هل تعلَّم اللياقة من قصص الفانتازيا؟ ما هذه الوقاحة في الضحك أمام شخصٍ آخر؟
شعرتُ بروح الفتاة الكونفوشيوسية بداخلي تنزعج من قلة أدب أرمين غراي. لكن فيفيان روها يجب ألا تتصرف هكذا. انتظرتُ بصمت حتى توقف ضحكه.
الفتاة الكونفوشيوسية : هي فتاة تقدّر القيم التقليدية مثل الطاعة، والاحترام، والاحتشام، والولاء للأسرة. تكون هادئة، مهذبة، ومحافظة، وفقًا لمفاهيم الأخلاق الكونفوشيوسية.
بعد قليل، مسح أرمين دموع الضحك من عينيه. هل كان الأمر مضحكًا لهذه الدرجة؟ لكن الجو الخطير عن الهرطقة والشياطين تبدَّد، فتنفستُ الصعداء.
“بالفعل، لون فراء البوفوري بني. هناك شبهٌ ما.”
“نعم… منذ صغري، شعرتُ أنني أشبه البوفوري…”
شعرتُ بوجهي يحمرُّ وأنا أتحدث. لو متُّ الآن، سيكون سبب موتي الخجل. من يمكنه أن يدَّعي أنه لطيف دون إحراج؟ أنا بالتأكيد لستُ كذلك.
ساد صمتٌ قصير. شعرتُ وكأن أرمين يفحصني ليتأكد إن كنتُ أشبه البوفوري حقًا.
بينما كنتُ أحدق في الحائط لتجنب عينيه، سمعتُ صوته. لم يكن منخفضًا ومهددًا كما مع جيريكو، بل مرحًا، كأنه وجد شيئًا مسليًا.
“حسنًا، سأصدقكِ.”
“تصدق ماذا؟”
“أن ‘الفتاة المنعزلة’ قيلت لأنكِ ترين نفسكِ لطيفة.”
“كح! نعم، بالضبط! هذا صحيح.”
“لكن هذا لا يعني أنني أصدق أنكِ لستِ عابدة شيطان.”
“ماذا؟”
بعد كل هذا العرض، لا يزال يشك؟
نظرتُ إليه بحنق. لو كان شاشا، لتنازل خطوة، لكن أرمين كان مختلفًا. قال ببرود:
“يبدو أنكِ تعتزين بهذا الكتاب.”
“نعم، إنه كتاب اشتريته حديثًا.”
“آنسة روها.”
نظرتُ إليه. ابتسامته المائلة بدت مزيجًا من المكر والمتعة.
“الآنسات العاديات لا يخفين كتابًا جديدًا في فساتينهن إلى الحفل.”
ثم أضاف:
“يقال إن عبدة الشيطان يحملون كتابًا سحريًا لاستدعاء الشيطان.”
نقر بأصابعه الطويلة على غلاف الكتاب الأسود، مبتسمًا.
“وعنوان كتابكِ ‘الدوق الشيطاني’.”
ابتسامته جعلتني أتساءل إن كان يمزح أم يهدد. لم أعرف كيف أرد، فبقيتُ صامتة.
نظر إليَّ، وقال الدوق الشيطاني… أقصد، أرمين، بصوتٍ مليء بالمرح:
“لذا، سآخذ هذا الكتاب لفحصه.”
“لا، لا يمكن!”
ردي التلقائي جعله ينظر إليَّ بشك. ماذا لو نظر إليَّ هكذا؟ إنه كتابي!
“إنه إصدار محدود، حصلتُ عليه بصعوبة.”
“إذن.”
كأنه يسأل: هل تريدين زيارة محققي الهرطقة؟ تراجع شجاعتي كأصابع منقوعة في الماء.
“لا، لم أقصد…”
“إن لم أجد شيئًا، سأعيده.”
نبرته لا تقبل النقاش. أومأتُ على مضض.
سيعيده، أليس كذلك؟ ربما أعجبه الكتاب؟ هززتُ رأسي. لا، وريث عائلة غراي لن يفعل شيئًا تافهًا كهذا.
“الآن، اذهبي إلى أخيكِ. قد يقلق إن غبتِ طويلاً.”
يحتجزني ثم يتظاهر بالقلق؟
لكنني أومأتُ بهدوء، محافظةً على رباطة جأشي، وأغلقتُ الباب وركضتُ إلى القاعة.
“ها… ها!”
وصلتُ إلى القاعة لاهثةً بعد ركضي في الرواق المظلم. اقترب شاشا فور رؤيتي.
“فيفي! أين كنتِ؟”
أردتُ إخباره بإحباطي، لكنني ترددتُ وأغلقتُ فمي. تسببتُ بكارثة بعد تحذيره بيومٍ واحد، وهذا يستحق محاضرة لثلاثة أيام.
لكنه لاحظ تعبيري.
“لمَ وجهكِ شاحب؟ هل حدث شيء؟ وأين شالكِ؟”
أدركتُ أنني تركتُ الشال في تلك الغرفة. لكنني تلعثمتُ.
“أين سقط؟ كنتُ أتجول في الحديقة.”
عبس شاشا.
“فتاة تخاف البرد تتجول في الحديقة؟”
“شعرتُ بالضيق. سمعتُ صوتًا مفاجئًا فركضتُ مذعورة، ربما سقط حينها.”
“أين؟ سأحضره.”
“لا، لا بأس!”
منعته بشدة. لا شال في الحديقة، ومواجهة شاشا لأرمين ليست فكرة جيدة.
بينما كنتُ أتحدث معه، شعرتُ بضجة خلفي.
علمتُ دون رؤية: أرمين غراي هنا. قبل أن يشك شاشا في التوقيت، دفعتُ ظهره.
“أخي! فجأة شعرتُ بالحر. سأخرج لأتنفس.”
“ماذا؟ كنتِ تشكين من البرد، والآن الحر؟ كنتِ في الحديقة!”
“ركضتُ فشعرتُ بالحر. سأذهب إلى الشرفة.”
أسوأ ما يخشاه المنبوذ هو جذب الانتباه. لم أتوقع أن يتعرف أرمين عليَّ وسط الحشد، لكن أي احتمال كان خطيرًا اليوم.
إن تحدث عن الروايات أو الهرطقة أمام الجميع، سأصاب بالدوار.
توجهتُ إلى الشرفة بحذر. الهواء البارد أثار قشعريرة كتفيَّ العاريتين، لكنني لم أهتم.
“ما الذي يفكر فيه؟”
كلامه عن محققي الهرطقة كما لو كان مركز شرطة أذهلني.
لم أواجه شخصية كهذه من قبل. كفتاة منعزلة مرتاحة، كان أرمين غراي “حارًا” جدًا بالنسبة لي.
هل هذا معقول؟ رواية رومانسية عادية، أحضرتها إلى الحفل، غنيتُ قليلاً، تمتمتُ. هل يمكن اتهامي بعبادة الشيطان؟
بدت الفكرة سخيفة، لكنني لم أكن متأكدة، فشعرتُ بالإحباط. نفوذ عائلة غراي قد يجعل المستحيل ممكنًا.
كان تحذير شاشا دقيقًا. كان يجب أن أستمع إليه.
“لمَ كان مختبئًا هناك؟”
ركلتُ السور بغضب. شعرتُ بأطراف حذائي تتلف، لكنني لم أهتم، فقلبي كان يغلي.
“كيف أحل هذا؟”
دار رأسي، لكن لم أجد حلاً.
“قال إنه سيعيده إن لم يجد شيئًا.”
لن نلتقي مجددًا، فكيف سيعيده؟ قررتُ التخلي عن الكتاب.
“كان أفضل كتاب قرأته هذا العام.”
شعرتُ بالدموع، لكن فقدان كتاب أفضل من مواجهة ذلك الوغد مجددًا.
“على الأقل، أنهيته قبل أن يأخذه.”
لو أخذه أثناء قراءتي، لكنتُ أصبتُ بالاكتئاب. قررتُ اعتبار الأمر كما لو أن لصًا سرق نقودي.
تعللتُ بشأن “الفتاة المنعزلة”، لكن أرمين يعلم أنها كذبة.
‘ماذا لو أبلغ محققي الهرطقة؟’
ارتجفتُ. أنا بارعة في النفاق، لكنني سيئة في الكذب. محققو الهرطقة لن يصدقوا أعذاري.
سأعترف بحياتي السابقة فور استجوابي، وهذا يكفي لإدانتي كعابدة شيطان.
هل أبالغ؟ تذكرتُ وجه أرمين وهو يضحك بمرح. هل سيبلغ عني بسبب كتاب؟
كان أرمين غريبًا اليوم. لم أعرف طباعه، فلم أستطع توقع تصرفاته. جاء إلى الحفل لهدف واضح، لكنني فقدتُ أي دافع.
هل كا هذا بسبب الزواج؟ لو لم آتِ إلى هنا لما حدث ذلك! كان يجب أن أدَّعي المرض وأبقى في المنزل، حتى لو خسرتُ مصروفي.
تنهدتُ نادمة.
“أتشو!”
فركتُ كتفيَّ وأنا أرتجف. البرد اخترقني بفستاني المكشوف. من وغد جيريكو إلى لص وسيم، كان هذا أسوأ يوم في حياة فيفيان روها.
— ترجمة إسراء
التعليقات