بدا أرمين راضيًا جدًّا عن مديحي المهذّبِ.
“هل أعجبتكِ؟”
ما شأني إن أعجبتني ميداليتكَ؟ لكن، من بابِ اللياقةِ، جاريتُ كلامهُ:
“بالطبعِ! إنها لامعةٌ وثقيلةٌ، تبدو ثمينةً جدًّا. بما أنها فخرُ العائلةِ، ستبدو رائعةً إن عُلّقتْ إلى جانبِ بالتازار.”
“بالتازار؟”
“على أيِّ حالٍ، ألم تتوقف عن استخدامهِ الآنَ؟”
كان ذلك نتيجةَ إقناعي لهُ بالتخلّي عن ذلك السيفِ القديمِ حفاظًا على التراثِ.
مسحتُ الميداليةَ، التي اتّسختْ ببصماتي، وأعدتُها إلى أرمين. لكنهُ لم يأخذها، وقالَ بدلًا من ذلك:
“خذيها.”
“ماذا؟”
“قلتُ خذيها.”
“ماذا؟”
“ألم تقولي أنها أعجبتكِ؟”
بدتْ نبرتهُ الجافةُ وتجنّبهُ لعينيَّ مريبةً. قفزتُ رافضةً عرضهُ:
“لا حاجةَ لي بها!”
لماذا يعطيني ميداليةً تُعدُّ فخرَ عائلتهِ؟ وما الذي ينوي أخذهُ مقابلَها؟
وضعتُ الميداليةَ على الطاولةِ ودفعتُها نحوهُ بقوةٍ. أصدرتْ صوتًا وهي تنزلقُ حتى ذراعهِ، فعبسَ.
“لماذا؟”
“لماذا آخذُها أنا؟”
“ألم تقولي إنها أعجبتكِ؟”
“حتى لو أعجبتني، هل أملكُ كلَّ ما يعجبني؟”
“نعم.”
“أنا لا! لا آخذُ كلَّ ما يعجبني. وهذه ليستْ ملكي، إنها ميداليةٌ ستصبحُ إرثًا عائليًّا. لماذا أنا…”
“بما أنني من حصلَ عليها، ألا يحقُّ لي التصرّفُ بها كما أشاءُ؟ خذيها.”
تغيّرَ الجوُّ فجأةً. دفعَ أرمين الميداليةَ نحوي بحركةٍ خفيفةٍ. أعدتُها إليهِ مذعورةً:
“لا! قلتُ إنني لا أريدها!”
أضفتُ بسرعةٍ:
“مهما كان، يجبُ أن تُريَها للدوقِ والدوقةِ. ظننتُكَ بارًّا بوالديكَ لأنكَ أردتَ صنعَ حبلٍ للدوقِ، لكن يبدو أن ذلك كان كذبًا.”
“كذبٌ… ماذا؟”
“آه، كفى! لن آخذَها، فلا تعطني إياها مجددًا. أنا لستُ ممن لا يحترمونَ الكبارَ. يا إلهي، كم سيفرحُ والداكَ عندما يعلمانِ أن ابنهما فازَ بجائزةٍ؟ أليس كذلك؟ أرى الدوقةَ تبتسمُ فرحًا. ضعها في جيبكَ جيدًا، لا تفقدها!”
“…ها؟”
استمرَّ النقاشُ مراتٍ، لكنني نجحتُ أخيرًا في إعادةِ الميداليةِ إليهِ. لا أفهمُ لماذا يصرُّ على إعطائي إياها أصلًا.
نظرَ إليَّ بنظرةٍ ممتلئةٍ بالاستياءِ لعدمِ قبولي، بينما تفاديتُ عينيهِ، فتشكّلَ توترٌ بيننا.
في تلك اللحظةِ، بدأ الطعامُ يُقدَّمُ.
“وآه! يبدو شهيًّا، أليس كذلك؟ كُلْ كثيرًا. بمناسبةِ الفوزِ، سأدفعُ أنا حسابَ الطعامِ.”
تناولُ الطعامِ في هذا الجوِّ سيؤدي إلى عسرِ الهضمِ حتماً. لا أعرفُ لماذا أزعجهُ رفضي للميداليةِ، لكنني، آملةً أن يهدأَ، رفعتُ زاويةَ فمي بابتسامةٍ طبيعيةٍ قدرَ الإمكانِ.
كان الطعامُ لذيذًا جدًّا، لكنني شعرتُ بثقلٍ في معدتي بعدَ الأكلِ. السببُ؟ إصرارُ أرمين المتكرّرُ على إعطائي الميداليةَ. كم كان عليَّ أن أرفضَ بلطفٍ لتهدئتهِ!
‘يا للغرابةِ! لماذا يفعلُ هذا؟” ‘
لو رآهُ أحدٌ، لظنَّ أنهُ شاركَ في البطولةِ فقط ليهديني الميداليةَ.
بعدَ الحلوى، دفعتُ الحسابَ. كونَ المطعمَ شهيرًا، وتعهدي بدفعِ تكلفةِ خمسةِ أشخاصٍ، جعلَ المبلغَ كبيرًا، لكن جيبي تحمّلهُ.
حتى نهايةِ الوجبةِ، بدا وجهُ أرمين جادًّا. منذُ أدركَ أنني لن آخذَ الميداليةَ، ظلَّ كذلك.
أردتُ أن أودّعهُ وأعودَ إلى البيتِ لأرتاحَ، لكن الانفصالَ هكذا قد يجعلُ الأمورَ محرجةً لاحقًا. الآنَ، وقد أصبحَ صديقًا لشاشا، لم أردْ أن تكونَ علاقتنا متوترةً.
“سيد… أرمين.”
“ماذا؟”
أجابَ بنبرةٍ كئيبةٍ.
آه، شعرتُ بضعفٍ. متى بدا هذا الوسيمُ الطويلُ محبطًا هكذا؟ كدتُ أطلبُ الميداليةَ لأجلهِ.
“هل… ستعودُ إلى البيتِ الآنَ؟”
كبحتُ كلامي وسألتُ بعبثٍ. صوتي، حتى لي، بدا وكأنني لا أريدُ العودةَ بعدُ، رغمَ رغبتي الشديدةِ في الراحةِ. نظرتُ حولي:
“ليسَ من المعتادِ المجيءُ إلى هنا. ألا تريدُ شيئًا؟”
نظرَ إليَّ أرمين كأنهُ يسألُ عما أعني. وجههُ لا يزالُ متصلبًا لعدمِ تمكّنهِ من إعطائي الميداليةَ.
لا يمكنني تلبيةُ كلِّ طلبٍ، لكن ليحتفلْ بالفوزِ بروحٍ مرتفعةٍ. من أجلِ سلامِ عائلةِ الدوقِ، قرّرتُ التضحيةَ بنفسي وقلتُ بثقةٍ:
“في الحقيقةِ، جنيتُ بعضَ المالِ اليومَ.”
“مالٌ؟”
“نعم… حلمتُ صباحًا بحلمٍ جيدٍ، وشعرتُ أنكَ ستفوزُ، فراهنتُ على نتيجةِ النهائيِّ، وحصلتُ على أرباحٍ جيدةٍ. انظرْ.”
أريتُهُ العملاتِ الذهبيةَ الثقيلةَ في حقيبتي. بدأ وجهُ أرمين ينفرجُ. يا لهُ من شخصٍ يصعبُ فهمهُ! لم أعرفْ ما الذي أرضاهُ.
“شعرتِ أنني سأفوزُ؟”
“بالطبعِ، أنتَ أفضلُ مبارزٍ أعرفهُ…”
“ألم تسألي إن كنتُ قويًّا هكذا؟”
يا للعجبِ، إنهُ يحملُ ضغينةً خفيةً!
“قلتُ إنهُ سوءُ فهمٍ! كنتُ أمضغُ الكعكَ، ألم أوضّحْ؟”
“حسنًا، فهمتُ. ثم ماذا؟”
“ماذا؟”
“قلتِ إنكِ شعرتِ أنني سأفوزُ.”
“نعم… أنتَ أفضلُ مبارزٍ…”
هذا كلُّ شيءٍ. لكن توقّعُ أرمين للإجابةِ دفعني للتفكيرِ بسرعةٍ:
“والوفاءُ! الوفاءُ بينَ الأصدقاءِ.”
“…الأصدقاءُ؟”
ردَّ أرمين على كلمةِ “أصدقاء”.
“نعم! بالطبعِ. ألستُ صديقة لكَ؟ صديقٌ لشاشا، ولي، ولوين، وأبيس. نحنُ جميعًا أصدقاءُ! من الطبيعيِّ أن أثقَ بصديقي وأشجّعهُ.”
“…صحيحٌ، أصدقاءُ.”
نظرَ أرمين، بوجهٍ متجهّمٍ، إلى الميداليةِ في يدهِ، ثم وضعها في جيبهِ. عندما رفعَ رأسهُ، اختفتْ تعابيرهُ المعقّدةُ، وبدا مصمّمًا.
“إذن، كمْ جنيتِ؟”
قالَ وهو يمرّرُ يدهُ في شعرهِ.
“كمْ جنيتِ بفضلي؟”
تحتَ ضغطهِ، فتحتُ الحقيبةَ وعددتُ النقودَ.
“حوالي… أربعينَ عملةً ذهبيةً؟”
بعدَ دفعِ تكلفةِ خمسةِ أشخاصٍ في المطعمِ، تبقّى حوالي ثلاثينَ.
“حقًا؟ وما نصيبي منها؟”
“نصيبكَ؟”
“المالُ الذي جنيتِهِ بفضلي. كمْ نصيبي منهُ؟”
بدتْ نبرتهُ شائكةً، تحملُ استياءً غامضًا.
‘ماذا أقولُ؟ إنهُ مالي، هل يجبُ أن يكونَ لكَ نصيبٌ؟’
أخرجتُ عشرَ عملاتٍ ذهبيةٍ ووضعتُها في يدهِ. برزَ عرقٌ على جبينهِ. هل أخطأتُ؟ أضفتُ بحذرٍ خمسَ عملاتٍ أخرى، فعبسَ. آه، هل كنتُ بخيلةً؟
عزمتُ وأخرجتُ خمسَ عملاتٍ إضافيةٍ ووضعتُها في يدهِ.
“الآنَ، هذا كافٍ! إن أعطيتكَ أكثرَ من نصفِ الأرباحِ، يجبُ أن تكتفي.”
دفعتُ ثمنَ الطعامِ، وقسمتُ الأرباحَ، لقد فعلتُ ما فيهِ الكفايةُ!
“هذا لي، صحيحٌ؟”
“نعم! خذهُ، خذهُ! يا للعجبِ، يقولونَ إن الأغنياءَ أكثرُ بخلًا. إن واصلتَ، ستصبحُ عائلةُ الدوقِ أغنى.”
ردَّ أرمين، غيرَ مستسلمٍ، على تذمّري:
“يجبُ أن تكوني ممتنةً لي.”
“ماذا؟”
“جنيتِ هذه الأرباحَ بفضلي، أليس كذلك؟”
يا للدهشةِ! كيفَ يوجدُ مثلُ هذا الشخصِ؟ بدا جادًّا، لا يتراجعُ.
إنهُ مالي الذي راهنتُ بهِ، فلماذا أشكرهُ؟ لكن النقاشَ لن يجدي، فقلتُ ما يريدُ سماعهُ.
“شكرًا، شكرًا جدًّا. آه، أنا ممتنةٌ حتى الدموعِ.”
“إذن، سدّدي دينكِ.”
“ماذا؟ أسدّدُ ماذا؟!”
“امتنانكِ، سدّديهِ اليومَ.”
لم يرفعْ سيفًا، لكنهُ كان لصًّا! هذا اللصُّ الوسيمُ بدأ يصرُّ على شكري بينما يأخذُ مالي.
جدالُنا في الشارعِ جذبَ أنظارَ الناسِ. أخيرًا، استسلمتُ لنظراتهم أولًا:
“حسنًا، سأفعلُ. ماذا تريدُ مني أن أفعلَ؟”
“لن تعودي إلى البيتِ حتى تنفقي هذا كلَّهُ اليومَ.”
ماذا؟
لماذا يتصرّفُ هكذا اليومَ؟ رغمَ دهشتي، بدا أرمين مصمّمًا جدًّا.
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 34"