3
تشنّجت رويليكا بشكل واضح عند كلمات إردين.
شحَب وجهها وارتجفت شفاهها.
تمتمت إردين لتينيك:
“لو كانت الإمبراطورة تملك أدنى نية لمساندتك…”
ارتعشت وجنتا تينيك.
كان لديه عادة ارتعاش وجهه هكذا منذ صغره حين يغضب.
حسنًا، لا يمكن لومه، فهي عادة غريبة بعض الشيء…
ومع أنه كان غاضبًا للغاية، حافظ تينيك على مسافة بعيدة من إردين ولم يخطُ خطوة واحدة نحوها.
لقد كان جهدًا مذهلًا أن يحافظ على هذه المسافة قدر الإمكان.
انفجرت إردين فجأة في ضحك، متخيلةً كيف كان سيكون الأمر لو كان الإمبراطور موجودًا.
ربما كان ليصرخ على تينيك حتى يسقط وجهه، ثم يرمي التاج الإمبراطوري على رأسه.
قال تينيك، وهو يعض داخل خده المرتعش، مبتسمًا بابتسامة مصطنعة تحاول إظهار الهدوء:
“عدتِ منتصرة من حرب طويلة، فكيف ترحلين دون أن تتلقّي مكافأة؟”
ردّت إردين بسخرية:
“أعتقد أن أفضل مكافأة هي أن تتركني أخرج من هنا الآن؟”
ابتسم تينيك بثقة مغرورة.
عرفت إردين فورًا أنه يخطط لشيء، شيء مؤكد أنه غير سار.
لقد كان بارعًا في خداع إردين منذ صغره، وكان تعبير وجهه تمامًا كما كان يفعل حينها.
تلك الابتسامة التي جمعت بين عقدة نقص وانتصار وضيّع.
قال: “هيا، أحضرِه!”
فكّرت إردين: ماذا يريد مني أن أحضر؟ هل يقصد أن أحضر له مشنقة ليُقطع رأسه؟
بالطبع لا
لكن بمجرد أن رأت إردين الصناديق المزخرفة التي كان الخدم يحملونها، شعرت فورًا أنها كانت تفضّل لو جُلبت المشنقة بدلًا منها
لم تكن تعرف محتوى الصناديق، لكن كان واضحًا أنها أشياء لا تناسبها على الإطلاق
لا يمكن لحدّادٍ أسطوري أن يصنع شيئًا بهذا الشكل، المزخرف بالشرائط والدانتيل
ابتسم تينيك برضا كبير وهو ينظر إلى وجه إردين، المزيج من الحيرة والريبه
“لتهنئتك وتشجيعك على النصر، أعدّ أخوك الوحيد هدية فريدة من نوعها.”
أمر خدمه بصوت متعجرف:
“ماذا تنتظرون؟ افتحوها.”
ركع الخدم على ركبة واحدة، وضعوا الصندوق فوقهم، ورفعوا الغطاء جميعًا في الوقت نفسه.
مع إزالة الدانتيل والشرائط وكشف المحتويات واحدة تلو الأخرى، شعرت إردين وكأنها تحلم.
بالطبع، لم يكن حلمًا جيدًا.
“ما هذا كله…”
أطلقت إردين تنهيدة واحدة أخيرًا، بعد أن عجزت عن الكلام من الصدمة.
كانت الصناديق التي يحملها الخدم فوق رؤوسهم مليئة بالأشياء البيضاء المتلألئة.
من الحجاب المصنوع من الدانتيل الذي استغرق صنعه عامًا كاملًا، إلى الفساتين المطرزة بخيوط الذهب والفضة الدقيقة، والماس، واللؤلؤ الأفضل، وإكسسوارات أخرى، وملابس رسمية، وأحذية.
من بين كل هذه الروائع، أكثر ما أذهل إردين كان رسالة.
الخط الزخرفي الذي لا فائدة عملية منه، والحدود المزخرفة التي لابد أنها رسمت باليد، كانت كافية لتدل على أن المرسل شخص ذو نفوذ كبير.
لكن هذا لم يكن كل شيء…
توجّه كل انتباه إردين إلى الأختام المزخرفة على الشمع.
كان شعار مملكة فيتور، الأكثر ازدهارًا في تحالف الداخل، النقطة المحورية القوية للتحالف، وربما الدولة التي ستخوض يومًا أقوى المعارك مع إمبراطورية هيرشستن.
رفعت إردين رأسها وحدّقت في تينيك:
“ماذا تفعل؟”
ضاقت عينا تينيك مثل الأفعى.
“لماذا تنظرين هكذا؟ هذا شيء يجب أن تُسعدي به. هيرشستن قررت إقامة علاقات ودية مع الدول الداخلية المختلفة. كما تعلمين، هذه الدولة كبيرة فقط من حيث المساحة، ومن الصعب زراعة حتى حبة رز واحدة.”
في هذه اللحظة، ألم يكن من المقبول قتلُه؟
حدّقت إردين في تينيك، ممسكةً بإحكام باليد التي كانت على وشك الوصول إلى قبضة سيفها
“مما سمعت قوله سابقًا، يبدو أنك أكثر المواطنين حبًا لهيرشستن. إذن ما رأيك أن تُظهر ولاءك بأفعالك؟ سيكون مفيدًا لك أيضًا
قالت إردين
“تحدث بوضوح، تينيك. عن ماذا تتحدث؟
كلماتها الآن لم تختلف كثيرًا عن تلك التي كانت تقولها وهي صغير
لم تختلف عما كانت تفعله حين كان يسرق أو يخرب أشياءها ويتظاهر بعدم معرفته.
لكن هناك فرق هذه المرة.
الآن، لم تستطع الاندفاع نحو تينيك كما كانت تفعل وهي صغيرة، لتجبره على دفع ثمن أفعاله الجبانة
سواء استحق ذلك أم لا، فقد استولى بالفعل على مجد اسم الإمبراطور، وكانت إردين نفسها لم تُحضّر خطة للدفاع عنه
لو لمست إردين تينيك حتى بإصبع واحد، لكان قد اتهمها بالخيانة وألحق بها الضرر بأي شك
وبالنظر إلى طبيعته الحقيرة والقاسية، كان يمكنه حتى أن يجد أعذارًا لتشويه سمعة قادة الفرسان والضباط تحت قيادتها. لم يكن بإمكانها تحمّل رؤية ذلك
قال تينيك:
“ملك فيتور عرض أن يأخذك كملكة له. ووعد بتشكيل تحالف معنا وتوفير مؤن غذائية وفيرة من الداخل حتى لا يجوع شعب الإمبراطورية. انتهت حقبة الحرب، إردين!”
كانت هذه كلماته الأخيرة، تخترق جسد إردين وتغرس فيه شوكة.
ربما كان يريد أن يقول: “انتهت حقبتك.”
شعرت إردين برؤيتها تومض بالأبيض ثم تهتز وتتمايل.
على الرغم من أنها خاضت العديد من الحروب ومرت حدود الموت مرات لا تحصى، كانت هذه المرة الأولى في حياتها التي شعرت فيها بدوار شديد.
بعد أن غادر جميع قادة الفرسان والضباط الغاضبون والساخطون كما لو أن أولادهم يُباعون، أرسلت إردين كل الخدم الذين يخدمونها وجلسَت وحدها في غرفتها.
أصبح تينيك الإمبراطور، لكن الغرفة في قلعة هيرشستن الذهبية، التي كانت أكثر الأماكن إشراقًا ودفئًا طوال اليوم، كانت لا تزال ملكها
عندما فتحت الستائر صباحًا، كانت ترى المشهد الشمالي الواسع بلمحة واحدة، وسلاسل الجبال التي تذكّر بالتنانين الأسطورية تحميه كجدار حص
كانت غرفة تناسب وريث العرش القادم، لكنها أصبحت بلا قيمة الآن
‘إذا رفضت، فسيتم تدمير كل شيء على أي حال
حدّقت إردين في السماء المحترقة بغروب الشمس وفكر
نعم، كان بإمكانها الرفض
على الرغم من أن معظم الناس وقعوا في خداع تينيك مثل الحمقى، فإن أكثر الضباط فاعلية وفائدة كانوا لا يزالون مخلصين لها
كانت إردين واثقة أنها لن تُهزم حتى لو هاجمها آلاف الجنود دفعة واحد
ومع ذلك.
[كما تعلمين، هذه الدولة كبيرة فقط من حيث المساحة، ومن الصعب زراعة حتى حبة رز واحدة]
كان صوت تينيك المتكبر يدور حول رأس إردين كقرد صاخب
لم يكن غبيًا، لكنه ضعيف جسديًا ولم يتدرب على فنون القتال. كان يدرك بدقة أن الطبيعة المحاربة للشعب ناتجة عن خوفهم من الجوع
‘لكن، لماذا لا نأخذها ببساطة؟ هكذا عشناه حتى الآن
قبضت إردين على قبضتها وعضّت على شفتيها
لم تكن تعرف متى بدأ تينيك في التواصل مع الحلفاء الداخليين
ومع ذلك، لابد أنه استخدم ذكاءه للحصول على الغذاء الكافي منهم، ووزعه على شعبه متظاهرًا بسخائه كملك كريم
استرجعت إردين شعور الانزعاج الذي انتابها عند دخول العاصمة.
كانت الأصوات المليئة بالحيوية والفرح قد توقفت فجأة، كأن سيفًا قطعها بين الجنود.
لم يكونوا الأبطال المجيدين الذين عادوا بأخبار النصر. كانوا مجرد أشرار يثيرون الناس الذين استقرّوا لتوّهم في حياة سلمية ومشبعة، والذين قد يرسلونهم إلى ساحة معركة حيث حياتهم على المحك في أي لحظه
‘لن يقاتل أحد تحت راية الإمبراطورية بعد الآن
خرج تنهيدة من شفتيها. من سيعود بعد أن ذاق الماضي؟
فهمت إردين
كان واجب العائلة المالكة والفرسان مثلها أن يضحوا بحياتهم من أجل روح وفخر الإمبراطورية، واسم هيرشستن
يجب ألا يخون الناس وطنهم. لا يمكن إجبارهم على حب كل واحد منهم
ولكن، على الرغم من معرفتها بذلك، شعرت بوخز في صدرها كما لو أن غبارًا كثيفًا قد استقرّ
لن يشحذ أحد سيوفه من أجل هيرشستن بعد الآن. لن يكون هناك فرسان يقاتلون على ظهور الخيل، ورماح في المقدمه
سوف تصدأ دروع الفرسان من الإهمال، وستُترك الأعلام التي كانت ترفرف في سماء المعركة في المخ
ازن لتتعفن حتى يتم اكتشافها مغطاة بروث الفئران
‘اللعنة..
أغلقت إردين عينيها ببطء
كان غروب الشمس الأحمر يتسلل من خلال جفنيها الرقيقين، يحوّل رؤيتها إلى دموي، ثم أصبح قريبًا حالك السواد.
حين كانت أميرة، كانت غالبًا تجلس هنا وتستمتع بمشاهدة الغروب بهدوء
لكن اليوم كان آخر يوم لذلك
التعليقات لهذا الفصل " 3"