“هل انتظرتِ طويلاً؟”
فتحتُ باب المكتبة قليلاً وابتسمتُ. الدوقة، أو بالأحرى الكاتبة R.G، قابلتني بابتسامة جعلت قلبي يذوب.
“تعالي يا آنسة روها. لدي الكثير لأسألكِ عنه.”
“ماذا؟ تسألينني…. أنا؟”
يا إلهي، هل هذا حقيقي؟ أجلستني الدوقة على الأريكة وصبّت لي الشاي. بدأت رائحة البابونج العطرة تملأ المكتبة.
“كما تعلمين، أنا أكتب روايات رومانسية، أليس كذلك؟”
“تحدثي براحة.”
“حقًا؟ حسنًا إذن.”
ضحكت الدوقة ببريقٍ مشرق وهي تخفف لهجتها. في تلك اللحظة، تمنيتُ لو لم نكن في هذا العصر. لو كنتُ أملك كاميرا، لكان شغفي كمعجبة أسهل.
واصلتُ حديثًا ممتعًا مع الدوقة لفترة.
لا أعلم كم مر من الوقت. بعد أن أفرغنا دلوًا من الشاي الأحمر، أحضرت خادمة الدوقة شاي البابونج مجددًا.
“آنسة روها؟”
“نعم! تفضلي.”
“كيف التقيتِ بابني؟”
وضعتُ كوب البابونج جانبًا. لو شربتُ، لكنتُ اختنقتُ وأظهرتُ منظرًا محرجًا أمام الكاتبة المذهلة.
“كيف… التقينا؟”
ترددتُ. هل أكذب على كاتبتي المفضلة؟ أم أعترف بكل شيء؟
بينما كنتُ أفكر، تحدثت الدوقة بحزنٍ طفيف:
“لا بأس إن لم تجيبي. ربما أحرجتكِ بسؤالي.”
“لا! ليس إحراجًا…”
“من الصعب الحديث عن هذا في أولِ لقاء، أفهم ذلك. ليس لدي ابنة، لذا شعرتُ بالحماس عند رؤيتكِ. تعلمين، أنا كاتبة مغمورة.”
“نعم، صحيح.”
“لذا، هذه أول مرة ألتقي فيها بمعجبة بكتبي. كما ترين، ابني ليس من النوع الذي يقرأ هذه الروايات.”
من مظهرها الحزين، شعرتُ وكأنني الشريرة لعدم صراحتي. أغمضتُ عينيّ.
‘لا يهم!’
عندما استعدتُ رباطة جأشي، وجدتُ نفسي أروي كل شيء عن علاقتي بأرمين غراي.
“يا إلهي، ما هذا؟”
بدا الدوقة وكأنها صغرت بضع سنوات، تضيف تعليقات متحمسة على حديثي.
“إذن، هل تقولين يا فيفيان أن ابني هددكِ بحاتم تسجيل؟’
يقال إن المديح يجعل الحيتان ترقص، ويبدو أن ذلك صحيح. عندما أفقتُ، كنتُ قد رويتُ كل شيء، حتى ما لا ينبغي عليّ قوله.
“آه… ليس تهديدًا، بل نوع من الصفقة! صفقة، نعم، صفقة! صدقيني!”
لكن تبريري المتسرع لم يقنع الدوقة.
“يهدد آنسة؟ يا لوقاحة هذا الفتى!”
هل خُيل إليّ أنها بدت مستمتعة وهي تنقر لسانها؟
رنّت الجرس. عندما صدح صوت الجرس النقي، ظهر الخادم فورًا.
“نعم، سيدتي؟”
“أحضر أرمين.”
“لا! لا تفعلي!”
حاولتُ منعها بشدة، لكن تعبيرها الحازم جعل من المستحيل إيقافها.
تدفق العرق البارد على ظهري. كانت لحظة حاسمة. كأنني أخبرتُ والدة شخص مشاغب بكل أفعاله.
بالطبع، سيكون ذلك المشاغب مطيعًا أمام أمه، لكنني سأضطر لمقابلته مرتين!
توسلتُ ألا تفعل، لكن الدوقة أصبحت أكثر تصميمًا برؤية خوفي.
لم ينفع الندم، فقد فات الأوان. أومأ الخادم لأمر الدوقة وغادر.
“فيفيان، لا تقلقي! سأوبخه بالتأكيد.”
“لا، لا داعي لذلك…”
إذا قمتِ بتوبيخه، قد ينتقم مني!
لم أستطع قول ذلك، فتمتمتُ في داخلي فقط.
طق طق. بعد قليل، سمعنا طرقًا على الباب
صرّ الباب، لكنني لم أستطع النظر إلى هناك.
من دخل لم يكن أي شخص، بل الدوق الشاب الذي يبدو أن كل صفاته ركزت على مظهره، وأنا من أحبرتُ والدته عنه.
‘هل سأعود إلى المنزل حية اليوم؟’
لم أعد أميز إن كان ما يتدفق من رأسي دمًا أم عرقًا أم دموعًا من التوتر. إن فتحتُ فمي، قد يقفز قلبي.
دوم، دوم، دوم.
ماذا قلتُ له قبل قليل؟ “أريد رؤيتكَ أكثر” و “هل سمعتَ دقات قلبي؟” و كلمات مجنونة كهذه…
من وجهة نظره، فتاة كانت تغازله قبل الفراق ذهبت وأخبرت والدته بكل ما فعله، يا لوقاحتي! حاولتُ تجنب النظر إليه بزاويةٍ غامضة.
“أرمين! ألا يُمكنكَ القدوم بسرعة؟”
نادته الدوقة بنبرةٍ حادة، غير مدركة لمشاعري.
رفعتُ رأسي قليلاً لأنظر إلى أرمين. عندما التقت عينانا، كان تعبيره يظهر عدم فهمه لسبب استدعائه.
“أنا حقًا أشعر بخيبة أملٍ شديدة! تهديد آنسة ضعيفة بنقطة ضعفها؟ هل أنتَ من عائلة غراي؟”
“ماذا…”
“يكفي! لا تتكلم، أخرج الخاتم. يا إلهي، قلتَ أنكَ ترتديه في المناسبات المهمة فقط، فلمَ تستخدمه في أمور تافهة؟”
على عكس انطباعها الأول، استمر توبيخها كالقصف.
بدأ تعبير أرمين يتغير، كأنه خمن ما دار بيني وبين الدوقة.
مع كل خطوة يقترب بها، كنتُ أرتجف. تعبيره، كأن وردة تزهر ببطء، كان مخيفًا جدًا.
لن يضربني، أليس كذلك؟ إنه نبيل، على أي حال.
مدت الدوقة يدها نحوه، تطالب بالخاتم، ونظرت إليّ بشفقة. كانت تظن أنني أرتجف كالشجرة من سوء فهمٍ ما.
“ما محتواه ليجعل هذه الفتاة خائفة هكذا؟”
“أنا بخير!”
“ماذا، فيفيان؟ ماذا تعنين؟”
“لا، لم يكن شيئًا كبيرًا. لا داعي للتحقق.”
حاولتُ منعها يائسة. إن سمعت التسجيل، ستنهار صورتي.
لا أحد يكره سيدة رزينة. إن سمعت الدوقة كيف تحدثتُ إلى ابنها بوقاحة، قد تكرهني، وهذا آخر ما أريده.
أشرتُ لأرمين بعينيّ ألا يعطيها الخاتم، لكنه، كأنه يسخر مني، سلم الخاتم بأناقة. كان ينوي كشف حقيقتي.
سمعتُ صوته وأنا مذهولة:
“سوء تفاهم. كنتُ أمزح، لم أتوقع أن تصدقي.”
“ماذا؟”
“محيتُ التسجيل منذ ذلك اليوم. وتهديد؟ لا أفعل ذلك.”
تفاجأتُ من كتفيه المرتفعة. لم يرف له جفن وهو يكذب. هل هو نفس الشخص الذي أعاد التسجيل أمامي مرارًا؟
نظرت الدوقة إلى الخاتم بشك. كما قال، لم يكن هناك تسجيل. كنتُ متوترة لدرجة أن العرق البارد سال على ظهري.
“حسنًا، على الأقل ابني ليس وغدًا.”
“آنسة روها.”
صوته المنخفض الناعم جعلني أنظر إليه بخوف.
“أنا آسف. أخفتكِ، أليس كذلك؟”
“لا… لا بأس.”
“هل تقبلين اعتذاري؟”
لا، عيناه تضحكان، لكن نظرتهما شرسة جدًا، كأنني سأموت إن رفضتُ.
“نعم، بالطبع. أنا آسفة لسوء الفهم…”
“لا، لم يكن سوء فهم من وجهة نظركِ، فلا تعتذري.”
ابتسم وقال بقوة:
“لأنه ليس سوء فهم.”
فحصت الدوقة الخاتم وخلصت إلى أنه لا شيء فيه.
“أرمين.”
“نعم، أمي.”
“هل يمكنني الاحتفاظ بالخاتم؟”
“افعلي. لا أستخدمه كثيرًا على أي حال.”
كان كتفاه مرتفعين بطبيعية. لكن عندما رأيتُ الخاتم في يدها، صُدمتُ.
“آه؟”
“فيفيان، ما الأمر؟”
“لا! فقط… الخاتم جميل.”
تلعثمتُ.
‘يبدو لونًا مختلفًا…’
لكن نظرة أرمين النارية منعتني من الاعتراض. إن أخطأتُ، سيكون التصحيح أصعب.
— ترجمة إسراء
التعليقات