طوَالَ الطَّريق عائدين بالعربة، ظلّ أرمين يحدّق في النافذة. كان الجوّ مشحونًا لدرجة جعلت من الصعب توجيه أي كلمة، لذا اكتفيتُ أنا أيضًا بالتحديق في النافذة المقابلة.
في النّهاية، أصبتُ بتشنّج في رقبتي وكتفي. ساد الصّمت في العربة المهتزّة، لكِنْ لسبب ما، كان صوتُ ضَحكٍ مكتوم يتسرّب إليّ مرارًا.
“توقّف عن الضّحك.”
“أنا؟ متى ضحكتُ؟”
لم أستطع التّحمّل، فطَلبتُ منه التّوقّف عن الضّحك، فنظرَ إليّ بوجهٍ وقحٍ وساذجٍ، وكأنّه لم يفعل شيئًا.
“ضحكتَ الآن أيضًا، وكُنتَ تضحكُ باستمرارٍ قبل قليل.”
حدّقتْ بي عيناه النّاعمتان والبرّاقتان كحجر الجمشت. جعلني هذا النّظر المُكثّف أتوقّف عن الاعتراض، وأعيدُ نظري إلى النّافذة.
“على أيّة حال، توقّف عن الضّحك.”
هوووف. أشعر وكأنّي لن أعيش طويلاً بهذا الشّكل.
“يبدو أنَّ أمرًا سعيدًا حدثَ لي لدرجة أنّني ضحكتُ دون أنْ أدري. أليس كذلك؟”
أطالَ أرمين الكلام ببطء، وفي نهاية كلامه اختلطت نبرةُ ضحكٍ كالنُّقطة الختاميّة.
“آه، حَسناً! كُفّ عن هذا لبعض الوقت…!”
بالرغم من أنني شعرت بالضّيق عندما خرجتُ مع أرمين، إلّا أنّ أقوال الحُكماء بأنّ المرء لا يعلم ما يخبئه له المستقبل قد صَدَقتْ تمامًا.
مَن كان يظنُّ أنّني سأتلقّى اعترافًا وأنا أبكي بدموعي في الشّارع؟
بمجرّد وصولنا إلى المنزل، لم ألقِ التّحيّة على أرمين، بل ركضتُ نحو المَدخل كهاربةٍ. كان ذلك بسرعة أدهشتْ كبير الخَدَم الذي خرج لاستقبالي من شدّة اندفاعي غير المتوقع.
بعد أنْ ركضتُ إلى غُرفتي دون توقُّف، بدأتُ أتململُ تحت اللّحاف.
‘جنون. جنون. لا يمكن وصف هذا إلّا بالجنون.’
ليتني لم أخبر النّاس من حولي. لم يمرّ شهرٌ حتّى على إخباري الدّوقة بأنّني لا أفكّر في التّقارب مع أرمين.
ليس هذا فحسب، بل لم يمضِ أربعٌ وعشرون ساعة على تظاهري بأنّني فتاةٌ بريئةٌ ورقيقةٌ أمام ميشيل وشاشا.
ضربتُ الوسادة المسكينة بلكماتي. أجل، من غير المرجّح أنْ يتغيّر نوع حياتي التي تُشبه المسلسلات الكوميديّة فجأة. أيّ ميلودراما؟ وأيّ حُبّ أوّلٍ مُوجعٍ ومُؤثّر؟!
يبدو أنّ الخجل له تأثير في إضعاف جميع رغبات الإنسان إلى النّصف تقريبًا. بسبب هذا الشّعور الذي كان أقوى من أيّ شيء اختبرته في حياتي، تخطّيتُ وجبة العشاء ولم أخرج خطوةً واحدةً من غُرفتي.
توجّهت ميشيل بالكلام إلى شاشا الذي لم يغادرْ، بل كان يشاهدني آكل الحساء.
“يا سيّدي الشّاب، هل يمكنني أنْ أسألكَ سؤالًا؟”
“ما هو؟”
“بماذا يجب أنْ أدعو الدّوق الشاب مُستقبلًا؟”
سألت ميشيل ساشا وهي تميلُ برأسها.
“بما أنّ الآنشة أصبحتْ الآن على علاقة عاطفية معه، ألا يجب أنْ نُناديه باسم مُختلف؟”
“آه! ملاحظة جيّدة يا ميشيل.”
كانوا يجعلونني أشعرُ بعدم الرّاحة لدرجة أنّ المرء يتساءل عمّا إذا كانوا يُريدونني أنْ آكل أو أنْ أختنق.
كنتُ أشربُ الحساء بصعوبة، عالِمةً أنّهم سيتحمّسون للمُزيد من السّخرية إذا انخرطتُ في الحديث.
“بفضل أختي الصّغيرة، سأُنادين ‘زوج أختي’ بدلًا من الدّوق الشاب.”
اختنقتُ أخيرًا بحديث أخي عن “زوج أختي”.
“إذنْ، هل يجب أنْ أُناديه بـ’الزّوج’؟”
“ميشيل ذكيةٌ حقًا. لكن علينا أنْ ننتظرَ لبعض الوقت، أليس كذلك؟”
“كم سننتظر؟ لقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتّى يتأكّد الاثنان من مشاعرهما.”
“لا أعلم؟ ربّما سيُخبِرنا إذا سألنا الشّخص المعنيّ.”
“لا أدري؟ آنستنا هي التي اقترحتْ تقديم سيّدة أخرى للدّوق الشاب هذا الصّباح.”
توالتْ السّخريّة دون نهاية. أخيرًا، وضعتُ الملعقة على الطّاولة بصوتٍ عالٍ و قررت طردهما.
“يا جماعة. أليس لديكم شيء تفعلونه؟ أخرجا بسرعة!”
“سنخرج عندما تُنهي الآنسة الطّعام. يا إلهي، هل أكلتِ كلّ شيء بالفعل؟”
“أكلتُ كلّ شيء، لذا أخرجا بسرعة، رَجاءً. توقّفا عن السّخرية منّي!”
هما ماهران في السّخرية منّي. لديهما دائمًا الخبرة في عدم تجاوز الخَطِّ الفاصل قبل أنْ أشعر بالغضب الحقيقيّ.
غادرَ شاشا وميشيل الغُرفة دون مُجادلة. كانا يعلمان أنّه إذا بقيا أكثر، فسأصرخُ حتمًا.
***
في تلك اللّيلة. لم يأتِني النّوم بالرغم من أنّني كنتُ في الفِراش منذ فترة طويلة.
بل كان عقلي صافيًا وكأنّني شربتُ عشرة أكواب من القهوة. بقدر ما كان اعتراف أرمين غير واقعي، بدأتُ أدركُ شيئًا فشيئًا حقيقة أنّنا، اللّذين كنّا أصدقاء قبل أيّام قليلة، أصبحنا الآن في علاقة خاصّة.
“هاه.”
بالتّأكيد أصبحتُ الشّخص الثّعلب الماكر بالنّسبة للآنسة روز ومُرافقيها. لن يكون لدفاعي عن نفسي بأنّني لم أقصد ذلك أيّ معنى بالنّسبة لهم.
“جيّد، لا بأس. على الأقلّ لن يزعجوني لبعض الوقت.”
شعرتُ بالأسف للآنسة روز وكأنّني أوقعتُها في فَخٍّ دون قصد، لكنّني لا أشعرُ بالنّدم على ما حدثَ بالفعل. لا حيلة لي. لأنّني أدركتُ أنّ هذا أمرٌ لا يمكنُ التّنازل عنه.
سواء أصبحتُ الشّريرة السّائدة أو الثّعلب الماكر، فإنّ الأهمّ هو أنّ أرمين وأنا نُكنّ المشاعر نفسها لبعضنا البعض، ولا يهمّ ما يراه الآخرون.
“على أيّة حال، كم كنتُ أهتمّ بالآخرين من الأساس؟”
لقد كنتُ أعيشُ حياةً هامشيّةً، حيث لم يكن لديّ أيّ صديقات من قبل، بالرغم من أنّني كنتُ مخطئةً للحظة لأنّ عالمي اتّسع عندما التقيتُ بأرمين. بمجرّد أنْ غيّرتُ طريقة تفكيري ببساطة، شعرتُ بالارتياح.
‘فليشتموا إنْ أرادوا’.
كما قالت ميشيل، يجب على الشّخصيّات المشهورة أنْ تدفعَ ثمن شُهرتها. شعرتُ أنّ هذا أشبه بالضّريبة التي يجب أنْ أدفعها مقابل الحصول على أرمين.
مشاعر لم يكن لي بها عهدٌ بدأتْ تتسلّلُ من مكانٍ ما في قلبي. كنتُ مندهشةً من هذه المشاعر التي أُكنّها لأرمين.
كنتُ أظنُّ أنّه لم يكن لديّ اهتمامٌ كبيرٌ بالرّجال، لا في هذه الحياة ولا في حياتي السّابقة. لكنْ يبدو أنّ الأمر كان مُجمَّدًا مؤقّتًا حتّى ألتقيَ بالشّخص المُناسب.
لشعوري بالسّعادة الطّفوليّة ودغدغة القلب، قُمتُ بلفِّ جسدي على شكل كُرة، وبدأتُ أحُرّكُ أصابعَ قدميّ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"