيها المحتقنتين بالدماء، وانفجرت الشعيرات الدموية ثم نهضت.

“أنا…. لا أستطيع الخسارة. لستُ أنا من يجب أن يختفي، بل المُزيفة.”

حرّکت جين قلمها بشكل محموم دون أن ترمش بعينها.