توقّفتْ خُطى ريينا المتّجهة بلا تردّد من القصر الإمبراطوريّ إلى المعبد فجأةً، وتوقّفًا حادًّا.
وبالطبع، لم يكن ذلك باختيارها،
بل بفعلِ حظّها القذر.
— دُلْك!
اهتزّتِ العربةُ بعُنف.
لكن لا ريينا ولا أيٌّ من الخدم أبدى دهشة.
“هل تعطّلَتِ العجلةُ مجدّدًا؟”
“أظنّ ذلك، لدينا عجلةٌ احتياطيّة، لذا……”
“أعتتذر، سيّدتي. لكن عليك النزول.”
لم يكمل الخادمُ كلامه حتّى دوّى صوتُ السائس.
وكأنّ الأمرَ كان متوقَّعًا، ضغطتْ ريينا القبّعةَ عريضةَ الحافّة على رأسها، ففتح الخادم بابَ العربة ونزل أوّلًا.
أمسك بيدها، وساعدها على النزول،
فنظرتْ ريينا إلى السائس¹ إيماءةً صامتة.
“وأين الاحتياطيّ؟”
“تلفَ.”
“حسنًا، توقّعتُ ذلك.
على الأقلّ الحصان بخير، وهذه نعمة.
خُذِ العربةَ وارجع.”
في كلّ الأحوال، كانت عربةً محكومًا عليها بالعطب.
ولعلّ الأمرَ الجيّد هذه المرّة أنّ الحصانَ ما زال سالمًا.
العربةُ التي تركبها ريينا لم تسلم قطّ، ولا مرّة واحدة.
لم تكن تتحطّم تحطّمًا كاملًا بحكم كونها عربةَ دوقيّة،
لكن انقطاع الأحزمة أو تطاير العجلات كان أمرًا معتادًا حدّ الإعياء.
سواء ريينا،
أو السائس،
أو الخادم المرافق،
الجميع اعتادَ هذه اللعنة.
“آنسة…….”
تردّد السائس قبل أن يتكلّم بحذرٍ بالغ.
كان قد خدم ريينا طويلًا،
ولم يخطئ في عمله قطّ،
ولهذا ما زال رأسه فوق كتفيه.
لكنّ التعامل مع ريينا كان يتطلّب حذرًا دائمًا.
لم تكن سيّدةً تسفك غضبها على الخدم بلا سبب،
لكنّها لم تكن متسامحةً أيضًا مع من يتقدّم بالكلام دون إذن.
“ما الأمر.”
“المعبد يبعد أكثر من ثلاثين دقيقة سيرًا.
سأجهّز حصانًا، إن انتظرتم قليلًا.
حتى لو كان حصان العربة، فركوبه أفضل من المشي.”
نظرتْ ريينا إلى السائس الذي غطّى العرقُ كفّيه المتجمّدتين.
هو والخادم إلى جانبه ابتلعَا ريقَهما.
لكنّ ريينا، وعلى غير المتوقّع، أومأتْ موافقة.
“لا بأس. جهّزه.”
“نعم! نعم، سيّدتي!”
تحرّك السائس بكلّ ما أوتي من سرعة،
وساعده الخادم وهو يراقب تعابير وجهها.
لم تمضِ دقائق حتّى أصبح الحصان جاهزًا.
امتطتْ ريينا السرج بخفّة،
ثم نادتْ الخادم الذي كان يقف حائرًا يضرب الأرض بقدميه.
“أنت.”
“نعم؟ نـ… نعم، سيّدتي!
أعتذر! لا أعرف ركوب الخيل! أنا آسف، آسف حقًّا!”
“سيُكسَر عنقُك إن واصلتَ.
اصعد.”
“نـ… نعم!”
تجمّد الخادم من جديد.
كانت ريينا تشيرُ إلى المقعد خلفها.
فتح فاه،
فقالتْ ببرود:
“اصعد.
أم لا تستطيع؟
سأساعدك.”
لم يجدِ السائسُ كلامًا،
فاكتفى بتنفيذ أوامرها،
وأجلس الخادم خلفها.
“تمسّكْ جيّدًا،
وإلّا سينكسر عنقك.”
لم يكن تحذيرًا مجازيًّا.
فالركوب مع ريينا كفيلٌ بذلك.
لم يكن الخادم يعرف،
لكنّه تشبّث بها كما تتشبّثُ الزيزُ بصخرة.
— هيييه!
دون أيّ إشارة انطلاق،
ركلتْ ريينا خاصرةَ الحصان.
—
“وصلنا سالمَين.”
قالتْ ريينا بهدوء.
الخادم الذي كان يدفن جبينه في ظهرها شهقَ،
وابتعد عنها بعجلة.
كادَ يسقط، فأمسكتْ ريينا بذراعه.
“أن تموتَ هنا بعد الوصول،
أيّ مسرحيّةٍ رخيصة هذه.”
“أعتذر.”
لوّحتْ بيدها، وتوجّهتْ نحو المعبد.
الخادم الذي نزل عن الحصان بصعوبة
هرع خلفها.
بينما كانت تعبر الممرّ السرّيّ المعروف للقِلّة،
تمتمتْ فجأة:
“بالمناسبة،
وصلنا القصرَ الإمبراطوريّ بسلامٍ مدهش.”
نظرتْ إلى القصر المهيب خلفها،
ثم أدارت رأسها.
لا يهمّ.
لن تعود إليه بعد الآن.
لم تشعر بشيء وهي تتذكّر وجه سميث الفارغ.
لا راحة،
ولا حزن،
ولا أسف.
فقط ضيق.
أعلنتِ الفسخ،
لكن سميث لن يتركها بسهولة.
سيتمسّك بها
إلى أن تحلّ جين محلّها.
متى جاءت جين إلى الدوقيّة؟
كانت غارقةً في التفكير حين توقّفتْ فجأة.
ظلٌّ سقطَ أمامها.
كانت على وشك الاصطدام،
فتوقّفتْ على مسافةٍ قصيرة من صدرٍ صلب.
رفعتْ رأسها.
رجلٌ يقفُ والشمسُ خلفه.
“سموّ الأمير الثاني.”
“آنسة بولشايك.”
تحيّةٌ باردة،
مجرّدة من أيّ اهتمام.
لكنّ كليهما واصلَ السير.
كانا يتّجهان إلى قلب المعبد، يحافظان على مسافةٍ بينهما.
وقبل الوصول بخطوات……
توقّفَ إينار.
— تشقق.
توقّفتْ ريينا بدورها.
هل…… انشقّ الجدار؟
وفي اللحظة التي أدارتْ فيها رأسها—
— كراااخ!
— دويّ!
انهارَ تمثالٌ حجريٌّ ضخم
مباشرةً فوق رأس إينار.
تحطّم الرخام،
وتصاعد الغبار.
لكن،
بمعجزة—
“آااه! سيّدتي!”
“يا إلهي!”
“أحضروا الناس!”
لكنّ الصراخ توقّف.
حين انقشع الغبار، كان الاثنان سالمَين.
لا خدش.
لا جرح.
فقط طرفُ فستان ريينا كان ممزّقًا.
“أزيلوه.”
أمرَ إينار ببرود.
بينما انشغل الناس برفع الحجارة،
نظرتْ ريينا إلى ذراعه التي تطوّق خصرها.
كانت الحادثة غريبة.
التمثال سقط فوقه،
لا فوقها.
وكان الأجدر به أن يدفعها بعيدًا.
لكنّه جذبها إليه.
لماذا؟
هل أراد الموت معها؟
مستحيل.
لم يكن بينهما شيء.
انحنتْ ريينا باحترام.
“شكرًا، سموّك.”
لكنّه لم يسألها عن إصابتها.
بل نظر إلى فستانها.
“ذلك……”
“نعم؟”
“هل تمزّق الآن؟”
“نعم.”
“بسبب الحادث؟”
“نعم.”
“لم يكن ممزّقًا قبلها؟”
“أبدًا.”
سادَ صمتٌ ثقيل.
كان يحدّق في التمزّق بإمعان.
وفي تلك اللحظة،
سألَ إينار:
“آنسة،
هل اليوم هو أسوأ أيّام حظّكِ على الإطلاق؟”
السائس¹: أو سائس الخيل هو الشخص الذي يعتني بها ويدربها ويقودها.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"