لم يتمكن ليون من إيجاد أي شيء ليقوله، فحاول أن يخطو خطوة حذرة نحو رانيا مع خفض حاجبيه، لكنه اضطرّ إلى التوقف عند صوتها الذي كان أبرد من الصقيع.

“قلتُ تنحى جانبًا.”

لقد كان رفضًا قاطعًا من رانيا، لم يترك مجالاً حتى لإبرة للدخول.

على الرغم من أن كلمات وحركات ليون كانت تعني بوضوح الاعتذار حتى لو نظر شخص إليه وهو واقف على رأسه، فإن المرأة التي كانت على وشك التصرّف مرة أخرى بتعبير كما لو كان خائنًا تردّدت أيضًا.

رانيا، التي لم تدّخر حتى نظرة خاطفة على ليون، الذي لم يتمكن من إخفاء حيرته، لمست شفتيها دون وعي.

فكرت رانيا: “هل كان ذلك بسبب الغمر المفاجئ بالماء؟ شعرتُ بألم خفيف في شفتيّ، كان عاديًا حتى الآن.”

تشكلت ابتسامة ساخرة على شفتي رانيا عندما لمست شفتيها حيث تشكل الدم في الداخل. نعم. حتى الآن، كان حظها عاديًا، على عكس ما كانت عليه. لا، هل يجب عليها أن تقول أن سوء حظها كان يمنحها فرصة حتى الآن؟ لقد كانت مهملة للغاية لأنها لم تواجه أي فشل كبير في أي شيء فعلته مؤخرًا.

أخذت رانيا نفسًا عميقًا، ثم نظرت عبر القاعة بأكملها مرة واحدة. لقد تمكنت من رؤية أشخاص من العائلات التي حدّدتها على أنهم يستحقون التواصل معهم في مجال رؤيتها، ولكن…..

“لا أستطيع البقاء في هذه الحالة لفترة أطول.”

خرج صوت رانيا هادئًا للغاية، وكان من الصعب تصديق أنه ينتمي إلى سيدة شابة عانت من مثل هذا الحادث غير المتوقع وغير السار للغاية.

“سيدتي، أنا…”

لیون، الذي كان متجمدًا مثل عمود الملح حتى الآن، فتح فمه مرة أخرى، ولكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء، هزت رانيا رأسها.

“إذا كنتَ ستعرض عليّ تجهيز الملابس، فاحتفظ بالأمر لنفسكَ. لا أريد ارتداء ملابس أعددتَها بنفسكَ.”

لقد كان رد رانيا باردًا جدًا، لكن لا أحد يستطيع أن يلومها. على الرغم من أنها انتهت بطريقةٍ ما إلى أن تبدو خيالية، أليست هي الضحية التي غرقت بشكل غير متوقع بسبب علاقة ليون؟

“إنها ليست مجرد ملابس….”

“سوف أرفض أكثر فأكثر.”

بينما كانت عينا رانيا الزرقاء المشرقة تُحدّق في ليون، حتى هو الذي كان على وشك فتح فمه مرة أخرى، لم يستطع أن يقول أي شيء آخر. 

ألم يكن الجميع مسرورين بأخذ يده عندما حاول مدّ يده حتى الآن؟ ولكن أليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها رفض ليون بهذه البرودة مثل جدار الشتاء؟

“لقد بالغتُ في الأمر. لكنني أرفض ذلك حقًا.”

هزّت رانيا رأسها مع تنهد خافت.

أرادت رانيا حقًا رفض اهتمام ليون، لا، ليون نفسه. لقد كان ليون ينوي حقًا تحضير الملابس أو أي شيء آخر كبادرة اعتذار بحتة. ولكن بعد اليوم، هل تُصبح هذه الهدية المُقدّمة أمام العالم كبادرة اعتذار فقط؟ حتى بين أولئك الذين رأوا كل الظروف هنا والآن، كان هناك بعض الناس يفكرون بطريقة مختلفة. ماذا عن أولئك الذين سيسمعون عنها من خلال القصص، والقصص المبالغ فيها أيضًا….. إضافة إلى ذلك، فالأمر لا يتعلق بأي شيء سوى الملابس، أليس كذلك؟ على الرغم من أن هدية الملابس أقل وضوحًا من الملابس الداخلية، إلّا أنها كانت شيئًا يمكن تفسيره بشكل أكثر تعقيدًا من الأشياء الأخرى. على سبيل المثال، أن تكون قريبًا بما يكفي لقبول ذوق الشخص الآخر في الملابس…. وبطبيعة الحال، كان هذا الافتراض مبالغًا فيه إلى حد كبير. ولكن بالنسبة لرانيا، التي تنتهي دائمًا بمواجهة أسوأ المواقف، عندما يتعلق الأمر بشيء مثل ثرثرة الناس التي لا تستطيع السيطرة عليها فإنها تحتاج إلى أن تكون حذرة، ثم تكون حذرة مرة أخرى، إلى الحد الذي قد يُطلق عليها وصف الحساسية المفرطة.

وبطبيعة الحال، كان هذا مجرد موقف رانيا، وكان ليون، منزعجًا بشكل لا يوصف. ألم يكن بسببه أن تعرضت السيدة بولشفيك لمثل هذا الحادث؟ أراد ليون أن يُصلح أخطائه بطريقة أو بأخرى، ليس فقط بالاعتذار الشخصي، بل على المستوى العائلي أيضًا. ولكن رانيا لم تسمح له حتى بالاقتراب، لذا كان الوضع صعبًا حقًا.

“أنا آسف حقًا….”

لم يتمكن ليون حتى من إكمال كلماته.

“ألم تسمع الأمر بالتراجع، السير الشاب؟”

قطع كلمات ليون صوت عميق منخفض، وكأنه يصدح من عمق بئر، وتردّد صداه في القاعة الهادئة.

ثم تمّ لفّ أكتاف رانيا الرطبة في سترة أكبر منها بكثير. رجل بشعر أسود وعيون رمادية تبدو وكأنها تمتص كل الضوء الذي يُنير القاعة الخارجية.

 “صاحب السمو الأمير الثاني.”

في نفس الوقت مع همهمات أحدهم التي بدت وكأنها تنهد، رمش أولئك الذين أكدوا ظهور إينار عدة مرات بأعين واسعة.

لقد كان ظهورًا مفاجئًا حقًا، أليس كذلك؟

حتى المضيفة بدت وكأنها لم تتوقع ذلك، حيث كانت تنظر إلى إينار بنظرة فارغة ووجهها مختلط بالمفاجأة والحيرة، تمامًا مثل أي شخص آخر.

نظرت رانيا إلى إينار ثم حوّلت نظرها إلى يده القوية والخشنة التي كانت تلف كتفها وتجذبها إليه.

فكرت رانيا: “لن أعاني من مثل هذه الحوادث مرة أخرى.”

عندما خطرت في ذهنها الفكرة فجأة، أخفت رانيا ابتسامتها التي كانت تتسرب دون وعي منها وهمست.

“إذا تمكنتُ من معرفة مكان سموكَ عندما غمرتني المياه، يمكننا أن نقيس بدقة تقريبًا المسافة التي يؤثر بها حظنا على بعضنا البعض.”

رغم أن نصف ما قالته كان على سبيل المزاح، إلّا أن إجابة إينار الثقيلة غير المتوقعة جاءت.

“لا، كان عليّ الحضور مبكرًا. قبل أن تتعرّضي للحادث.”

بدأ قميص إينار أيضًا في التبلّل عندما سحبها أقرب إليه قليلاً. فتحت رانيا فمها عند سماع هذا، ولكن في النهاية أغلقته دون أن تقول أي شيء. على الرغم من أن رانيا لم تستطع أن تشعر بأي ألم في شفتيها التي اصطدمت بشفتي إينار في وقت سابق، إلّا أنها لم تدرك هذه الحقيقة حتى.

كم من الوقت مضى؟

“نحن…. نُحيي سموكَ.”

وبينما سارع ليون إلى تقديم احتراماته، انحنى الجميع في القاعة على ركبهم وقدّموا احتراماتهم إلى إينار مثل موجة.

“نحيي سموكَ!”

في الجوقة التي هزّت هواء قاعة الليل الأزرق، أومأ إينار برأسه فقط.

بدأت رؤوس الذين رأوا سلوك الأمير الثاني تدور بسرعة، وتتصاعد منها البخار.

“لقد كان من المدهش بما فيه الكفاية أنه ظهر في مسابقة الصيد لأول مرة منذ سنوات، ولكن الظهور في حفل شاي دون سابق إنذار؟”

“الأمير الثاني الذي لم يُعلن حتى الآن عن أي اهتمام بمنصب ولي العهد محافظاً على موقف لا يترك مجالاً للشك.”

“ولكن بالنظر إلى إقامة علاقة مفاجئة مع بولشفيك وأفعاله اللاحقة…..”

بدأت عيون الأشخاص الذين ينظرون إلى إينار ورانيا تتألق.

بعد أن تلقت نظرات الجميع، سألت رانيا متأخرة بنصف دقيقة.

“ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”

كان هذا سؤالاً من باب الفضول الحقيقي. ألم يكن إينار نادرًا ما يِقيم في القصر الإمبراطوري ولا يُظهر وجهه في المناسبات الرسمية إلّا مرة واحدة كل ثلاث مرات؟ أن يكون مثل هذا الشخص في حفل شاي.

“لأنكِ قلتِ إنكِ ستحضرين. لو دعوتيني، لجهزتُ ملابسكِ هذه المرة.”

على عكس رانيا التي همست بهدوء، أجاب إينار بصوتٍ عالٍ بما يكفي ليسمعه الجميع، كل من في القاعة.

كانت زوايا فم إينار تبتسم عندما ذكر الملابس، لكن عينيه ذات اللون الرمادي والتي لم تكن تبتسم على الإطلاق كانت ثابتة على ليون. تلك النظرة والصوت، وحتى لفتة سحب رانيا أقرب قليلًا إليه… أليس هذا واضحًا جدًا؟ لا تجرؤ على الطمع.

ثم دقّ إينار المسمار الأخير في نعش ليون.

“لأجلكِ يا زوجتي، يمكنني إعداد أي شيء.”

وبطبيعة الحال، لم تكن أقوال إينار وأفعاله غريبة إلى حد كبير. لقد تم الإعلان عن خطوبتهما رسميًا بموافقة الإمبراطور.

لكن… حتى الآن لم تكن هناك حتى مرة واحدة، حقًا لم تكن هناك حتى شائعة عن اهتمام الأمير الثاني بامرأةٍ ما، ناهيك عن فضيحة، والآن أصبح هكذا؟

حتى الطاووس العابر سوف يرى أن إينار يبدو معجبًا تمامًا بالسيدة بولشفيك.

“حسنًا إذًا. هل نسمع لماذا زوجتي غارقةً في الماء البارد؟”

سأل إينار هذا السؤال، فابتسم بشدة، كاشفًا عن أسنانه.

عند هذا، اتجهت أنظار الجميع نحو ليون والمرأة التي كانت تِطالب بالاعتراف بحُبّها.

وكأن نظرة إينار كانت على وشك أن تتجه إليهما أيضًا.

“أعتذر يا صاحب السمو.”

تقدّم ليون أمام المرأة، وقام بمنعها من الحديث.

وقبل أن يتمكن ليون من فتح فمه أكثر، سحبت رانيا كم إينار.

“لا بأس. كان مجرد حادث مؤسف، لذا لا أريد أن ألوم أحدًا.”

عند هذا، أومأ إينار برأسه مطيعًا، لكن عينيه لم تفقدا رؤية ليون والمرأة اللذين كانت أنظار الناس مثبتة عليهما.

“إذا قلتِ ذلك.”

إينار، الذي قبَّل برفق جبهة رانيا الرطبة، أشار إلى ليون. في تلك النظرة، التي كانت واضحة جدًا في معناها التحذيري، لم يكن أمام ليون خيار سوى التراجع.

رانيا أيضًا لم ترفع عينيها عن إينار، لذا كانت تعلم نوع النظرة التي كان يوجهها إلى ليون.

فكرت رانيا: “ممم…. هل من الضروري الذهاب إلى هذا الحد؟ قد يظن طرف ثالث عن طريق الخطأ أن ليون قد ألحق بي ضررًا كبيرًا. كانت مثل هذه الأفكار عابرة؛ على أي حال، لم يكن سيئًا أنه قطع علاقتي بليون تمامًا، الذي قد يصبح مصدر إزعاج إذا تشابكنا بطريقة ما.”

وبمجرد أن استقر الوضع، فتحت رانيا فمها.

“يجب أن أعود اليوم.”

بعد أن احنت رانيا رأسها قليلاً تجاه مضيفة حفل الشاي، استدار إينار أيضًا، وتبع رانيا وهي تتجه نحو مدخل القاعة. غادر الاثنان دون حتى إلقاء نظرة واحدة على ليون.

ظل ليون، الذي تُرك خلفها، ينظر إلى ظهر رانيا المُغادرة لفترة طويلة حتى لم يعد شكلها مرئيًا.

في ذلك الوقت عندما كان إينار قد غادر للتو القصر الإمبراطوري وكان متجهًا إلى مكان حفل الشاي حيث كانت رانيا.

في قصر الأمير الثالث، كان هناك صوت شيء ينكسر. 

كان مساعد الأمير الثالث قد سحب رقبته إلى الداخل مثل السلحفاة ولم يكن يُحرّك سوى عينيه. لقد كان خائفًا تمامًا، قلقًا بشأن اللكمات أو الأشياء التي قد تطير.

على الرغم من أن سميث لم يعد يفعل ذلك الآن، قبل خطوبته على رانيا بولشفيك، كان يضرب الأشخاص من حوله أحيانًا. في الواقع، لم يتعرض المساعد لأي ضربة مباشرة من قبل سميث. لقد سمع عن ذلك فقط من المساعد السابق الذي كان له بشرة تشبه الجثة.