غادرتُ المنزل مُباشرةً بعد ذلك، لذا لم يكنْ هناك وقتٌ لأُودّعَ أندريه.
كان وجهُ ميشيل مُشرقًا جدًا عندما استقبلتني بعد عودتي من الخُروج، على عكس الصّباح.
“ميشيل، هل هناك أيُّ شيءٍ جيّدٍ حدثَ؟”
كانتْ خدودها اللّوزيّة تبدو جميلةً ومُحبّبةً، على غير العادة.
من المُحرج أنْ أقولَ ذلك بنفسي، لكنَّ العمل كخادمةٍ خاصّةٍ لي لم يكنْ شرطًا سيّئًا. لم يكنْ هناك حاجةٌ كبيرةٌ لتصفيف الشّعر أو الاستعداد للخروج، لأنّني كُنتُ أُضيّعُ وقتي في المنزل كلَّ يومٍ.
لكِنْ في الآونة الأخيرة، كانتْ ميشيل تنشغلُ جدًا في كيّ ملابسي، وتصفيف شعري، والعناية ببشرتي بسبب خروجي المُتكرّر مع آرمين.
سألتُها لأنّني شعرتُ بالسّعادة عندما رأيتُ ميشيل سعيدةً أيضًا. لماذا، ألا يقولون إنَّ السّعادة تتضاعفُ عندما تُشارِكُها؟
“لا يا آنستي. ما هو الشّيءُ الذي يُمكن أنْ يجعلني سعيدةً؟”
“إذًا، لماذا تبتسمينَ باستمرارٍ على غير العادة؟ هذه التّعابيرُ لا تظهرُ إلّا عندما تكونُ ميشيل سعيدةً حقًا.”
قُلتُ إنّه لا يجب عليها الاستهانةُ بقدرتي على المُلاحظة التي دامتْ لأكثر من عشر سنواتٍ، لكنَّ ميشيل لم تتأثّر.
“أنا دائمًا بهذه التّعابير. ألستِ مخطئة يا آنسة؟”
“لا. ألم تكوني مُنزعجةً جدًا حتّى صباح اليوم؟”
“مُستحيل. كُنتُ هكذا في الصّباح أيضًا. اجلسي هنا يا آنسة. يجب أنْ أُرتّبَ شَعركِ.”
شعرتُ أنّها كانتْ تُنكرُ الأمرَ بشدّةٍ، ممّا جعلَ الأمر غريبًا، لكِنْ لم أسألْ ميشيل أيَّ أسئلةٍ أخرى عندما أصبحتْ جادّةً.
بدأتْ ميشيل في إزالة دبابيس الشّعر التي كُنتُ أضعُها في شعري واحدًا تلوَ الآخر.
“أليس هذا مُزعجًا؟”
“مُزعجٌ؟ أنا سعيدةٌ جدًا لأنّكِ بدأتِ في المُواعدة يا آنسة.”
شعرتُ بفخر ميشيل، وكأنّها تُؤدّي عملها كخادمةٍ بشكلٍ صحيحٍ الآن، وهي تُخبرُني أنّ هناك إطلالةً أخرى مُعدّةً لي ليوم غدٍ.
“آه، ميشيل. بخصوص أندريه… آي!”
كُنتُ على وشك التّحدُّث إلى ميشيل عن أندريه، لكنْ في اللّحظة التي سمعتْ فيها كلمة “أندريه”، انزلقتْ يدُ ميشيل، ولمسَ طرفُ الدّبوس فروة رأسي.
“آه! أنا آسفةٌ يا آنستي. انزلقتْ يدي.”
“لا بأس، لا تقلقي. هل يدكِ لم تتأذَّ يا ميشيل؟”
“لا. لكنْ ماذا كُنتِ تقولين للتوّ؟”
“أقصدُ أندريه. هل سيبقى هنا لبعض الوقت؟”
“هذا… لا أدري. كيف لي أنْ أعرفَ ذلك؟”
سألتُها بتعجُّبٍ، لأنّها ضحكتْ بشكلٍ مُحرجٍ.
“لماذا لا تعرفين؟ كُنتِ دائمًا تتأكّدين من جدوله.”
كان أندريه، الذي بدأ في إدارة القافلة التّجاريّة مُنذ أنْ كان مراهقًا، يسافرُ كثيرًا إلى مناطق أخرى. وبما أنّ أندريه هو الشّخص الوحيد الذي يمكنني تسميته صديقًا، كُنتُ دائمًا أقضي الوقت معه عندما يعود، لذا كان من غير المنطقيّ ألّا تعرفَ خادمتي الخاصّة، ميشيل، جدولَه.
“ماذا؟”
“قلتُ هذا لأنّكِ كُنتِ تعرفين دائمًا. لا تهتمّي.”
“آه… هاها. هل كُنتُ كذلك؟”
“نعم. حَسناً، قد لا تعرفين. ليس من الضروريّ أنْ تعرفَ ميشيل جدولَ أندريه على أيّة حال… آي!”
“آه، آنستي! أنا آسفةٌ، لقد فعلتُ ذلك مرّةً أخرى…”
بدتْ مُرتبكةً جدًا. كانتْ ميشيل غريبةً بعضَ الشّيء اليوم.
كانتْ مشغولةً باستمرارٍ في الآونة الأخيرة، لذا لا بُدَّ أنّها مُتعبةٌ. فبما أنّ أرمين يزورُني كلَّ يومٍ، بعد أنْ لم يكنْ لديّ أيُّ زوّار، يجب عليها الاهتمام بالضّيوف، واليوم زارنا أندريه بعد غيابٍ طويلٍ، فلا بُدَّ أنّها مُتعبةٌ جدًا.
كان عليّ أنْ أُخبرَ ميشيل المُعتذرة مرارًا وتكرارًا أنّني بخير. كان اعتذارُها مُبالغًا فيه كثيرًا لِما حدثَ نتيجة وخز دبوسٍ في رأسي.
وهكذا، تلاشى موضوعُ أندريه من رأسي تقريبًا.
واصلتُ الثّرثرة مع ميشيل التي كانتْ تُزيلُ دبابيس الشّعر، وأخبرتُها أين ذهبتُ وماذا فعلتُ مع أرمين اليوم.
“آه. على ذِكرِ ذلك.”
“نعم؟”
كُنتُ أُخبرُها عن خبز البريوش الذي تناولته مع أرمين اليوم، وعن خططنا للتّوقُّف عند مقهى لتناول الحلوى معًا في المرّة القادمة التي نذهبُ فيها إلى المكتبة.
“هذا… لِخَلْقِ الرِّبح من خلال التّجارة، أليس كذلك؟”
بما أنّ أندريه ذاهبٌ إلى إيلوكا، فهذا يعني أنّ مُناقشاته مع شاشا قد انتهتْ إلى قرارٍ تجاريٍّ.
لكِنْ بما أنّها كانتْ سرًّا يجب ألّا يُقالَ لأحدٍ حتّى يتمّ الانتهاءُ من جميع التّرتيبات، فقد تظاهرتُ بأنّني لا أعرفُ، وغيّرتُ الموضوع.
“ميشيل.”
“نعم، يا آنسة.”
“لكِنْ، الذّهاب إلى إيلوكا ليس أمرًا يجب على ميشيل أنْ تفهمَهُ، أليس كذلك؟”
“حَسناً… هذا صَحيحٌ.”
لم تكنْ تعابير ميشيل جيّدةً وهي تقولُ ذلك، لذا أرسلتُها لأخذ قسطٍ من الرّاحة.
ربّما أجهدتُها كثيرًا في الآونة الأخيرة. وجهها لم يكُنْ على ما يُرام. يجب أنْ أشتريَ لها شيئًا لذيذًا في طريق العودة غدًا.
***
طلبَ أرمين أنْ نلتقيَ في المدينة بدلاً من أنْ يأتيَ لاصطحابي من المنزل كما يفعلُ عادةً. حتّى أنا، بليدةُ الفطنة، اعتقدتُ أنّ هناك شيئًا مُهمًّا سيحدُثُ.
هل كُنتُ مُتحمّسةً جدًا؟ وصلتُ مُبكّرًا ساعةً كاملةً عن الموعد المُحدّد.
قرّرتْ ميشيل تجميلي اليوم. جعلتْ ثيابي الدّاخليّة مُنتفخةً وكأنّها احتوتْ على اثنتين من ثِمار اليقطين داخل التّنّورة الحمراء ذات الأشرطة، ممّا جعلَ ملابسي تبدو مُمتلئةً. ارتديتُ جواربَ بيضاءَ على ساقيّ النّحيفتين، وحذاءَ ماري جين مُدبّبًا من الأمام.
— مفهوم اليوم هو الجاذبيّة. يمكنني القولُ إنّني ضاعفتُ سِحْرَكِ إلى أقصى حدٍّ.
لم أستطع الشّكوى لميشيل التي غمزتْ لي، قائلةً إنّ هذا سيُؤثّرُ على الدّوق الشاب أيضًا. بدا الأمرُ لطيفًا بشكلٍ معقولٍ في نظري أيضًا.
كانتْ لديّ مظلّةٌ، لكِنْ لم أستخدمها، بل حملتُها على ذراعي وتجوّلتُ في أنحاء المدينة. لم يكنْ لديّ ما أفعله حتّى وصول أرمين.
“يا آنسة! لماذا تأتينَ فجأةً وتتحدّثينَ مع عجوزنا؟ اذهبي في طريقكِ!”
“جدّتي، هل تعرفين هذا الرّجل؟”
“آه! توقّفي عن الكلام واذهبي في طريقكِ!”
اقتربَ الرّجلُ منّي فجأةً بلكنةٍ خَشِنةٍ. كان أكبرَ حجمًا منّي بكثيرٍ، لكنْ لم يكنْ بمقدوره إيذائي بسهولةٍ، لأنّني كنتُ نبيلةً.
“تراجعْ خُطوةً إلى الوراء حتّى لا تندمَ مدى الحياة على مُجرّد لمس الشّخص الخطأ.”
قلّدتُ أرمين. لم أستطع تقليد نبرته، لكنّ نظرتي الباردة تجاه الرّجل لا بُدَّ أنّها كانتْ مُقنعةً.
كان الأمرُ فعّالًا، فتراجعَ الرّجلُ خُطوةً إلى الوراء. ابتسمتُ للجدّة بلطفٍ وسألتُها مرّةً أخرى.
“جدّتي، ما الأمر؟ هل يمكنني مُساعدتكِ في شيء؟”
“حسنًا… سمعتُ أنّ هناك مُشكلةً في خزينتي، وأنا في طريقي إلى البنك الآن.”
بالرّغم من أنّها كانتْ مُتوتّرةً جدًا، شرحتْ الجدّة بهدوءٍ الوضع الذي كانتْ فيه. أطلقَ الرّجلُ أنينًا خافتًا. هذا وحده كان نهاية القِصّة.
‘إنّه مُحتال.’
فكّرتُ هكذا وطمأنتُ الجدّة.
“حقًا؟ وكيف عرفتِ ذلك؟”
“قالَ لي مُديرُ البنك إنّه أرسلَ هذا الرّجل في مُهمّةٍ…”
“مُهمّة؟”
“أعطاني رسالةً.”
سلّمتْني الجدّة رسالةً. كانتْ على ورقٍ فاخرٍ يستخدمُه النُّبلاء فقط. وكان المُحتوى المكتوبُ فيها يبدو وكأنّه من مُدير البنك، كما قالتْ الجدّة.
جاءَ فيها أنّ هناك مُشكلةً في خزنتها، وأنّها ربّما تورّطتْ في عمليّة احتيال، وأنّهم سيُعيدونَ إليها مُحتويات الخزانة بعد التّحقُّق من أنّها أصولٌ سليمةٌ.
“جدّتي، هل أحضرَ لكِ هذا الرّجل هذه الرّسالة؟”
أومأتْ الجدّة برأسها، فأطلقتُ ضِحكةً ساخرةً.
كان هذا، على الرّغم من اختلاف العصر، احتيالًا عبر الهاتف بامتياز. حدّقتُ في الرّجل بعيونٍ حادّةٍ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 60"