المكان الذي وصلتُ إليه على متن العربة كان أمام قصر عائلةٍ أُخرى، لم يسبق لي أن زرتُه في حياتي.
حفل شاي عائلة الماركيز <روز> ذاك المكان الذي يَتَرَدَّدُ الحديث عن تجمُّعِ أشهر فتيات المجتمع الراقي فيه.
سمعتُ ذات مرةٍ أنَّ كلَّ مَن يعلِّقُ قلبه بالمجتمع يَتوقُ للمشاركة في حفل الشاي هذا، ويُبْدِي حرصًا شديدًا على ذلك. والآن، أنا مَن أقفُ في ذلك المكان.
“آه.”
ما إن نزلتُ من العربة حتى تنهَّدتُ بلا سببٍ.
قصر عائلة الماركيز كان فسيحًا ويتباهى بجماله، لا يقلُّ عن قصر الدوق. ولكن لم يكن ذلك هو ما أثار قلقي.
منذ أن زار أرمين منزلنا، لم ألتقِ به. كانت مشكلتنا تفوقُ بكثيرٍ مستوى الجدلِ الذي دار حول الشاي والكريمة. لم يكن شجارًا، لذا لا يمكننا التصالح. بسبب تلك المشكلة، لم أستطع النوم جيدًا، فكنتُ غارقةً في التعب.
علاوةً على ذلك، لطالما وجدتُ صعوبةً بالغةً في التعامل مع النساء القويات الشخصية. والمكان الذي سأزوره الآن يضمُّ تجمُّعًا خاصًّا لهؤلاء النساء، فكيف لي ألَّا أتوتر؟
غرفة استقبال الماركيز كانت مزيَّنةً وَفْقًا لذوق الآنسة روز.
بدا أنَّ الحديث عن مدى حُبّ الماركيز روز لابنته كان صحيحًا، حيث امتلأت الغرفة بأفخم أنواع الأثاث.
“يا إلهي، آنسة روها. لقد أتيتِ.”
قامت الآنسة روز مُرَحِّبَةً بابتسامةٍ عريضةٍ حين رأتني.
في الواقع، لم يسبق لي أن واجهتُها بهذه القرب، رغم أنها الشخصيةُ المحوريةُ في المجتمع. ومع ذلك، بمجرَّدِ نظرةٍ، استطعتُ أن أعرفَ أنها الآنسة روز.
شعرها الوردي، وخدَّاها المُوَرَّدَانِ بِلونِ الوردِ النابضِ بالحياة. جمالها الأخَّاذُ وتصرُّفها الفطريُّ الذي يوحي بأنَّ مكانها الطبيعي هو مركزُ أيِّ تجمُّعٍ. كلُّ من يراها يمكنه أن يخمنَ أنها ابنةُ عائلة روز.
الآنسة روز كانت أجمل بكثيرٍ مما سمعتُ عنها في الشائعات. زهرةُ المجتمع، إمبراطورةُ الزهور. اسمُ عائلتها <روز> لا يمكن أن يكون أكثر ملاءمةً لها.
عيناها بدتا وكأنهما تحملان ندى الصباح. الأحاديثُ المليئةُ بالإطراء بأنها تجسيدٌ للورد الحي لم تكن مجرَّدَ أكاذيبَ.
نساءٌ كثيراتٌ كُنَّ يُحِطْنَ بالآنسة روز. جميعهنَّ كُنَّ دائمًا محورَ الاهتمام في الحفلات الاجتماعية.
“شُكرًا لكِ على الدعوة.”
حيَّيتُها برفعِ طرفِ تنورتي قليلًا. لاحظتُ على الفور أنَّ العشراتِ من العيون التي تحدِّقُ بي لم تكن ودودةً على الإطلاق. أنا لم أفعل شيئًا سوى التحيَّة، ولكنني بدأتُ بالفعل أندمُ على مجيئي إلى هنا.
“يا لَه من شَرَفٍ عظيمٍ حقًّا.”
قالت إحدى الشابات وهي تُغَطِّي فمها بالمروحة ساخرةً مني.
“يُقالُ إنَّ الآنسة روها تَرى نفسها أعلى من الجميع، وإنها غالبًا ما تتجاهلُ دعواتِنا حتى.”
“هذا سوءُ فهمٍ. أنا لا أخرجُ كثيرًا بسبب اعتلالٍ في صحتي وحسب.”
“همف. لكنني سمعتُ أنكِ تترددين على قصر الدوق يومًا بعد يومٍ.”
ما شأنُكِ أينما ذهبتُ؟
… رغم أن هذه الكلمات كادت أن تخنقني عند حلقي، إلا أنني حبستُها، وحاولتُ أن أبتسمَ مجتهدةً. لقد كان تَلَطُّفًا لا يستحقُّ الردَّ.
وكأنها تحاولُ التوسطَ لإنهاء هذا الموقف، أشارت لي الآنسة روز بالجلوس.
“توقفْنَ. علينا أن نلتمسَ العذرَ للآنسة روها، فهي مشغولةٌ على عكسنا.”
كانت نبرتُها غامضةً؛ هل كانت تُهينني أم تدافعُ عني؟ خاطبتني الآنسة روز بودٍّ بينما كنتُ أبتسمُ بتكلف.
“تفضَّلي، تذوَّقي بعض الشاي هنا.”
“آه… نعم. شكرًا لكِ.”
أظهرت الآنسة روز مهاراتٍ في المحادثة تليقُ بشخصيةٍ محوريةٍ في المجتمع. بدأت بالحديث عن الطقس، ثم ناقشت آخرَ صيحات الكشكشة والدانتيل، ثم أثنت على ملابسي ومكياجي.
لكنَّ المحادثةَ التي تدورُ حولَ حوافِ الموضوعِ لم يكن مقدَّرًا لها أن تستمرَّ. بما أنَّ سببَ مجيئي في الأصل كان لترتيب الشائعات التي تدورُ حولي، فقد انتظرتُ بصبرٍ حتى تسألَ عما يثيرُ فضولها حقًّا.
نساءُ المجتمع فضولياتٌ للغاية. أشخاصٌ يقضون وقتهم في إشباع هذا الفضول وحسب. أناسٌ لا يفوِّتون شائعةً أو حدثًا، مثلُ النملِ الذي يتهافتُ على الحلوى، لذا لا بدَّ أنهم تساءلوا عني، أنا التي أصبحتُ محورَ كلِّ الأحداث مؤخرًا.
لحسن الحظ، لم تكن المقدمة للوصول إلى الموضوع الرئيسي طويلةً. بعد الحديث عن مدى ملاءمة فستاني بلون زهرة الحوذان لي اليوم، وعن تناغم الشريط المربوط في شعري مع لون عيني، أخذت الآنسة روز نفَسًا عميقًا.
صوتُ نقرِ أظافر الآنسة رون التي كانت تشابكُ أصابعها بعصبيةٍ، رنَّ في أذني.
“يا آنسة، تحدَّثي. علينا أن نتأكَّدَ من حقيقةِ الأمرِ.”
أمسكت إحداهنَّ كتفَ الآنسة روز، وشجَّعتها. وكأنها استمدَّت القوة من دعم صديقتها، حدّقت عيناها الصفراوانِ اللامعتانِ فيَّ. هذه إشارةٌ لبدءِ الأمرِ الحقيقي.
أخذتُ أنا أيضًا نفسًا عميقًا، وفكرتُ في بعض الأسئلة الاحتياطية حول كيفيةِ حمايةِ حياتي الهادئة.
إذا سألوني كيف أصبحتُ قريبةً من أرمين، سأجيبُ بأنَّ الصداقةَ تطوَّرت بشكلٍ طبيعيٍّ من خلال تقاربِ شاشا و أرمين.
إذا سألوا كيف أصبحتُ مقربةً من الدوق والدوقة، سأقولُ بأعينٍ واسعةٍ متظاهرةً بالجهل إنَّهما على ما يبدو أحبَّاني جدًّا لأنه ليس لديهما ابنة.
إذا سألوا عن ظروف حصولي على الميدالية، سأقولُ إني لا أعرفُ شيئًا، وإنني قمتُ بما طلبه مني شاشا من مهام.
لقد أعددتُ نماذجَ إجاباتٍ خاصةً بي لكلِّ سؤالٍ.
ومع ذلك، كان سؤالُ الآنسة روز بعيدًا جدًّا عما توقعتُه. سؤالٌ يَرْتَبِطُ مباشرةً بالوضع الذي يُرهقني مؤخرًا. وكأنَّ شخصًا ما اطَّلع على وضعي تمامًا.
“آنسة روها، أعلمُ أنَّ هذا السؤالَ وقاحةٌ في أولِ لقاءٍ، ولكن.”
“لا بأس يا آنشة روز اسألي ما تشائين.”
“هل تُحبُّ الآنسةُ روها السيد الشاب أرمين؟”
‘ماذا؟ ماذا… أفعل؟’
بسبب سؤال الآنسة روز، اضطررتُ أن أفتحَ فمي بشكلٍ أحمقَ وأُعيدَ ترتيبَ معنى كلامها في ذهني. الحروفُ وصلتني، لكنَّ التفسيرَ كان مستحيلًا. ماذا سألتني هذه المرأة للتو؟
“يا إلهي! انظروا! لا تستطيعُ الإجابة. ألا ترين يا آنسة روها؟ ألا تبالغين في وقاحتك؟”
“ماذا؟ ما… الذي فعلتُه؟”
أطلقت إحدى الشاباتِ التي كانت تحدِّقُ بي بازدراءٍ صرخةً تُوحي بالصدمة، وسارعت تُلقي عليَّ الكلام.
“لنكونَ صريحين، لا نعتقدُ أنَّ هناكَ مَن تليقُ بمرافقةِ السيد الشاب غراي أكثر من الآنسة روز.”
“صحيح. لكننا سمعنا مؤخرًا أنه يقضي الكثير من الوقت معكِ.”
“لذلك نسألُكِ. هل لديكِ أيُّ مشاعرَ تجاهه؟”
بدأت الشاباتُ في النحيبِ كالفراخِ الصغيرةِ، دون أن أفهمَ لماذا كُنَّ متحمساتٍ لهذه الدرجة لأمرٍ لا يخصهنَّ.
كان أسلوبهنَّ في الكلامِ يصرخُ وُضوحًا لدرجةِ أنَّ رأسي أصبحَ أكثرَ ضبابيةً. أما نظرةُ الآنسة روز لي فازدادت رطوبتُها وعمقها.
“هل من الممكن، كما تقولُ الأخريات، أن الآنسة روها… لديها إعجابٌ تجاه السيد أرمين؟ لماذا لا تُجيبين على سؤالي؟”
“آه… حسنًا، لأنه سؤالٌ لم أتوقَّعْه.”
حاولتُ تغييرَ الموضوعِ بسبب شعوري بالحَرَج.
هل أحبُّ أرمين؟ كان يجب أن أقول: لا، لكنني وجدتُ صعوبةً في التعبيرِ بوضوحٍ.
كان من المفترض أن تكونَ الإجابةُ ببساطة “لا”. على الرغم من أنني كنتُ أعرفُ ما هو الجوابُ الذي يُرِدْنَه، إلا أنَّ اضطرابًا متزايدًا كان يتملَّكُني في داخلي.
“عُذرًا.”
نظرةُ الآنسة روز إليَّ أصبحت قاسيةً بشكلٍ أو بآخر. كان من الصعبِ تصديقُ أنَّ هذه هي نفسُ الشخصِ الذي كان ينظرُ إليَّ بعينين دامعتين قبل قليلٍ.
“أجيبي على سؤالي بسرعةٍ يا آنسة روها.”
دفعتني الآنسة روز، التي تغيَّرَ لونُ وجهها تمامًا، إلى الزاوية مرةً أُخرى. عيونُ جميعِ مَن في المكانِ اتَّجهتْ نحوي في آنٍ واحدٍ.
“هل أنتِ مُعْجَبَةٌ بالسيد أرمين؟”
سقطَ قلبي.
كلُّ من يرى النظرةَ القلقةَ في عيني الآنسة روز سيدركُ أنها تحبُّ أرمين بصدقٍ من أعماق قلبها.
بدا وجهُ الآنسة روز يائسًا، لكنها ظلت جميلةً مع ذلك. من المضحكِ أنني شعرتُ في تلك اللحظة بالخزي من جمالي، الذي لم أعتبرْهُ رائعًا أبدًا، ولكنه لم يكن قبيحًا قط. كان من الواضحِ للجميعِ أنَّها هي الأنسبُ لتكونَ زوجةَ الدوق.
نظرةُ اليأس تلك في عيني الآنسة روز كانت تُشبهُ نظرةَ شخصٍ آخر. كانت تمامًا مثل نظرة أرمين عندما زار منزلنا قبل أيامٍ قليلةٍ.
“أنا وأرمين…. مُجرَّدُ صديقين.”
أجبتُ بصعوبةٍ مُتَكَلِّفَةٍ لمن ضايقوني بطلبِ إجابةٍ. كان هذا حكمًا بالإعدام على مشاعري الخاصَّة، نطقْتُ به أمام غرباءَ تمامًا. بدأ وجهُ الآنسة روز يضيءُ عندما سمعتْ إجابتي.
— لم أعتبرْكِ صديقةً ولو لمرةٍ واحدةٍ.
كأنني سمعتُ صوتَ “أرمين يتردَّدُ في أذني. صديق؟ نعم، بعد أن قُلْتُها، أدركتُ بمرارةٍ أكبر: أنا أيضًا لم تكن مشاعري تجاه أرمين مجردَ صداقةٍ.
ومع ذلك، حتى لو عادَ بي الزمنُ، لكان عليَّ أن أجيبَ بالطريقة نفسها.
بصرف النظر عن حبي له، عندما أجبتُ بأنه مجرَّدُ صديقٍ، كان ما ملأ قلبي هو الشعورُ بالضآلةِ. الضآلةُ الناتجةُ عن يقيني بأنَّ هذه الآنسةَ الجميلةَ كالوردِ ستكونُ شريكًا أفضلَ لـ أرمين.
‘كنتُ أظنُّ أنني شخصٌ رائعٌ تخلَّصَ من هذه المشاعرِ القديمةِ والتافهةِ منذ زمنٍ.’
حقيقةُ أنَّ هذا العالمَ مختلفٌ عن كوريا الجنوبية التي كنتُ أتذكرها، جعلتني أشعرُ بمرارةٍ جديدةٍ.
لقد قرأتُ الكثيرَ من الروايات الرومانسية، لدرجةِ أنني لا أستطيعُ أن أتجاهلَ الحقيقةَ حتى لو أردتُ ذلك. صاحبةُ الشعرِ البُنِّيِّ لا يمكن أن تكونَ البطلةَ. البطلُ الوسيمُ والملفتُ يستحقُّ هذه السيدةَ الجميلةَ.
بمجرَّد أن انتهى كلامي، ازدهرتْ على وجه الآنسة روز ابتسامةٌ مُشرقةٌ، وكأنَّ زهرةَ وردٍ تفتَّحتْ.
أمسكتْ يدي، وأنا جالسةٌ قبالتها. تحوَّلت نظرتها الباردةُ قبل لحظاتٍ إلى دِفْءِ شمسِ الربيعِ في لمحِ البصرِ.
“الآنسة روها، ساعديني قليلاً.”
“أُساعدُكِ… بماذا؟”
“رَتِّبي لي لقاءً مع السيد أرمين. سمعتُ أنَّ عائلة غراي لا تُجيبُ على أيِّ طلبِ زواجٍ. لكنْ، ألا تظنين أنه سيأخذُ الأمرَ على محملِ الجدِّ لو كانت مقدمةً من صديقتِه المقرَّبةِ؟”
تحدَّثت الآنسة روز وكأنَّ مكانَها بجانب أرمين سيصبحُ ملكًا لها بمجرَّدِ اللقاءِ. كان يجب أن أجدَ تصرُّفها مُضْحِكًا، ولكن في هذه اللحظة، لم أملكْ سوى أن أحسدَها على ثقتِها بنفسها وقدرتها على التعبيرِ بصدقٍ عن مشاعرها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 52"