Chapters
Comments
- 5 - حنين ؟ منذ يومين
- 4 - خيبة منذ يومين
- 3 - تآكل منذ يومين
- 2 - ملامح لا تُدان منذ يومين
- 1 - بيت بلا صدى منذ يومين
عرض المزيد
أحلام لا تطلب الإذن
بعد خمسة أشهر، لم يعد الغياب حدثًا طارئًا.
صار حالة.
وبعد ستة، لم يعد يستطيع الهروب منه.
لم يكن يراها في اليقظة.
لم يكن يسمع صوتها وهو مستيقظ.
لكن النوم…
كان أكثر رحمة، وأكثر قسوة.
في البداية، كانت الأحلام بسيطة.
لقطات قصيرة، بلا سياق:
يدها وهي ترتّب الأوراق،
صوتها وهي تنادي اسمه دون استعجال،
نظرتها حين كانت تصغي له وكأنه يقول شيئًا مهمًا، حتى وهو صامت.
ثم بدأت الأحلام تطول.
تتشكل.
تصبح واضحة أكثر مما يجب.
صار يرى الأيام التي عاشاها كما هي، دون تجميل.
نفس الضوء.
نفس الكلمات.
نفس المسافات الصغيرة التي لم ينتبه لها حين كانت حقيقية.
كان يستيقظ قبل الفجر.
لا فزع.
لا صراخ.
فقط ذلك الإحساس الثقيل…
كأن شيئًا انتُزع منه ببطء أثناء النوم.
الهالات السوداء تحت عينيه لم تعد خفيفة.
لم تعد قابلة للتجاهل.
لاحظها الجميع.
في الاجتماعات،
في الممرات،
حتى في المصعد.
— هل ينام أصلًا؟
— يبدو وكأنه لم ينم منذ أسابيع.
— غريب… لم يكن هكذا.
لم يعلّق أحد أمامه.
لكن نظراتهم تغيّرت.
لم تعد نظرات خوف.
ولا إعجاب.
كانت أقرب إلى القلق.
هو… لم يهتم.
صار الليل أطول من اللازم.
والسرير أوسع مما يحتمل.
وفي إحدى الليالي، جاء الحلم المختلف.
لم يكن ذكرى عشوائية.
لم يكن مشهدًا ناقصًا.
كان ذلك اليوم.
اليوم الذي ذهبت فيه.
رآها تقف عند الباب.
نفس المعطف.
نفس الصمت المتوتر.
نفس الطريقة التي كانت تتجنّب بها النظر إليه حين تكون قد حسمت قرارها.
قال لها في الحلم ما لم يقله حينها.
لكن صوته لم يخرج.
مدّ يده.
لم تصل.
رأى ظهرها وهي تبتعد.
ثم استيقظ.
هذه المرة، لم يستطع المقاومة.
جلس على حافة السرير،
وضع رأسه بين يديه،
وبقي هكذا طويلًا.
لم يكن القرار لحظيًا.
كان نتيجة تراكم.
هو يستطيع إيجادها بسهولة.
كان يستطيع دائمًا.
ملف واحد.
مكالمة واحدة.
اسم في المكان الصحيح.
لكن طوال الشهور الماضية…
لم يفعل.
ليس لأنه لا يريد.
بل لأنه كان يخاف.
في ذلك الصباح، تحرّك.
بهدوءه المعتاد.
ارتدى بدلته.
خرج.
المدينة كانت كما هي.
لم تتغيّر من أجله.
ولا من أجلها.
وصل إلى المكان.
وقف بعيدًا.
لم يقترب فورًا.
رآها.
لم تكن وحدها.
كانت تضحك.
لا…
كانت تبتسم.
ابتسامة مختلفة.
مضيئة.
صافية.
النوع الذي لم يره منها يومًا.
رجل يقف أمامها.
لا يهم من هو.
لا يهم كيف ينظر إليها.
المهم…
أنها سعيدة.
شيء في صدره انكمش.
ليس غيرة.
ليس غضبًا.
فهم.
لم تكن تبتسم هكذا لأنها معه.
كانت تبتسم لأنها بخير.
وهو…
لم يكن سبب ذلك.
راقب المشهد للحظات أطول مما ينبغي.
ثم أنزل نظره.
كان يستطيع الاقتراب.
كان يستطيع أن ينطق اسمها.
كان يستطيع أن يفسد اللحظة.
لكنه لم يفعل.
لأول مرة، فهم معنى أن تحب دون امتلاك.
أن تتراجع لا لأنك ضعيف…
بل لأنك ناضج بما يكفي لتدرك أنك لست الخيار الصحيح.
قال في داخله، دون صوت:
إن لم أستطع أن أكون سبب سعادتك… فلن أسمح لنفسي أن أكون سبب تعاستك.
استدار.
مشى بعيدًا.
لم ينظر خلفه.
في الطريق، لم يشعر بالفراغ.
شعر بالثقل.
خيبته لم تكن حادة.
كانت بطيئة، ممتدة، كأنها تعرف طريقها جيدًا.
عاد إلى مكتبه.
جلس.
فتح ملفًا.
أغلقه.
الهالات تحت عينيه بدت أعمق في المرآة.
لكن وجهه…
كان أكثر هدوءًا.
في تلك الليلة، لم يأتِ الحلم.
ولأول مرة منذ أشهر،
نام دون أن يبحث عنها في الظلام.
لكن الغياب…
لم يرحل.
هو فقط…
تعلّم كيف يحمله دون أن يسقط.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"