Chapters
Comments
- 5 - حنين ؟ منذ يومين
- 4 - خيبة منذ يومين
- 3 - تآكل منذ يومين
- 2 - ملامح لا تُدان منذ يومين
- 1 - بيت بلا صدى منذ 3 أيام
عرض المزيد
تغيّر لا يُذكر
مرّ شهران.
لم يُحصِهما، لم يعلّق عليهما، لم يضع علامة في التقويم.
الأيام مرّت كما تمرّ دائمًا: متشابهة، متلاصقة، بلا حواف واضحة.
لكن شيئًا واحدًا لم يعد كما كان.
هو.
في البداية، لم ينتبه أحد.
لم يكن من النوع الذي يُلاحظ تغيّره بسهولة. وجهه لم يعرف الابتسامة، وصوته لم يعرف التقلّب، وخطواته كانت دائمًا متزنة، كأن الأرض خُلقت على إيقاعه.
لكن التغيّرات الحقيقية لا تكون صاخبة.
تكون صغيرة… إلى حد الإزعاج.
في الأسبوع الخامس، لاحظت السكرتيرة أنه تأخر خمس دقائق عن اجتماع.
خمس دقائق فقط.
لكنها لم تكن معتادة.
في الأسبوع السادس، طلب قهوته مرتين.
في الأسبوع السابع، نسي ملفًا على مكتبه.
وفي الأسبوع الثامن، رفع نظره عن الأوراق فجأة، دون سبب واضح، وبقي يحدّق في الفراغ.
لم يسأل أحد.
لكن الجميع لاحظ.
— هل تظنون أنه متعب؟
— ربما ضغط العمل.
— أو… ربما شيء آخر.
لم يُنطق الاسم.
لم تُذكر هي.
الغياب، حين يكون واضحًا، لا يحتاج إلى تسمية.
في المرآة، لم يرَ رجلًا مكسورًا.
رأى فقط عينين أرهقهما السهر، وخطًا خفيفًا قرب الفم لم يكن هناك من قبل.
ملامحه لم تنهر، لكنها لم تعد حادّة كما كانت.
كأن الزمن مرّ من هنا…
وتوقف لثانية أطول مما يجب.
كان يعمل أكثر.
يصل أبكر.
يغادر متأخرًا.
العمل، حين يزيد، يصبح وسيلة لا هدفًا.
في أحد الأيام، أوقفته السكرتيرة عند الباب:
— سيدي، هل تفضّل تأجيل اجتماع الغد؟ تبدو… مرهقًا.
توقف.
لم يكن السؤال وقحًا.
لم يكن فضوليًا.
كان إنسانيًا.
وهذا ما أزعجه.
— لا، قال بهدوء. سنعقده في موعده.
أومأت، لكنها لم تُخفِ نظرتها.
نظرة قصيرة، سريعة، لكنها قالت الكثير.
هي لم ترَ رجلًا ضعيفًا.
رأت رجلًا يُقاوم شيئًا لا يُرى.
في الاجتماعات، صار صمته أطول.
لم يعد يقاطع فورًا.
لم يعد يحسم بسرعة.
لم يكن تردّدًا…
كان انشغالًا داخليًا.
وفي الممرات، حين يمرّ، لم يعد يخفض الناس رؤوسهم كما كانوا.
بعضهم نظر أطول من اللازم.
بعضهم تباطأ في التحية.
الوحش الذي لا يشعر…
أظهر صدعًا.
في المساء، عاد إلى المنزل.
البيت لم يتغيّر.
هو تغيّر داخله.
لم يعد يجلس حيث اعتاد.
صار يغيّر مكانه كل مرة.
كأنه يبحث عن زاوية لا تذكّره بشيء.
فتح خزانة قديمة.
وجد كتابًا لم يقرأه.
كانت قد وضعته هناك، يومًا ما، وقالت:
— قد يعجبك.
لم يعجبه.
لكنها كانت محقّة.
جلس على الأرض، أسند ظهره إلى الجدار، فتح الصفحة الأولى.
قرأ سطرين.
أغلقه.
ليس الآن.
ليس بعد.
في الليل، لم ينم فورًا.
لم يعد النوم يأتي كما كان.
الأفكار لا تهاجمه، بل تزحف.
ببطء، بإصرار.
كان يسمع صوتها أحيانًا.
ليس كهلوسة.
كذكرى حيّة.
صوتها حين كانت تقول اسمه دون استعجال.
حين كانت تترك مسافة كافية بين الكلمات… كأنها تعرف أنه يحتاج وقتًا أطول ليفهم.
فهم الآن.
لكن الفهم المتأخر لا يغيّر شيئًا.
في أحد الأيام، خلال اجتماع مهم، توقّف فجأة.
كلمة علقت في حلقه.
لم تكن كلمة، بل إحساس.
حدّق في الوجوه أمامه.
كلهم ينتظرون.
كلهم يثقون.
قال الجملة.
اكتملت.
لكن صوته لم يكن كما كان.
بعد الاجتماع، خرج أحد المدراء وقال لزميله بصوت منخفض:
— هل لاحظت؟
— ماذا؟
— عينيه… لم تعودا فارغتين.
لم يعرف إن كان ذلك مدحًا أم تحذيرًا.
في نهاية الشهر الثاني، جاءه تقرير نفسي غير رسمي.
أحد المستشارين كتب فيه:
“الأداء ممتاز، لكن هناك مؤشرات إرهاق عاطفي غير مُعلن.”
ابتسم بسخرية.
العاطفة…
الكلمة التي لاحقته دون أن يعترف بها يومًا.
لم يكن يبكي.
لم ينهَر.
لم يفتعل شيئًا.
لكنه كان أقل صلابة.
والناس، حين يرون الرجل القوي يلين قليلًا، لا يعرفون كيف يتعاملون معه.
بعضهم يقترب.
بعضهم يبتعد.
هو لم يفعل شيئًا.
في مساء اليوم الأخير من الشهر الثاني، وقف أمام النافذة.
المدينة تلمع.
كما كانت دائمًا.
فكّر فيها.
ليس بشوقٍ واضح.
بل بذلك الإحساس الغريب…
إحساس أن شيئًا ناقصًا، لكنه لا يعرف ما هو.
قالوا عنه إنه بلا مشاعر.
لكن لو كانوا على حق…
لماذا كان الغياب يترك أثرًا على وجهه؟
لم يعرف الإجابة.
لكن وجهه…
بدأ يقول أشياء لم يتعلّم هو نطقها بعد.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 3"