حين استلم إينار من مساعده الأوراق المتعلقة بمسابقة الصيد، كانت ريينا قد وصلت إلى قصر بولشيك، متجهة مباشرة إلى مكتبها.
رغم أنها قررت مغادرة القصر، إلا أنّ اختفائها فجأة قد يسبب إزعاجًا أكبر.
كان عليها أن تجهز كل شيء خطوة بخطوة، حتى تتولى جين مكانها بسلاسة.
“…البطاقات التي وصلت إليكِ قبل مسابقة الصيد، والتي تدعو لحضورك…”
ريينا لم تعر الكلام الذي ينطق به والدها عبر المساعد اهتمامًا، إلى أن توقفت فجأة.
كان من بين الخدم الذين انحنوا أمامها شخص مألوف بشكل غريب.
وقفت ريينا تتأمل الخادم، ملاحظة ملامحه العادية التي لا تثير أيّ انتباه، ومع ذلك بقيت عالقة في ذاكرتها.
مالت برأسها قليلاً إلى جانبها، ثم سألت:
“أنتِ، ما اسمكِ؟”
الخادم، الذي تجمد تحت نظرات ريينا المفاجئة، أجاب بهدوء غير متوقع:
“إيما، يا آنسة.”
“إيما؟”
“نعم.”
“لم يكن هذا اسمك من قبل.”
“ماذا؟”
رغم أنّ ريينا سألت لأول مرة عن اسمه، اكتفت إيما بحركة جفن بسيطة.
أمعنت ريينا النظر فيها للحظة، ثم أمرتها:
“تعالي معي.”
“نعم.”
كانت أوامر مفاجئة، ومع ذلك تبعت إيما ريينا بهدوء.
طوال الطريق إلى المكتب، كانت ريينا تفكر في اسم إيما.
بالطبع لم يكن هذا اسمها الحقيقي، كان أكثر…
“آنسة.”
“سيباستيان؟”
“الأمير طلب أن تخصصي وقتًا قصيرًا.”
“حسنًا… إذن، اذهبي إلى المكتب أولًا، ورتّبي الأوراق التي يجب التعامل معها اليوم. وبالنسبة للبطاقات، امسحيها جميعًا.”
انحنى كل من إيما والمساعد أمام هذا الأمر الحازم، وتوجهت ريينا مباشرة إلى مكتب الدوق.
بعد قليل، واجهت ريينا والدها، دوق بولشيك، ذو العينين الزرقاوين العميقتين، مثل عينيها، لا يمكن معرفة عمقهما.
“لقد ناديتني.”
“ريينا.”
شعرت بوخز خفيف في قلبها، لكنها تجاهلت ذلك.
أبي… رغبتي في أن أكون ابنته الوحيدة الفخورة، كان ذلك كله في الماضي.
سأغادر هذه العائلة، وأحيانًا أتذكرك، هذا كل شيء.
ظلّ الأب وابنته ينظران إلى بعضهما طويلاً، دون أن يلتفت أحدهما عن الآخر.
“ما سبب فسخ الخطبة؟”
أجابت ريينا بخفة، رغم جدية السؤال:
“لأني لم أعد أحبه.”
من البداية، كانت ريينا هي من أصرّت على الضغط لإنهاء الخطبة.
تذكرت كيف سألها والدها عند خطبتها:
‘لماذا تريدين الخطبة؟’
‘أنا أريد الأمير الثالث!’
ولم يسأل أكثر، ووافق على خطبتها مع الأمير الثالث.
على الرغم من أن الأمر كان منذ زمن بعيد، إلا أنّ الذاكرة لدى ريينا كانت حية وواضحة، ما جعلها تشعر بالغثيان من الماضي الذي تحاول الفرار منه.
“حسنًا.”
أغمضت ريينا عينيها عند رد والدها المنخفض.
حتى هذه المرة، لم يسأل دوق بولشيك شيئًا.
حتى ولو كان الأمر متعلقًا بالأسرة الإمبراطورية، لم يكن بإمكانها قلب الأمر بكلمة واحدة.
الأمير الثالث لا يهمها كثيرًا، لكن الإمبراطور لن يتجاهل ذلك.
حين كانت الخطبة، لم يعترض أحد لأن اتحاد بولشيك مع العائلة الإمبراطورية تم بسلاسة، أما الفسخ، فهو العكس تمامًا.
وبالرغم من ذلك، لم يقل والدها أي كلمة، مكتفيًا بالنظر إليها بهدوء.
أدركت ريينا أن والدها يحبها حقًا، وأنه يقدّرها، وهو السبب في شعورها بالحزن العميق.
“كما قلت، سأغادر دار الدوق.”
كل من ريينا ووالدها كان يعرف أن هذا ليس مجرد خروج عابر.
لم تضف أي تفاصيل عن سبب المغادرة أو ما ستفعله بعد ذلك.
ظل دوق بولشيك صامتًا، فقط يحدق فيها بعينين هادئتين.
ابتسمت ريينا لنفسها، وسألت: ماذا كنت أتوقع؟ غضب الأب؟ منعي؟ أم قبول هادئ؟
“ريينا…”
لكنها سبقت والدها بالكلام:
“لا حاجة لي بك.”
ضحكت، لأنه لا خيار آخر سوى الضحك، فالبكاء مستحيل.
“إن لم يكن هناك شيء آخر، سأرحل.”
بعد رحيلها، ظل دوق بولشيك ينظر إلى المكان الذي كانت فيه ريينا طويلاً.
—
بعد لقائها مع والدها، واجهت ريينا إيما بوجه متعب.
كانت إيما واقفة بهدوء، رأسها منخفض ويداها مشبوكتان.
“أنتِ إيما، أليس كذلك؟”
“نعم.”
جلست ريينا في الكرسي، تراقب إيما عن كثب.
رغم أنها مجرد خادمة عادية، إلا أن وجهها كان مألوفًا للغاية.
أومأت ريينا برأسها ضاحكة، مستدركة أنّها بالتأكيد قابلتها قبل العودة إلى الماضي، بالطبع بطريقة سيئة.
“هل لديك إخوة؟”
“لا.”
كانت إيما، التي لم تُشاهد شبيهتها، قد بقيت في ذاكرة ريينا كخادم مألوف.
لم يكن من المفيد التفكير طويلاً، فقد تعلمت ريينا باهتمام غالٍ أن التردد لا يجدي نفعًا.
“إيما.”
حين نطقت باسمها، انحنت إيما قليلاً، مشعورة ببعض الانزعاج، لكنها استجابت:
“نعم.”
“سأراك كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
—
خرجت إيما من مكتب ريينا مذهولة، لكنها أخفت دهشتها ومشت بسرعة.
احتاجت بعض الوقت لتستوعب ما حدث.
“إيما!”
“يا للهول، إيما!”
سرعان ما أحاط بها زملاؤها، بينما أشارت ريينا إليها لتكون مقربة جدًا منها.
أومأ أحد الخدم الذي كان يحمل فنجان الشاي، مؤكدًا قرار ريينا.
أصبح إيما فجأة الخادمة المقربة لريينا، وكان زملاؤها يتحدثون بدهشة وفضول وغيرة.
“يا إلهي! ما الأمر؟”
“حقًا! ما الذي حدث فجأة؟”
“سأخدم الآنسة عن قرب!”
“ماذا يجري؟”
أجابت إيما بصعوبة:
“لا أعلم. لقد طلبت مني ذلك فقط. هناك مهمة، سأذهب أولًا.”
دخلت إيما الغرفة بسرعة وأغلقت الباب.
تنفست أخيرًا، وجلست مستندة إلى الباب، محاولة ترتيب أفكارها.
أمسكت حقيبتها الصغيرة، همست لنفسها بصوت منخفض:
“آسفة، إيما.”
ثم أعادت الحقيبة إلى مكانها، متسائلة بخيبة:
“هل عليّ الفرار مرة أخرى…؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"